Alef Logo
يوميات
              

بابا عمرو.... يا عمري واللوز يا عينيَّ

خولة دنيا

خاص ألف

2012-03-03

    • وفي اليوم السابع والعشرين لحصار بابا عمرو، استطاع الغزاة اقتحامها، وقيل أن شباب الجيش الحر الذين تصدوا بقواتهم القليلة للجيش العرمرم، رغم قلة عددهم، وبساطة سلاحهم، اضطروا أن ينسحبوا من الحي للحفاظ على أرواح الأهالي والساكنين...
      وهكذا تحكي حكاية بابا عمرو، حكايات وحكايات مما حصل ويحصل في سوريا..
      بابا عمرو التي لا ترقى لتكون مدينة، ولا تصغر كي تكون قرية، حي بكامل ألقه من أحياء حمص، وحمص التي انكوت وجرحت، ودفعت أكبر الأثمان في الثورة السورية، لم تكن إلا مثلاً لفداحة ما يحصل في كل أرجاء سوريا.
      بابا عمرو تختصر حكاية درعا، كما تختصر حكاية بانياس واللاذقية، وحماه، ودير الزور...وكأننا نودع أحياءنا وقرانا، أريافنا ومدننا. وكأننا نموت مرة تلو مرة خلال هذه السنة الطويلة، وهذا الشتاء القاسي.
      أي الأطعمة تشتهين يا بابا عمرو؟ أي الأغطية يناسبك؟ أي الأغاني؟ البوسترات.. كلمات الغزل... قصائد الشعر.. مقالات تحكي ولا تحكي عنكِ؟
      فقط أشري بإصبعك الصغيرة كي تهديكي المعارضة السورية ما تشتهين، كي يرسلوا لكي طائرات خاصة تحملُ الثكالى والأطفال، ورؤوس الرجال المقطوعة. فقط قولي ما تريدين.. فسوف يعلنوك مدينة محررة على تلفاز "الدنيا" بعد قليل.... وسوف يعلنك العالم مدينة "مدمرة"...
      سوف يبكيكي القاصي والداني... ويتلهف لمساعدتك كل من وقف على حياد طوال أسابيع محنتك...
      سوف نرى خالد أبو صلاح يرثيكِ من جديد، وأطباءك يحكوا حكايات جرحك النازف.. وفتياتك الصغيرات يملأن جرار الماء من العاصي...
      قولي لنا يا بابا عمرو ما شئتي من حكايات لم نعرفها بسبب الحصار..
      ارشي سكوتنا بهول ما رأت عيناك، وما غاب عن شاشتنا ونحن نتابع ذبحك اليومي.

      وفي الوقت الذي تلف بابا عمرو جرحها على ألم الصمت، أصواتٌ أخرى تعلو مناكدة لها.... فتبتهج نفوس البعض بكارثة جديدة تعلي شأن قضيتنا، وتجعل الدول تدور حول كوكبنا، وتريد مساعدة رجالاتنا.
      أي خياناتٍ ترتكب باسمك اليوم يا بابا عمرو؟
      وأي سفينة أنتِ يريد الجميع امتطائها، وكأنك سفينة نوح، وهم الراحلون نحو الحياة... تسيرين في بحر سوريا المتلاطم، وهم يعبئون ثنائياتهم كي ينقذوا أنفسهم وما يملكون.
      قليل من السياسة هل يكفي كي يلتئم الجرح النازف؟ ينزف السياسيون كلاماً، وينزف الصمت بكاءاً، ورجالك ينزفون رصاصاً من أخوة الوطن، رصاص يغطي على فضائح هؤلاء الأخوة، فيغطون جرائمهم بمزيد من القتل والنهب، وتحطيم العمر المعشش بجدران بنتها عائلات كانت تعيش هنا قبل قليل.. عائلات كانت تخشى السلاح قبل قليل، كما تخشى الموت جوعاً وبرداً وعطشاً..
      تخشى الموت بدون وسيلة لإسماع العالم ما يحصل... فتموت في صمتها، أو تغادر بقاياها ما بقي من أحياءها ومابقي من حيطان مساكنها..
      هنا حارة كانت مليئة بالأطفال، اليوم خالية إلا من الاسمنت وبقايا الحضارة البشرية، ما اخترع لبناء الحياة، وما اخترع لتدمير الحياة فيها...
      هنا بقايا صاروخ لم يتفجر، وهنا رصاصة نسفت وجهاً واستقرت على جُنحِ حائطٍ مازال واقفاً يترنح..
      هنا كان بيت أبو حمزة... وهنا كانت لهم ضحكة، وخلف الجدران أحبت إنعام ابن الجيران.. وبداية الطريق سيارة أبو أحمد حطمتها قذيفة هاون متمردة.. نسي صاحبها أن يسدد بقايا ثمنها قبل أن يموت.
      رشيدة اختارت اللحاق زحفاً بابنها صوب القبر.. والقبر المفتوح ينتظر جسداً جديداً، جسداً لربيع عمرٍ، أو لطفلٍ صغير، أو لسائحة أجنبية لم تستطع مغادرة الموت قبل أن يلحق بها، فلحق بها...
      هناك خلف المتراس جندي يرمق بصمت مابقي من المدينة، ويتساءل كيف سيقضي إجازته بعد إنجاز المهمة، هل سيحمل لأهله حلاوة الجبن من حمص الشهيدة؟، أم سيجلب لهم مايمر بدربه من بقايا تركها الضابط في المنزل الموارب؟
      وهنا ما اصطلح على تسميته "شبيح"، يغطي على أوامر الجميع بأوامر يأبى أن يشاركه بها أحد. أوامر أعطته أحقية البدء بالمجزرة وحق إنهاءها متى أراد.. يمسك بعضلاته المفتولة عصا البطولة، سكين البطولة، "روسية" البطولة... وينتظر أن يبدأ مجزرة جديدة... من حيث انتهى سيبدأ من جديد.. من غيظه سيبدأ وبدماءنا سينهي الوليمة....

      أما في ساحة الحرية، فستبقى أصوات الحرية تصدح.. هنا كان يلتم شمل الحي جميعاً، هناك كان الصوت يصدح "حرية، حرية"، لدرعا، واللاذقية وادلب وحماه.. والدير وحلب ودمشق .... كان يغني قرى حمص: "تلبيسة.. حلفايا.. تل كلخ... الرستن...."
      كان يغني "حريتنا"، ومازالت بقايا الأصوات تصدح في الجدران الخاوية... طفلٌ ربما تعلم كلماته الأولى "حرية"، فاستبدلها ب"بابا" عمرو التي تبكيها أمه على أبيه..
      ستبقى الأصوات يا بابا عمرو، ستغني للأبد ما وثقه "رامي السيد".. وما قاله أبو صلاح.. ما رسمته طفلات الحي، وما غزلته صبايا الحي.. ستبقى الأصوات ترفرف في سماءك مع علمٍ مخضبٍ بدماء "بابا عمر".

      وعند رابية اللوز، وقرب كرم العنب الذي لم يجد من يقلّم أغصانه هذا الشتاء. هناك وفي جنة الله على أرض حمص، شجرة تزهر للربيع لا تسأل عن أي مدفع يقصف عمرها بعد قليل..
      فاللوز لا يسأل عن مصيره وهو يبرعم كي يصبح "عوجة" و"لوزاً" ناضجاً وبذوراً تختبئ لتبرعم أشجاراً قادمة.

      خولة دنيا





Khawla is typing ...‎



تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

القتل على مايبدو سهل.... فهل التعايش مع القاتل سهل كذلك؟

14-أيلول-2012

المثقفون والارتداد إلى الطوائف....

06-أيلول-2012

جميلون حتى في موتهم...

27-آب-2012

في انتظار العيد.... وقفة

19-آب-2012

بابا عمرو.... يا عمري واللوز يا عينيَّ

03-آذار-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow