شعر / لئلا أنام لئلا أصحو
أكرم قطريب
2006-04-08
- 1 -
ليلاً كان الوقتُ، تقضمُ أطرافَهُ الجرذان، أو هشيماً دبقاً يرقُبني ثقيلاً بدقائقه
المطأطئِة على أرصفةٍ خاليةٍ من الإصغاء والترقُّبِ والنجوم ...
وبين يديَّ ينسابُ وجهكِ .. يسوقُ قطعان قلبي نحو سماءٍ تلبسُ قبّعةَ
قشٍّ وسروالاً يَسَعُ مئة غزالٍ وعراءْ ..!!
لا أراكِ إلا حين أكونُ وحيداً أو ميتاً، فَيهتزُّ فيَّ سقفٌ معتوهٌ تنبضُ بين
شقوقه ارتباكاتُ روحي المرصوفةُ
كحجارةِ
معبدٍ
قديمْ.
... وحين تلمسني عيناكِ تتقشّرُ اللحظةُ مثلَ باذنجانةٍ يحاصرها
قمرٌ غضّ.! أضألَ من دمعةٍ تتحفّزُ بين جفنيكِ كانَ الكونُ،
والمكانُ أضيق من ظلِّكِ الذي حاذاني بضياعٍ
هاجعٍ
لدُودْ.
أبحثُ عنكِ تدلفُ استغاثاتُ الله من بين أصابعي، فَيَعلَقُ لحمي بسياجِ
عشبكِ، حيث المطرُ يغتصبُ جسدي تحت مزرابٍ صدئٍ، فتذكرني
الأرضُ برائحةِ أمي الخافتةْ،
كبرقٍ مخبوءٍ
وراءَ تلالٍ مُطفأَةْ.!؟
هاكِ دمي .. يؤذيه الخوفْ
وذهابي إليكِ تشدُّهُ استداراتُ الحدائقِ والأزقّةِ
المرهقة بغبارِ جنوني الذي
يجلسُ القرفصاءَ
أينما يراكِ ..؟!
أتأبّطُ بقاياكِ،
أنشُلها من تجاعيدِ أَساي المكتظِّ حول حدقتيَّ،
أرعى زفيركِ من التواري،
أدثرِّهُ بلهاثي ساعةَ تطوقُهُ الجهاتُ بهزيعٍ نَخَرتْهُ نداءاتُ الغرقى في
أقصاي.
حينَ الغماماتُ يَعضُضنَ على شفتيَّ
أهيِّئُ لكِ ثرثرةً لتجالسي ظنونَ الفجر،
تتسلَّيْ بسماواتي المائلةِ عليَّ على أرائِكَ من ظُلَلِ
النشوةِ والإغواءْ.!!
قربَ حطامِ خيالاتِ هذا الفراغِ المُقبَّبِ أهيمُ على مشارف أطلالك
خالعاً لكِ ظلّي وشهوتي ولذّتي بالانتحار ..
فما اسمُ فقدانكِ،
حينَ ينقُرُ ضوؤكِ زجاجَ مثوايَ
ونوافذي المقفلة عليَّ في قبوِ صدفةِ أو
شارعٍ أو
أبدية ما..؟!
/من يُلألئُ ملامحكِ على ضفافي
/غاباتُ الصواعقْ ..؟
/أم رياحُ عتباتي المشبوهةُ بالقُبُلاتْ ..؟
/من يُروِّضُ أشجاري عن وطأةِ الميلانِ
حين تُصلِّيكِ
عصافيري
الضّالَّةْ .؟!
/جناحاي كيف يَحطّانِ
والفلواتُ كمينٌ مذهَّبٌ على هيئةِ عشّ،
جنازةٌ
مهيأةٌ
لبعيدي ..؟!
//ليل 18/3/1992
- 2 -
يا لجسمي ..
هو ميقاتُ الوشاية بصمتِكِ الدافقِ الموصومِ بشفاعةِ المواسم الباردة ...
يا لجسمي البليلِ بأصابعك ..
/هل تحمينَني
حين تَتَسلَّلُ الحواسُّ من مسامِّ ترائبي لتَتلصَّصَ على
جسِمكِ الحنونِ – الفاسقِ كزهرةٍ
تتأمَّل الريحَ بخصرٍ
يلوِّثُه الشَّفقْ –
جسمكِ الذي
من حنطةِ
روحي ...
لتلاشيكِ غَفْوةُ المرايا على ملاءةِ المغيبْ،
إغماضةُ النعّناعِ على رخامٍ غامضٍ
رَحبِ الغوايةِ، رَطبِ العَماءْ ..!!
لا شيء:
الزبالونَ يهزّونَ سراجاً للقيامة في الممرات التي لا تنام إلا على مخدّةِ
جهاتكِ الواثقة
منَ الأنينِ العالي
كالبنفسج ..!!
/من يستلُّكِ منِّي ..
والأعاصيرُ مناديلكِ فيَّ،
يُلوِّحْنَ بي
حتى أصيرَ ضباباً
يرشحُ من يديكِ ومِنْ
عظامي .. ؟؟
خذيني إلى زردٍ
يأسُر هالةَ المصابيحِ على عنقكِ المُحاكْ
بجفونِ
أسراكِ
وشرودِ الينابيع من
عرينِ الأسلاف .. !!
خذيني إلى وردةٍ تُشبهُ شروقي
منْ
كثبانِكِ،
وأُفولَكِ
في
دمائي ... حيثُ وجارُ النبوءاتِ الهاتفة بالملكوت تُخفي حُنوَّ
النرجسِ على مراويل الأقدار السّاحرةِ من الآلهةِ المتشردةِ تحت أقواس
الهزائمِ والأصفادْ ..!؟
خذيني من تراتيل الرّعاة إلى
عروشِ المذبح علّني
أسُفُّ عطرَ قُراكِ العالق
بضوءِ بطنكِ الداكنِ كالنهارْ
السَّاطعِ
حتى
الألم .!؟
وهنا في الروّاق الطويلِ حتى الأكذوبة يهزأ الخلاءُ بالباهتِ والنوم
المصدوع ... يحثُّ أنفاسَ الجدرانِ الأسنةِ بالتعَّب ..
خلاءٌ مضرجٌ بالرعشات يهوي على السلالم قربَ كمانٍ مفقوءْ
متوسِّداً رنينَ اليأسْ،
غائصاً في الخفوتِ الأليفْ،
يَلْتفُّكِ عارياً من ورقةِ التُّوتْ ..
لمِشيئَتِكِ رُدهاتٌ تفضحُ سطوتي الخجولةْ –
تعلِّقُ ذاكرتي على مشجبْ –
تضرَّجُ أحجاري
بنداءٍ
معصوبْ –
تختلسُ بهاءَ الهياكل من
سكوني الأعزل في
بُرعمِ الماءْ .. !!
.. ولأنّ العذبُ كالحٌ،
واللغات بلا أقاليمْ
أقيِّدُ كتفيّ الغُضاريين بضراعةِ ساقيكِ اللتينِ
تسفكانِ انحناءَ
الأفقِ المهدومْ
على السرير
الحالِكْ .. !؟
على أراجيحكِ تصعدُ النهاياتُ بي نشيداً، نشيداً، حتى أجاورَ مشهدي ..
حيثُ الظهيرةُ ترمي عليَّ انشغالَ المرائي بنواحٍ يهذي بكتابة الخلود الشفيِّ
على الحبق المنثور من النسيانْ ... والسحيق ينمو على شفتيكِ كصوتٍ
على صخورِ عايثةٍ بالمجاهيل .. !
آن أقودُ ظلّي إليَّ،
والشاسع على أسمائكِ ..
وعلى أنقاضكِ آن
أُؤَرِّخ أضرحةَ البوحْ
أَتفتقُ من لحاء سهولكِ العرجاءْ
يَسنُدها ذعرُ الطرائدْ .!!
وعلى بساطكِ أتناثرُ ..
كانفلاتِ الحماماتِ
من مدارِ الشمس الغاربة في ...
سياطكِ تكسوني
وصريركِ في عروقي
يُدفِّئُ عصياني
لديكِ،
وأغلالَ
حفيفك المعضود
بي.!!
هنا في الرواقِ الطويل حتى الأكذوبةْ .. لكأنَّ
الدمعَ
يبكي ..
لكأنَّ الله حزينْ..!؟
//غروب 9/4/1992
- 3 -
/ .. أينَ أنتِ بينهُنَّ .. ؟
يتخذنَ من جسدي مقاماً ..
يَحْتجبْنَ فيه،
يَفْتحنَ خزائنَ احتفالِهِ
بورعِ الضَّلالة
وفِضّةِ الشبُّهاتْ .. ؟
صَلِّي حرمةَ سفوحي المباحةْ،
وافتحي خواتمَ الفرحِ المكبوتِ –بالإثم-
جَهاراً أمامَ الأتقياءْ ..
صَلِّي غيابي
الغائم
بالغياب
/ما أغناني عنِّي بكِ ..؟!
تحت خيطِ البرق
من نهديك تفيقُ الكَمأَةُ
والهواءُ جُثّةٌ معلقّةٌ على أبوابك، يُشعِلُ
تخومكِ بالكواكب
والحراسْ ..!!
.. والليلُ حقائبُ وبائكِ المترنحِ على الطينّ ..
إنّهُ الظلُّ:
جُمجمةُ الحدادِ الطويلِ حتى المشنقةْ
والماءِ
والظَّمأْ
حتى الجسدِ والعشبْ ..!!
]....[: شَتاتُ النهر قربي هيّ –أنتِ،
رفرفةٌ جَرحَتْ
سقوطي من
يديَّ قبل جفاف المساء
على الخطواتِ التي نسيناها
-تحت الحورِ- تستحمُّ
بالطريقْ ..!!
]....[: غاصَ جسمك فيَّ
حتى فاضَ عنّي .. طوباكِ ..!!
طوباكِ حينَ أُضمِّدُ الريحَ بصوتي الذي
يَعرى على هامتكِ ضجيعَ
المتاهْ ..!!
.... طوبايَ
حين بأنفاسك غَمسْتُ ذُرايَ ..
تغمدّتُكِ ..
لنبقى فُتاتَ دُخانْ.
أشعليني بكِ من أظافري
ومن هَدأتِكِ فيَّ
أنقذيني
وابني قُداساً لأعضاءِ الله المدفونة في
الكهفِ المهجورِ:
-لا ملجأ منكِ إلاَّ
إليكِ-
على غُصنِ دفلى
آيل
للموتْ.
على كفِّكِ
آيل
للحنينْ:
-هو قلبي.
//فجر 2/5/1992