النفق الذي قد تدخله سورية، كم هو مظلم؟ وهل هو الاحتمال الوحيد؟
2011-11-29
خلال زيارتي الأخيرة إلى مدينة اللاذقية، سمعت عن النفق المظلم الذي سوف تدخله البلاد، مدعّماً بأشد الصور ظلامية، عن الحرب الأهلية والقتل على الهوية، والتدخل الخارجي، والانتقام...
أول ما خطر ببالي سؤال: عن أي نفقٍ مظلم يتحدثون؟، ولماذا سمعت بهذا السيناريو "المظلم" في اللاذقية، ومن مثقفي اللاذقية، ومن مثقفين من الأقلية "العلوية" (على الرغم من أنهم يحتسبون كـ يساريين أكثر مما هم كـ علويين).. لماذا لم اسمعه عند الناس الذين ينزلون في المظاهرات.. أو من يحتك بهم، أو من يؤمن بالثورة ونهايتها السعيدة، رغم كل المرار الذي يلوّن أيامنا ومدننا.
تبدوا الصورة معتمة بالفعل للكثيرين، ومما يزيدها عتامة (كما اعتقد) الابتعاد الذي اختاره كثير منّا، عن الحراك، واكتفوا بمراقبته وتقييمه، واتخاذ مواقف منه، وكأنهم مشعار الخطأ فيلتقطون كل نفسٍ وكل كلمة، وكل لافتة وكل شعار، وكل تحرك في غير مكانه.... ليحللوه ويأخذوا موقفاً منه، دون القدرة على اتخاذ المبادرة المطلوبة لتغييره.
وبالمقابل، بالتأكيد يحاولوا أن يروا ما يقوم به النظام من قمع وقتل، ومحاولة سحب للثورة إلى المكان الذي يريده: الطائفية، والسلاح، والفتنة..
فهل نحن فعلاً ذاهبون للأسوأ، خاصة بعد المؤشرات العربية واحتمال التدويل، وزيادة تعنت النظام وإصراره على الكذب وعدم تقديم تنازلات من أي نوع لصالح روايته المتعلقة بالعصابات المسلحة.. وما يسميه دفاعه عن الشعب الذي يطالب بالجيش؟
من الواضح أن مثل هذه الأنظمة لا تذهب بالساهل (كما يقال)، وأن الثمن الذي يجب أن يدفع كبير وكبير جداً، ودفع السوريون سابقاً وحالياً، وسيدفعون ما يتوجب عليهم لإزالته. فعلى الرغم من الطابع السلمي للحراك خلال أشهر طويلة، لم يستطع النظام تقديم تنازلات جدية من أي نوع، حتى من نوع إصلاحات هزيلة قد تسكت أصوات الإصلاحيين، والداعين للتروي والانتظار...
كما اصبح من الواضح أنه على استعداد للدفع بدمار البلد، والتدخل الخارجي، دون أن يقبل التنازل من أي نوع... فشبكة المصالح والفساد التي بناها على مر عقود، والطائفية التي اعتمدها نهجاً له في تقسيم العباد والمناصب والكراسي، يبدو أيضاً أنها أثمرت في هذه الأيام.. فأصبحنا أمام سيناريوات أحلاها مرُّ:
1- الاستمرار بالثورة ودعمها بالجناح المسلح الذي يقوم على تحقيق نوع من توازن الرعب مع النظام، ويدافع ويحمي المتظاهرين والمناطق التي تحاصر أو تدخلها قوى النظام. ومثل هذا الحل يبدو رائجاً اليوم وينتشر بسرعة بعد تبني الجيش الحر للعناصر العسكرية المنشقة، من ضباط وعساكر، وقيامه بدوره في هذه المناطق. محاولاً إعطاء صبغة توحيد لهذه القوى ودعم للمجلس الوطني وتنسيق معه.. وهو ما أرضى الثائرين وما رأى فيه العسكريين نوع من عنف لصالح السلمية، فالأساس مازال التظاهر السلمي، والرفض السلمي وبكل الأشكال للنظام، ويلعب الجيش الحر دور المدافع عن الناس وحماية المناطق والتصدي لتدخل قوى النظام التي تحاول سحق الاحتجاجات..
ولقد لعب الأعلام الرسمي ومن وراءه سياسات (شيطنة الثورة) دوراً في تلطيخ صورة الجيش الحر، ومحاولة فض الناس عنه، من خلال عمليات تقوم بها السلطة وتلصق بالجيش الحر. عمليات تبدو في غير مكانها، وبمواجهات لا يقوم بها الجيش الحر عادة، وينفيها مباشرة.. وآخرها العملية الملتبسة ضد باص الطيارين في مطار التيفور، حيث استغلها النظام قبل يوم من اجتماع الجامعة العربية، ليظهر للناس وللجامعة، على مايبدوا، أن هناك عصابات مسلحة حقيقية، وغير نظيفة، تقوم بقتل الأبرياء، وقتل من لا يدّ له في العمليات العسكرية (كالطيارين الذاهبين إلى عملهم).
والجيش الحر بالانضباط الذي أظهره لحد الآن، يبدو المرشح الأكثر حظاً ليكون الجناح العسكري للثورة والصدر الرحب لجميع من يرغب بالانشقاق عن الجيش او اجهزة النظام، فيصبح حاضناً لهم وحاميا لهم من القتل بداعي الانشقاق ورفض الاوامر.. ولكن على ان يلتزم بدوره في حماية المناطق المحاصرة والمظاهرات السلمية.. وأن يكون مدافعاً لا مهاجماً في معركتنا مع النظام.
2- السيناريو الآخر الأقسى، هو التدخل العسكري الخارجي، وهو حل يبدو سريع النتائج كبير الكلفة، مدمر للبنية التحتية للبلد... سيجعل البلد خاضعاً لسنوات طويلة لسياسات الدول المتدخلة ومن دفع كلفة التدخل... ومن ناحية أخرى سيؤمن دعماً للكفاح المسلح ومناطق عازلة للاجئين والمنشقين.
هذا الحل يبدو حلاً أخيراً لا يمكن أن يقبل به السوريون الثائرون إلا عندما يكون الموت خياراً وحيداً أمامهم.. فالسوريون مازالوا لحد اليوم يريدوا دعماً دولياً، ومراقبين دوليين، وحلاً آمناً يجنبهم الدماء والقتل والفوضى التي يحاول النظام زجهم بها.
3- السيناريو الذي يمكن أن يكون أكثر أماناً ولكنه يحتاج لنضال طويل بعد سقوط النظام، هو الانقلاب العسكري، وهو سيناريو يخلصنا من الطغمة الحاكمة، ولكنه يبقي النظام الذي يحتاج لثورات وثورات تالية وإصرار من الناس على تحقيق مطالبهم.
هذا السيناريو قد يكون مناسباً للدول التي تدعم النظام السوري كإيران والصين وروسيا وحتى إسرائيل.. حيث يبقي على التعاون معهم وعلى الاتفاقيات المشتركة، كما أنه مناسب من ناحية امتصاص النقمة الشعبية تجاه الطغمة الحاكمة التي يحمّلها السوريون جميعاً (بمن فيهم الموالين) وصول الأمور إلى ما وصلت إليه...
هذا السيناريو قد يكون مناسباً للأقليات كذلك، وللصامتين والمهمشين السوريين، ومن كان يرى بسقوط النظام، فتح الباب للنفق المظلم الذي قد تدخله البلاد، والأعمال الطائفية والحرب الأهلية، وغيره مما يتم الحديث عنه بخوف اليوم عندما يقترن بسقوط النظام..
ولكن هذا السيناريو، يحتاج بالمقابل إلى العمل مع الجيش وضباطه وحضهم على عدم تنفيذ الأوامر، وعلى السعي لخلق إمكانية الانقلاب العسكري..
مثل هذا الحل إن تم، سيكون صك دخول للأقلية العلوية بين جناحي الثورة، مما يخفف من خوف أبناءها من جهة، ويعزز الثقة بوطنيتها وتمسكها بكونها جزء من نسيج سورية الديني، كما أنه يخفف من عمليات الانتقام التي قد تحصل في حال بقاء الطائفة متمسكة بولاءها للنظام، أو دعمها له على أساس أنها تدافع عن وجودها...
قد يكون هذا الحل هو الأقل كلفة من جميع النواحي على أن يلحقه (في حال حدوثه)، تنازل سريع عن السلطة لصالح عمليات انتخابية حقيقية وصناديق اقتراع تأتي بمن يختاره السوريين وإلا فثورة جديدة ولكن هذه المرة بدون أحقاد ودماء وإنما ساحات اعتصام وعمل سلمي مدني كما حلمنا في البداية وما زلنا نحلم...
أما النفق المظلم.. فمن منا يريد دخوله؟ وهل هو موجود أصلاً؟
عن مثقفون أحرا لسورية حرة
08-أيار-2021
14-أيلول-2012 | |
06-أيلول-2012 | |
27-آب-2012 | |
19-آب-2012 | |
03-آذار-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |