الفاتحة
منذ اندلاع الثورة وأنا أفكر في قضية هامة.. ترى لو كانت لدينا الجرأة في الثمانينات من القرن الماضي لنشارك أخوتنا في حماة الثورة ضد الطاغية حافظ الأسد، هل كنا اليوم نعاني مما نعانيه. ألم يمر الطاغية المقبور حينها بلحظات شعر أن أيامه معدودة..؟؟ ألم يخرج مترجيا أن نقبله سنيا فيتخلى عن كونه علويا وأنه لن يفعل إلا ما يرضينا.؟؟ نعلم أنه كان كاذبا حينها. ولكنه كان في لحظة خوف شديدة. وكان يمكن أن نستغلها، في ثورة كثورتنا اليوم. وكان ممكنا أن ننتهي منه، ولم نكن لنرى ابنه المعاق رئيسا لنا. ثلة من الثوار في حماه قدروا عليه حينها، ونحن خذلناهم، لو...
هو ريموت كنترول بيد أحدهم يحرك به العالم، لا أحد يعرف وجهه، أو جنسه، أو حتى دينه، هو فقط يد تحمل الريموت كنترول، ويتنقل في العالم مشعلا الحرائق.. تأخرنا حتى انتبهنا له، لم نفكر به وماذا يفعل بالناس حتى وصل البل إلى ذقوننا، حتى قرر في لحظة ما، لحظة كان لابد أن تأتي، فلا يمكن أن نظل خارج السيطرة، فنحن نطالب بحريتنا، والحرية تخيفه، تجعله مهوسا بالقتل، بسفك الدماء، سيمفونيته المفضلة أصوات قصف المدافع، وأصوات هدير الطائرات المقاتلة التي تشيع الدمار أينما حلت. يبدو مجنونا فرحا، حين تصيب الطائرة هدفها وتتطاير أشلاء الضحايا هنا وهنك. يكره صوت صفارات سيارت الإسعاف...
المدينةُ؛ بدايةُ الكونِ، وانطفاءُ الجنونِ.. أوْ هيَ.. امرأةٌ مسكونةٌ بالرَّغباتِ، أوْ مفجوعةٌ بالذِّكرياتِ أوْ ربَّما، سُرْبُ فراشاتٍ ملوَّنةٍ محلِّقةٍ فوقَ حقلٍ منْ شقائقِ النُّعمانِ .. هيَ المدينةُ ندخلُها؛ دمشقُ.. تتبدَّى، عبرَ الطَّريقِ القادمِ منَ البحرِ، مُعَلِّقةً حليَّها وأثوابَها على أعمدةِ إنارتِها الباهتةِ، سبعةُ أعمدةٍ بسبعِ قطعِ حليٍّ وثيابٍ .. معلنةً للقادمينَ إليها: هذهِ أنا، عاريةٌ منْ أثوابِ حشمتِي.. أنتظرُ وصولَكُمْ. مفتوحةَ الذِّراعَيْنِ، تفوحُ منْ إبطَيْها رائحةُ الأعشابِ النَّديَّةِ، عاريةَ الصَّدرِ، ناعمةَ ملمسِ الجسدِ تحضنُ كلَّ القادمينَ إليها. وفي مكانِ العانةِ منها، حيثُ يتجذَّرُ شامخاً نصبُ أوَّلِ اتِّصالٍ لها بالحضارةِ الحديثةِ، تستقبلُهم، تمتصُّ رحيقَ أيَّامهِمْ، ثمَّ ترمي بهِمْ في فنادقِها الرَّخيصةِ، فينتظرُونَ قَدَرَهُمْ هناكَ سبعةَ أيَّامٍ، أوْ سبعةَ شهورٍ، أو...
كنت قد كتبت في أكثر من مناسبة، وفي أوقات مختلفة وقبل الثورة السورية بزمن طويل، أن لا شيء يجري في المنطقة إلا ويجب أن يصب في خدمة إسرائيل، وحتى الانقلابات العسكرية التي كان يقوم بها عسكريون مهووسون بالسلطة منذ بداية الاستقلال كانت إسرائيل تقف خلفهم، تقبل بعضهم وترفض الآخر. إلى أن استقر الأمر في يد أشهر عميل للصهيونية وأعني به حافظ الأسد، الذي كان صمام الأمان لعدم قيام أي محاولة جديدة لانقلابات جديدة فقد آن الأوان ليرتاح الجميع في هذه المنطقة ولتبدأ إسرائيل بالاهتمام بنفسها وبتطوير قدراتها دون أن تفكر في وجود عدو قريب من حدودها. وكان حافظ الأسد هو...
لم أخرج من البيت لثلاثة أيام متتالية، لم يزرني أحد خلالها، شعرت بوحدة لا تطاق، لدي رغبة عارمة في في التحدث مع أحد، رفعت سماعة الهاتف، مازالت الحرارة مفقودة فيه. رجعت إلى الموبايل لم أجد فيه حرارة أيضا. عزوت ذلك إلى العاصفة الثلجية، ولمت نفسي لأنني لم أغامر وأخرج من البيت لزيارة أحد الأصدقاء. الوحدة قاتلة والكهرباء مقطوعة منذ بداية العاصفة الثلجية غير المسبوقة في المنطقة منذ عديد من السنوات. أصوات القصف تتوالى، من جميع الجهات تشعر أن قذيفة ستقصد بيتك لتدمره فوق رأسك. ما عدت مهتما، تساوت الحياة بل الرغبة بالحياة مع الموت أو الرغبة به.. فقدت الإحساس ،...
أعرف أن عددا هائلا من القراء سيشتمونني وسيعتبرونني صرت شبيحا وينعتونني بكل ما يمكن من نعوت ليس أسوأها التعاون والتعامل مع النظام. ولكن ورغم أنني هربت من كتابة هذا الكلام أشهرا لأجد نفسي ومن أجل الحقيقة والتاريخ إلى اقتراح ما اقترحه لتوي.. فهي الطريقة الوحيدة لوضع بشار الأسد في القفص.. لقد أصبح واجبا علينا الاعتراف أن ما يجري في سورية حربا أهلية.. قتال مسلح بين فريقين مسلحين فقدا السيطرة على ردود فعلهم. وبين هذين الفريقين فريق ثالث يحاول لملمة الجروح والاستمرار بالثورة نقية دون جدوى. لن أتجنى على أحد، هناك مجرمون وسفاحون وقتلة ومرتزقة في الجانبين، وجميعهم يتسابقون على من...
وكان لي حبيبة اسمها شام، اغتصبها في سنواتها الأولى طغاة الأرض، حين كانت كل فصولها مهيأة لاستقبال الفراشات، وكل الفصول مهيأة لاستقبال الحب، فصل واحد يؤرخ، يحتل الذاكرة، هو فصل الاغتصاب، حين داهموها على حين غرة وأولجوا رجولتهم فيها، وفضوا بكارتها التي حافظت عليها من أجلي حين كانت كل الفصول مهيأة لابتكار الزنابق.. وكان مهيئا لها أن تبلغ الأبجديات القادمة وأن تخلع من أصابعها كل الحروف في الزمن المسرحي. وكنت أعد كتاب المطر لتشكيلاته القادمات، للرعدة التي لم تولد بعد، تواصل تشكيلها لغاربة الموج قبل هدوء البحر. وكنت أنتظر شمساً تجيء مصادفة علّ أدراج الصبر تنضج عناقيدها حتى أخر السكر المتاح،...
لا أدري لم حب لحظات الأنتظار دائما يحلو لي أن أنتظر قدومك، أنتظر سماع صوت حذائك يسير في الممر الطويل المؤدي إلى بيتي، سماع رنين الجرس. أفتح لك الباب ولا يفارقني الانتظار، أنتظار الفرجة عليك تدخلين البيت مبتسمة بعد قبلة على الباب المفتوح، وبدء خلع ملابسك الثقيلة فقد جعلت البيت دافئا لأجل ذلك، تتخففين من كل ما لايلزم لي، بمعنى يمتعني أن أخلعه عنك بيدي، قميصك الداخلي وسوتيانك.. وضاحكا أطلب منك أن تصنعي لي إبريقا من الشاي .. تغادرين، نهداك يهتزان، وأنا يمتعني مشهدهما مهتزان، وأنتظر عودتك بفنجان القهوة وحلمتاك واثقتان سعيدتان بلصلصتي عليهما .. تمتعني سرتك والصينية التي تحملينها والتي...
ربما بسبب الصدمة الكبيرة، وربما لأنني لا أريد أن أصدق، وربما لأنني لا أستطيع أن أنعي صديقي الشاعر بشير العاني ولا أريد أن أصدق أنه لم يعد موجودا، أن ابتسامته اختفت وآماله تبخرت أنقل نصا له في رثاء زوجته التي توفيت قبل عام من وفاته. ترى هل حبها الكبير له جعلها تستدعيه من السماء ليلحق بها.. كان يمكن أن أصدق هذا لو لم يكن موته على يد تنظيم داعش أكبر عصابة أجرامية فاقات كل مافيات العالم في إجرامها.. غاب بشير من عالمنا وفيما يلي النص الذي كتبه في رثاء زوجته .
وهذه هزيمتي الأخرى حاولت، وخلال عام بالتمام والكمال، أن أشتري...
يبدو أن القرار اتخذ، واكتفى صاحب القرار كائنا من كان، دولة أو دولا، شخصا أو أشخاصا، بكمية الدمار الذي لحق في البنى التحتية السورية، وفي روح الإنسان السوري. وهذا يعني أننا مقبلون قريبا على نهاية للحرب الدائرة. لا يهم كيف؟ المهم أن المهمة نفذت على أكمل وجه، ولو زاد الأمر عن هذا الحد قد يخرج عن السيطرة. فاتخذ القرار: لتنتهِ الحرب.. وستنتهي بعد إجراء بعض المهمات الضرورية ليقبل الجميع مرغمين بما تقرره جهة القرار.. وستستعيد سوريا هدوءها، ولتمضِ مائة سنة على الأقل لتعيد بناء ما دمرته الحرب. كل المؤشرات تدل على ذلك، اللهجة التي يتحدث بها الجميع تعطي انطباعا بأن...