العلمُ للرجال فقط.. النساءُ يمتنعن
2011-07-05
بعدما حرّم دخول كلية الحقوق، وأفتى باسترقاق البشر كحلٍّ لأزمة مصر الاقتصادية، خرج علينا «الشيخ» أبوإسحاق الحوينى بطرفة جديدة من طرائفه المرحة التى تخفّف عن الشعب المصرىّ حالَ التوتر التى نعيشها. يقول: «بأىّ دليل تخرج علينا امرأةٌ على الفضائيات وتخاطب ملايين الناس فى جنبات الأرض؟ وماذا عند هذه المرأة من العلم لتقدمه للناس؟
العلمُ إنما هو للرجااااال. العلم للرجالة بس. أىّ امرأة، مع احترامى يعنى، مهما صعدت، هى مقلدة وعامية». (لا أدرى ما معنى «عامية»).
وفى لقاء آخر ينقضُ «الشيخ» «الجليل» ما قاله: «وعائشة وزنها تقيل، كانت أفقهَ أزواج النبى، صلى الله عليه وسلم، ودارت عليها الفُتيا أربعين سنة بعد وفاة النبى تفتى الدنيا كلها، ويرجع إلى فتواها الأكابرُ، بدءًًا من أبيها أبى بكر الصديق، إلى أصغر صحابىّ». وفى مجال ثالث، يرجع لينقضَ النقض، على نهج «نقض النقضِ توكيدُ»، فيقول: «آه، ممكن المرأة تقعد تعمل مجلس خاص، بس كده، ليه؟ لأن الجهل متفشٍ فى النساء، دى حاجة معروفة، الجهل فاشٍ فى النساء».
وأشكر السيد الحوينى على رأيه فى أمّه وأخته وزوجته، أو زوجاته وما ملكت يمينه، وبناته، وذوات قربته، وكل نساء الأرض، عدا السيدة عائشة. لكننى سأقدّم له بعض النساء اللواتى ستجبرنه على تقديم الاعتذار لجهله بالتاريخ، وكذا الاعتذار لمن قُدّر لهم أن يكونوا مريديه ومستمعيه ومُصدّقيه والآخذين عنه آراءه وفتاواه وطرائفه، لما سبّب لهم من تضليل وتشويه معرفى هائل. نماذجُ هى غيضٌ من فيض، سأذكرها للسيد «الشيخ» علّه يترفق بنفسه قليلاً، وبالناس، وبالتاريخ، وبمصر.
هيباثيا، امرأةٌ إغريقية مصرية، عالمةُ فلك ورياضيات وفيزياء وفلسفة. ولدت عام ٣٧٠م، وعاشت على مرمى حجر من بيت الشيخ الحوينى، عند مكتبة الإسكندرية القديمة، قبل أن يحرقها الشريرُ الذى يحرق المكتباتِ ويبدد الكنوزَ، ويضيّع إرثَ الإنسانية. عاشت أثناء العهد الرومانى، مع بدايات انتشار المسيحية فى العالم. وتكلم عنها مطولاً كارل ساجان فى كتابه «كوزموز»، (الكون)، قائلا: «هيباثيا هى البريقُ الأخير فى شعاع العلم الساطع على العالم من مكتبة الإسكندرية، وتزامن مقتلُها مع تدمير المكتبة بعد سبعة قرون على تأسيسها».
ستيتة البغدادية، عالمةُ جبر وهندسة وحساب مثلثات. عاشت فى العصر العباسى وكانت تقوم بما يُعرف الآن بـ«مسح شامل للأبنية» من حيث مساحة الأرض وحجم البناية والكميات والمواصفات للمواد المستخدمة والعمالة المطلوبة والبرنامج الزمنى لتنفيذ المشروع. هذا مدوّن فى أحد بحوث مركز بغداد للتراث.
مريم الإسطرلابية، من حلب، ابنة العصر العباسى أيضًا. درست «الفلك» على يد أبيها العالم كوشيار الجيلى. عملت فى مجال العلوم الفضائية ببلاط سيف الدولة بين عامى ٩٤٤ - ٩٦٧. برعت فى الرياضيات وحل المعادلات المعقدة، ما ساعدها على تطوير آلة الإسطرلاب التى ستعتمدها فيما بعد آليةُ الـبوصلة والقمر الصناعى. والإسطرلاب، يا شيخ، هو حاسوبٌ بسيط اختُرع فى القرن الرابع ق م، ليعالج بعض المسائل الرياضية والهندسية، فتطور على يد «امرأة»، ليعالج معادلات أجرام السماء من شمس وكواكب ونجوم. لهذا سميت هذه الفتاة العالمة مريم الإسطرلابية.
مارى كورى، عالمة الفيزياء والكيمياء البولندية. رائدة فيزياء الإشعاع ومكتشفة البولونيوم والراديوم، وأول من حصل على جائزة نوبل مرتين فى الفيزياء وفى الكيمياء، وأول امرأة تعتلى كرسى الأستاذية فى جامعة باريس.
ولو أن المجالَ يسمح، ومساحةَ المقال المحدودة، لذكرت له مئات النساء اللواتى غيّرن وجه التاريخ وأعدن تشكيل خارطة العلم والأدب والفلسفة والفنّ. وعلّ الشيخ «العالِم» بحاجة إلى إلقاء نظرة على نتائج الثانوية العامة خلال السنوات الماضية ليكتشف كيف تتفوق البناتُ على البنين فى المواد العلمية، وغير العلمية، وأرجو ألا يصدمه هذا!
مازلنا غارقين فى اللغو: «الرجل أعلى من المرأة - العربى أكرم من الأعجمى...»، بينما العالم المتحضر يتقدم بثبات وهدوء دون أن يعبأ بالتوقف برهة ليقول لنا: «نحن نخترع ونصنع، وأنتم تستهلكون، وتملأون الدنيا ضجيجًا!».
[email protected]
بموافقة الكاتبة
المصري اليوم
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |