إضاءة على الحقبة الأسدية / الجزء الثاني والأخير
خاص ألف
2012-02-03
الجزء الثالث
عباءة الشرعية الثورية المزعومة :
تسلل حافظ الأسد إلى السلطة من بوابة السياسة، ولكنه وصل إلى الرئاسة من بوابة المجتمع الأهلي بألوانه وأطيافه الرئيسية، واتخذ منهجه في الحكم من نظريات ابن خلدون وميكافيللي، اللذان أسسا نظرية فن الحكم في النظم التقليدية ما قبل ظهور الرأسمالية والأشكال السياسية الجديدة التي ابتكرتها،
اعتمد حافظ الأسد لشرعنة زعامته ودكتاتوريته على ركائز ثلاث، كان لها تأثيرا كبيرا على الشارع الاجتماعي السياسي والأهلي، وتتمحور هذه الركائز على : - الفكر القومي الشوفيني -الفكر الاشتراكي الشمولي – الفكر التراثي التقليدي العصبي العشائري والقبلي والطائفي والديني، وكان التوليف بين الركائز المذكورة سهلا وميسرا، وتشكل مجتمعة عباءة الشرعية الثورية الانقلابية للسلطة الديكتاتورية الأسدية، على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وسمحت هذه الشروط والظروف المواتية بمصادرة أي فسحة مدنية- سياسية- ليبرالية، واعتبارها من المحظورات والمحرمات، المرتبطة بالعدو أو بعبارة أدق : بالجبهة المعادية، المتمثلة بالرأسمالية والإمبريالية، أي ما يدعى بالعالم الحر ( الجبهة الديمقراطية الدولية) والتي يتكون قوامها الرئيسي من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكندا، وغيرها من البلدان الديمقراطية الحرة، التي وقفت مجتمعة في مواجهة المعسكر اللاديمقراطي : القومي والاشتراكي، وفي هذا الإطار استغل حافظ الأسد وجود إسرائيل كجزء من العالم اللااشتراكي ( الغربي)، فخلط الأوراق، ولعب بالعواطف، وأقنع الكثيرين بأن السبب الرئيسي لوقوف العالم الحر ضده وضد حكمه وسياسته، هو موقفه " الوطني – القومي- التراثي" المعادي لليهود وإسرائيل، وأن الغرب يقف مع اليهود ضد العرب والمسلمين، وأن القضية هي هكذا وحسب، وصدق الكثيرون هذا التلاعب بالألفاظ لتغيير الحقيقة، وطمس الواقع والصورة، في نظر المواطن، ولكن الأمر يختلف، فالجبهة الحرة هي ضد المعسكر الاشتراكي وتوابعه من البلدان المتخلفة، سواء وجدت إسرائيل أم لم تكن موجودة، ولكن ما خدع الكثيرين هو بروز الصراع العنصري الثقافي والإعلامي والعسكري مع إسرائيل إلى مقدمة المسرح السياسي الدولي، وطغيان تلك الصورة الجزئية المسلط عليها الضوء بقوة، على الصورة الكلية للوضع :( الصراع بين الشرق الشيوعي – القومي- التقليدي من جهة، والغرب الليبرالي وحلفاؤه من جهة ثانية )، ولم يكن الصراع مع إسرائيل سوى نقطة التماس الساخنة بل الملتهبة بين منظومتي : الشرق والغرب، ولايمكن تفسير دعم الجبهة الليبرالية لإسرائيل بغير كونها جزءا من تلك الجبهة، مثلها في ذلك مثل بلدان عربية وإسلامية معروفة، وما تشويه الصورة، وتضخيم بعض زواياها وجوانبها، سوى جزء من مستلزمات ومتطلبات التحريض والتعبئة العنصرية القومية والدينية، ليس ضد إسرائيل، بقدر ماهي ضد الحرية والديمقراطية الظافرة، وتجلياتها الجديدة، بعد زوال الشيوعية، والنظام الدولي ثنائي القطب، ( شيوعي – ديكتاتوري، وغربي- ديمقراطي ) الذي كان يشكل مظلة للاستبداد والديكتاتوريات القومية الاشتراكية . لقد أصبح النظام العالمي الجديد أحادي القطب والقوة المتمثلة بالحرية والديمقراطية، المتمثلة بالبلدان المنضوية تحت مظلتها، ولكن القطب الآخر لا يزال له حضور من خلال ذيول ومخلفات وبقايا النظام القديم من الدول والبلدان التي كانت منضوية تحت مظلة المسكر الشيوعي، ولكن هذا القطب ضعيف جدا، وهذا سبب خوفه وهلعه من رياح التغيير العاصفة التي تهدد وجوده وحياته وبقاءه، وهذا ما يفسر تخبطه السياسي الواضح .
السوق السياسية السوداء :
بزوال الكتلة الرئيسية للمعسكر الاشتراكي، فقدت الديكتاتورية السورية إحدى أقوى ركائزها الشرعية الثورية : الركيزة الدولية . وبوفاة عميد النظام السوري الديكتاتوري : حافظ الأسد، وتولي ابنه بشار الحكم، بلغت سوريا من الضعف والعزلة والتخبط مستوى يؤكد قرب انهياره وزواله من الساحة التاريخية، ولم يعد الحكم الأسدي يشتغل بالسياسة، بل بالسوق السياسية السوداء، ونادي القمار السياسي، وشخصنة الرؤية والقرار السياسي، وهو أسلوب محكوم علية بالخسارة والهزيمة والفشل آخر المطاف .
القنبلة الموقوتة :
وتحت مظلة المجتمع العسكري/الأمني/ الملحق بالديكتاتور الفرد، من الأبعدين إلى الأقربين والمقربين، تنمو وتترعرع المنظمات والحركات والمدارس والجمعيات الدينية، الحاضنة الفكرية والنفسية والأخلاقية والتنظيمية للسلفية التكفيرية، القنبلة الموقوتة الجاهزة لتفجير المجتمع بأشكاله وأسمائه المدنية والسياسية والقانونية، والسير به إلى الجاهلية الدينية العمياء، التي لامكان فيها للشرع والعقل والاجتهاد والفقه والشورى وسائر القيم الإسلامية الإيجابية الخلاقة والقادرة على الإبداع والتجدد والتجديد والبناء على ما يمكن البناء عليه، ونبذ كل سلبي ضار ومخالف لضرورات التعايش الإنساني الحر المشترك والسلمي، وللمبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي وقعت علية سائر بلدان المعمورة. وتتشكل التربة الملائمة للأنشطة الأهلية/العصبية بالاتجاه السلبي لمسيرة التمدن والارتقاء الاجتماعي/الإنساني نحو مزيد من التعددية السلمية التكاملية المتفاعلة والمنتجة للوحدة الاجتماعية، بتحكيم الإرادة الفردية والجماعية الحرة، واحترام الكرامة، وحرية التنوع والاختلاف والتمايز والخصوصية، وتوظيفها جميعا لإثراء وتنمية الحياة الاجتماعية المشتركة، وجعلها بيئة عائلية متوازنة وصحية ومتعاونة، ومحفزة للفرد عملا وإبداعا ماديا ومعنويا .
الموقف الواقعي من المجتمع الأهلي :
المجتمع الأهلي/ العصبي هو أمر واقع، لاسيما في البلدان غير المتطورة، وله دوره الأساسي الذي لايمكن إغفاله وتجاهلة أو تجاوز تأثيره في الحياة الاجتماعية، وهو ليس سلبيا بذاته، لاسيما وأنه يعيش في هذا العصر وهذا العالم المعولم المفتوح على ذاته ومكوناته، والمتصل بل والمتلاصق ببعضه لدرجة استحالة العزلة فيه والهروب من عدساته وأضوائه المسلطة في الاتجاهات والعمق، والمخترقة للأجسام والحواجز غير الشفافة . المجتمع الأهلي بأنواعه يملك الصحون اللاقطة والهواتف النقالة والحواسيب والتقنيات الأخرى، ويعيش جنبا إلى جنب مع المجتمع المدني والسياسي والدولي، ويستحيل على المجتمع الأهلي أن يكون كما كانت عليه حاله في المرحلة التاريخية ما قبل الرأسمالية، لقد تعرض لتأثيرات الحضارة الجديدة منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وقد مارس أدوارا مهمة في تلك المرحلة، فيها الإيجابي والسلبي معا .
المجتمع الأهلي بعشائره وقبائله وطوائفه لا يزال يشكل كتلة اجتماعية رئيسية في سوريا كما في غيرها من البلدان العربية والإسلامية، وهذه الكتلة لاتعمل خارج الواقع الاجتماعي العام، بل داخله وفي إطاره وسياقه التاريخي السياسي والثقافي العام، فإن كان السياق السياسي ليبراليا/ديمقراطيا، فسوف يتأثر المجتمع الأهلي إيجابا، ويلعب دورا رافدا باتجاه المجتمع المدني والسياسي الحر، وسوف يسير باتجاه الاندماج التدريجي بالمجتمع الحديث، الذي ينطلق بالمجتمع الأهلي أكثر فأكثر نحو الانخراط بالعملية السياسية الديمقراطية المتنامية والمتجهة نحو الحداثة، والمهم في الأمر هو كيفية التعاطي السياسي مع المجتمع الأهلي، وتسييسه، وجعله يتقبل الديمقراطية شكلا ومضمونا، فكرا وممارسة، وبالشكل الذي يناسب الخصوصية الملموسة المتجسدة في الواقع، وعلى سبيل المثال يمكن تطبيق الديمقراطية في بلد يلعب فيه المجتمع الأهلي الدور السياسي الأكبر حجما ومساحة، كما هو الحال في لبنان، حيث المجتمع المدني والسياسي في لبنان لا يزال يتأسس وينبني على المجتمع الأهلي في تجربة فريدة وخاصة، وهذا يؤكد أن المجتمع الأهلي ليس بالضرورة عائقا وبالمطلق للعملية السياسية الديمقراطية ذات الهوية الأهلية الخاصة، بل يمكن أن يكون مساهما في بناء وتطوير المجتمع السياسي/المدني لو سارت الحركة الاجتماعية في السياق المدني/الديمقراطي الصحيح والسليم، أما في ظل السياق الاستبدادي الديكتاتوري الذي يواظب على خنق أجنة وبراعم الليبرالية/الديمقراطية، والتضييق على المجتمع الأهلي ومحاولة ترويضه وتدجينه لمصلحة الحكم المطلق، في ظل واقع ديكتاتوري كهذا، لايمكن للمجتمع الأهلي أن يلعب الدور الإيجابي المنشود، وقد تتعزز فيه النزعات العصبية العدوانية كرد فعل متاح، وكنوع من الدفاع عن الذات الجمعية وحمايتها ضد السلطة الفردية المستبدة، وتغدو النزعات العصبية : ( العشائرية والقبلية والطائفية ) المتنفس الأسهل عن احتقانات الإرادة، والكرامة ضد الاستباحة والتعديات والتسلط في كل لحظة، والسبيل الوحيد لغريزة الاجتماع الفردية، وهذا ما يفسر غلبة وشيوع الظاهرة العصبية على ما سواها من الصلات والروابط والانتماءات المدنية والسياسية، التي تم تغييبها ومكافحتها بلا هوادة، كما هو حاصل في سوريا، التي تقمع أي نسمة أو همسة ليبرالية/ديمقراطية، وتتغاضى عن الأنشطة العصبية، الذي تتخذ منحى سلبيا تناحريا متفاقما ومتأزما، ينذر بعواقب خطيرة، لا تحمد عقباها، وتشمل بأضرارها المجتمع بأكمله، وبدأ تأثير النزعات العصبية يشمل الشرائح المثقفة، ممن يعملون في الحقل المدني والسياسي الرسمي وغير الرسمي، ولهذا التوجه تأثير بالغ السوء على المستقبل الاجتماعي السياسي الوطني لسورية . وتلك هي النتيجة المتوقعة لأهلنة المجتمع المدني والسياسي بدلا من تمدين وتسييس المجتمع الأهلي / العصبي، وهو الواجب والاستحقاق الديمقراطي الأكثر أهمية في بلد كسوريا .
المشكلة والحل :
خلال فترة الحكم اللاديمقراطي الأسدي، انتقلت سوريا من السياسي إلى القبلي والطائفي، فكانت فترة انقطاع عن المدني والسياسي، ما وضع المجتمع الأهلي في الطريق المعاكسة لوجهة التطور الطبيعي، التي كانت قد بدأت في مطلع القرن العشرين، وفي مناخ غياب الحرية، والإدارة الفردية الديكتاتورية العشوائية للبلاد والعباد، تحولت الكتل والتنظيمات العشائرية / القبلية / والطائفية / والعرقية إلى ملجأ وملاذ وحضن، يتم فيه تفريغ الطاقة الاجتماعية/السياسية / للمواطن، ولحماية إنيته وكرامته الإنسانية من التعديات العشوائية للسلطة اللاعقلانية، وساهم الوضع الاستبدادي في تقوية النزعات العصبية والطائفية التناحرية بين الكتل الأهلية، وزاد من انغلاقها عن بعضها البعض، ومن تنابذها وتنافرها، وانعدام الثقة فيما بينها وتعززت المشاعر العدائية فيما بينها، ويشكل هذا الواقع المفخخ خطرا وشيكا على الجميع، وخاصة في ظروف تغييب القوة المدنية/السياسية/الديمقراطية/المعارضة، أو على الأقل ضعف وجودها وقوتها الفاعلة على الساحة السورية، وعجزها عن لعب دور البديل المرشح لكسب المنافسة في المباراة والسباق المقبل إلى السلطة .
على القوى المدنية / السياسية / الديمقراطية أن تتيقظ،وتحرص على عدم الوقوع في شرك المسلك العشائري /القبلي /الطائفي / والعرقي، وأن تعمل على تجاوز تفككها وتشرزمها وضعفها، من خلال البحث عن صيغة تحالفية تحولها إلى قوة مؤثرة وقادرة على تولي وإنجاز مهام المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية بأقل ما يمكن من الخسائر والأخطاء والكلفة،، ولابد من وصل ما انقطع مع تراثنا الديمقراطي السوري الأصيل، الذي كان قد بدأ منذ بدايات القرن الماضي، ونما وتطور واغتنى خلال نصف القرن الماضي، فكان تجربة سورية بمعنى الكلمة، وكانت ديمقراطية وطنية شكلت خلفية ورصيدا ومناخا صحيا لتطور المجتمع الأهلي بالاتجاه المدني/السياسي، وبالاتجاه الذي يبني الوحدة واللحمة الاجتماعية بين الكتل الأهلية المتنوعة، والتي لعبت دور الشريك الندي الحر، وليس دور التابع للسلطة، كما هو الشأن حاليا مع السلطة الفردية الديكتاتورية التي تمضي بنا جميعا نحو الكارثة .
08-أيار-2021
24-آذار-2012 | |
13-آذار-2012 | |
21-شباط-2012 | |
13-شباط-2012 | |
03-شباط-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |