إنه يسرى فودة
2013-04-14
مَن يسأل عن سرّ اختفاء الورود من المشاتل فى الفترة الأخيرة، عرفنا السرَّ. إنها فى «دار الفؤاد». منذ لحظة دخولك بهو المستشفى، سيملأ الشذى رئتيك، ليزدادَ قوةً كلما ارتقيتَ الدَّرَج، ليصلَ أوجَه، فى الدور الثانى عند بداية ممر طويل محتشد جانباه بسلال لا حصر لها من الورود بكل أنواعها وألوانها وأشكالها، تتبدل على مدار الساعة. على كل سَلّة، بطاقةٌ ممهورة بتوقيع أحد محبى هذا الإعلامى المثقف من قراء ومُشاهدين وأصدقاء. محبة الناس، هى «الكنز» الذى يحصده كاتبٌ عبر رحلته مع القلم، و«الاستثمار» الذى يربو مع الزمن، ويُدفع من أجله السهرُ مع الفكرة، ومشاكسة العقول. والشاهدُ أن هذا الواهنَ جسدًا فوق فراش التعافى، المتوقّدَ ذهنًا وروحًا رغم شروخ العظام، وتهتك الأنسجة، قد حصد قلوبَ ملايين المصريين وغير المصريين. حتى مَن اختلف معه فكريًّا وسياسيًّا، لا يملكُ إلا أن يحملَ له، مع الخلاف، الشىءَ الكثيرَ من الاحترام، والإعجاب بالمستوى الرفيع من المهنية وإتقان العمل، فى زمن أصبح فيه الإتقانُ ضربًا من الفولكلور المُتْحَفىّ المندثر. لهذا تزاحمتْ حول غرفته ورودُ الفرقاء، من مثقفين وليبراليين ويساريين وغُلاة ورجال دين إسلامى ومسيحىّ وفنانين وكتّاب وإعلاميين وقراء، يجمعهم رابطٌ قوىٌّ لا شكّ فى نصاعته: مصريون، وبس.
كنتُ أتأملُ هذه الظاهرة وأنا أرمقُ الضمادات حول عنقه، حينما انتبهتُ لصوته العميق لم يبدّله الحادثُ الصعب، وبريق عينيه الذى عرفته عدساتُ الكاميرات: «مصر عاملة زى شقة فيها خمس غرف، كل فصيل عايش فى غرفة ومايعرفش حاجة عن الناس التانية. وبعد الثورة فتحوا الغرف واتقابلوا فى الصالة. بعد صدمة المفاجأة الأولى، نظر كلُّ فصيل إلى الآخر قائلا: من أنت؟ نحن الآن نجلس معًا لأول مرة فى صالون الشقة لنتعارف». علّ هذا التشخيصَ هو الأوفقُ لمرحلة الارتباك الراهنة.
أجمل ما بغرفته، لوحاتٌ تكسو الجدران. رسمتها أياد صغيرة، لأطفال مستشفى ٥٧٣٥٧: «سلامتك يا عمو يسرى، تعال زُرنا قريبًا». عصافيرُ وأسماكٌ وزهورٌ وفراشاتٌ بألوان الشمع والخشب، وخطوطٌ نقية لا تعرف إلا الصدق.
أنظرُ حولى لأتأمل هذا الحشدَ العجيب: داعية إسلامى: د. أسامة القوصى، أبٌ كاثوليكىّ: الراهب بطرس دانيال، صحفيون وحقوقيون وقراء وزهور، وأنا! ما الذى يجمعُنا؟ الهوية المصرية. وما الذى جمَّعنا هنا؟ محبةُ هذا الواهن الجميل.
قبل أعوامٍ كتبتُ أن زمن احترام اللغة وحُسن البيان قد ولّى مع إعلاميين روّاد مثل محمود سلطان وأضرابه. لكن مصرَ لا تنضبُ فتمنحنا آخرين لا يلحنون ولا تزّلُ ألسنُهم. تعافَ سريعًا، إذن، لأن ملايين ينتظرون: «آخر الكلام».
[email protected]
المصري اليوم
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |