عن كائنات المستنقعات وأشياء أخرى
2011-12-28
تَنِبُّ، من حين إلى آخر ، أصواتٌ معتمةٌ نكيرةٌ في رحاب الفسيح من أرجاء"العالم العربي" ، تدين الضحيةَ ويستطيب لها" النّقُ " على الخالص من "العرب الباقية" على تراب فلسطين التاريخية ، تطالبنا بإعادة التوقيع على صك الولاء لعروبتنا ، أو لأنظمتها البائدة أو لأقزامها المترفين والمتنعمين من خيراتها والراقصين على مآسي شعوبها " الأوصياء"على قصورها ومالكي زمام منصات توزيع شهادات الوطنية والولاء وكأننا هنا ينقصنا من يعادي مجرد وجودنا حيث ينبغي أن نكون .
ولكي لا نستجدي أحداً اعترافاً بنا وبوطنيتنا وبانتمائنا ولكي لا نُسقط أحداً في المساءلة حول دوره القومي أو الوطني أو الإنساني أو الأخلاقي أو الثقافي ، وكنّا نربأ بأنفسنا الخوض في هذا المضمار ، وبما أن هنالك من يحاول الزج بنا في قفص الاتهام ، وكأننا لا تكفينا المؤسسة الإسرائيلية التي تكيل من القوانين والممارسات اليومية المجحفة في حقنا وإزاء تمسكنا بحقوقنا ما لا يحتمل إذ بهذا " البعض " المنساق في خدمة مشاريع هذه المؤسسة عن طيب خاطر أو "طيب نية" يبق حصا حقده أو هو يُوَجَّه عن بعد ليطال الهامات العالية والرموز الوطنية الأنقى .
لسنا بحاجة لاعترافٍ أو لصكوك غفران ولشهادات بالوطنية من بعض مأجورين يتنعمون برفاهية الأنظمة ويتلذذون بفتاتها ولا نرى بهم سوى أدوات بالية لتطويع وتطويق الفكر العربي و العروبي وللحد من تفتح الوعي الوطني والقومي والإنساني الخلاق لدى شعوبنا الممتدة من أزرق الخليج إلى أزرق المحيط ، وفي محاولة اعتلاء أمواج التغيير الايجابي من قوى سلبية تتسلق إنجازات الربيع العربي دلالة واضحة .
نحن العرب الفلسطينيون الباقون هنا في فلسطين وتحت الإدارة الإسرائيلية عانينا ونعاني من التمييز العنصري الخانق والممارسة الشوفينية المتعالية والإجحاف المقيت والمحاولة المستمرة للنيل من هويتنا لإلغائها ومطالبون بالولاء للدولة بل وفي موضع اتهام في كل شاردة وواردة ويُعملُ على تفتيتنا إلى حمائل وطوائف وملل وأحزاب ولا يعزينا سوى وعينا ووحدتنا وتمسكنا ببقائنا وحقنا في المواطنة الكاملة أسوة بالبشر ، صودرت أرضنا وهدمت بيوتنا ولوُحقنا حتى للقمة عيشنا لأننا رفضنا أن نكون " لاجئين جدد" لنخلي الديار " لقادمين جدد" ، رفضنا إخلاء الديار من بواقي أهلها وتصدينا لمحاولات تغيير معالمها وتخطينا مشاريع التدجين المؤسساتية ، بينما أُلِّفَ ودُجِّن البعض وتساوق في ظل أنظمة قمعت شعوبها باسم الوطنية في الجزء " الحر" من أجزاء الوطن العربي ومن مثل هؤلاء تأتي الطعنات النجلاء .
تتعرض إحدى أرقى فناناتنا وأكثرهن إسهاما في ترسيخ فلسطينية المكان والذاكرة والإنسان لهجوم شرس من " عدو وطني غيور" يحاول الطعن بمصداقية فلسطينيتها كونها تحمل جواز سفر إسرائيلياً ويتهمها " بالتطبيع " وكأنها من وقع كافة معاهدات الاستسلام أو كأنها من أتت بالصهيونية إلى عقر دار العروبة منذ سايكس بيكو أو قبلها ويتهمها " بالتواصل " مع الأخوة العرب من خارج " إسرائيل" فيما أنظمته الآكل من خبزها تقيم بالعلن أو بالسر علاقات " حسن جوار" أقلًّه معها أو تنساق في خدمة مشاريعها .
الفنانة التشكيلية الرائعة رانية عقل والناشطة ضمن مشروع " ميس للثقافة العقلانية" تتعرض لهجوم وقح من قبل متخفٍ تحت اسم مستعار ونحن نرى أن مشروعنا هذا يقضّ مضاجع البعض هنا و" هناك" كونه مشروعاً عقلانياً في مواجهة أدمغة لا عقلانية ،تريد لنا أن نكون الأداة الطيعة في يد " النظام " أيّاً كان ، ونحن نستكمل مسيرة طويلة من النضال الدامي ليس فقط من أجل البقاء وإنما من أجل وضع العرب الفلسطينيين في الداخل على سدّة الوجود العربي والإنساني بأسره ونستمد التراث الخلاق الوطني والقومي والكوني من ابرز أعلامه ، من إرث طيبي الذكر والشهداء محمود درويش وتوفيق زيّاد وغسان كنفاني وإبراهيم طوقان ومعين بسيسو وناجي العلي وإسماعيل شموط وعبد الرحيم محمود وأبي سلمى وفدوى طوقان إميل حبيبي وشكيب جهشان وطه محمد علي وإميل توما وسالم جبران وفوزي عبد الله وهايل عساقله والمئات غيرهم ممن أنبت هذا التراب الفلسطيني الأقدس ونفاخر بوجود الأعلام الخفاقة في ميادين كافة ميادين الإبداع والذين نتمنى لهم العمر المديد والمزيد من العطاء ، شاعر العروبة سميح القاسم ومحمد نفاع وسلمان ناطور ونظير شمالي وحسين مهنا ود. حبيب بولس وإبراهيم مالك وحنا أبو حنا وأنطون شلحت ومحمد علي طه وحنا إبراهيم وخالد علي ونمر سعدي ومعين حاطوم وسيمون عيلوطي وتركي عامر وناجي ظاهر ونزيه حسون والمئات غيرهم ممن تتسع لهم صدورنا ولا يسعنا ذكرهم جميعا ، فلهؤلاء الدور الطلائعي المضيء في مسيرة الأدب العربي قاطبة وقد تعرضوا إلهجمات من " أقزام " الأمة والأنظمة والشعوبية و" المستعربين " والمتقومجين" في العالم العربي وإسرائيل على حد سواء ، فيما كانوا يدفعون الأثمان الباهظة من الملاحقات السياسية والإقامات الجبرية والسجن وقطع الأرزاق ومحاولة العزل والطمس والتهميش أو الإلغاء أحيانا فيما وقف إلى جانبهم البعض من الأخوة اليهود أمثال المحامية فيليتسيا لانغر وطيب الذكر ماير فلنر الذي تعرض لمحاولة اغتيال بسبب مواقفة الإنسانية تجاه القضية الفلسطينية .
في هذا الظرف بالذات والذي تتعرض فيه الثورات العربية المباركة لأقسى امتحاناتها وتتعرض للمؤامرات من شتى القوى العربية الرجعية والاستعمارية بأشكالها المتجددة وتتعرض لمحاولات " خصيها " أو اقلّه حرفها عن تحقيق ما اندلعت لتحقيقه و" تنفيسها" نتعرض هنا إلى مصادرة مئات آلاف الدونمات من أرضنا الباقية ولمخططات حشرنا في غيتووات المؤسسة ونتعرض لهدم بيوتنا ووأد هويتنا ولتسونامي من القوانين العنصرية البغيضة ، تقوم هذه الأصوات بالتعالي وكأنها لم يبق أمامها من أعداء الأمة سوى هذا الجزء" الوارم" كالزائدة الدودية في خاصرتها لتبتره .
نحن لا نستجدي (كالمتنبي) مذمة من ناقص لنستشهد بها لكمالنا ،
لِيُقم كل بدوره أو وسعه أو وسع سعيه على صعيده في خدمة أهداف القضية لا أن يحرف مسار سهامه ، فما زالت الأنظمة والجهالة والأمية والاستعمار المتجدد والصهيونية والتخلف والأطماع الشعوبية والمؤامرات الفئوية والظلامية والتكفيرية والقبلية والطائفية تنخر في عظام هذه الأمة وأولى بهؤلاء تسديد رماح حقدهم في الاتجاه الصحيح ، لأننا لسنا من أضاع فلسطين ولم نتآمر على العراق ولم نقسم السودان ولم نرسل المندسين لتخريب سوريا وثورتها ولم نطمع بمنجزات الثورات العربية المباركة ولم نتنازل عن حقنا في التواصل مع أمتنا ولا عن حق تقرير المصير والعودة ولا عن عاصمتنا القدس ولم نبخل بالأسرى وبالشهداء ولم نتنعم بفتات نظام ولا سلطة ولم نكن يوما سوطا في يد حاكم جائر ولم نفرط بالجولان والإسكندرون ولا بالأحواز ولم نكبت شعوباً ولا أقليات ولم نعلن حرباً على أحد آللهم سوى على الظلم والظُلام والطغيان والطغاة أينما كانوا .
مرسلة من : ميس للثقافة العقلانية
الموقع الألكتروني وفصلية ميس الورقية
أسامه ملحم – رئيس التحرير
08-أيار-2021
09-تشرين الأول-2013 | |
28-كانون الأول-2011 | |
07-أيلول-2011 | |
23-تموز-2011 | |
02-آذار-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |