رأس نفرتيتى.. أسرقُها؟
2012-06-23
ها هى نفرتيتى التى دوّخت الدنيا! خصّها الألمانُ بقاعة واسعة منفردة بالطابق الثانى بمتحف برلين الحديث. يقفُ حارسٌ مهيبُ الركن عند مدخل القاعة. يشير لك بأن تُنحى الكاميرا فى جيبك، قبل دخول حرم الملكة. التصوير ممنوع قطعيّا. هنا «فقط!» رغم إباحته، دون فلاش، فى سائر قاعات المتحف الشاسع بأدواره الأربعة! عبثا أخبرُه أننى مصرية، ومن حقى أن ألتقط صورةً لجدتى! يومئ رأسُه يمنةً ويسرةً، دلالةَ الرفض القاطع! أشيرُ إلى خاتم إصبعى، الذى يحمل رأسَ الملك «إخناتون»، زوجها! فيبتسمُ قائلاً: «مادامتْ جدّتك دعينا نُكرِّمها، كما يليق باسمها!» وخِلتُه كأنما يهمس: «نحن لسنا مثلكم! نسمح بأن يقول أحدُهم: الحضارة الفرعونية (عفنة)، ثم لا نُسقط عنه الجنسية المصرية! نحن لا نراها (أوثاناً)، كما يراها بعضكم! بل هى إرثُ الإنسانية الهائل الذى شيّده المصريون، وقت كنّا، نحن الأوروبيين وسوانا من الشعوب، نرفل فى البداءة، وتتعثر خُطانا فى الحبْو الأول نحو النور! نحن ندفع ٣٩٠ مليون دولار بوليصةَ تأمين على الرأس العظيم». أخجلنى! فأطرقُ وأمضى حزينةً نحو جدتى. أعتذرُ لها. فتسألنى عن مصرَ وأحوالها. ولم أشأ أن أحكى لها «ع اللى جرى»، كيلا تحزنَ فى غربتها.
أختلسُ النظرَ للحارس. فيبادلُنى الرَّيبةَ بمثلها! ماذا لو أخبرتُه عن نيّتى الشريرة، وعزمى أن «أسرقَها»، لأُعيدَها إلى بلادى، حيث يجب أن تكون؟! تتصارعُنى فكرتان، كلتاهما حقٌّ. من حق مصرَ استعادةُ كنوزها، هذا حقٌّ. لكنها مُكرّمةٌ هنا أكثر، فى بلاد يُقيّمون كنوزنا، أكثرَ مما نفعل! هذا أيضًا، للأسف، حقٌّ! منذ عام ١٩١٣- تاريخ سفر الجميلة إلى ألمانيا بعدما اكتشفتها بعثةُ التنقيب الألمانية بقيادة عالم الآثار «لودفيج بورشاردت»، ووقوعها فى نصيب ألمانيا، إثرَ خدعة فى توصيف أهمية التمثال- وألمانيا تقوم بأعمال أسطورية للحفاظ على الصيد الثمين، خلال حربين عالميتين هائلتين من قنابل بريطانيا وقنّاصة الآثار. وقتها قال بورشاردت: «أصبح بين أيدينا أجملُ الأعمال الفنية المصرية الباقية. مستحيلٌ وصفُه بالكلمات، يجب أن تراه».
تتحلّق النساءُ حول الجميلة فى صندوقها البلّورى الضخم الذى يحافظ على درجة حرارة ثابتة ومثالية، لحماية ألوان التمثال لكى يصمدَ ويعبر الأزمانَ والتاريخَ، مثلما عبرَ البلادَ والجغرافيا. إنه إرثُ البشرية حتى نهاية الأبد. صنعه نحّاتُ البلاط الملكىّ «تحتمس» عام ١٣٤٠ ق. م. كانت الملكة التى يعنى اسمُها: «الجميلةُ أتت»، تذهب إلى الاستوديو الخاص بالفنان فى «تلّ العمارنة»، لتقفَ أمامه كموديل. تشخصُ زائراتُ المتحف من الألمانيات وغيرهن فى وجه الملكة. ليتعلّمن كيف كانت تضعُ الكحلَ حول عينيها الساحرتين. ساحرتان عيناها وإنْ طُمسَت اليسرى. أنفُها الدقيق العالى، جبهتُها المشرقة، شفتاها الحادّتان، لونُها الخمرىّ المشرَّب بطمى النيل، عنقُها الطويل النحيل، حاجباها المصريان الكثيفان، ابتسامتُها الراقيةُ الغامضة، قُلادتُها الذهبية الأنيقة وتاجُها الملكىّ، جميعُها تُنبئ بما كتبه التاريخُ عن عظمة بلادنا وتحضّرها، قبل آلاف السنين. محاولاتٌ مصريةٌ دؤوبٌ جرت على مدى عقود لاستعادة التمثال. باءت جميعُها بالرفض الألمانىّ الحاسم. وحين طلب الرئيسُ السادات استعارة رأس نفرتيتى ليراه المصريون رفض الألمانُ قائلين: «نثقُ فى كلمتك، لكننا نخشى أن يرفض المصريون إعادتَها لنا!» تُرى، هل أحسنوا الظنَّ بنا؟!
عن المصري اليوم
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |