احذروا أن يُسرَق «الهرم»!
2012-05-29
نحن فى لحظة تاريخية فريدة، لم يعشها آباؤنا ولا آباؤهم وصولاً إلى عشرات القرون للوراء. دوّنوا فى مذكّراتكم هذا التاريخ: ٢٣ مايو ٢٠١٢، لكى تحكوا لأحفادكم أننا، لأول مرة فى تاريخ مصر، نختارُ حاكمَنا بإرادتنا الكاملة. علينا أن نقبضَ على لحظة الاستثناء تلك، ونفرحُ بها، مهما كانت النتائج. لأن القاعدة السياسية تقول إن كلَّ شعبٍ مُستحقٌّ حاكمَه. فكما أن الطغاة يحكمون رغماً عن إرادة الشعوب، إلا أن الشعوبَ حلّت تلك الظاهرة بابتكار كلمة: «ثورة»، فتكون المعادلة كالتالى: الطاغيةُ يقتنص وطناً- الشعبُ يصبرُ حيناً ثم يثور- يسقط الطاغيةُ ويحكم الثوارُ- يتقدم الوطنُ ويزدهر. وما حدث فى مصرَ قريبٌ من هذا: طاغيةٌ- ثورةٌ- إسقاطُ طاغية. لكن الثوّارَ لم يحكموا! لماذا؟ لأن القنّاصةَ المُدرّبون على القنص اختطفوا الثمار، قبل نضوجها. لكننا مع هذا فزنا بلحظة استثنائية لاختيار رئيس قد يُعيدُ الثورةَ إلى أهلها، أو قد يُهرقُ عصيرَها فى بطون القناصة، ولا عزاء لأحد، والسلام.
علينا أن نقبل أى نتيجة، ببساطة، لأننا مَن كتبها. لم نأتِ بشعب آخر لينتخبَ لنا. لهذا فنحن اختيارُنا، واختيارُنا نحن. كما يقول الإمامُ السيوطى: «اختيارُ المرء جزءٌ من عقله». إن اخترنا دولةً عسكرية أو دولة دينية، فلابد أن نتحمّل تبعات هذه أو تلك. ولو اخترنا دولةً مدنيةً ليبرالية نجونا بمصر من الويل المقيم. الدولةُ العسكرية يحكمها السلاحُ والحسُّ البوليسىّ. ولسنا بعيدين عنها، فقد عشناها ستين عاماً. أما الدولة الدينية فرجالُها يعتبرون أنفسهم ظلالَ الله على الأرض، ومن ثم فليس فى معجمها كلمة: «ثورة»، لأن الخروج على الحاكم حرامٌ شرعاً.
فالثوارُ مُهدَرٌ دمُهم سلفاً. وفى هذا يقول الإمام ابن تيمية: «أن تبيتَ أُمّتى فى ظلّ حاكم جائر دهراً، خيرٌ من أن تبيتَ ليلةً دون حاكم». وهو القائلُ أيضاً: «القولُ ما قُلناه ومَن قال خلافَ هذا، يُستتاب، فإن تابَ، وإلا قُتل!» وبالتالى علينا- كشعب- أن نرضى بحاكمنا الدينىّ، عادلاً كان أم غير عادل، صامتين، صابرين، حتى يقضى اللهُ أمراً. وطوال تاريخ الإسلام لم نعرف، بعد الخلفاء الراشدين، حاكماً عدلاً سوى «عمر بن عبدالعزيز»، أين هو؟! ولسنا بعيدين عن تصوُّر الدولة الدينية أيضاً. لأن الله- تعالى- قد أعطانا «بروفة» لها فى الشهور الماضية. فالبرلمان الحالى ليس إلا صورةً مُخفّفة مما ينتظرنا لو اخترنا الحكم الدينىّ. أولئك هم المنشغلون بـ«مضاجعة الوداع، وختان البنات، وتزويجهن عند سن ١٢ عاماً». أولئك هم من يريدون منع تدريس اللغة الإنجليزية فى المدارس، ويرون فى حضارتنا الفرعونية العظيمة «حضارة عفنة»، يودّون لو هدموها!
أولئك المنشغلون بتجميل الأنوف سيضيقون الخناقَ على الفنون الجميلة، من تشكيل ونحت وتصوير ومسرح وشعر وسينما ورواية وأوبرا. أولئك مَن سيجعلون من مصر الهائلة مجرد إمارة تابعة لدول مازالت تخطو خطوَها الأول نحو المدنية. ولأن اللهَ الرحيم قد كرّم الإنسانَ بنعمة «الاختيار»، فقد منَّ علينا بهذه «البروفة» كى يفوّت علينا حُجّة الإنسان الأبدية: «لم أكن أعرف!». بل عرفنا، وعلينا الاختيار. أنت أيها الإنسانُ، إذن، بلا عذر. واختصامُنا الدولةَ الدينية ليس اختصاماً للدين، بل على النقيض، هو رفضٌ للمتاجرة بالدين والمزايدة على الناس باسمه. فيقمع الحاكمُ شعبَه بزعم أنه أكثر منهم إيماناً. ولنا فى أوروبا القرون الوسطى أسوةً غير حسنة، لنتعلّم منها، ونحذر. الهرمُ الأكبر لدى المصريين اليومَ هو الوعى والإرادة والاختيار. فاحذروا أن يُسرق منّا الهرم!
[email protected]
عن المصري اليوم بالاتفاق مع الكانتبة
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |