انسداد الأفق في تصنيف السوريين بين الموالاة والمعارضة
خاص ألف
2012-02-15
كثيرا ما نلاحظ مثل الحوار التالي:
- الناس يائسة
- ولماذا تقول يائسة، هل تريد بث الرعب بين الناس؟، يبدو أنك موالي..
- موالي؟... لا أنا معارض، لكني يائس....
- لا يمكن أن تكون معارضاً وتقول باليأس... هذا يضعف همة الناس، اعرف كنت دائما شكاك بالحراك وتبث الأسئلة، لابد انك موال بلبوس معارض....
لماذا دخلنا في متاهة التصنيفات بعد سنة على الثورة، وتقسيم الناس بين موالٍ ومعارض، وكأن قصتنا تتلخص هنا، وهل نحن فعلاً قابلين للقسمة على اثنين؟
لا أراها قسمة صحيحة أبداً فمشكلتنا ليست في موالاة ومعارضة، فالموالاة لمن؟ والمعارضة أيضاً لمن؟
وهل أنتجنا دولتنا الديمقراطية التي يستطيع فيها الناس الاختيار بين من يوالي الحكومة ومن يعارضها؟
أو على أقل تقدير: هل أنتجنا تحالفات تستطيع أن تساند جهة ما لتسلّم الحكومة، وإسقاط حكومة أخرى لأنها لا تلبي مطالبنا؟
للأسف يبدو أننا مازلنا بعيدين جداً عن مثل هذا التقسيم، أو على مثل هذه التحالفات، فصواريخ الهاون، والقصف واقتحام المدن والدبابات التي تجول أرجاء سورية، لا يمكن أن تكون موالاة، ولا يمكن أن تكون تقصف مناطق معارضة، بهذا الاختزال الفج للكلمتين، وهي إن كانت تقوم بعمل فلا يتعدى أنها تقصف المدن بهدف بسط سيطرة نظام ، والقضاء على حركة الاحتجاجات الواسعة بأي طريقة كانت حتى لو بالإبادة.
مازلنا بعيدين جداً عن هذه الحالة الراقية التي تمثل مجتمعاً مدنياً بحق، وديمقراطية حقة، حيث من واجب أي مواطن أن يكون له رأي وأن يدافع عن رأيه، فما يتخذ من قرارات من قبل هذه الحكومات المنتخبة سيؤثر على الجميع موالاة ومعارضة، رغبوا بذلك أم لم يرغبوا...
نحن لحد الآن في حالة أخرى للأسف ليست بهذا الرقي في الاختلاف بالرأي، نحن في حالة دفاع عن النفس بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. هناك شعب في مواجهة نظام، هناك حركة احتجاجات واسعة بمواجهة القتل الممنهج، هناك آلة قتل شرسة بمواجهة الجميع من هو مع النظام ومن هو رافض له (ولن أقول ضده، فهناك كثير من حالات الرفض التي لا تظهر بشكل سافر، لكنها تختزن رفضها للحظة ما يتفجر هذا الرفض فيها للعلن).
الأهم من كل هذا، أن هناك فيمن يمكن القول أنهم "معارضة" أطياف واسعة، تختلف وتتفق فيما بينها، فهناك من هو مازال مع السلمية وسيلة لإسقاط النظام، مهما كان الثمن باهظاً. وهناك من هو مع عسكرة الثورة على أنه حل لابديل له لإسقاط النظام، حتى لو لو كان بتدخل خارجي. وبينهما طيف واسع يتراوح بين من هو مع السلمية مع إظهار القوة، ومن هو مع العسكرة على أن تبقى منضبطة بإطار سياسي وتنظيمي.
الأهم من كل هؤلاء، هو الشعب الذي ينزل إلى الساحات، يتظاهر ويُقتل، ويدفع الثمن الأكبر، ليس فقط من أرواحه، وشهداءه وفلذات كبده، وليس فقط من بيوته المهدمة، ومناطقه المنكوبة.. ليس فقط من رعب الأطفال، والاعتقالات والتعذيب، وليس فقط من الفزع اليومي حتى لو للحصول على ربطة خبز من مخبز يقع أمام قناص...
لا، الشعب يدفع ثمن هذه الاختلافات الواسعة بين أطياف المعارضة، التي لا تكف على تصنيف نفسها وتخوين بعضها البعض، فهناك من يريد شراء مكان له من الناس، من خلال دعمهم في ساحات المحنة. وهناك من يحاول اختطاف طرق المساعدات واحتكارها بحيث يبدو لوحده في الساحة، وهناك كذلك من يثبت نفسه من خلال تواجده بين الناس ومشاركتهم آلامهم ومآسيهم اليومية..
تنسى المعارضة بكل أطيافها، للأسف، أن ما تنعم به من حرية إبداء رأي واختلاف بين بعضها البعض، يدفع ثمنه هؤلاء المحتجون السلميون، فيحمّلونهم فوق طاقتهم وهم بعيدون عن الساحة بشكل مباشر.
وتبدو الخلافات التي تجذرت بشكل أكثر فجاجة بعد سنة من الاحتجاج، وكأن هذه الخلافات تعيق الوصول لحل يلبي طموحات الوطن، فالبعض يختزل الثورة بطائفة ما، والبعض الآخر يلعب على وتر هذا الاختزال من خلال تصريحات مواربة قد لا تبدر بالصوت العالي من فم أحد البارزين، ولكن يتم تداولها في الشارع وبين الناس.
وهناك طبعاً من هم مازالوا متمسكين بالمبادئ والأهداف التي قامت عليها الثورة باعتبارها ثورة شعب بوجه نظام قامع، ويجب التخلص منه وإسقاطه، وبناء دولة لجميع مواطنيها، دولة قانون وديمقراطية وعدل.
أما من ناحية ما يطلق عليه اسم "موالاة"، فسنجد شيئاً شبيهاً بما أسلفت سابقاً:
هناك من تماهوا بالنظام لحد عدم التمييز بينهم وبينه، فأعلنوا أنفسهم مدافعين عن وجوده واستمراره، وهؤلاء من طوائف وطبقات اجتماعية مختلفة، كانت مصالحها ومازالت مرتبطة ببقاء النظام، وهم يعلمون أن دفاعهم عنه هو دفاع عن أنفسهم أولاً وأخيراً.
وهناك كذلك، من هم للأسف مقتنعون بنظرية المؤامرة، فأتى دفاعهم عن النظام وكأنه دفاع عن وطن في وجه مؤامرة يشارك فيها عدد كبير من أبناء الشعب. وهؤلاء لا يعرفون كيف يفسرنا عدم فهم الناس للمؤامرة، فتراهم يصرخون، ويتكلمون، ويحاولوا إيصال صوتهم لفئات الشعب المنتفضة أن: ألا تعقلون، إنها مؤامرة.. مؤامرة.. إلى أين أنتم سائرون.. مثل هؤلاء أيضاً من فئات وطبقات مختلفة، وإن كان يمكن رؤيتهم في أوساط الطبقة الوسطى، والمثقفين، ومن يؤيدون التغيير، ولكن ليس بالشكل الحالي، فما يحدث من عنف من قبل النظام لا يستطيعون تحمله، ولكنهم لا يعرفون بديلاً عنه، ولا يستطيعون إيقافه، فنراهم محتارين بين وحشية القمع من جهة وعدم فهم الناس للمؤامرة من جهة أخرى.. فلا يستطيعون اتخاذ موقف واضح، لكن موقفهم بالعموم يخدم النظام.
أيضاً سوف نرى الفئة الانتهازية، ومن استغل الأوضاع لصالحه ولصالح تحقيق مكاسب ولو كانت آنية، نرى هؤلاء بين فئتين بينهما فجوة طبقية، بمعنى نراها في أوساط التجار والمسؤولين الكبار، وهم من استرزق من وراء الثورة، ومن وراء الاحتكار. هؤلاء بينهم تجار، اغتنوا من وراء الاحتكار وفقدان المواد، وساهموا في هذا الاحتكار، وعلى الرغم من أن بعضهم أبقى يداً في النظام ويداً في المعارضة، إلا أن ما يجري لا يمكن أن يغفر لهم محاولاتهم الكسب من وراء الوضع الاقتصادي المتردي للبلد وللناس.. هؤلاء لن تسمعهم يعبرون عن رأيهم صراحة أو علناً.. وهم بصمتهم مشاركون في زيادة القمع المطبق على الناس...
أما المسؤولين وخصوصاً كبار المسؤولين، وهم من اغتنوا وحققوا نجاحاتهم من وراء تأييدهم التاريخي للنظام، فلن نراهم ينشقوا للأسف، ولا يمكن أن ينشقوا، فهم يفضلوا "طردهم" كما حصل للسفراء السوريين في بلاد كثيرة، على أن يعلنوا انشقاقهم عن النظام، وهو الذي رعاهم وأعلى شأنهم، ومكّنهم مادياً ومعنوياً. هؤلاء هم مرابين جدد لا يمكن أن نراهم في مكان آخر، وهم كذلك من كل الطبقات والفئات الاجتماعية، ومن كل الطوائف كذلك..
أخيراً لدينا المهمشين، وهم الأقل ثقافة، والأقل استفادة من النظام، ولكنهم أعلنوا ولائهم له، لمكاسب تافهة حظوا بها على يده.. مكاسب لا تغنيهم عن جوع، لكنها قد تسد الرمق.. هؤلاء دفاعهم عن النظام بسبب أنه الحامي، والراعي.. والسند، ولا يستطيعوا أن يتخيلوا البلد بدونه.. خوفاً مما قد يحصل لهم لاحقاً من مزيد من الإفقار أو التجويع، ونرى بينهم الكثير من الملتصقين طائفياً بالنظام ، ونستغرب بقائهم معه على الرغم من إفقارهم وتهميشهم لعقود طويلة..
وهؤلاء، أي المهمشون، لا يمكن قطع الصلة بينهم وبين النظام إلا بفهم أنها ثورة طبقية، وأنها ستكون لصالحهم كفقراء، وأن مصالحهم مرتبطة بدولة تحميهم وترعاهم، لا بفئة حاكمة تستغلهم وتركب على مخاوفهم.
وهم يعوّل عليهم في حسم المعركة مع النظام، لأنهم الأكثر صدقاً بين الفئات السابقة، ولكن العمل عليهم ومعهم يتطلب وعياً وفهماً أفضل بكثير من المتداول حالياً، أي بمعنى يحتاج لتوسيع فهم الثورة باعتبارها ثورة طبقية، أتت لتمكين الناس، وتوزيع الثورة، وإيقاف النهب والاحتكار والفساد...
إن الخلافات التي نراها اليوم بين الفئات الرافضة للنظام، ستساهم في تكريس بقائه بنظر الموالين له.
للأسف، يبدو أن المعارضة لم تعمل على ما سبق، المعارضة بالجملة وبكل تشكيلاتها السابقة، ويبدو أنها بحاجة لترميم الفجوات التي أحدثتها في المجتمع وفي الثورة، وهو ما يحتاج لجهد كبير، إن كنا مازلنا نراهن على تحقيق النصر اعتماداً على جهودنا الذاتية، وعدم اللجوء للخارج، أو للتدخل العسكري..
العمل الاجتماعي والواعي وإبقاء تحالف فئات "إسقاط النظام" مجتمعة، هو هدف بحد ذاته، ويحتاج إلى تكريس مفهوم الوطن والمواطنة، في وجه مفاهيم مثل الأقليات والطائفية... وهو ما سيجعل انتصارنا ممكناً بأيدينا كما نتمنى ونسعى.
خولة دنيا
15-2-2012
08-أيار-2021
14-أيلول-2012 | |
06-أيلول-2012 | |
27-آب-2012 | |
19-آب-2012 | |
03-آذار-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |