الحراك الجماهيري.. وأزمة النظام والمعارضة
خاص ألف
2012-04-02
اعتاد جميع المحللين السياسيين المحليين والعرب، الذين جندوا أنفسهم منذ تفجّر الحركة الاحتجاجية الشعبية في سورية في ربيع العام 2011 للدفاع عن النظام السوري، أن يطلقوا على ما يحدث في سورية اسم "أزمة"، يشاركهم في هذا حلفاء النظام في الداخل من قوى وشخصيات وأحزاب ومشاريع أحزاب، ونظراؤهم في الخارج من دول وتنظيمات وتيارات سياسية ومفكرين ورجال دين، ناهيك عن النظام نفسه الذي كان إعلامه الرسمي وشبه الرسمي وبعض مسؤوليه الكبار أول من أكد أن "أحداث درعا" هي مجرد "أزمة عابرة"، وظل يصر على ذلك حتى بعد انتقال هذه "الأحداث" و"الأزمة العابرة" بشكل سريع إلى دوما، ثم إلى حمص، فبانياس، فعموم ريف دمشق، فإدلب، فاللاذقية، فحماة، فدير الزور، فالجزيرة... ثم إلى بقية المدن والمناطق والبلدات، بما في ذلك أحياء متعددة من العاصمة نفسها.
صحيح أنه مع تطور شكل وحجم وطبيعة الاحتجاجات وشعاراتها، وتمظهرها بتجليات مختلفة، بل ومتباينة حسب خصوصية كل منطقة، ودخولها في أطوار نوعية متعددة فرضتها المتغيرات الميدانية ونمو وتطور الحركة الشعبية ذاتها، سقطت كلمة "عابرة" في التوصيف، بيد أن كلمة الـ"أزمة" بقيت الأكثر تداولاً، لكن هذه المرة دون صفة واحدة ملازمة بشكل مطلق، فتارة هي "أزمة وطنية" كما راح بعض حلفاء النظام وبعض معارضيه الخجولين في الداخل يسمونها، وتارة هي "أزمة مستعصية" بحسب بعض الأصدقاء والخصوم والأعداء الافتراضيين من العرب وغير العرب، وفي أغلب الأحيان هي "الأزمة السورية" كما راحت تُعرف في مختلف وسائل الإعلام، وفي المحافل الرسمية العربية والدولية. أما النظام ووسائل إعلامه فظل يعتمد كلمة "أزمة" كلما اضطر لذلك، لكنه راح قدر المستطاع يحاول استبدالها بكلمة: "مؤامرة" كمرادفة "تراثية" بالنسبة له، مرادفة ذات وقع تجييشي وتحشيدي وتسويفي في صفوف مؤيديه عموماً، وفي صفوف قاعدته الاجتماعية "الفئوية" على وجه الخصوص، يمكن أن تجنبه حتى إشعار آخر، تحمل مسؤوليات التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية الكبرى الناجمة عن طريقة إدارته لهذه "الأزمة". ومن هذا المنطلق فقد أضحت "المؤامرة" الحجة المعتمدة لديه لتبرير الأزمات المتفجرة موضوعياً أو بشكل مفتعل: الارتفاع الحاد بأسعار المواد التموينية والغذائية وفقدان الكثير منها، وانقطاع التيار الكهربائي، وعدم توفر المحروقات (بنزين، مازوت، غاز)، وانخفاض قيمة الليرة إلى الثلث تقريباً، وفقدان الأمن في بعض المناطق وانتشار السرقات وعمليات السطو والخطف فيها، وتتالي إغلاق المنشآت الصناعية والسياحية والتجارية الخاصة وتسريح العاملين فيها، وفوضى المرور والبناء، وانقطاع الاتصالات والمياه والطرقات، وانتشار الحواجز الأمنية والعسكرية، وتفاقم الحالة الطائفية، وتفشي ظاهرة التسول والتشرد واللجوء والنزوح الداخلي والخارجي...
والحقيقة أن مصطلح "الأزمة" راح يطغى شيئاً فشيئاً، إعلامياً ودبلوماسياً على الأقل، على بقية المصطلحات والتوصيفات التي نشأت بشكل مواز له، حتى في الأوساط المناهضة للنظام، وتوقفت أو كادت المناكفات والجدالات النخبوية حول تقييم ما يحدث في البلاد: هل هو "ثورة"، أم "انتفاضة شعبية"، أم "حراك شعبي"، أم "فورة مؤقتة"، أم "مؤامرة كونية"؟ وأصبح أصدقاء وأبواق وحلفاء النظام من جهة، وخصومه ومعارضوه من جهة أخرى، يستعملون مصطلح "أزمة" بالمعنى ذاته، والمرامي ذاتها، ولا يختلفون إلا على المتسبب بها والمفاقم لها.. والأمر نفسه راح يحدث في مجلس الأمن والجامعة العربية واللقاءات الثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية... حيث غاب الأساسي: وهو الحراك الاجتماعي والسياسي النشيط الجاري في سورية بغض النظر عن اسمه الاصطلاحي الدقيق، وحضرت إحدى نتائجه وهي الأزمة الواسعة، الحاصلة بمعظمها بطبيعتها وتجلياتها الحالية، بسبب ذهنية وأساليب النظام في التعاطي مع المتغير الموضوعي الجديد الذي لم يكن يتوقعه، والذي لم ولن يستطيع أن يتقبّله.
وإذا كان من المفهوم والطبيعي، أن يسعى النظام وأنصاره وشركاؤه وحلفاؤه في الداخل والخارج لتصدير وتغليب مصطلح "الأزمة" على ما سواه، لتبسيط الأمور وتخفيف حدتها إلى الحد الأدنى لأنه لا أزمة مستحيلة الحل، ولو نظرياً، ومن ثم ليكونوا جميعاً أطرافاً أساسية، ثابتة وباقية وفاعلة، في معادلة حلها ضمن شروط تفاوضية مرنة ومساومات مفتوحة إذا ما تم اقتراح حلول متوافق عليها دولياً للبحث والمناقشة، فمن الغريب، بل ومن المعيب، أن تنطلي هذه الحيلة على من يفترضون أنفسهم بأنهم لسان حال المنتفضين في الشوارع والساحات الذين يقدمون كل يوم التضحيات الكبرى من دمائهم وحيواتهم وأبنائهم وأرزاقهم واستقرارهم، والمقصود هنا مختلف أطراف المعارضة، الذين يدّعون كلٌّ من موقعه وإيديولوجيته وارتباطاته، أنهم يمثّلون مصالح الناس، ومصالح الوطن.. فهؤلاء مجتمعين، على اختلافهم وخلافاتهم وتباين مواقفهم، يخسرون بقبولهم بمنتهى السذاجة أو الـ(؟؟) مصطلح "أزمة" أهم عامل دفعهم إلى واجهة المرحلة، وهو الحراك الجماهيري العظيم المطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وإسقاط الاستبداد.
إن تعامل كل من النظام والمعارضة والنخب الكلاسيكية والأطراف الخارجية المتحالفة والمتصارعة مع الحدث الداخلي السوري العظيم على أنه أزمة يجب إيجاد السبل وخلق التوافقات لحلها، يضع تلك الأطراف مجتمعة في جبهة واحدة بمواجهة انتفاضة الشارع، التي لا يمكن بحال من الأحوال توصيف حالة غليانها وغضبها وصمودها الأسطوري في وجه كل أشكال القمع والتنكيل والتشويه، على أنه أزمة، بل هي انعطافة تاريخية حقيقية، لها كل مقدماتها ومبرراتها الموضوعية اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وسياسياً، وسيكون لها، في حال تحقيق مجمل أهدافها الأساسية، عظيم الأثر بالمعنى التاريخي على طبيعة واتجاه تطور سورية والمنطقة في المديين القريب والبعيد.
بهذا المعنى، فإن الإصرار على اختصار حركة الشارع لـ"أزمة"، بغض النظر إن كانت "عابرة" أو "مستعصية" أو "وطنية شاملة"، هو بالمقام الأول تقزيم شديد لها، ومن ثم هو محاولة سافرة لترويضها وامتطائها وإعادة توجيهها، وليس آخراً هو رغبة جامحة عند مختلف القوى الداخلية والخارجية للالتفاف على مطالب الناس وتطلعاتهم، بهدف إعادة تقاسم خيرات وثروات البلاد، والتحكم بمصير شعبها، بغض النظر عن أهداف وطموحات الشعب السوري الذي هبّ مجدداً بعد أكثر من ثلاثة أرباع القرن على ثورته العظيمة على الاحتلال الفرنسي، للدفاع عن كرامته والمطالبة بحريته والتخلص من الاستبداد والفساد والرياء والفقر والعبودية، غير عابئ بالأثمان الباهظة التي سيدفعها.
إن الحراك الجماهيري المستمر والمتصاعد في سورية منذ أكثر من عام رغم شدة القمع، ورغم المحاولات الدائمة لفرض فرز اجتماعي مشوّه، أثبت أن الأزمة الحقيقية في سورية لا تكمن في الشعب، وليست في أشكال تعبيره عن إرادته ومطالبه، وليست في الشوائب التي شابت سطح حركته ولم تتغلغل في أعماقها، وإنما الأزمة في النظام، في بنيته وطبيعته وأدواته وفكره وذهنيته، بل وفي وجوده بحد ذاته، وأداؤه الأمني والإعلامي والعسكري والسياسي، وألاعيبه الطائفية و(برنامجه الإصلاحي) أكبر دليل على ذلك. والأزمة كذلك في المعارضة على اختلاف أسماء أحزابها وتياراتها وائتلافاتها ومجالسها وإيديولوجياتها وهياكلها وقادتها وكوادرها وبرامجها إن وُجدت، وإلا ما معنى أن يبقى تأثيرها، مجتمعة ومتفرقة، محدوداً جداً على حركة الشارع على الرغم من كل (تخبيصات) النظام، وعلى الرغم من الاستعداد العالي في هذا الشارع لتلقّف الأفكار والبرامج المنظمة لحركته؟
إن ما يجري في سورية اليوم هو عظيم، وأزمة النظام والمعارضة، بل وأزمة العرب والعالم أنهم لا يدركون بالقدر الكافي خصوصيته وعمقه وجذريته.. تلك هي المسألة!.
[email protected]
08-أيار-2021
08-أيار-2012 | |
07-نيسان-2012 | |
02-نيسان-2012 | |
31-آذار-2012 | |
25-آذار-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |