المشروع الأبيض ...إلغاء الرقابة على الكتاب في سوريا...ج1ـ
2007-06-23
ما هي البلاد التي لا رقابة فيها؟ وكيف سيكون شكل المكان الذي لا يراقب فيه أحد، ما يكتب وينشر في طيات الأغلفة، التي تلتهمها آلات الطباعة؟ هل هذا ما نتحدث عنه؟ هل هذا ما نطالب به منذ دهور؟ بالتأكيد سيكون ضرباً من الهلوسة أن نتخيل مجتمعا ثقافياً ـ إعلامياً ـ سياسياً ـ دينياً ...إلخ ولكن بلا رقابة!!
ما نفكر فيه هو محاولة إدخال تعديل ما على نمط الرقابة التي تمارسها المؤسسات المعنية بالكتاب في سورية، بحيث يصبح من الممكن إتاحة الفرصة لما تنتجه المخيلة السورية والبحث العلمي السوري، وجهود المحررين هنا وهناك كي يرى النور ويتاح للقراء متابعته والإطلاع عليه دون اللجوء إلى دور النشر في الدول المجاورة أو البعيدة، ودون اللعبة الشهيرة في مطاردة الكتاب، واللعبة الأكثر شهرة الآن والتي تتجلى بـ (الهرب الدائم من الرقيب) والتي أخذت شكلها المروع بتحول الكاتب إلى رقيب ذاتي وقرين دائم الحركة والنوم مع الكاتب نفسه، يمنعه من العمل والانطلاق نحو الأفق الأكثر جرأة والأكثر فعالية والأكثر حداثة وتطوراً.
وحين تضع الدول ممثلة بمؤسساتها المختصة ضوابط للتحكم في نشر الكتاب فإن الهدف الرئيس ، والمباشر هو فصل الإشكال المحتمل الذي من الممكن أن يقع ما بين المؤلف من جهة وطرف آخر افتراضي قد يحتج على ما تناوله المؤلف في كتابه من جهة أخرى، وبهذه الطريقة يصبح من اليسير تجنب وقوع الحادث قبل وقوعه.
تحليل وحوار ـ إبراهيم الجبين
ولكن هذا الشكل من الرقابة (القبلية) هو ضرب آخر من الهلوسة المؤسساتية يفترض سوء النية لدى الكاتب وكذلك، وهو الأخطر، يفترض عدم كفاءة القضاء في معالجة نزاعات من هذا النوع.
سري للغاية !!
إذ ما الذي يمكن أن يحدث لو افترى أحد الكتاب حادثة ما احتج عليها فيما بعد جهاز ديني أو تاريخي أو طبي مثلا يرعى الحقيقة التابعة لحقله؟ ما الذي سيحدث سوى قول فصل يصدر عن هيئة عليا تحكم بمنع تداول ونشر هذا الكتاب أو ذاك أو تسمح بذلك وترفض احتجاج الجهة المدعية...هذا كل شيء...ولن يصاب أحد بزلزال يستحق أن نعرض كل هذا الكم من الأعمال الأدبية والبحثية لخطر المنع قبل أن يكون هناك سبب حقيقي جدير بذلك.
أن تجري مراقبة النص قبل أن يسمح له بالخروج إلى العلن إنما هو تواطؤ مقصود وعملية سرية أطرافها الكاتب والناشر والرقابة لخنق الكتاب أو لنشره...وهذا خارج عن المألوف وغير أخلاقي...وسري للغاية !!
في الحالة السورية، لا تمنح وزارة الإعلام ترخيصاً بتأسيس دار للنشر دون الحصول من صاحبها ومؤسسها على كافة الضمانات بألا يقوم بطباعة كتب تسيء إلى المجتمع وإلى الاعتبارات المتفق عليها ـ عرفاً ـ وبالتالي سيكون الناشر ملزما سلفا بالتعهدات التي وقعها...
كان اتحاد الكتاب العرب، ولم يزل مصب اتهام معظم المنتقدين للثقافة السورية، وأنه هو من يتسبب بمنع الكتب وحجبها عن الناس، وقتل المواهب، وتدمير المشاريع الجديدة، ولكن تحليل الظاهرة يظهر أن رقابة اتحاد الكتاب ما هي إلا مفصل فرعي للآلة العمياء التي تسمى (الرقابة) وبالتالي فإن ظهور مشروع إلغاءالرقابة في اتحاد الكتاب يعد حدثاً ـ بحد ذاته ـ وهو المعروف بما عرف به طيلة عقود، ولكن السؤال : من الذي يجب أن يطال بمطلب كهذا سوى مؤسسة مثل اتحاد الكتاب؟! وهل في الأمر غرابة لو أعيدت الأمور إلى نصابها؟!
الدكتور حسين جمعة ـ رئيس اتحاد الكتاب العرب :
القضية ذات بعدين: كيف نستطيع من جهة تطوير المرسوم31 الصادر بتاريخ 12/12/1971 والذي أناط الرقابة على المخطوطات الأدبية باتحاد الكتاب؟ وأن نمكن الكاتب من تحمل مسؤوليته الكاملة عن كل ما يكتب ضمن ثوابت أخلاقية عامة حتى ما يتعلق منها بالثوابت الإبداعية، ومن جهة أخرى ينبغي معالجة الإحساس بأن الكاتب غير قادر على تحمل تلك المسؤولية، هذا ما يدفع بالرقيب إلى أن يكون وصياً بشكل ما... والشق الثاني يتعلق بدور الاتحاد الذي سيعمل على المحافظة على تلك الأخلاقيات.
عندما نتساءل : متى يلغى دور الرقابة ؟ تأتي الإجابة بأن ذلك يحصل عندما يتحمل الكاتب مسؤولياته.. ولكن لو أخضعنا الموضوع للمبدأ الأول... سنصل إلى سؤال.. لماذا الرقابة إذاً؟!! بعض الكتاب لم يستطيعوا الارتقاء إلى مستوى ـ فنيّ إذا شئت وليس أكثر من ذلك ـ يمكننا من الاعتزاز بما ينتجون...ونحن لا نقوم بدور الرقابة فعلياً منذ سنة ونصف السنة ...بل نحاول الأخذ بيد الكاتب لإقالة العثرات الأدبية والكتابية ..هذا الدور هو الدور الذي أقبله وليس سوى ذلك.
مفهوم الرقيب عندنا خاطئ ومشوّه...الرقيب لا يتمكن من المنع.. بل ينبغي أن يكون قارئاً مساعداً للكاتب وليس وصياً عليه. هذا ما نحاول فعله في اتحاد الكتاب من سنة ونصف وحتى الآن.
ـ كنت قد طرحت مشروعاً أثار استغراب البعض.. يتعلق بإلغاء الرقابة في اتحاد الكتاب.. هل أنت جاد بذلك ؟! وهل فعلاً تنوون طي صفحة رقابة اتحاد الكتاب؟!
أفهم أنه ينبغي أن تشكيل لجنة من ذوي الخبرات والاختصاصيين، للإسهام في حماية الثقافة العربية في بلدنا ...ثانياً ..في ما يتعلق بآلية التنفيذ..عند ورود مخطوط ما يمكن أن تقوم اللجنة بمناقشة الكاتب وتزويده ببعض التوجيهات والاتفاق عليها...اللجنة ينبغي أن تميّز بين كاتب ذي تجربة وكاتب مبتدئ ..ويمكن لها ألا تكون دائمة ..تتغيّر بتغير الظروف والمستجدات وتتغيّر معاييرها كذلك ...المهم أن يكون هدفها تغيير ما هو قائم ـ حول الرقابة ـ على الأقل في الذهن إن لم نقل في الواقع.
الغاية الأساسية لعملنا جميعا ً ولمن وضع الرقابة أصلاً هي النهوض بالثقافة والآداب في سورية ..
ـ والشكل الحالي للرقابة هل تجده ما يزال ملائماً للاستمرار ؟!
أرفض الشكل السابق للرقابة في اتحاد الكتاب ..والشكل الحالي للرقابة عموماً ..الاتحاد يتحمل دائماً تبعات المشاكل الرقابية ..وتقع اللائمة عليه..لا رئيس الاتحاد يقرأ ويرفض الكتب ولا المكتب التنفيذي ...من يفعل ذلك هم قراء من الكتاب أنفسهم ..إذاً المشكلة في الآلية وليست في الأشخاص.
طالبت بتشكيل اللجنة ..وأتمنى أن نصل إلى إيجاد صيغة متحركة تعتمد لجنة متحركة وليست ثابتة.
ـ وما هو مصير المشروع الآن ؟!
بدأت أكسب بعض الأصوات ...في هذا الاتجاه ..ونأمل أن نصل إلى هذه الرؤية واتخاذ قرار بها في العام القادم.
سحبان السواح ـ كاتب وناشر ورئيس تحرير ألف:
الرقابة على الكتاب؟؟ سؤال محير ومضحك .. فكلمة رقابة يعني وجود رقيب، ووجود الرقيب يعني رهاب.. ورجال أمن الرقابة على الكتاب عندنا همّ الكتّاب في سورية وبعضهم يتفوقون على رجال الأمن بأنهم ليسوا موظفين في الأمن بل متبرعين .. فكيف نتحدث عن رقابة.. ثقافة الرقيب فيها رجل أمن أولاً وجاهل ثانياً .. يمكن لأي كان أن يحضر قائمة المراقبين على الكتب في اتحاد الكتاب ليعرف من هم وما هي مؤهلاتهم الحقيقية، الرقابة على الثقافة في سورية ككل شيء في بلدنا ..أمن وأمان!!
الرقابة عادة تكون ضمن دستور يضمن للإنسان، مطلق إنسان، حقوقه .. ويجب أن يحدد ماذا نريد من الرقابة .. ويجب أن يعرف المثقف والكاتب على ماذا يراقبونه .. لا يمكن وجود رقابة دون قوانين محددة ..
ضعوا قوانين.. ثم اختاروا رقباء أكفاء هذا اقتراحي!!
الدكتور درغام السفان ـ كاتب وطبيب سوري :
إذا كان للرقابة ما يبررها منذ سنوات فوجودها الآن لا مبرر له، الظروف الآن تغيرت، والثورة المعلوماتية ألغت الرقابة بشكل صارخ، فبوجود الفضائيات والانترنت وحتى الهواتف النقالة كل ذلك ساهم بإلغاء الرقابة وحدودها الممكنة. وجعل الكتاب، أقل قدرة على التأثير سلبياً..لأن من يقرأ الكتاب هو ليس الإنسان العادي الذي يتعرض يوميا لكافة أشكال التأثيرات السلبية عبر الفضائيات والانترنت وغيرها ومن يقرأ الكتاب هو من النخبة المحصنة ربما من تلك التأثيرات...أو الأقل تأثراً بها..وبالتالي فحين نمارس الرقابة القبلية كما تقول نكون قد حجرنا على التأثير الإيجابي الممكن للكتاب وتركنا الوسائل الأخرى التي تنقل جراثيم الممنوعات..أقترح أن تقوم الجهات المختصة بتقوية لجان معنية مشكلة من عدة وزارات: الثقافة والإعلام واتحاد الكتاب وحتى وزارة الداخلية وغيرها لدراسة أي احتجاج أو شكوى يتقدم بها أحد ضد أي كتاب وذلك لاتخاذ قرار بإحالة الكتاب إلى القضاء لمنع تداوله أو تركه وشأنه..(لجنة عليا) قادرة على البت في موضوع بهذا الحجم وعدم ترك الأمر ومصير الكتب رهناً بيد مجموعة محدودة من البشر قد لا تكون مؤهلة لهكذا مهمة لا علمياً ولا قانونياً..ويتم التعامل مع الكتاب كأي مخالفة قانونية أخرى من الممكن أن يقع فيها الكاتب ...
الاختلاف رحمة ...
ولا يعاني الكتاب في سورية فقط من رقابة المؤسسات المعينة لمراقبته، ولكن هناك رقابات أخرى تتدخل مما يعقد الأمور أكثر ويجعل من المستحيل على الكتاب المرور أو حتى معرفة ما يحصل أثناء مراقبته ولا كيف تمت الموافقة على طباعته أو رفضه حتى..إذ لا معايير واضحة ...كل ما هنالك أن تضاربات عنيفة ومعقدة هي التي تتحكم بذلك كله، مما يدفع بفلسفة اتقاء الشر إلى السطح وبالتالي فإن المنع هو أسهل الطرق!!
وحين تختلف الرقابات في البلد على تحديد ما إذا كان الكتاب الفلاني يصلح للطباعة والنشر في سورية فإن ذلك يعد رحمة بالكتاب، ويصبح حينها الأمل أكبر بأن توافق وزارة الثقافة مثلاً على طباعة وتبني كتاب ما، حين يرفضه اتحاد الكتاب أو رقابة وزارة الإعلام... وهكذا..
(رواية قصر المطر) للروائي السوري ممدوح عزام أفلتت من رقابة المؤسسات الرسمية ولكنها علقت في شباك رقابات أخرى مما أدى إلى إعادة النظر فيها من قبل الرقابة الرسمية.. كتاب (فلينزع الحجاب) سمحت به الرقابة ثم عادت ومنعت توزيعه!! ... وحين يتم تعديل القوانين الخاصة برقابة الكتاب فإن ذلك سيكون مقدمة تمهد لانتشار مفاهيم أخرى مثل حرية الفكر وقبول الآخر وغيرها، ولكننا الآن نتكلم فقط، عن تطوير القوانين، أما تطور المجتمع فسيأتي على المدى الأبعد...
علي سفر ـ شاعر وإعلامي سوري:
الرقابات العربية ومنها السورية يصح عليها القول أنها كمن يغطي الشمس بغربال.., فهي تعرف أن دورها وتأثيرها قد أمسيا بلا فاعلية، ولكن ثمة خانة يجب أن تغلق، وأيضاً موظفون يجب أن يقوموا بأعمالهم .. وقد نكون في لحظة ما بحاجة حقيقية لمن يقومون بمهمة الرقابة على الكثير من الأشياء ولكننا وللأسف لا نرى فاعلية سوى لتلك الرقابة المسلطة على الأعمال الأدبية والثقافية.. فرقابة كتلك التي يمارسها المكلفون في إتحاد الكتاب العرب ليست سوى عمل يسيء للثقافة ويلحق الأذى بصورة مؤسسة يفترض بها أن تمارس دوراً ثقافياً نهضوياً بدل من أن تتحول لمؤسسة إعاشة ورقابة..
منذ فترة قريبة سمحت أغلب الرقابات العربية بعرض إعلان لشركة بيبسي كولا يمس بفكرة النشيد الوطني بشكل عام، ولكن الرقابة المعنية بهذا النوع من المصنفات الفنية رفضت عرضه في سورية من زاوية تسجيل الموقف، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه يشاهد على كل الشاشات العربية وهكذا جرى .. وفي المقابل نرى رقيباً يمد يده ليعيد ترتيب نص شعري في مجموعة شعرية يجب أن يجيزها أحد ما كي تطبع مما يسبب إشكالاً يؤدي بالمجموعة لأن تذهب وتطبع في بلد عربي أخر ..!! كيف يمكن لنا أن نقارب بين نبل الموقف الرقابي في الحالة الأولى، وبين رداءته في الحالة الثانية..؟
أعتقد وبحسب تجربتي السيئة مع الرقابة التي رفضت إجازة كتابين شعريين لي أن الوقت قد حان لممارسة رقابة على هكذا رقابة ومراقبين ...!
* * *
رقابة على الذائقة والمستوى الإبداعي ... !!
لطالما كانت الرقابات في كل أنحاء العالم، تدور حول عدد من المحاظير لا يستحب اختراقها من قبل السلطات، ولكن لم يسبق أن مورست رقابة على الذائقة الإبداعية سوى في النموذج السوري، بحيث تجري محاسبة الكاتب على الأسلوب والموضوعات التي يتناولها واللغة والشخوص ...إلخ!! هذا الخناق لن ينتج إذن نصوصاً متطورة ضمن الدائرة السورية, وسيبقى الإنتاج السوري مشتتاً في المطابع الخارجية، فحين تضع نصب عينيك كل تلك القائمة من الاعتبارت التي يجب أن لا تخترق ولا واحدة منها في الطريق الوعرة والطويلة إلى الحصول على ورقة (يسمح بطباعته) فإنك لن تعثر حينها على ما تكتبه..رقابة دينية وجنسية وسياسية وتاريخية وعلمية وأسلوبية ولغوية وخيالية وثورية ....إلخ !!!!
* * *
خلف علي الخلف ـ شاعر سوري ـ رئيس تحرير موقع جدار الإليكتروني :
(دعوا الرقيب نائماً... لا توقظوه) .. الرقابة دائماً ممقوتة، والحديث عن الرقابة في سورية يستدعي أن نتناول رأسها، فالرقيب يتعيش على المنع، إنه مبرر وجوده... ومع معاناة الكثير من الكتاب مع الرقابة ومع أن الوضع السوي هو عدم وجود هذه الرقابة واللجوء الى القوانين... وهذا ما زال بعيداً. إلا أن احتكاكي مع بلدان عربية كثيرة يحتم علي القول أن الرقابة في سورية في حدها الأدنى وتتناول فقط الجانب (السياسي الأمني)، وإذا ما قارناها بالرقابات العربية يتحتم علينا أن نقول أن رقيبنا بشكل عام، يمكن وصفه بالمثقف العلماني لكنه ملتزم بالنظام، ولا يستطيع أي موظف الفكاك من هذا الأمر.. لقد كانت وزارة الثقافة السورية من أهم دور النشر العربية، ولولاها لما كان لنا أن نقرأ روائع من الأدب والفكر العالمي، والدراسات كذلك، وأتحدث هنا عن فترة سابقة من عمر وزارة الثقافة في عهد الوزيرة نجاح العطار تحديداً وعهد المرحوم أنطون مقدسي في مديرية الترجمة والتأليف.... هناك عدة رقابات في سورية أسوأها هو رقيب اتحاد الكتاب العرب، لإجازة الطبع داخل سورية، لكن رقيب فسح الكتب الخارجية والذي يتبع لوزارة الإعلام هو رقيب متسامح خارج الأمني السياسي.كما أسلفت..
نعم الآن من خلال بعض الأخبار عن بعض المصادرات والمنع، نلاحظ أن الرقيب قد تأسلم قليلاً وهذا اتجاه عام في المؤسسات السورية.
حتى الآن رقابتنا بألف خير إذا ما قارنتها بالرقابات العربية... نعم علي ألا أجافي الحقائق في هذا الأمر .
الشرطي البلاستيكي!!
المسؤولون عن الرقابة، هم الهدف ..كما كان يخيل لنا من قبل، ولكنهم ليسوا كذلك لأن لديهم شكواهم مثلنا من تردي وضع الرقابة ـ كآلية ومفهوم ـ وإذا كان لكل منهم تصوره عن مستقبل المهمة التي أوكلت إليه، فهم يتشاركون بالاحتجاج على الظاهرة..ويضعون الاقتراحات والمشاريع لتجاوزها ومكافحتها...
نبيل عمران ـ مدير الرقابة في وزارة الإعلام :
الغريب في مجتمعنا أننا نرى فئات تأكل وتشرب وتعيش في بيئات متقاربة ولكن لكل فئة عقلية ..أناس يتقدمون على الأوروبيين والأميركان حضارياً، وآخرون يعيشون في العصر الحجري..موضوع الرقابة يذكرني بما فعلته الثورة الروسية أنها حكّمت الرعاع، في شؤون الأمة، بينما تركت النخبة لتتآكل وتذوب وتذوي..وهذا ما أدى إلى تدهور جميع الأوضاع في البلاد..
فكرت في الرقابة بمفهومها المؤسساتي عندنا من قبل، وكان السؤال التالي: من الذي يستطيع أن يحل الرقابة في سورية؟! وبالتالي من الذي سيتمكن من تعديلها؟! وكيف وضعت أصلاً؟! ما أعرفه أن الرقابة على الكتب نشأت بقرار رسمي في العام 1962 ودخلت حيز التطبيق بعد الثامن من آذار سنة 1963..ولم توضع لها معايير لتعمل وفقها منذ ذلك التاريخ وكان القرار يترك دائماً للرقيب ولمدير الرقابة ...
ـ هل تعملون بشكل اعتباطي إذاً ؟!
بالطبع لا، ولكن المعايير مفتوحة...لا يوجد نص يضبط العمل.. والأمر يشبه وجود شرطي السير في الشارع، سمعت أن بعض الدول الأوروبية قررت استبدال شرطي السير بـ (هيكل بلاستيكي) حين يراه السائق ويضبط سلوكه وعندما يقترب منه يكتشف أنه ليس حقيقياً ..ربما كان ينبغي أن تكون الرقابة هكذا في بلادنا ..تخيل لو أننا ألغينا وجود شرطي السير في وسط الزحام ...ما الذي سيحصل برأيك؟! بالتأكيد سيختلط الحابل بالنابل..
نحن نؤدي وظيفة الرقابة القبلية، في لبنان ومصر والأردن وبعض الدول العربية يتبعون نظام الرقابة البعدية، ثم بعد أن يظهر مبرر ما يقومون بمحاسبة الكاتب أو حتى سحب الكتاب من السوق.
بصراحة.. وبرأيي الشخصي ـ لا الوظيفي ـ الرقابة أمر مذموم، وأصلاً لم يكن لدي رغبة بالعمل في هذا المنصب لأنك تصبح دائماً محط لوم وانتقاد وتلقى على عاتقك جميع مشاكل الحياة الثقافية في البلد.
اسمع هذه الحادثة ..منذ فترة وصلنا كتاب اسمه (ماءالحياة) وهو كتاب طبي لطبيب درس في الهند وتأثر بعلومها وثقافتها ..سمحنا بالكتاب وأجزنا تداوله ولكن الله ستر واحتجت علينا وزارة الصحة ، وليس وزارة الأوقاف لأن المؤلف ينصح البشر بتناول كأس من البول البشري يومياً لأنه مفيد للصحة !!!وهذا ما يناقض تشريعات تتعلق بالنجاسة والتعاطي معها..باختصار لم نعد نعرف ما هي الخطوط الحمر...نغربل مرة واثنين وثلاثة ومع ذلك يأتي من يعثر لك على خط أحمر تم تجاوزه!!
القرار بيد المؤسسة الأكثر تاثيراً ..
تصبح آلية اتخاذ القرار لحل مشكلة ما أحياناً ـ وعندنا في معظم الأحيان ـ مشكلة بحد ذاتها، ويصعب التوصل إلى فكرة أو غيمة صغيرة في الذهن، تمكن من العثور على الحلول، ففي قضايا من هذا النوع يغيب دور الأخوة النواب في مجلس الشعب، لا يفكرون أن ما نتحدث عنه هو طريدة قانونية في النهاية، وليس قمراً صناعياً، وبالتالي فلا يخطر ببال أحدهم تحت قبة المجلس أن يفتح نقاشاً حول الموضوع، ولا يفكر حتى في الهمس بأذن رئيس المجلس وأعضائه أن يستدعوا الحكومة أو وزير الإعلام لمناقشته في قانون من الممكن تعديله أوحتى تغييره واستبداله بسهولة ولكن عبر القنوات الشرعية...وما يسمى بـ (قوننة العملية الإبداعية) ليس من أعمال السحر والشعوذة بل هو إجراء متبع في كل دول العالم.
الدكتور ممتاز الشيخ ـ مدير عام مؤسسة الوحدة ومدير الرقابة سابقا :
نتحدث عن المستجدات في العالم دائماً... ولكن هذه المستجدات ذاتها هي من ألغى الرقابة بإلغائها للحدود المعرفية وكشفها للعالم ... بمنعك كتاباً أنت تقوم بمنع شخص (يمكنه التمييز) ولكنك تترك الذين لا يقدرون على التمييز عرضة للفضائيات والانترنت وغيرها ..
وكذلك تقوم بالسماح لمن لديه حضور سري يمارسه في المجتمع بتوزيع منشوراته وكتبه دون علم منك، ولكن حين تسمح بكل شيء فأنت ترى أكثر ...
قدمت لثلاثة وزراء إعلام متعاقبين، مشروعاً بحثياً يؤيد إلغاء الرقابة وتحويلها إلى لجنة لدراسة الحالات الخاصة والاستثنائية التي يشتكي منها أحد ما، بعد طباعة الكتاب، ولكن لم يكن هناك نتيجة من ذلك، لأن القرار ليس بيد وزير أوحتى جهة واحدة، ربما يتطلب هذا النوع من التغيير قوة أكبر لتنفيذه.. وحالة الرقابة الهزيلة في سورية تشبه اكتشاف حالة مرضية ما، يجب عندها استدعاء الطبيب الذي هو المؤسسة الحزبية ـ باعتبارها هي التي تقود المجتمع والبلد ـ وما يتفرع عنها...
الآلية التي اقترحتها كانت تقضي بالسماح للصحف والمجلات والدوريات بالدخول إلى البلد وعدم مراقبتها، أما النموذج الثاني فكان ما يتعلق بالكتاب، والكتاب يساهم في تشكيل الرأي العام والوعي الاجتماعي ، ولذلك لابد من العثور على آلية مناسبة بحيث يكون للدولة سيطرة على العملية وفي الوقت نفسه ، يجري منح الكتب فرصة الوصول إلى القراء، تلك السيطرة تكمن أصلاً بطبيعة العلاقة مع دور النشر فوزارة الإعلام حين تمنح التراخيص للناشرين فإنها لا تتعامل معهم على أساس أنهم غرباء ومجهولون وهي تعرفهم جيدا، لا سيما وأن الموافقة على منح الترخيص تأتي بعد عدد من الدراسات الأمنية وغيرها...وبالتالي فإنه من المفترض أن يكون هناك ثقة من قبل الدولة بهؤلاء...فيحق إذاً لدور النشر بوصفها مؤسسات تفرعت عن وزارة الإعلام ، وإن كانت من القطاع الخاص، يحق لها أن تصدر ما تشاء من مطبوعات..بعد ذلك تجري دراسة النتائج ...لم نسمع أن دار نشرواحدة أغلقت بسبب نشرها لكتاب في سورية، ولكننا نعرف الكثير من الكتب الممنوعة ...
ـ أنت تصف الرقابة في سورية بالهزيلة؟!
نعم، بشكلها الحالي، ووضعها يسيئ مباشرة لسمعة الدولة، ، لماذا لا يتحدث أحد عن الرقابة في بريطانيا؟! لأنهم يمارسون الرقابة ولكن بإخراج مختلف ومتطور، أما الشكل الذي نمارسه من الرقابة فإخراجه رديء وبالتالي فهو يسيئ لنا كثيراً!
الأستاذ أحمد المحمد ـ قارئ في رقابة وزارة الإعلام :
التغييرات الكبرى لا يمكن أن تحدث إلا بالعنف ، النبي محمد (ص) لم يستطع أن يحدث تغييره العظيم لدى بعض الناس إلا بالقوة في أحيان كثيرة، ولا يمكن أن ننتظر رخصة من أحد ما كي يسمح لنا بالقيام بتغييره، والتعامل مع موضوع الرقابة يجب أن يكون نسبياً وواعياً فأي طرح لإلغائها هو طرح غير منطقي...ولكننا نتحدث عن التغيير..
ـ كيف يكون التغيير بالعنف وأنتم تمنعون الكتب ؟! ماذا يفعل الكاتب ؟!
أي حل حالياً لن يتجاوز الاجتهاد الشخصي.. أما الحلول الحقيقية فتكمن في مستوى البناء الحقوقي المؤسساتي، من الممكن أن تكون متنوراً ومميزاً وقاموا يتعيينك في منصب كبير، وزير ثقافة أو إعلام مثلاً، ستقوم بالتغيير الإيجابي طيلة فترة وجودك، ولكن عندما تذهب ويأتي بديلك سيعيد الامور إلى نقطة الصفر وهكذا ..إذاً الحل يتمثل في وضع قانون عصري للمطبوعات، يلحظ بشكل واضح ودقيق، الضوابط والخطوط التي على أساسها تتم مراقبة الأعمال، بعد طباعتها، وليس قبل ذلك، في الدول المتحضرة انتقلوا من حالة الخلاف الشاقولي إلى حالة الخلاف الأفقي الذي لا يسبب المشاكل، هم لا يناقشون هل يجب أن يكون هناك رقابة أم لا؟ بل يفكرون في معنى الرقابة وكيفية ممارستها مع الإبقاء على ضرورات تطور المجتمع.
أرقام أولية:
تراقب وزارة الإعلام يومياً ما لا يقل عن 20 ـ 30 كتاباً ..بينما يوجد 6 قراء فقط ..
يجب أن يقرأ المراقب الواحد يومياً ما يعادل ثلاثة كتب..فأي ذهن يمتلكه هذا الرقيب كي يميز ما بين الممنوع والمسموح بعد ذلك؟!
ويتم أسبوعياً تمرير 150 عنواناً إلى المطابع أو إلى أدراج المنع والنسيان!!
ـ شهادات الضيوف مستمرة وهم يؤكدون في كل تدخل منهم على ضرورة التفكيرمن جديد في ملف الرقابة، لأنه لا يوجد ما لا يناقش في الكون، ولن يصبح ملف الرقابة بحد ذاته خطاً أحمر من خطوط الممنوعات !! تابعونا مع تحليل جديد وضيوف آخرين وشهادت أوسع...
08-أيار-2021
المركز الدولي للفنون البصرية والسمعية / ثقافة العين في مواجهة ثقافة الأذن |
01-آذار-2010 |
27-آذار-2008 | |
12-كانون الثاني-2008 | |
10-كانون الثاني-2008 | |
12-كانون الأول-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |