«الشحّات» وعروسُ الدنيا
2011-12-07
مبروك لمصر ٢٠١٢، هذه القفزة الحضارية المدهشة. مبروك للإسكندرية السيد عبدالمنعم الشحّات، نائبًا فى البرلمان!
أمّا مصرُ، فكلكم تعرفونها. أمُّ الدنيا. الجميلةُ التى أمسكت بالقلم قبل خمسين قرنًا، لتكتبَ السطرَ الأول من كتاب التاريخ. المثقفةُ التى أتقنت الطبَّ والهندسةَ والفَلكَ والشِّعرَ والرسمَ والنحتَ والموسيقى والرياضياتِ والتدوينَ والسياسة، وقتَ كانت بقيةُ شعوب الأرض ترفلُ فى الهمجية والبداوة. وأما الإسكندرية، فكلكم أيضًا تعرفونها.
الصَّبيّةُ الساحرة، عروسُ حوض البحر المتوسط، موطن العالم القديم، الذى على ضفافه ازدهرت الحضارات الفرعونية والإغريقية والفنيقية والقرطاجية والرومانية والإسلامية. الفاتنةُ التى أغوتْ بثقافتها وفنونها وفرادتها أباطرةَ العالم، فتكاثر الغزاةُ عند بابَها الشمالىّ يرومون الدخول.
العروسُ التى اختار البطالمةُ أن يرصّعوا هامتَها بأرقى لآلئ الدنيا وأقدم مكتبات الأرض العامة: «ببلتيكا دى لو إكسندرينا»، فى القرن الثالث قبل الميلاد. المكتبة التى ضمّت ٧٠٠ ألف مجلد من أمهات ما أنتج الفكر الفرعونىّ والإغريقىّ الهلينستىّ، فكانت شعلة نور للبشرية يحجُّها العلماءُ وطالبو العلم من كل أنحاء العالم، شريطة أن يُهدى المكتبةَ، كلُّ عالم يدرس فيها نسخة أصلية من مؤلفاته. هذا عن مصر وعروس مصرَ- الإسكندرية.
وأما السيد عبدالمنعم الشحات الذى أصبح، بليلٍ، عضوًا بالبرلمان المصرىّ دائرة الإسكندرية، فكلكم إما تعرفونه، أو فى طريقكم لمعرفته! هو الرجل ذو الابتسامة الأبدية لا تفارق وجهه الذى يكره أدب نجيب محفوظ! صاحب العبارة التى أصابت الجميع بالنفور والغثيان. العبارة التى ظلّ صداها يرنُّ بين جدران الهرم، حتى لفظها الهرمُ وهو يتميز غيظًا من المصريين الذين سمحوا أن تُقال مثل هذه العبارة الركيكة عن أجدادهم دون أن يُخرسوا قائلها. الرجل الذى أفتى بهدم آثارنا القديمة وإن لم نستطع، فمرحليًّا بوسعنا تغطية وجوه التماثيل بالشمع، لأن: الفرعونية حضارةٌ «عفنة»، على حد قوله!!
هذه العبارة تشير إلى مستواه الفكرى والثقافى ودرجة تذوقه للفنون واحترامه للأثر وتبجيله للسلف المجيد، وكذلك تشيرُ إلى مستواه اللغوىّ والبلاغىّ ومقدرته على اختيار المفردات. أما فكره سياسيّا واجتماعيًّا فنعرفه من لقاءاته التليفزيونية التى تجدونها على «you-tube»، لتسمعوا ما يُذهل. مثلا، هو الذى قال: «إن الديمقراطية ليست فقط حرامًا، بل هى كفر!» ويوم ١٦ يناير ٢٠١١، على قناة «أنا السلفىّ»، تحدث عن «المظاهرات» الوشيكة، (لم يكن يعرف أنها ستغدو ثورة، هى ذاتها التى ستُجلسه فوق كرسى البرلمان).
قال بالحرف: «هناك شباب أهوج تُحركه الإنترنت. البلد اللى عايزين يولعوها بضغطة زرار». ويوم ٢٨ يناير الشهير قال إن المقاومة لا تكون إلا بين المسلمين والكفار، وإن الحرية التى يطالب بها المتظاهرون الذين يؤمنون بالمبادئ الغربية ليست إلا حرية الكفر والفسق والخروج عن شرع الله- تعالى!
على صفحتى بـ«تويتر» كتبتُ: «هل سيكون أول ما يصنعه النائبُ الشحات، بمجرد جلوسه على الكرسى، هو هدم آثار مصر التى حافظنا عليها ٧٠٠٠ سنة؟» فأجاب «مجدى عزت جبران»: «أنا مستعد أشترى الأنقاض، وأطلع بها على أمريكا!» انظروا الفارق الحضارىّ بين نائب برلمانىّ يهدم، وبين مواطن مثقف يجد القيمةَ فى مجرد الطلل، ويعلم أن الغرب مستعدٌ لشراء أنقاض حضارة، أبناؤها للأسف يهينونها!
منذ سنوات كنتُ فى زيوريخ لتمثيل اسم مصر فى مهرجان «المتنبى» العالمى الشعرى. كنا فى جولة سياحية بالباص، يجلس جوارى شاعرٌ سويسرى يشرح لى معالم المدينة الجميلة. مررنا بميدان ما، فانتفض الشاعرُ وهتف بفخر: That’s our PARLIAMENT، «ذاك هو برلماننا السويسرى».
وقتها كتبتُ مقالا حزينًا وتساءلت: متى يأتى اليومُ الذى نشير فيه إلى البرلمان المصرىّ بفخر. بعد ثورة يناير تصورتُ أن اليومَ اقترب! ولكن يبدو أن الحلمَ عزيزٌ وناءٍ.
عن المصري اليوم
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |