إضاءة على الحقبة الأسدية / الجزء الأولى
خاص ألف
2012-01-31
الجزء الأول
ملاحظة: كون المجتمع الأهلي مرحلة أسبق وأدنى في سلم التطور الاجتماعي، لا يعني الانتقاص من شأن وجوده وشرعيته الاجتماعية التاريخية، وصلاحيته كقاعدة لبناء المجتمع المدني والسياسي عليها، وقدرته على الانتقال من لعب دور التابع للديكتاتور، إلى لعب الدور الندي المشارك والمكافئ في تقرير مصير الوطن والمجتمع والشأن العام، والمساهمة بعملية التطوير والتنمية وبناء الوحدة واللحمة الوطنية الاجتماعية على قاعدة الديمقراطية، والاختيار الحر الواعي، والتحول إلى المجتمع المدني والسياسي .
مقدمة :
تخلص حافظ الأسد من خصومه، وأوهم السوريين أنه قدم لهم ما امتنع خصومه عن تقديمه لهم، أما في الواقع، فقد كان أكثر بخلا وطمعا واحتيالا، حينما قايض المجتمع المدني والسياسي بالمجتمع الأهلي/العصبي، واعتبرت الخطوة انفتاحا على الشعب، بينما هي ابتعاد عنه وعن السياسة، كما تبين فيما بعد، لقد أهلن حافظ الأسد السياسة، بدلا من تسييس المجتمع الأهلي بعصبياته العشائرية، القبلية،الطائفية، والعرقية وما شاكلها من بنى المجتمع الأهلي، ليتمكن من إنجاح مشروعه الميكافيللي السلطوي السوري، ومن بعده مشروعه الإمبراطوري الإقليمي : بلاد الشام :( سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين ) ولا بأس من ضم العراق وإحياء مشروع الهلال الخصيب لو أمكن، ولكن أحلام اليقظة الأسدية لم تثمر ولم تسفر عن شيء، وباءت أوهام الفوهرر السوري بالفشل .
تعريفات:
الحسب :
يعني صلة الرحم عن طريق الأم وأصولها وفروعهم، وقد شكل الحسب قاعدة التعريف للفرد وانتمائه في المراحل المبكرة من التاريخ، حيث كانت الجماعات البشرية تعيش نظاما أشبه ما يكون بنظام القطيع (1) ويسميه ماركس : المشاعية البدائية، وآخرون يصنفونه على أنه ( المرحلة النسائية أو مرحلة الأمومة ) حيث كانت السيطرة للأم، وما لبثت هذه المرحلة أن تحولت وانقلبت تدريجيا مع ظهور وبروز الملكية الخاصة، وتطور أسلوب الإنتاج وأدواته، والارتقاء من حياة البداوة والرعي والالتقاط والصيد، إلى مرحلة أعلى وأرقى وأوسع، هي المرحلة الحضرية والاستقرار الزراعي ونشوء الحرفة، وظهور المدن والبلدات، ومع سيطرة المرحلة الجديدة وغلبتها ولدت وترسخت المرحلة العصبية.
النسب والمجتمع الأهلي :
ويعني صلة العصب عن طريق الأب وأصوله وفروعهم، وقد شكل النسب قاعدة التعريف للفرد وانتمائه في النظام الأبوي " الرجالي " الذي استمر حتى يومنا هذا. وعلى أساسه تشكلت الصيغ التنظيمية العصبية المعروفة كالعشيرة والقبيلة والفخذ، وهي لا تزال موجودة في مناطق وبلدان عديدة، وتلقي بثقلها في الحياة المدنية الحديثة والمعاصرة، وتندرج تحت مسمى المجتمع الأهلي، الذي يشمل الطائفة والمذهب والعرق والدين..
المجتمع المدني :
وتتمثل فيه الصلات والعلاقات المشتركة غير الرسمية أو الحكومية لمكونات المجتمع، وتتخطى مفهوم الأهلي وحواجزه، شكلا ومضمونا. وتعرفه موسوعة ويكيبيديا : "المجتمع المدني أو المؤسسات المدنية تشير إلى المساحة من العمل الجماعي التطوعي لتحقيق مصالح وأغراض وقيم مشتركة، وغير مرتبطة بالدولة أو العائلة والسوق، ومن ذلك مثلا ( منظمات ثقافية، نوادي اجتماعية ورياضية، جمعيات مهنية، أكاديميات علمية وبحثية، التعاونيات، منظمات الحفاظ على البيئة، والدفاع عن حقوق الإنسان، الاتحادات التجارية، الإعلام، المؤسسات الخيرية والدينية، الجاليات، النقابات) وما إلى ذلك من أنشطة تعنى بالشأن العام، وتلعب دورا لا تستطيع السلطة السياسية أن تلعبه، ولا يجوز لها أن تلعبه أو تحد منه، لأن من شأن تدخلها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للمجتمع.
المجتمع السياسي :
ويتكون من تنظيمات ومجاميع يربط بين أفرادها أغراض سياسية مشتركة، وتعتمد في تماسكها على الفكرة والعمل والهدف السياسي، وهذه التنظيمات عبارة عن حركات وتيارات وأحزاب وتجمعات فاعلة في الحقل السياسي، إما بصفتها سلطة حاكمة، أو بصفتها معارضة سياسية. ويتميز المجتمع السياسي بامتلاكه السلطة أو السعي لامتلاكها بهدف فرض رؤيته ومنهجه في إدارة الحياة الاجتماعية بالطرق والوسائل السياسية المعمول بها في بلد أو مجتمع ديمقراطي شرعي.
المجتمع العسكري/ الأمني(البوليسي): وهو المنظمة المسلحة التي تستولي على السلطة وتحتكرها وتستخدمها للاستيلاء على الوطن أو البلد وثرواته وخيراته الطبيعية والبشرية، وتعسكر المجتمع بكامله، وتلغي بالتالي المجتمعين :
المدني، والسياسي، لأنهما الأخطر على وجودها وبقائها في الحكم، بلا أي قاعدة شرعية وقانونية، وبالمقابل يسعى المجتمع العسكري للاستيلاء على أدوار المكونات الاجتماعية برمتها، وبما أنه من الصعب تحقيق هدفها كليا، فهو يعمد إلى تدجين ما يمكن تدجينه من المكونات، أو إبقائه تحت السيطرة، ومن ذلك مكونات المجتمع الأهلي، التي يصعب ترويضها، وبنفس الآن لاتشكل خطرا مباشرا وكبيرا على المجتمع العسكري المسيطر، الذي يغض الطرف نسبيا عن الأنشطة الأهلية التي لا تعنى بالشأن السياسي مباشرة. وقد يشركها ويشتريها بمكاسب سلطوية محدودة لزعاماتها التقليدية .
الجزء الثاني
سوريا نموذجا:
بعد استيلائه على السلطة، كرس حزب البعث ماكان الديكتاتور جمال عبد الناصر قد اتخذه من إجراءات استئصال حقوق الإنسان بوصفها أسسا للبنى الديمقراطية، والجذور التي تغذي أشجار الحرية، وذهب زعماء البعث إلى أبعد الحدود في ذلك الاتجاه، وإلى المستوى الذي بات يهدد وجود وروح المجتمع بمكوناته وعناصره كافة، وساعد على استفحال هذا المرض البعثي وجود مناخ دولي ملائم، هو مناخ النظام السابق ثنائي القطب، بالإضافة إلى المناخ الاستبدادي الشامل والمسيطر في البلدان العربية جميعها، والذي استند مشروعه السياسي الرسمي : الداخلي والخارجي، على قاعدة العنصرية فكرا ومنهجا وممارسة، وهي التجلي المباشر للاستبداد بصوره السائدة، والتي تعبر بمجملها عن أزمة ذهان سياسي ثقافي مستعصية ومتفاقمة، أزمة دخلت مرحلة رد الفعل الهيجاني العنيف بسبب زوال شروط نشوئها وبقائها المحلية والعالمية وإحساسها بقرب أجلها .
من المجتمع إلى الفرد الديكتاتور :
ألغى الديكتاتور المجتمع، وألحقه بذاته كجزء من ممتلكاته من الموارد البشرية، وصار هو المجتمع : وليه وراعيه، واتخذت الحالة خصوصيتها كما في أي بلد، فالبعث ابتكر لنفسة أشكالا وأسماء ووجوها عدة، واعتبرها تعددية حزبية وسياسية، وأطلق عليها اسم الجبهة الوطنية، وهي ليست سوى الجبهة البعثية الواحدة كمحتوى، والمتعددة كشكل، وتطورت الحالة من حكم الحزب والمجموعة إلى حكم الفرد الواحد الأحد، الذي استحوذ على صلاحيات وسلطات المؤسسات السياسية والدستورية التشريعية والتنفيذية والقضائية، وصار الديكتاتور هو المؤسسة والتشريع والإدارة والقضاء والجيش والأمن والفكر والثقافة، وسرق أدوار الفرد والمجتمع، ونصب نفسه حاكما مطلقا لا حدود لسلطانه، يقرر مصير الوطن والشعب كما يحلو له أن يقرر، ويتدخل بأدق وأتفه التفاصيل والجزئيات، ويدير شؤون البلاد والعباد كما يدير صاحب مزرعة مزرعته. ومثل هذا النموذج للحكم المطلق لا مثيل له في التاريخ : قديمه وحديثه، ولا يصلح للحياة الطبيعية، ولا يعمر طويلا لأنه ينشأ عن حالة استثنائية شاذة، عرضية ومؤقتة وعابرة، إنه أشبه بحالة سرطانية طارئة ومحكوم عليها بالزوال، وتحمل عوامل موتها في ذاتها وطبيعتها وحياتها المشوهة .
تحويل الحزب إلى منظمة للمرتزقة :
في سوريا استطاع الديكتاتور الفرد أن يحتكر سلطة القرار في كل ما يتعلق بالشأن العام، ولعب لعبته الميكافيللية بمهارة وبراعة فائقة في وسط ومناخ موات، ونجح إلى حد كبير في إلغاء دور حزب البعث بالذات، ليحوله إلى جيش حزبي مرتزق و مطيع تنحصر وظيفته في تلقي الأوامر والتعليمات والتوجيهات وتنفيذها، وقد جرد الحزب من الحقوق السياسية المتعارف عليها، وأصبح عاجزا عن الاختيار والقرار والاجتهاد، ومهمته الحمد والتسبيح والهتاف والتصفيق للديكتاتور المقدس صاحب العصمة المصطفى، الساحر السادي، الذي حول البلاد إلى مسرح عرائس .
الصفقة المشبوهة :
عرف حافظ الأسد كيف يغلق الباب في وجه المجتمع المدني والسياسي، ويفتحه لقوى المجتمع الأهلي، ولكن على طريقته الميكافيللية المدروسة والمرسومة بعناية ودقة، وتمكن من كسب وشراء الشخصيات التي لايمكن شطبها من المعادلة الاجتماعية تحت أي ذريعة، باعتبارها تمثل قوة أهلية من نوع ما، لايمكن اختراقها أو تفكيكها والتعرض لحصانتها التقليدية: العصبية والدينية، ولم يقع حافظ الأسد في هكذا مطب خطير، يهدد وجوده وشرعيته وقوته، وأحسن المغامرة والمقامرة، فكسب وربح قوى أهلية : عصبية ودينية وطائفية، من خلال التحاصص المحسوب بدقة مع رموزها وزعاماتها التقليدية، وبالمقابل قامت هذه الرموز والزعامات الأهلية من مختلف العشائر والعصبيات والطوائف بمبايعته ؟ وإسباغ الشرعية على حكمه البلاد والشعب، وكان في مقدمة الذين شرعنوا اغتصابه للسلطة وانفراده في الحكم بعض من الزعامات السنية الدينية المعروفة، ومن أبرزهم الشيخ أحمد كفتارو، والشيخ مروان شيخو، والشيخ محمد سعيد البوطي، وغيرهم من الرموز الدينية الإسلامية السنية، التي كان لمبايعتها وموافقتها الأثر الحاسم والأكثر ضرورة وأهمية لشرعنة حاكمية حافظ الأسد دينيا وقانونيا وشعبيا، ولم يكن حافظ الأسد بقادر على الاستغناء عن الإفتاء الإسلامي السني بجواز توليه المنصب الرئاسي، وبعد ذلك بحصر السلطات بيده وحده، ودمجها في شخصه دون سواه، وتمت تلك الصفقة المشبوهة وغير العادلة تحت العباءة الإسلامية السنية، ممثلة بالأسماء المذكورة آنفا، وفي الحقيقة فقد تضمنت الصفقة الكثير من الغبن لشركاء حافظ الأسد من أهل السنة خصوصا، ولأهل السنة جميعهم عموما. وهم يدفعون ثمنه الآن أكثر من أي وقت مضى، ويدركون أنهم وقعوا في مصيدة عويصة، لم يتمكنوا من الفكاك منها طوال حكم حافظ الأسد، ومن بعده وريثه وابنه بشار الأسد.
السلطة اللا سياسية :
لم ينجح ويترسخ حكم حافظ الأسد سوى بانفتاحه واعتماده على المجتمع الأهلي/العصبي، وهو ديدن الحكام في بلدان منطقة الشرق الأوسط عموما، وهو أيضا نهجهم وسبيلهم الوحيد للبقاء والاستمرار وتحصين الاستبداد والديكتاتورية من خطر التغيير والهزيمة والخروج من منصة السلطة اللاسياسية واللامدنية.
استعار حافظ الأسد المصطلحات الدينية الإسلامية القديمة والمقدسة لإسباغ الشرعية على حكمه، فبدلا من لفظة" انتخاب" حلت لفظة" مبايعة، وهي لا تطلق عادة إلا على الخليفة المختار، واستخدم كلمة استفتاء، وهي لفظة ذات إيحاء ديني أكثر منه مدني، ولم يوفر حكم الأسد فرض ألفاظ وأوصاف أخرى لم تنتشر إلا في النظم الشمولية : القومية والاشتراكية والدينية: ومن الأمثلة عليها: ( القائد، الرمز، الأب، المناضل، الملهم، الحكيم، المعلم، إلى غير ذلك من الأسماء والألقاب المعبرة عن ديكتاتور يته المطلقة، والتي تسبغ على شخصيته هالة من الهيبة والجاذبية النفسة/الروحية/الدينية، وخاصة في أعين ونفوس الأوساط المتدينة .
إن المجتمع المدني والسياسي كليهما يعارضان الواقع الديكتاتوري غير الشرعي وغير السياسي، وكان لابد من إبعاد وإسكات وقمع ومحاصرة وملاحقة وتصفية القوى المدنية والسياسية الرافضة بأساليب مختلفة، وبأشكال ومستويات متفاوتة تعتمد على كيفية وكمية القوة المعارضة . وكان النتيجة المتوقعة : تراجع المعارضة من العمل فوق السطح إلى العمل تحت السطح السياسي، ما أدى إلى ضعفها وضمورها وكمونها ونفيها خارج الأضواء والمسرح السياسي، الذي تحول إلى شركة مساهمة محدودة للقوى القومية والشيوعية والدينية والأهلية العصبية، والقاسم المشترك بينها هو انحيازها للاستبداد والديكتاتورية، ومعاداتها العصابية للحرية والديمقراطية المتعاظمة الانتشار عالميا، والقوة الوحيدة المرشحة لاكتساح وهزيمة الاستبداد والديكتاتورية، وتطهير الكوكب الأرضي من فظاعاتها وأضرارها التي لا تقف عند حدودها، والتي تملك خاصية الانتشار الوبائي، ما يفرض على المجتمع الدولي ( وخصوصا العالم الديمقراطي الحر منه ) التوحد والعمل كفريق لمواجهته والقضاء عليه بالطرق الوقائية والعلاجية والإسعافية، طبقا لكل حالة خاصة. إنها المهمة الراهنة أن يتحمل المجتمع الدولي متضامنا مسؤولية مكافحة الاستبداد والديكتاتورية في معاقلها وعقر دارها، بوصفها البيئة التي تخرج الإرهاب وترعاه وتحتضنه وتصدره خارج الحدود، وبوصفها آلية لإنتاج التخلف، وهدم وتخريب الحياة الاجتماعية المدنية الحرة، ومن الضروري للعالم الحر الديمقراطي أن لا يتخذ وضعية الدفاع، بل الهجوم، لأنه أفضل وسيلة للدفاع الشرعي عن الذات المدنية الإنسانية الحرة المتحضرة.
08-أيار-2021
24-آذار-2012 | |
13-آذار-2012 | |
21-شباط-2012 | |
13-شباط-2012 | |
03-شباط-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |