العمر حصتنا من هذا... العبث
خاص ألف
2012-11-18
مبعثرون نحن الأصدقاء، كغبار تضربه الريح كلّما عنّ لها الندب فوق الأديم.
كنّا نلتقي، نحكي، نحلم، نضرب أقداح الليل بأنين الخمرة، ثم نضحك على حزن يباغتنا.
نقرص أجناب القهر، ندغدغ إبطيه، نسخر من لونه الأصفر، ونرمي النُكات عليه.
وكنّا أيضاً، نعدُّ مرور العمر على قائمة الأيام، ونتبارز من يقفز أولاً عن حاجز بؤسه.
كنّا وكنّا فيما مضى، وفيما مضى ذهبنا ولم نرجع.
صرنا مرهونين لهبوب آخر للريح حتى يجمعنا، هبوب يسحب أحدنا من موته فيعيده إلى قائمة الأسماء الحيّة، أن يدفع بآخر كي يتحرك من دائرة أسماها سكون، أن يلوي عنق السفر فيعيد إلينا من غادرنا بحذاء مثقوب بصفير المسافة وحقيبة مفتوحة على الفقر، أن تختنق الغربة في حنجرة الغائب عنّا فيلفظها.
ونذرنا، كلٌّ في مكانه، فطلبنا، أن تنهض تلك الريح كعرّافة تضرب في الرمل لتعلم كيف تلمّ خطانا فتجمعها.
ونظرنا إلى الشاشة الصغيرة، خبر عاجل، الموت كعدّاء يجري بمسافات طويلة وسرعة لا يدركها عدّاد العمر، العدّاد خرج عن سيطرة الحاكم والمحكوم، والعدّاء ضرب خطوته بغبار الأرض فسقط شهيد، ثم ضرب، فسقط شهيد آخر، ثم ضرب وضرب إلى أن سقط اسم الجمع فصار الضرب كحفّار قبور.
اليأس:
جينتنا الوراثية المشتركة كسوريين، عنوان العاجزين عن القرار، عن السير، عن التنفس، عن العمل، عن الضحك، عن الحزن، عن العنّات جميعها.
اليأس نيّتنا المبطّنة حين فقدنا بوصلة القدرة، وكنّا فيما مضى نعتقد بألوهيتنا، فنصيح كسكارى على قارعة الطرقات، كنْ يا هذا البلد فيكون، بوصلة أدرناها باتجاه الوهم، فصرنا أرباباً، مرّة نُسمي الحياة فرساً بريّة، فنروضها، ونسرج الزمان على ظهرها وندق المعجزة كمسمار في حافرها، ومرّة نترك حبل السرج تتأرجحه الريح لنقول أن العمر حصتنا من هذا العبث..(العين قبل الباء).
لا أرضاً ترفع ظلّ خطوتنا، ولا حبلا يتدلى من عنق شجرة يسحبنا، واختلفنا، فابتعدنا، حتى حفرنا في الفراغ ما اعتقدناه مطرحاً، وجلسنا، فنسينا أن ننتبه، صاح الانتباه فينا لكزنا، ركلنا، على مؤخرة العمر ضربنا، وحين راح العمر انتبهنا، أدرنا رؤوسنا إلى درب الزمان ورأينا
العرّافة والفرس والريح تغادرنا.
وفقدنا العنوان.. كيف سنرجع..؟
الغبار الناهض كامرأة أفجعها الموت بخطف عاشقها، صادفنا، فدخلنا لنعزّي امرأة لا نفهم حزنها، امرأة ضربت على صدورنا نادبة، فطاف غبار الحزن حتى عضّ على أعيننا، فصرنا كما الأعمى يمشي فيدق الخطوة بالأرض ليصيح صداها:
يا أنتم.. تمشون على قبر فيه شهيد، والشاهدة اسم لشهيد قادم؟
وعلمنا، أنّا في زمن الكسل صرنا تيسا ينزو في رحم البلد نتانتنا، حتى نبت الكره في أحشاء البلد، وتجاهلنا أن نجهضه، وحين وُلِد لم نئده، فكبر الكره وصار جسداً يُلَقّحُنا حيناً، وحيناً يجرحنا.
فحملنا الندباتِ كما الأسماء، ومشينا في هذا العمر نتقصد نسيان خطيئتنا.
تلك خطيئتنا، لا مغفرة تمحو نُدباً صارت فاضحة. فقضينا العمر نعتذر ونكنس بالجمل المنمقة قبور قتلانا.
أسرجنا بدل الخيل خيمات عزاء، وبدل الخمر رفعنا مرارة قهوتنا، وتركنا الفرح تحكيه العرّافة كأساطير الأسلاف، لا لحن لها سوى خيبتنا.
08-أيار-2021
12-كانون الثاني-2014 | |
16-كانون الأول-2012 | |
24-تشرين الثاني-2012 | |
18-تشرين الثاني-2012 | |
11-تشرين الثاني-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |