القدسُ.. الثالث المرفوع
2012-04-26
بدايةً، أنا لا أُدينُ أحدًا. لأننى تعلّمتُ أنه لا ديّانَ إلا الله، جلّ وعلا؛ ولذا فإدانةُ البشر فى رأيى قلّة تهذُّب مع الله. فى هذا المقال لن أطرحَ وجهة نظر، لأننى للحقّ أخفقتُ أن أُكوّن رأيًا حاسمًا فى هذا الشأن. إنما هى تساؤلاتٌ أطرحُها معكم، كعصف ذهنىّ، أعلمُ سلفًا أنها لن تُفضى إلى يقين، اللهم إلا اليقين الوحيد بأنه لا يقينَ هناك، إلا الله: الثابت الأوحد فى الكون.
تعوّدنا، نحن الشعراءَ المصريين، رفضَ أية دعوة لمهرجان عالمىّ يشارك فيه شاعرة إسرائيليّـة. ورفضتُ، كما معظم مُبدعى مصر، ترجمة قصائدنا للعبرية، أو الظهور فى مجلات إسرائيلية، أو حتى عربية داخل الخط الأخضر.
وكان ثمة رأىٌّ مُعارض لهذا التوجّه الجمعىّ يقول إننا بهذا نخلط الشعرَ بالسياسة، ونُكرّس عُزلة الفلسطينيين، حين تجبُ مساندتُهم. وأذكرُ حين كنتُ أعمل مع زوجى مهندسيْن فى مكتب «صبّور» الاستشارى بالدقّى قبل ١٥ عامًا، أن جاءتنا دعوةٌ لندوة نظّمها مكتب «صبّور الفرّا» فى القدس. لكننا رفضنا أن توصَمَ جوازاتُنا بختم إسرائيل. وحين كان ابنى مازن صغيرًا فى المدرسة، علّمته ألا يكتب كلمة: «إسرائيل»، على خريطة الوطن العربى، تحت أى شرط.
قال لى: «يا ماما، سأرسب فى الجغرافيا!» فقلت له: «ارسبْ فى الجغرافيا، وانجحْ فى التاريخ»، وكان هذا عنوان مقال قديم لى. هو إذن رفضٌ شعبىٌّ للتطبيع، وإن أقرّته حكومةُ مصر. ذاك أن الشعبَ لا يُجبَر على قبول ما باركه الحاكمُ. وكلّنا أشدنا بموقف البابا شنودة حين رفض طوال ٤٠ عامًا زيارة القدس، ومنع أقباطَ مصرَ من الحج، إلا بعد تحرّر فلسطين ليزوروها مع إخوانهم المسلمين. وحتى الأقباط الرافضون هذا القرار، ازداد البابا فى نظرهم علّوًا واحترامًا، وإن حرمهم من حُلم أبدى بأن يلمسوا كنيستىْ «المهد»، مسقط رأس السيد المسيح و«القيامة»، حيث دُفن وقام. أورشليم بالنسبة إليهم مثل الكعبة والحرم النبوى بالنسبة إلينا، نحن المسلمين.
ويبقى السؤال: أىُّ الموقفين أصحّ؟ الموقف المتشدد الذى يرفض مجرد رؤية كيان ناتئ مرفوض، فلا زيارةَ ولا مفاوضاتٍ ولا مصافحة؟ أم الموقف الذى يرى أن الرفض قد يحدث بالغزو والزيارة، وإعلان ذلك الرفض على أرضهم، الأرض المحتلّة؟! معضلةٌ فلسفية لم أقف بعدُ على حلٍّ لها، وإن انتهجتُ فى حياتى الموقفَ الأول.
نحن نميّز جيّدًا بين اليهود وبين الصهاينة. فالأولى عقيدةٌ نقبلها كما نقبل جميع الرسالات السماوية، فيما الثانيةُ توجّهٌ أيديولوجىّ عنصرىٌّ فاشىّ. والبشريةُ كلُّها مَدينة لليهودىّ ألبرت آينشتاين الذى غيّر وجه العلم. لكننا كشعب نرفضُ الكيان الإسرائيلى ولا نقبل وجود دولة باسمهما فى الجسد العربى.
لنا فى القدس المسجدُ الأقصى، قِبلتُنا الأولى، وثالث الحرمين، الذى دأب جنودُ صهيون على إهانته. ولأقباطنا فى القدس بيتُ لحم وقبر السيد المسيح. وهناك كنيسة «الميلاد» التى صلّى فيها المسلمون جوار المسيحيين فى عهد الفاروق عمر. لنا فى القدس إذن أكثرُ مما لهم؛ فهل نزوره أم نمتنع حتى تتحررَ الأرضُ؟ الأرضُ لنا، كما صدحت فيروز عن مدينة الصلاة. فلماذا نرفعُ السياطَ على بعضِنا البعض فنغدو جلادين فقيرى الروح، بينما اليقينُ غائبٌ، والصوابُ مُلتبسٌ مع الخطأ؟! زيارة المُفتى للقدس، إما خطأٌ، وإما صوابٌ. والثالث الأرسطىّ مرفوعٌ! صدقًا، لستُ أدرى. ربما خطأٌ منطوٍ على صواب، أو صوابٌ مشوبٌ بالخطأ! وربما لا هذا ولا ذاك! لستُ أعرف! وتظلُّ القدسُ جُرحَنا الغائر. وسؤالَنا الأبدىّ.
عن المصري اليوم
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |