الأصلاء.. والطارئون
خاص ألف
2011-12-31
"إلى الصديق نجوان عيسى.. عندما قليلٌ.."
معظم "كبار" الفنانين والأدباء والأكاديميين و"مثقفي الحانات والمقاهي" الذين توجهوا على دفعات إلى خيمة الاعتصام بـ"دوما" بداية تفجر الحركة الاحتجاجية فيها تضامناً مع "درعا"، أخذوا على غير اتفاق، سروجاً وألجمة معهم حاولوا إخفاءها خلف ابتساماتهم البلهاء التي حفرتها الشهرة و"التخمة" في وجوههم.. وكان كل ظنّهم أن رياح التغيير التي هبّت، ستعصف سريعاً بالنظام المحلي كما عصفت بغيره، ولا بد أن يحجزوا لأنفسهم مكاناً مريحاً في التشكيلة اللامعة القادمة.
غالبية هؤلاء الذين لعبت عوامل عدة لا علاقة لمعظمها بأصالة موهبتهم، أو بعمق ثقافتهم أو بامتلاكهم مشروعاً إبداعياً أو وطنياً، ببروزهم كنجوم وكشخصيات علم وأدب وثقافة، ترجلوا مع "مريديهم" و"مرافقيهم" و"صاحباتهم" من سيارات فارهة وسط الجموع المنتفضة، وهم يحسبون أنهم سيُرفعون على الأكتاف بمجرد وقوع الأبصار عليهم، وأنهم سيُعامَلون على الفور معاملة القادة الفاتحين والرسل المبشّرين المخلّصين.. وعندما لم يحدث شيء من هذا، حتى بعد أن ألقوا كلمات حماسية أو تراجيدية ظنوا لوهلة أنها ستلهب المكان بالتصفيق والهتاف، شعروا بالخيبة، ثم بالقرف الشديد، ثم انكفؤوا بسرعة حضورهم نفسها، خصوصاً بعد أن أدركوا أن المعركة ستكون طويلة ومكلفة، والكثيرون منهم لم يطل به الأمر قبل أن يعود إلى موقعه في الخندق الآخر!.
المعتصمون في دوما، الذين رحبوا حينها بجميع الملتحقين بهم نساء ورجالاً، دون أي تمييز على أساس الشكل أو الثقافة أو الدين أو المذهب أو الشهرة أو المكانة الاجتماعية أو العلمية أو الانتماء السياسي، كانوا يعلمون أنه من المبكر الاحتفاء بأحد بشكل مميز قبل أن يبدأ اختبار الموت الوشيك، واختبار الانتماء الحقيقي لانتفاضة الحرية الذي سينازعه ألف انتماء بدائي...
بعد أيام أو أسابيع قليلة، وبعد أن أصبح الرصاص الحي والاعتقال والقنص هو الشكل الوحيد للحوار مع طالبي الحرية، الممثل الشهير الذي أحبه الناس وتضامنوا معه في كل المواقف "الدرامية" الحرجة التي تعرض لها على الشاشة الصغيرة، لكنهم لم يرفعوه على أكتافهم في دوما، أعلن جهاراً أن المحتجين ما هم إلا رعاع ومتخلفون، وما احتجاجهم إلا حركة رجعية يجب القضاء عليها..
زميله ومنافسه، النجم الأشهر، الذي حظي منذ عقود بشرف "المعارضة" وكل مزايا وعطايا النظام، والذي لم تسمح له "دوما" أن يأخذ أكثر من خمس دقائق على المنبر أسوة بغيره من المتحدثين، سرعان ما راح يهاجم "السعار" الطائفي الذي يطغى على شعارات وخطاب المحتجين، ولاحقاً بات يرفض وجود حركة احتجاجية أصلاً، عادّاً إياها مجرد فورات مفتعلة مدفوعة الأجر!.
"صاحبة" هذا الفنان، الموظفة الجميلة التي تغازل سراً زميلاً له أو أكثر، وتحلم أن تأخذ فرصتها لتصير نجمة، والتي لم تعاملها "الدومانيات" بما يليق وطموحاتها التي لا يعرفن عنها شيئاً، ما تزال منذ ذلك الحين تشتم حالة التخلف الفاقعة التي شاهدتها بأم عينها في دوما، ومن أبرز مواقفها اللاحقة، أنها دعت لـ"إبادة حماة" ثم "إبادة حمص" إذا تطلب الحفاظ على "سيادة الدولة على أراضيها" ذلك!.
الأكاديمي الرصين، الذي لم يبال أحد في دوما باختصاصه وشهادته، والذي لا يدرك حتى الآن أن جميع من يرونه، بمن في ذلك أصدقاؤه وأقاربه، يعرفون بسهولة أنه مجرد طائفي صغير وساذج، ما انفك منذ أن رفضت الحركة الشعبية امتطاءه لها يردد ما يقوله تلفزيون "الدنيا" بكل ثقة، ويوزع على كل من يثق بوقوفه في وجه "المؤامرة" أخباراً مصورة ينسخها بأمانة من موقع "الجيش الإلكتروني السوري" الذي تطوع (سرّاً) للعمل به منذ تشكله.
هؤلاء جميعاً، ومن يشبههم بالتعدي على خصوصية مهنته، أو يقاسمهم بالصفات والطموحات من أصحاب الأنوف المرفوعة بوجه الناس والملوثة بغبار أحذية "أولي الأمر"، الذين فاتهم أن يحضروا تواضعهم وصدقهم الإنساني معهم حين مروا بشكل طارئ وعابر على دوما، لم ينتبهوا أنه لا مكان في هذه الانتفاضة الشعبية الشريفة لأمثالهم من المترددين والطائفيين والكذابين والمراوغين والمتخمين والمختالين والمجوّفين والمسطّحين.. لم يدركوا، وربما لن يدركوا أبداً، معنى أن تهب المدن الواحدة تلو الأخرى لتهتف لبعضها: "نحنا معاكِ للموت"، فتقرن القول بالفعل سريعاً، وتقدم خيرة أبنائها وبناتها وأطفالها شهداء وجرحى ومعتقلين ومطارَدين، رفعاً لحصار أو تخفيفاً لضغط مفروض على إحدى شقيقاتها.. لن يفهموا أبداً كيف يستطيع هؤلاء "الرعاع" الصمود والمتابعة رغم كل العسف والقمع الذي تعرضوا له حتى الآن..
هذه الانتفاضة أيها العبيد المتمرسون في العبودية، ليست بحاجة لكم كـ"معلمين" و"أساتذة" و"منظرين" ونخب مخصية، بل أنتم بحاجة إليها كجهلة وأميين بحاجة إلى التعلم والتحرر من الذل والغباء، وعليكم إذا ما أردتم أن تكونوا أعضاء أصلاء في صفوفها أن تُحضروا معكم أقلامكم الخشبية وكراريسكم لتعلمكم شوارعها وساحاتها العامة بعض الدروس البسيطة بفن العطاء، وفن الحياة، وفن الحرية..
المجد للحركة الشعبية البطلة وهي تعبر عام 2011 ورأسها مرفوع مثل شعاراتها وأحلامها وأهدافها.. المجد لمثقفيها الحقيقيين عابري الطوائف والمذاهب والقوميات وصراط الخوف والمحرمات والمغريات والذاتيات الفارغة.. المجد لصدور أبنائها المفتوحة للرصاص الحي والمجازي.. المجد لقادتها الميدانيين.. المجد لشهدائها الخالدين وذويهم الصابرين، ولجرحاها ومعتقليها ومطارَديها..
عاشت سورية.. عاشت الحرية..
31/12/2011
[email protected]
08-أيار-2021
08-أيار-2012 | |
07-نيسان-2012 | |
02-نيسان-2012 | |
31-آذار-2012 | |
25-آذار-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |