قراءة في مجموعةحين تلفّت النهر/ لفوزي باكير
خاص ألف
2012-10-25
تشكيلٌ جديدٌ لمفردات الحياة وتناقضاتها
في سَير النّهر يبتدئ "فوزي باكير" مجموعته الشعريّة "حينَ تَلَفّتَ النّهر"، يُقدم تساؤلاتٍ عدّة، الإجابةُ عنها محصورةً بين ضفّتين، فتراهُ مرّةً يَجرِف اليقين، ومرّةً يترُك احتمال الوصولِ إليه جارياً دون توقف.وكأنّه استخدم الطين لصياغة القصيدة، وبلّل المعنى بالماء، فنهض جسدُ القصيدةِ يجري ضمنَوحدةِ الموضوعِ التي تميّزت بها المجموعة.
لماذا
تمنحُ السماءُ
وهي ترى
بأمِّ غيِمها
أنَّ الأرضَ
تُلقي به
في هاويةٍ
من الحنينِ
والظَّمأ...
في "حينَ تَلَفّتَ النّهر" نجدُ صياغةً جديدةً لفكرة الحياة، بدايتها ونهايتها، سُكونها وضجيجُها، انحدارها واستقرارها، هديرها وهسْهَستها، حتى صار النهر مرآةً بانعكاساتٍ متعددة،تصطادها في قصائده وأنت تُراقب تقلبات الماء وحركته.
النَّهرُ
جنازةٌ
تحملُ على أكتافِها
جسداً مائياً
لا يكفُّ عن الانتحارْ...
تنقسم مجموعته الشعرية إلى ثلاثة أقسامٍ تتأرجح بين بدايةٍ للنهر الذي أخذ شكلاً رمزياً لمسيرة العمر، وبين المرايا التي تصير وجوهاً متعددةً تُفصِح عن صورٍ تَعمَّدَت بماء النهر، لننتهي إلى خلاصات هذا العبور. فنجد أنفسنا على ضفّة الإجابات دون أن نلتقطها، وكأنها دورة الزمان التي نمرّ بها، فنمشي من تكوينٍ إلى آخر، ونتبع النهر كبوصلةٍ تُشير إلى اتجاهاتٍ متناقضة.
في شِعر "باكير"، نقرأ اختزالات متقنة لصيرورة الحياة، فنذهب إلى صورتنا في هذا العالم، يُغريك النّص بالدخول إلى عُمق المعنى، فيصير القارئ صياداً ينتقل من فخٍ إلى فخ ليراقب طريدة "باكير" التي حرّرها على امتداد القصيدة على هيئة استفهام لأسئلة وجودية.
نزعمُ أنّنا نعرفُ البئرَ
وما عليها من غطاءٍ
فلماذا عندما جربَ أحدُهُم
أن يقيسَ عُمقَها ذاتَ ظمأٍ
قلنا: لقد انتحر..؟!
في توصيف المجموعة يقول الشاعر العراقي عبود الجابري: (بين الماء والضّوء، يتنقّل فوزي باكير، مثل (نرسيس)، خجلًا خائبَ الأمل، يـخشى أن يرى حقيقة وجهِه، فلا ينعم بفضيلةِ الانتحار الذي يمنحه الخلود، ولا الضَّوء يعكس حقيقةَ ما يشتهي من الظّلال في ما يكسره من مرايا قاتمة، ولا الماء يصفو من حوله ليعكسَ تقاطيعَ الوجهِ الذي يريده مفتاحًا لأبوابِ الحياةِ التي يرومُ الدّخولَ في جنّاتها الـمُتَمَنِّعة، وحين أُسقِطَ في يدِه، لجأ إلى اختراع مراياه ومَهْرَهَا بما يرغب من انعكاسات، رأى أنّها الأقرب إلى تشكيل صورة وجهه الذي لا يراهُ سواه، وحين قرّتْ عيونُ الحروفِ بين يديه، أعلن عن لا جدوى الحوار مع الماء والشّمس والمرايا، فكتب مراثيه كفارسٍ ينعى حصانَه في ذروةِ الحرب، فوزي قادم إلى كوكب الشّعر بخيولٍ تَغِيْر دون أن تسمحَ للطّين أن يَعْلَقَ بحوافِرِه).
بين طيّاتِ القصائد ينقلبُ النهر على هيئة امرأةٍ، فيتيه القارئ من منهما أنجب الآخر، النهر أم المرأة؟لتجرفك أنثى القصيدة إلى ذاك العشق الذي فاض فغطى الأرض بماءٍ يَشِذّ بقصدِ الغواية عن ملوحتها المتسللة في حلاوة الماء. فيصير النهر والمرأة سيلاً واحداً، يُغرِقك في تيارات الشِّعر، فتغرق ذات قصيدةٍ.. وتطفو بأخرى.
منذ سريرٍ
لم يمرَّ نهرُها
ليقطَعَني
تستريح إلى ضفة العناوين التي صارت مستراحاً لكلِّ سابحِ في ماءِ يتلفّت ليطمئنَّ أنّك تشرب من عطشه.
المرايا:يرميها "باكير" أمام وجهك لتتمعن بها، فتقرأ تفاصيلك المتشابهة والغريبة في آنٍ معاً، مرايا "باكير" ليّنة بانحنائها ، قاسية في رميّ الصورة، مُنكسرة كجُمَلٍ حزينة، مصقولة كجسد النهر. يمرُّالضوء عبر القصيدة، فيرمي انعكاساتالحياة من وجهة نظر الشاعر عبر مفردات تأتي لتضعنا أمام التّفَكُرِ في ماهية الأشياء التي نَتجاذب التعاطي معها في مسيرتنا الحياتيّة.
تُرى،
كيف ستبدو الوجوه
لو قُدِّرَ للمرايا
أن يهرَم فيها الضَّوءُ
وتَشيخ؟
في القسم الأخير من المجموعة يدخلك "باكير" إلى تحولاتٍ كثيرةٍ، فتُغلَقُ نصوصه على نهاياتها، وكأنّ القصيدة راحت إلى مصيرها الأخير، فحملت شاعرها على الريح التي كانت تعبر في كل القصائد لتحرّك النهر دون أن ينتبه لها أحد.
يُغلِق النهر عينه ويتلفّت متسائلاً: أيتبعُني الماء؟؟ وكأنّه حالنا حين نرمي أعمارنا إلى ظلالها فنتلفت إليها قلقين من أن ينهزم الظلُّ بالعمر.
لنهر "باكير" موسيقا خاصة، يتسارع إيقاعها بحسب تسارع جريان النّص، وقد يمرُّ الصمت كعلامةٍ موسيقيةٍ بين مقطعٍ وآخر، الزّمن عنده مُدْرَكْ، مُقاس بتحولات الفكرة. استطاع تطويع موسيقا النصبمجمل مفرداته كعازفٍيُدرك سرَّ مفاتيح اللّحن، فصار للمفردة لحنها، وللقصيدة آلتها، فأوجد انسجاماً لغوياً قاد النّهر إلى اللّحن.
غريبٌ وجهُكِ
كلَّما حدَّقَتْ فيه المرايا
تئنُّ الكمنجات
مجموعة "فوزي باكير/ حينَ تَلَفّتَ النّهر " صدرت عن دار الأهليّة للنشر والتوزيع في عمّان، جاءت المجموعة بلونها الأزرق، ليس لون النّهر، إنّما لون انعكاسه حين يَشِفُّ الضوء عنه، على الغلاف نجد الفنانة التشكيلية الأردنية "وداد الناصر" كيف فتحت اللون على القصيدة فتركت لوحتها تجري على صفحات الشِّعر.
فوزي باكير: شاعر أردني من مواليد نابلس/ فلسطين_ 1985_ حاصل على شهادة الماجستير في الصحافة والإعلام من جامعة البترا الأردنية. حاصل على ماجستيرفي الصحافة والإعلامالحديث من معهد الإعلام الأردني. عضو مؤسس ومشارك في مهرجان (أيام مجاز للشعر العربي/الأردن).
08-أيار-2021
12-كانون الثاني-2014 | |
16-كانون الأول-2012 | |
24-تشرين الثاني-2012 | |
18-تشرين الثاني-2012 | |
11-تشرين الثاني-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |