نوستاليجيا الاستبداد البارد
خاص ألف
2013-01-05
إنّ النكوص في نفوس البعض، دعتها إلى الحنين إلى الاستبداد، في حسابات موازين الربح والخسارة، حيث إن الأمان الذي مني به الشعب في عصور الظلمة مترافقاً مع كل أشكال العنف صار أقرب إلى قلوب هؤلاء.
إنّ العنف المستمر الذي يصر عليه النظام وطول عهده، لم يكسِر الروحَ الثورية للسوريين، فالمظاهرات لا تزال على قدم وساق، وكذلك الكفاح المسلح الذي آلت إليه الثورة وصارت بعض مظاهرها وضروراتها في نظر الكثيرين.
إن العنف النفسي والقهر الاجتماعي وكل المشاكل الاقتصادية وتراكماتها على المجتمع. كل هذا التراكم الكمي من الذل والذي أتته فسحته النفسية ليكون ذاته، من خلال طلب الحرية وبذل الدم كرمى لأخذها، وإن كان بالقوة.
الحنين إلى الاستبداد والدكتاتورية سمة من سمات الخنوع وتتبلور فقط من النفوس الضعيفة.
إنّ العزة والأنفة والكبرياء التي كان يتمتع بها الأفراد ذوو الروح الثورية، والتي جمّدتها أجواء القهر، استيقظتْ من سُباتها، ولن تعود أبداً.
إن طول عهد الثورة صنّف كل شيء وقام بحالة تعرية كاملة لهؤلاء والناس كأفراد، ومجموعات، فالأخلاق الثورية أحيت ما مات من قلوبهم.
وأما الحنين إلى الاستبداد فتبدى من خلال الرغبة بالخلاص من كلّ هذا نظراً لصعوبة الظرف وتأمين الخبز اليومي.
وخاصة لدى المتضررين المباشرين في الدم والمال، ما أدى إلى حالة شبه عارية ليعيش المرء وحده دون أن يكون ذاته.
العنف المفرط يؤدي إلى الحنين إلى الاستبداد البارد.
في أقبية السجون حيث يرقد مساجين الرأي والسياسة والفكر يرقدون صامتين في الرطوبة الصفراء يجترون أحلامهم العظيمة فوق أكوام الصمت المريب من قبل الناس، أو المجتمع لا أحد يذكرهم في المجامع العامة، وكأنما خلقوا لوحدهم وسيتقاسمون السجن مع ألمهم الصامت .
الاستبداد البارد: الذي يشبه اغتصاب امرأة بكم فمها وإيثاق يديها وقدميها؛ اغتصابٌ حتى النهاية.
الاستبداد البارد: حيث تغنى وحدك أغنية الحرية في قفص مظلم في الظل دونما جمهور يسمعك.
الاستبداد البارد: حيث القناعة كنز لا يفنى، لكنها تفتح جروحاً عظيمة في الداخل، حتى تصبح اعتياداً.
الاستبداد البارد: حيثُ القطيع الذي يقوده مرياع غبي صوب الهاوية؛ هاوية دون قرار ودونما صوت.
الاستبداد البارد: حيث الحرية أغنية مهشمة.
إن طول أمد الثورة قطع الطريق أمام المتسلقين على أدراج الحرية العالية، حتى خاب ظنّهم.
يقول غير قلة منهم لو تعود بنا الأيام إلى تلك الأيام الغابرة الموغلة في سلبيتها وظلامها!! إن المتابع والمشاهد يرى الفرق بين الحرية وبين مدّعيها؛ فطلاب الحرية لا يتراجعون خطوة إلى الوراء.
الحرية درجٌ نحو الأعلى يتحطم دوماً مع تجاوزكَ إيّاها، لتزرع أخرى جديدة في الأعلى، إن الحرية هي تحطيم وبناء، " تحطيم لدرجة وبناء لأخرى ".
لكن سوريا تحطمت كثيراً أكثر مما ينبغي وستعيش حرّة أكثر مما ينبغي.
إن ما يحدث في سوريا من ثورة هي امتحان لإلوهية الحرية في دواخلنا.
جدران الصمت والخوف تحطمت وهشاشة الإيمان بإرادة الحياة سقطت، ولم يتبقى سوى الجريء والقوي وإرادة الأقوى إيماناً فالبقاء للإيمان بالحرية وأعني هنا البقاء بكرامة وعزة.
إن من يرضى العيش بهوانه بعد كل هذه الدماء يستحقّ العيش في حنينه إلى الاستبداد.
إنه إحساس مؤلم أن يحنّ المرء إلى قيده أو كوصف الماغوط عن الأسير الذي يفكّ قيوده بأسنانه ويموت حنيناً إليها.
08-أيار-2021
07-نيسان-2018 | |
17-تشرين الأول-2015 | |
24-أيار-2014 | |
20-نيسان-2014 | |
23-حزيران-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |