المسرح العربي سقوط الأقنعة الاجتماعية عرض:
خاص ألف
2012-11-30
ما أصعب أن يكتب الناقد كتاباً عن المسرح يُمكنه أن يقرأ مسرحيات مطبوعة ,ولكن المسرح المقروء هو مشروع عرض ,بينما المسرح فن تجسيد على المنصة، ولأن منهجي النقدي يرتكز إلى تحليل المسرح كعروض تُفسر نصوص لها حياتها على الخشبة. وإن كانت قصيرة بهذه المقدمة المختصرة يفتتح الكاتب والناقد المسرحي الدكتور رياض عصمت كتابه –المسرح العربي سقوط الأقنعة الاجتماعية والصادر عن الهيئة العامة للكتاب بوزارة الثقافة السورية لعام 2012والذي يتناول فيه بالتحليل والنقد الموضوعي تاريخ المسرح العربي , وتجاربه في العديد من البلدان العربية ومنها سوريا ومصر وتونس والمغرب والأردن والعراق وغيرها من التجارب التي استطاع المسرح العربي من خلالها أن يخلق تقاليد أصيلة وأن يُعزز من ارتباط الإنسان العربي بتراثه.
*استلهام التراث
لقد انقسمت محاولات المؤلفين العرب لاستلهام تراثهم إلى أتجاهين رئيسيين :
-الأول:ينحو إلى اقتباس الأساطير والسير الشعبية والحكايات التاريخية؛
والثاني:سعى إلى إحياء الظواهر شبه المسرحية,مثل خيال الظل –المقامات- مسرح السرـ مسرح الحلقة ـ والحكواتي أو الساحر..
فمنذ نشأة حركة التأليف المسرحيفي العالم العربي قبل ما يزيد عن قرن ونصف من الزمان ,كان التجلي هو سلسلة من المعالجات المسرحية الشعرية أو النثرية لموضوعات ذات طابع تاريخي أو أسطوري معروف, وكان البناء والأسلوب يقتديان بالدراما الأوروبية السائدة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين, وفي هذا الإطار مسرحيات شوقي وأباظة والحكيم في مصر,وخليل هنداوي ومراد الباعي في سوريا الذين خرجت أعمالهم جميعاً استمراراً أكثر أدبية وأقل عملية من الرواد الأوائل أمثال القباني وفرح والنقاش وصنوع وحداد في بلاد الشام ومصر.
وأما في فترة ما بعد نكسة حزيران 1967 فإن الواقع العربي اتسم بالخلط بين كتاب اليمين واليسار, بحيث لن يجد المُدقق فروقاً تُذكربين نزعات رشاد رشدي في (بلدي يا بلدي ) وسعد الله ونوس في (مُغامرة رأس المملوك جابر ) وبين سعد الله وهبة في (ياسلام سلم الحيطة بتتكلم ) وممدوح عدوان (كيف تركت السيف )وبين علي سالم في ( أنت الي قتلت الوحش ) ومحمد الماغوط في ( المهرج ).
إن بعضا ً من هؤلاء المؤلفين كان أصيلاً في صراعه ضد الفساد, لكن بعضهم الآخر ركب الموجة مستغلها تجارياً, غير أن مجموعة من المؤلفين حاولت بعث التراث من خلال الشكل المسرحي وليس المضمون فحسب,بعيداً عن التقليد الصارم للقواعد الغربية ومن أشهرهم ـ ميخائيل رومان ـصلاح عبد الصبور- ومحمود دياب ـيوسف إدريس ـ نجيب سرور(مصر) وعبد الكريم برشيد وأحمد الطيب العلج من (المغرب) وكاتب ياسين من (الجزائر)قاسم محمد(العراق) عبد الحمن المناعي (قطر)ووليد إخلاصي (سوريا) هذه المحاور الثلاثة التي سعت إلى ربط التراث القديم بالمُعاصر
*تأصيل المسرح
يأخذنا الكاتب والناقد د. عصمت إلى هوة التاريخ الواسعة لعدم وجود بناء مُتسلسل الأساس في تاريخ وأصالة المسرح العربي يمكن الاعتماد عليه للمعاصرة والتجديد,جيلاً بعد جيل، ويعود ذلك إلى عدة أسباب :منها ما هو حضاري ومنها ما هو ديني . ومنها أيضاً ما هو لغوي محض..أما بعد ظهور الإسلام : ظهرت فكرة تحريم الخلق الفني عموماً تأثراً بما كان سائد من عبادة وثنية للأصنام, إضافة إلى تحريم الرسم والنحت, في حين أن الإسلام شجع الزخرفة والخط والنقوش ولم يتحفظ عن الشعر والأدب, وأن السبب الأهم لغياب المسرح من الثقافة العربية القديمة هو خلق العقيدة العربية ( قبل الإسلام وبعده) من عنصر الصراع مع الآلهة, بينما كان هذا الصراع مألوفاً في الأساطير الفرعونية والبابلية والفينيقية؛
لقد فصل الإسلام بين الإسلام والرب في حين عمد اليونان القدماء إلى ( الناسوتية )في تصويرهم لآلهتهم أي تجسيدها بشكل مرئي مسموع..
ـ أما السبب الآخر لغياب المسرح، فهو لغوي وذلك باعتماد الشعر العربي على الغنائية وليس الملحمية واعتماد الشعر على وحدة البيت لا وحدة القصيدة ,ولم يتبنَأحد تطوير الملاحم الرائعة في عصور ماقبل الإسلام مثل ملحمة (جلجامش) وأسطورة (إيزيس) و(أوزوريس).
*الاقتباس والتقليد
بعد غياب المسرح بمفهومه العالمي زمناً طويلاً _ يستعرض الكاتب مرحلة النضوج للمسرح العربي باعتماده على المؤثرات الأوروبية وذلك منذ العام 1848 حيث ظهرت بدايات جديدة للمسرح العربي, لا علاقة لها بما سيق إلا بصورة واهية استمدت أصولها من الاقتداء بتجارب الغرب .وكان أكبر مؤثر على ذلك هو الكاتب الفرنسي موليير, وقد حملت تلك المسرحيات إلى جانب الإصلاح موقفاً فكرياً وطبقياً ما.
*أزمة المسرح العربي
يرى الكاتب د.عصمت أن العقد الأخير من الزمن عاش فيه المسرح السوري أزمة ما يجعله مختلفاً ما بين الستينيات والسبعينيات عنه في التسعينيات بالرغم من الصرح الأنيق (للمعهد العالي للفنون المسرحية )وبناء المسرح القومي ودار الأوبرا ولعل ذروة النهضة المسرحية المطردة كانت في أعقاب هزيمة 1967 وتلا ذلك (مهرجان فرق الهواة المسرحية ) في مطلع السبعينيات حيث كرّس جيلاً من المسرحيين أمثال : ونوس والحاج وعرسان والماغوط وعدوان وإخلاصي إلى جانب بلبل –عصمت الكسان –البرادعي وزحلاوي –واستمرت هذه المرحلة إلى أواسط السبعينات,لتعيش مرحلة حرب تشرين 1973 وما بعدها ثم ليبدأ التراجع وتعم الفوضى؛ويذكر الكاتب كيف أنجبت مهرجانات الهواة كُـتّاباً طالت قامتهم أمثال رياض نعسان آغا ومحمد أبو معتوق وعبد الفتاح قلعه جي وكذلك مخرجين أمثال : نجاح سفكوني, أحمد منصور,سمير الحكيم,سامي حمزة,نجاح العبدلله,كما برز اتجاه تجاري نظيف من خلال كوميديات قصيرة كتبها الفنان عمر حجو لدريد لحام ونهاد قلعي ورفيق سبيعي وزياد مولوي وياسين بقوش وأطلق عليه ( مسرح الشوك) وما ليثت تجربة دريد لحام ونهاد قلعي أن تطورت برفقة محمد الماغوط في (ضيعة تشرين )-(غربة )(كاسك يا وطن )وذلك مع ظهور فرقة تشرين ).. ويُشير الكاتب د.عصمت إلى أن التراجع في المسرح منذ العام 1991 تعود أسبابه إلى مايلي :
1-هجرة المخرجين الرواد مثل رفيق الصبان وشريف خزندار وهاني صنوبر وعلي عقلة عرسان وموت فواز الساجر وهجرت إسكندر كيني وتوفيق المؤذن, فضلاً عن غربة بعض المخرجين في وطنهم وصمتهم نتيجة الإحباط أو عدم التكييف ومنهم فؤاد الراشد ووليد قوتلي وحسن عويتي وشريف شاكر الذي توفي عام 1995 في هولندا.
2-خيبة أمل بعض الكتاب من واقع الحركة المسرحية
3-غياب ثقة السلطة بالمسرح عموماً
4-طغيان المسرح الهابط الذي يُقدم كوميديا وشعارات أخلاقية وانتقادات سياسية سطحية بهدف الربح المادي السهل
5-إصرار المسرح القومي والتجريبي وأحياناً وأحياناً الجوال على الفصحى
6-لم يجد (المعهد العالي للفنون المسرحية ) حتى الآن هويته ومنهجه.
وبالرغم من الصورة القاتمة فإن أسماء شابة بدأت تُلمح لتخترق حجب الظلمات ومنهم – جهاد سعد- وفايز قزق ـ وجمال سليمان- وجيانا عيد ـ وندى الحمصي وغيرهم.
*المسرح المصري
إن نهضة المسرح المصري الظاهرية وما تُحاط به من هالة الدعاية الأضواء ليست إلا زوبعة في فنجان, فالمسرح المصري كان في حقبته الأولى مُزدهراً أيام يعقوب صنوع,نجيب الريحاني, يوسف وهبة وجورج أبيض ثم جاءت الفترة الثانية في الستينيات على أيدي نُعمان عاشور,علي سالم ,ألفريد فرج,محمود دياب, ميخائيل رومان, عبد الرحمن شرقاوي, صلاح عبد الصبور,ونجيب سرور ثم نبيل بدران, محفوظ عبد الرحمن, يسرى الجندي وفوزي فهمي..
ولعل نظرة سريعة إلى ما يُقدم على مسارح القاهرة في العقد الأخير من القرن العشرين يدُل على التراجع الكبير بالرغم من الأسماء اللامعة من النجوم أمثال محمد صبحي وعادل إمام وشيرهان ونور الشريف وبوسي ويحيى الفخراني؛
حيث يُفاجأ المرء بالنص والأداء الهابط وأن الفن أصبح تجاري محض إذا استثنينا المسارح الحكومية ويُشير الكاتب بأن الاستثناء المشرف الوحيد الذي شاهده على مسارح القاهرة لمسرحية تجارية جادة وناجحة كانت مسرحية (وجهت نظر) من تأليف لينين الرملي وبطولة وإخراج محمد صبحي وإلى جانبه الممثلة الواعدة عبلة كامل.
*المسرح اللبناني
كان المسرح اللبناني في النصف الثاني من السبعينيات يعكس بجلاء ديمقراطية الحياة السياسية في لبنان حيث كان الشارع المسرحي يعُج بواجهات مُضيئة تعرض مختلف بضائع الفنون من كلاسيكية إلى تجريبية، ومن كوميدية إلى غنائية، غير أنه ومنذ بدء الأزمة اللبنانية عام 1995 تدهور المسرح. ويتسم المسرح التجاري اللبناني باعتماده على النجوم ذو الحضور والشهرة مثل فيروز أو أنطوان كرباج أو نضال الأشقر وأحمد الزين..وكان من أبرز معالم المسرح في لبنان مسرح الرحابنة الذي أشتهر بسلسة من الأعمال الجماهيرية ذات المضمون السياسي الساخر والنبرة النقدية اللاذعة.وفي الحقيقة إن المسرح اللبناني اليوم ينبعث قوياً من أنقاض الحرب الأهلية ليعود قريباً إلى الانتعاش والتنوع.
*المسرح الخليجي
تشكل (لؤلؤة) عبد الرحمن المناعي أمثولة عالمية في زي خليجي، وإن جوهر الحكاية التي اقتبسها عبد الرحمن المناعي عن قصة طويلة لجون شتاينبك وأجراها بنفسه لفرقة ( مسرح الأضواء )تحت عنوان ( الحادث والكائن في موت عايش بين ظاعن)لتشارك في احتفال يوم المسرح العالمي ومفاجأة المناعي السارة لنا لم تكن نتيجة عدم معرفة بإنجازات المسرحية السبقة, وإنما نتيجة تطور رؤياه المسرحية لتواكب أحداث مدارس العصر مثل يرتولد برشت وبيتر بروك، وقد وفق المناعي في تقديم عرض ناجح بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
*تونس والمسرح الجديد
تجربة المسرح الجديد في تونس تجربة رائدة ففرقة (المسرح الجديد )التي هبطت على دمشق كالصاعقة عُرضت ثم اختفت لكن الأثر الذي تركته كان عميقاً.
لقد بدأت الفرقة تجمعها عام 1975 بأربعة من الفنانين المحترفين وعملت على تنشيط مركز الفنون ( المعهد العالي للفنون المسرحية بتونس)ويبلغ عدد أعضاء الفرقة حالياً ست عناصر هم جليلة بكار,رجاء بن عمار, محمد إدريس,الفاضل الجعايبي,الفاضل الجزيري,والحبيب المسروقي. وأهم ما يميز عملهم هو عدم الاعتماد على مؤلف أو مُخرج بل يقومون بكل الأعمال المسرحية بشكل جماعي, وتعتمد على أبسط أنواع الخطاب المسرحي وعلى أقل الوسائل تكلفة. ويبدو أن المسرح الفقير في تقنياته ومادياته هو المسرح الغني بفنه.
كما استذكر الكاتب تجربة الفنان محمد إدريس في افتتاح مهرجان قرطاج 1986، في مهرجان دمشق للفنون المسرحية حيث خرج الجمهور مذهولاً بمسرحية (اسماعيل باشا).
ويختتم الكاتب كتابه بطرحه لسؤال هو هل يجب على المسرح العربي أن يستخدم الفصحى أم العامية, وفي الحقيقة من الصعب حسم السؤال بسهولة, ففي الفصحى تواصل قومي سهل ومريح, وفي العاميةيكمن نبض الحياة اليومي والتعبير البيئي الصادق.
عرض :نور الموسى
08-أيار-2021
30-تشرين الثاني-2012 | |
19-تشرين الثاني-2012 | |
15-تشرين الأول-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |