Alef Logo
يوميات
              

ثورتنا الجميلة، أما آن لها أن تستريح قليلا؟

خولة دنيا

خاص ألف

2012-02-23

عندما كان النظام يروج لوجود المسلحين، ويدس شبيحته بين المتظاهرين السلميين، كي يطلق أحدهم طلقة البداية، وبعدها ينهمر الرصاص على المتظاهرين. وقتها كنا نرى الكثير من الأفلام التي تصور هجوم الشبيحة ببواريدهم، أو بمرافقة رجال الأمن، أو وهم يحملون العصي ليضربوا بها المتظاهرين. أيضاً كنا نراهم في الشوارع، وبين الناس، وأحياناً مصطفين بنسق يحسدون عليه، بانتظار مظاهرة ما، أو تحسباً لمظاهرة ما.
اليوم لم نعد نراهم، كما لم نعد نرى رجال الشرطة المسلحين، إلا في مناطق محددة، أو أوقات الضرورة في العاصمة، أو المدن التي يقال أنها هادئة. لقد أخلوا مكانهم لآلات أكثر وحشية، أخلوا أماكنهم للمدافع، والدبابات، وتراجعوا خطوة إلى الوراء، أصبحوا جيش المشاة، التي يدخل إلى المنطقة بعد اكتمال القصف، كي ينهي ما بدأته الآلات الثقيلة، فينهيه على أكمل وجه..
يجب أن يتوقفوا عن تسميتهم بالشبيحة، أصبحوا رجال نظافة الآن... ينظفوا الأمكنة من سكانها، من أملاك سكانها، ينظفوا الجيوب وأيدي النساء والبيوت من المصوغات والنقود، أصبحوا يأخذون أجورهم بأيديهم، وبعرق جبينهم كما يقال..
لم يعد غريباً أن نرى سيارات الجيش كما في الماضي، تمتلئ بالأثاث والمنهوبات، حتى أننا لن نستغرب رؤية دبابة محملة بالعفش، لتنهي حملة دهم ومحاربة للأعداء الوهميين.
قرأت عن الأجهزة الالكترونية التي تباع بكميات كبيرة في سوق الحرامية (كثيراً ما كان يتبادر إلى ذهني سؤال: ماذا يفعلون بكل هذه الأجهزة والتقنيات والعفش الذي يسرقونه؟)، يبدو الجواب مناسباً تماماً: ما يسرقه هؤلاء الحرامية، لابد أن يباع في سوق الحرامية..
كما قرأت عن سرقة يمان القادري من قبل زملاءها الأطباء، حتى الأطباء، ومن سيهتمون بصحتنا في المستقبل تحولوا إلى حرامية!
مالذي يفعلونه بأرواح الناس، بأخلاق الناس؟، بأبسط بديهيات الحياة بين البشر؟
يستطيعون أن يقوموا بمسيراتهم الهزلية وهم يحملون عصيهم، ويقفون بوجه أي شخص يهتف هتافاً مخالفاً لما يريدون، نعم فقد حولوا جميع مواليهم إلى (هتيّفة، بلطجية، حرامية.. عديمي الأخلاق)، أما باقي الموالين، فهم يعتكفون بانتظار لحظة الانتصار الموعودة، تلك التي ستأتي بعد تدمير بابا عمرو (كما يظنون)، متناسين باقي المدن والحارات والقرى، كما متناسين أن تفجّر الغضب في سوريا، لا يمكن القضاء عليه بالسلاح.
أكثر ما يحزنني، ربما، ما نجح النظام في تحقيقه، فهو لم يكتفي بتخريب النفوس بين الموالاة، بحيث أفقدهم حسّهم الإنساني، وأعماهم خوفاً عن رؤية ما يجري ما أخوتهم السوريين، أو لن أقول أخوتهم، يكفي أنهم شركاءهم في الوطن.
نجح في بث الفرقة بين أطراف المعارضة كذلك، فنحن نعلم أن النظام بأسلوبه التخريبي وكذلك باختراقه لكثير من التشكيلات المعارضة، بأسماء ولافتات متنوعة، استطاع تحقيق أكثر من غنيمة، من جهة استطاع القضاء على كثير من معارضيه من خلال الاعتقال والقتل والتهجير، ومن جهة ثانية لعب ومنذ أول يوم على وتر الطائفية المرّ، ونجح في تحييد المعارضين من الأقليات، على جنب، فأصبغ لوناً واحداً على الثورة، ساهم بعض المعارضين في تثبيته، إما طمعاً في مكاسب لاحقة، أو جنياً لأرباح آنية من خلال تأكيد الطابع الطائفي للمعارضة، وأن ما يقوم النظام به وراءه غرض طائفي وموجه لفئة واحدة.
للأسف حملات التخوين التي بدأنا نراها لا يمكن عزلها عن هذا السياق أبداً، فهي تتناول في كثير منها معارضين من ألأقليات، وهذا يصب مباشرة في خدمة النظام وطائفيته.
ومع الغضب الحاضر دوماً، ومع مطالبة الآخر طوال شهور بأن يعلن موقفاً واضحاً من النظام، كان الحل كما هو الآن، بتحييد المعارضين وتكريس طائفية الثورة، وهو ما سيكون وبالاً علينا في القادم من السنوات، سواء انتصرت الثورة (وهو ما نتمناه ونعمل عليه)، أو (كاحتمال لابد أن يوضع أمامنا مهما كان حجمه) نجح النظام في القضاء على الثورة...
سيكون الفرز واضحاً جداً في كلتا الحالتين، ويحتاج لسنوات طويلة، وربما عقود للتخلص من آثاره.
وإن كان النظام الطائفي، لا يهتم سوى ببقاءه مهما كان الثمن، ومهما كان مصير السوريين من مؤيدين أو معارضين.
فيفترض بالمعارضة أنها تهتم، تهتم باللحظة الثورية الحالية، كما تهتم بالقادم من السنوات، التي يفترض أن نقضيها في إعادة البناء والتنمية، وتكريس مفاهيم الثورة من عدالة ومساواة، وتحسين ظروف الناس المعيشية، وإعادة التوازن للحياة السياسية والثقافية والاجتماعية. وليس للانشغال في تصفية الحسابات والانتقام والثأر..
نعم نجح النظام في أكثر من نقطة لحد لآن:
- نجح في جعلنا نختلف فيما بيننا بحيث نسينا ما كنا بدأناه من شعارات ومطالب، في كثير من الأحيان.
- نجح في جر الكثيرين للتسلح..
- نجح في تكريس الطائفية حتى بين أفراد المعارضة
- نجح في فرز المجتمع طائفياً، بعد أن كان لعب على هذا طوال عقود واليوم يجني ما عمل عليه.
- كما نجح في إظهار أسوأ مافي الموالين له، حيث حولهم لوحوش، لا يمكن أن تقف الآن عند حد، بعد أن ذاقت طعم الدم والمال سوية، وهو ما سيكون التخلص منه وتحويلهم إلى بشر من جديد، عمل قاسي إن لم يكن مستحيلاً، بحاجة لسنوات طويلة من إعادة التأهيل.. وهو ماقد لا تقدمه الثورة بعد انتصارها، حيث سيكون البعض كذلك مشغولين بالانتقام والثأر.
من جهة ثانية:
- نجح النظام في جعلنا مستمرين في ثورتنا ونريد النصر بكل إرادة وتضحية مهما كان الثمن
- نجح النظام في إعادة التكاتف الاجتماعي، والشعور بالمواطنة والتشارك بين الفئات الشعبية.
- نجح في تكريس مفاهيم الحرية، وضرورة وجودها في المجتمع بعد غياب.
نجح في زيادة الوعي بالسياسة والتمييز بين المواقف الصالحة من الطالحة، بعد أن كنا أميين سياسياً.
- نجح النظام في تحويل سورية لبؤرة توتر تنغص عليه ليلاً ونهاراً، ويحتار بكيفية القضاء عليها بعد أن جرب كل الوسائل التي يمتلكها.
أما المعارضة الرسمية، فللأسف لم تكن على قدر ومستوى المطلوب منها، حيث استسهل البعض منها، النصر السريع الذي تحقق في مصر وتونس، فحاول ركوب الموجة من أول يوم بغية تحقيق تميز وامتياز الأول في السبق.
والبعض الآخر، وبعد أن كان خطابه وطنياً، عاد ليأخذ لبوساً طائفياً، فانكشف من جديد، وهو يحاول تكريس وجوده بين الصفوف المتقدمة للمعارضة.
البعض حاول احتكار المواقف الوطنية، فادعى ولو على لسان غيره، أنه الوحيد الذي يساعد السوريين في محنتهم، وأنه الوحيد من تقبل كلمته.
بينما احتفظ الكثير كذلك بالمواقف الوطنية المساندة للثورة، والمتجاوزة لخلافات واحتكارات السلطة الوهمية التي تتراءى للكثيرين اليوم.
ونحن نرى كل هذه الألاعيب والتناقضات لا نمتلك سوى أن نكون شعباً يجب أن يكون متماسكاً بوجه الاستبداد من أي جهة كانت، نظاماً ومعارضة. ولنعمل على تقليص سنوات محنتنا وألمنا، بزيادة وعينا بأننا طائفة واحدة هي طائفة الحرية، بوجه طائفة الاستبداد والتشبيح والقتل.
ما ينوء به الشعب السوري اليوم وبعد قرابة السنة من الثورة، ليس بالسهل أبداً، ثمن كبير لم يكن ليتخيل أحد أنه واجب الدفع للتخلص من العبودية والاستبداد.. لكن يتم التأكد اليوم كذلك على أن الشعب السوري، حي وواعي وقادر على تجاوز المحنة، كما على تجاوز ما سيليها من إرهاصات لابد منها لإعادة بناء دولتنا المنشودة.
خولة دنيا
23-2-2012

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

القتل على مايبدو سهل.... فهل التعايش مع القاتل سهل كذلك؟

14-أيلول-2012

المثقفون والارتداد إلى الطوائف....

06-أيلول-2012

جميلون حتى في موتهم...

27-آب-2012

في انتظار العيد.... وقفة

19-آب-2012

بابا عمرو.... يا عمري واللوز يا عينيَّ

03-آذار-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow