شوكولا
خاص ألف
2013-01-27
في الطريق لا شيء يوحي لي بالحياة، فوجوه المارّة تتضاءل فيها الملامح حدّ الاختفاء، أعتصرُ بعض ابتسامة لطفل لا يدري أين تسير به يد أمّه المضطربة . و خطواتي باتت نسقيّةً كخطوات العسكر تصل نقطة وصولي بمكان خروجي لا أكثر, وكل الزيارات الجانبية التي اعتدت أن أقضيها بحجة "بطريقي مررت" كلّها ألغيت تحت طائلة "ما بيعرف الواحد شو بصير معو" فكلّ شيء يوحي لي بالريبة والناس تصرخ بصمت مرّ "يالله إلى متى " فالدروب اختُصِرت بحاجز،وأنا كالجميع لم تعد خريطتي تطابق وقت وصولي،والوقت الضائع راح يلملمه مني المتسولون بكلّ ما ملكت قرائحهم من دعوات كـ "الله يحميك من شي تفجير والله يبعد عنك ولادين الحرام والمسلحين "
ومن وراء الجدار بثقب الشارع المفضوح ينتظر المتسولين من الأطفال والنساء سماسرة يتربصون بهم لتبدأ من هنا التجارة الحرة بمآسينا، لربحٍ يحتّم الشرعية،على وقع جملة "حاسبوا الكبار متنا من الجوع "
يعترضني سائق التاكسي بسؤالٍ تعوّدت عليه "هذا الطريق مغلق،علينا تغييره لآخر،وإلا وجب استئجار طيّارة "
أَبتسم، لأن الجملة الأخيرة طرفة لتخفيف وقع انتظاري المرير خلف أرتال السيارات المتراصفة فالازدحام كما كل يوم يجعلني -بخانة اليك- ويضطرني لتغيير حسابات الوقت وخريطة عبوري التي تقول طريقكِ مسدود مسدود لدواعٍ أمنية. ولدواعٍ أخلاقية أبلعُ الشتيمة وأكتفي بدعائي هامسةً "الله يفرجا "
يكمل السائق حواره المعتاد ولكن هذه المرة بنبرة مذيع للأخبار, فمن بداية الثورة باتت حياتنا وكالة إخبارية متنقلة, وكل من حولي مراسلين،أو محللين سياسيين،والنخبة متنبئين فلكيين,
ولكن استحقّ سائقو التكسي امتيازاً بالتقارير الإخبارية اليومية التي تُقدّم بداعي -فشّة الخلق- وتنتهي بتحليل سياسي عقيم،ولا تمنع بعضهم أن يسألني عن رأيي من خلفية اللافضول فقط لتبادل أطراف الحديث إذ أنّ -رفيق الطريق له عليك المسايرة-
يشغّل المذياع علّ هذا الاضطراب تمحوه أغنية قد تلهيني عن أبواق السيارات التي تعبّر عن آراء أصحابها تووووت بكلّ شيء, فكل شيء ملّنا،ومللناه .يعود المذياع بأغاني وطنية فعلى رأي المخرج ستحيي الشعور الوطني, والذي أعتقدُ أنه فاض -باللي بيسوى واللي ما بيسوى –حتى صار ينشرنا كالحطب .تنتهي الأغنية فأحمدُ الله . لتقفز المذيعة من حيث لا أدري بصوتها الأنثوي مع الدلعة الشامية،وتأخذ اتصالاً -من داخل الاستوديو على ما أجزم- وبعد السلام والغزل تسأله عن رأيه بالشوكولا أقول دون اكتراث لرجل المخابرات الذي أمامي أقصد دون اكتراث لسائق التكسي "ما بيستحوا وحياة الله " يقول : "ما بتحبي الشوكولا !!؟" أجيبه بحزمٍ : " لا."
فأنا لم أعد أشتري الشوكولا خاصة بعد أن صار سعر القطعة يوحي لي بأن بئراً من النفط معجونٌ بها وأن الأولَى أن أحتفظ بسعرها لأشتري ربطة خبز،والتي هي الأخرى يتصاعد سعرها مع أسعار غرام الذهب ..لو أن المذيعة تسألنا عن رأينا بنكهات الخبز الجديدة،وأنواعها المتردية، لكن وكما تقول أمي "بضل خبز الحمد الله " لكنني أصر أنّ تلك المذيعة مفصومة عن الواقع .أكتم شتيمتي و أقول لسائق التكسي "أطفئ الراديو رجاءً ..انصرعت" أعود كما كنت لأرقب الطريق الطويل،فالازدحام لم ينتهي بعد، والحواجز تتكاثر كوحيدة الخلية،والناس بامتعاض والأطفال تسير دون اكتراث, والسياسيون يهندسون الطاولات والكراسي والشعب نقل سكنه إلى محطات الوقود وافترش الأرصفة ومازال عملي ولأني من المحظوظين ينتظرني ولا أظنني اليوم سأصل كما أني بالحقيقة أحب الشوكولا
08-أيار-2021
27-كانون الثاني-2013 | |
01-كانون الثاني-2013 | |
12-كانون الأول-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |