إضاءات جنسيّة
2008-04-12
لا يفهم الفرنسيون، أو جيرانهم، كيف يمكن لامرأة أو لرجل أن يتزوجا، من دون لقاء مسبق، ودون تجربة جنسية. ففي الوقت الذي يستنكر الفرنسي مثل هذه العلاقة، دون سابق معرفة، يستنكر العربي العكس، أي أن يتم التعارف الجسدي قبل الزواج. في عرف الفرنسي ، يأتي الارتباط ، بعد التعرف والانسجام الجنسي ، علما أن الارتباط لا يعني بالضرورة الزواج ، إذ لم يعد الزواج هو التعبير الأمثل عن الارتباط ، بل يكفي أن يقرر أحد الطرفين ، أن يأتي للعيش والسكن مع الطرف الآخر ، ضمن اتفاق الطرفين طبعا ، ليكون ذلك إعلانا للارتباط والحياة المشتركة . فلم يعد الزواج سوى مؤسسة اقتصادية ، تختلف آثارها عن آثار الارتباط غير المثبت على الورق اقتصاديا ، بينما يأتي الارتباط في العرف العربي ، أو الشرقي ، معاكسا تماما ، إذ يأتي الزواج أولا ، ثم التعارف الجنسي .
يتساءل الفرنسي: وماذا لو أنهما لم ينسجما جنسيا ؟ الحل سهل : يبحث الرجل عن لذته في أماكن
أخرى ، تخرس المرأة ، أو تفعل مثله ، بسرية عالية .
في العرف الجنسي للشرق، لا يتزوج الرجل امرأة مارس معها الجنس قبل الزواج ، مع أن ثمة حالات نادرة ، لا يمكن تعميمها على العقلية الشرقية ، وهي حالات محصورة ضمن نخب معينة ، سياسية وثقافية ، بل ولا تكون معلنة بفجاجة ، خوفا من أحكام الآخرين ، وخاصة فيما يتعلق بالمنطق الديني الذي مازال يحكم الشارع العربي ، بشقيه النخبوي والعادي . بينما نجد الأمر معكوسا تماما في العرف الغربي ، إذ لا يتزوج امرأة ورجل ، دون خوض تجربة عميقة ، يتأكد فيها الطرفان ،من قدرتهما على الاستمرار معا ، وهذه التجربة ، لا تنحصر في العلاقة الجنسية فقط ، بل تتعداها لتشمل كافة تفاصيل العيش المشترك .
في حين يعهّر الرجل الشرقي المرأة التي يعرفها جنسيا ، دون زواج ، بل وقد يتبجح بتلك العلاقة ، كرمز انتصار وفحولة ، ورمز إذلال للمرأة ، ينظر الرجل الأوربي إلى شريكته نظرة تعادل ومساواة ، بل ويبذل جهده ليحظى برضاها عليه جنسيا ، إذ تستطيع المرأة ، أن تسخر منه ، وتلوكه أمام المعارف المشتركين ، لو كان أداؤه الجنسي غير مقنع لها . فالمرأة لها أولويات النشوة الجنسية على الرجل ، وتطالب بها ، وتعلن عن اكتفائها أو عدمه .
في الوقت الذي تبدأ سلسلة ما يسمى بالخيانة ، بعد الزواج في الأنظمة الشرقية ، فإن هذا المفهوم ، نادرا ما يتم بعد الارتباط في الغرب ، لأن عامل الواجب أو الإذعان غير موجود ، إذ يختار كل شريكه كما يروق له ، لذلك ، فهو غير مضطر للخيانة ، لأنه كما قرر الارتباط ، يستطيع فك هذا الارتباط ، دون اضطرار لتحمل علاقة غير راض عنها . ثمة استثناءات دوما ، أن يقوم الرجل المرتبط ، أو المرأة ، بعلاقة جنسية مع شخص آخر ، ولكنها حالات لا يمكم تعميمها ، بسبب توفر الحرية لأي شخص ، في انسحابه من العلاقة دون اضطرار إلى عيش الازدواجية ، أو التعددية الجنسية ، إلا إذ كان ثمة " فانتازيا " ما ، يقبل بموجبها الطرفان ، بتعدديات من هكذا نوع ، ضمن موافقة واتفاق واضح ، لا يمكن أن يندرج تحت عنوان الخيانة .
لا تختلف صورة المرأة ، أو حقوقها الاجتماعية والعاطفية ، فيما لو كانت متزوجة أو عزباء ، إذ تستطيع أن تعيش مع شريكها حياة كاملة ، وينجبان الأطفال معا ، دون أن يذهبا إلى المأذون الشرعي ، لشرعنة ارتباطهما . لذلك فإن الحاجة للزواج أضحت ضرورة اقتصادية أو إجراء إداريا، يحتاجه أحد الطرفين، وليس تعبيرا عن جدية الارتباط.
كنت أتحدث إلى صديق لي، في إحدى الأمسيات، وقد تأخرت زوجته، فسألته " أين زوجتك ؟ "وعادة أستعمل اسمها "ميريكل" لا صفتها ، فصحح لي: نحن لسنا متزوجين. مع أن ابنتهما صارت بقامتهما ، وحين جاءت ميركل ، كنت أشرح لها أني لا أميز كثيرا حين أقدم أحد الأزواج من أصدقائي ، لطرف آخر ، فهل نقول زوجته ، امرأته ، صديقته ... قالت: ببساطة نقول: شريكته، أو صاحبته... وقالت مداعبة : تحتاج المرأة للزواج مرة واحدة في حياتها ، لترتدي الثوب الأبيض ، وأنا ارتديته من قبل ، ولا حاجة لي للزواج الآن !
أمّا ماري فقد رفضت تماما أن تتزوج ، رغم مرور أكثر من خمسة عشر عاما على ارتباطها ، وإنجابها لولدها الوحيد ، قالت : أفضل أن أكون مستقلة اقتصاديا ، لي حسابي في المصرف ، وله حسابه ، لكل منا حياته المالية ، ولا أحب أن أندمج ماليا مع أحد .
أما مارتا ، فعلى العكس من ميركل وماري ، لم تعرف بدقة لماذا كانت راغبة في الزواج ، قالت لي إن والدتها صرخت بها على الهاتف " تتزوجين ؟ ولماذا ؟. "قالت لي إن الزواج ليس من تقاليدنا ، معظم أقاربي يعيشون حياتهم وينجبون ، ولكن دون زواج . شرحت لي مارتا ، أن ثمة دوافع رومانسية في طلبها للزواج من روبن : "كنا في السينما ، وطلب البطل من صديقته يدها ، فالتفت نحو روبن ، ودون تفكير سألته " لماذا لا تطلب يدي ؟ " ، استغرب روبن سؤالي ، وصمت ، بعد سنة من ذلك التاريخ ، كان الطقس ربيعيا فاتنا ، وكنا نتناول الطعام في مكان مشمس وجميل ، ثمة أشجار وجدول ماء ... قال لي" كنت أفكر دوما بسؤالك ، ولكنه لم يخطر ببالي يوما أن أتزوج ، لا أعرف لماذا ، ولكن هذا لم يخطر ببالي ، والآن ، وبعد مرور وقت على سؤالك ، أجيبك ، أنني قادر ومستعد نفسيا اليوم للزواج " ، كنت سعيدة أنه طرح علي الزواج ، لا لمزيد من التطمينات ، فالزواج لا يشكل أية ضمانة ، لأن الطلاق موجود أيضا ، لكني كنت مغرمة بفكرة الزواج كحالة تعبير رومانسي عن رغبته لأكون أكثر قربا منه ، أمي سخرت مني ، ولكني تمتعت بهذا ، لم يهمني الزواج بحد ذاته فيما بعد ، كانت متعتي فقط ، أن يطلب يدي " .
حين أفكر أنه مازالت حالات زواج كثيرة ، تتم بين أشخاص يلتقون للمرة الأولى في ليلة الزفاف ، لأن الأم أو الأخوات ، هن من يقمن بخطبة العروس ، وأن الشاب لا يرى وجه زوجته إلا في المرحلة الأخيرة من إتمام طقوس الزواج ، بينما قد تكون الفتاة قد حظيت بنظرة مختلسة للعريس ، ولكنها أيضا لم تقترب منه أو تتحدث إليه ، وأننا مازلنا نسمع من يقول : لا تجعل من ليلة عرسك حالة رعب لزوجتك ... لتحث الرجل على التروي وهو يفض عذرية زوجته، بينما تنتظر العائلة رؤية منديل الشرف، أشعر بغثيان، إلى أي حد، تضيق بنا الحياة، لنحصر أحلامنا ومخاوفنا وسعادتنا، وخلاصنا.... في صكوك براءة مزيفة ، نحشد كل طاقاتنا للحصول عليها ، لننجو!
08-أيار-2021
13-شباط-2009 | |
19-كانون الثاني-2009 | |
25-آب-2008 | |
21-أيار-2008 | |
12-نيسان-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |