حكي شوارع
خاص ألف
2011-11-18
قد لا تستطيع الشوارع أن تلفظ «المارقين» عليها، أو أن تتزلزل إرادياً تحت أقدامهم أو تنخسف فتبتلعهم، فهي ليست على هذا القدر من التواطؤ أو التماهي مع الله والقديسين والمباركين وقوانين الجيولوجيا.. وقد لا تستطيع أن تُنبت العشب تحت نعال من تحب أو بين أصابع أقدامهم العارية، على الأقل لأنها لم تعد تتكون من حجارة مرصوفة وتراب، ولكنها تستطيع يقيناً، أن تكون الذاكرة والوعاء الزمكاني لكل ما شهدته بين جنبات أرصفتها وفوق إسفلتها ذات فجيعة أو ذات ترّهة عابرة.. ويمكن في أوان ما أن تنطق تفاصيلُها الجامدة بكل المنمنمات الهامشية التي حدثت فوقها، والتي لا يهتم بها عادة معدّو نشرات الأخبار ومراسلو المحطات الفضائية ووكالات الأنباء والرحالة والسائحون وعابرو السبيل.. يمكنها أن تشهد دون زيف على كل ما وقع فيها بدقة خالصة وحياد تام.. وأن تخلّد بشراً دون بشر، ليس بإطلاق أسمائهم على رئيسياتها وتفرعاتها، ففي هذا على الغالب، خديعة، ولكن من خلال استمرارها هي نفسها بوصفها جزءاً حيوياً من المدن.. حتى لو تحولت إلى أطلال.
الشوارع، وهي مؤنثة خصبة باجتماعها وتلاقيها، كانت على الدوام مسارح المدنيّة بنقائضها المتفاقمة وثنائياتها الحادة، الحضارية والهمجية، والسلميّة والبربرية، والكرنفالية والجنائزية.. والشوارع اليوم، شوارعنا تحديداً، هي عناوين متباينة لما آلت إليه بلادنا الطاعنة في السن، الغرّة بالحرية والخائفة منها ربما، من مصير ضبابي، توحي معظم إشاراته المتأخرة بأنه قد لا يكون بعيداً عن الرمادي..
لذلك، تعالوا نتوقف الآن عند هذا الحد من الكلام، ونسلّم أن الأيام القادمة التي سنصنعها أحراراً، هي التي ستسمع همس الشوارع وتحاسب برأس بارد واستعداد أعلى للغفران كل من أساء للشوارع..
قيل على صفحات هذا المنبر، وفي العديد من المنابر الأخرى، الكثير عن انقسام الشارع السوري، وقد لا يضيف أحد الكثير في هذا السياق، بعد أن قام كثيرون، مختلفو المواقع والغايات والثقافة، بتوصيف الحال وتحميل المسؤوليات وإطلاق الأحكام النهائية وطرح الحلول النخبوية التي لم تغير من واقع الأمر شيئاً، حتى بات معظم ما يقال مؤخراً إما نادباً أو مكرساً للسائد أو حالماً بالوهم أو منقسماً على ذاته كحال الشارع تماماً.. أما ما ليس يقال إلا لماماً هو إن المشكلة ما تزال في تفاقم شديد، بل وأخذ تفاقمها شكلاً مرعباً بعد أن وصلت العمدية فيها إلى حد صياغة الشعارات المعلنة القاطعة مع الآخر/ الشريك، واللافظة والمخوّنة له، وترديدها جهاراً نهاراً في عرض الشارع وبرعاية قاسمي الشارع..
نعرف جميعاً كيف تم سوق الأزمة، ونعرف من أدارها وكيف أدارها، ونعرف دور «شبيحته» وإعلامه وأبواقه وحلفائه العلنيين والمستترين والمراوغين، ونعرف كيف فرز الناس، وكيف ألّبهم بعضاً على بعض، ونعرف أن لا حدود لما يمكن أن يفعله هذا المدير في سبيل المحافظة على السلطة والثروة والتشبث بهما، ويمكن أن نخمّن دور الخارج، القريب والبعيد، الليبرالي والأصولي، ومن بينهما أو على يسارهما أو يمينهما، لكن الانخراط في اللعبة ذاتها للمدير المحلي و/أو الخارجي، بوعي أو على غير وعي، لن يؤدي إلا إلى الوقوع في الفخ وتكريس حالة الشارعين أكثر فأكثر..
لقد ردد الكثير من المؤيدين في مسيرة يوم الأربعاء 16/11/2011 الشعار التالي: "اللي ما بيشارك.. أمّو حموية... اللي ما بيشارك.. أمّو حمصية".. كتطوير للشعار السابق "اللي ما بيشارك أمو قطرية" في شكل يمكن عدّه أخطر وأكثر تصعيداً من الرصاص الاستبدادي المتسربل رداء الطائفية، الذي انطلق نحو الصدور العارية في هذه المدينة الثائرة أو تلك، ولا شك أن من أوعز بذلك ينتظر أن يأتيه جواب يتفق بالمضمون ويختلف بالشكل وأسماء المدن، من الشارع الآخر، فهل من الصواب أو الوطنية أو الإنسانية الانسياق أو الانزلاق بما يعزز احتمال ذلك؟.
كنا حتى قبل أشهر قليلة نحلم ألا تبقى الشوارع ملاعب خطرة للكثير من الصغار ومتاجر نهمة لبعض الكبار، وألا تبقى الملجأ الهارب من صراط المحرمات لتلاقي النظرات الطائشة وتلامس الأيدي الخجولة، ألا تستمر فنادق بائسة للمشردين.. والآن نريد لها ألا تصبح برمتّها متاريس ومتاهات فئوية قاتلة، بينما المستبدون يديرون لعبة الموت من خلف الشعارات والوعود الخادعة..
[email protected]
08-أيار-2021
08-أيار-2012 | |
07-نيسان-2012 | |
02-نيسان-2012 | |
31-آذار-2012 | |
25-آذار-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |