الفاتحة
السؤالُ الَّذي كانَ يُلِحُّ عليَّ دائماً، حينَ أبدأُ كتابةَ واحدةٍ مِنِ اسْتراحاتِي هذهِ، هوَ: هل عليَّ أَنْ أُقَدِّمَ لها، أَوْ أُبَرِّرَ سببَ وجودِها في مكانٍ غيرِ مكانِها.؟. وكنْتُ أَجِدُ أَنَّ مِنَ الضَّروريِّ تقديمَ نَصٍّ إِبداعيٍّ في مكانٍ مُخَصَّصٍ لِمواضيعَ فكريَّةٍ، منها- بعدَ التَّأكيدِ على الدِّيمقراطيَّةِ الَّتي مِنْ دونِها تموتُ الشُّعوبُ، كما نحنُ الآنَ مَيْتُونَ- طَرْحُ آراءَ في الدِّينِ والسِّياسةِ والجنسِ، هذه المواضيعُ التي تُشَكِّلُ هاجسَ الموقعِ الأّوَّلِ، وَهَمَّهُ. تلكَ المُحَرَّماتُ الثَّلاثُ التي كرَّسَتْهَا الأَنظمةُ العربيَّةُ مِنْ خِلالِ تعميقِها، ومُحاصَرَتِنَا بِهَا، ومَنْعِنَا مِنَ الخَوْضِ فيها.!.أتساءَلُ: هَلْ أَكْثَرْتُ مِنَ الحديثِ عَنِ الجنسِ، عَنِ الدِّينِ، عَنِ السِّياسةِ.؟. هَلْ كَرَّرْتُ نفسِيَ دونَ أَنْ أدرِي.؟....
ما مِنْ أَمْرٍ في الحياةِ أكثرُ إِثارةً لِلْجَدَلِ مِنْ موضوعِ الجنسِ، تلكَ العلاقةُ الجسديَّةُ بينَ الرَّجلِ والمرأةِ، وما ينتجُ عنها مِنْ مُتْعَةٍ لا حُدودَ لها مِنْ جانِبٍ، وَمِنْ جانِبٍ آَخَرَ وظيفتُها في استمرارِ الحياةِ البشريَّةِ.الجنسُ ليسَ مُتْعَةً فقط، مع أَنَّهُ لو انتفَتْ هذهِ المُتْعَةُ لَمَا استمرَّتِ البشريَّةُ. فبواسطَتْهِ يستمرُّ هذا الكونُ ويتناسلُ البشرُ، مِنْ هذهِ الفكرةِ البَدْئِيَّةِ والبِدائيَّةِ كانَ الجنسُ مُقَدَّساً عندَ الشُّعوبِ القديمةِ في مُجْمَلِها، قبلَ أَنْ يكتشفَ الإنسانُ اللهَ الخَفِيَّ بِصِفاتِهِ كُلِّها.قبلَ اكتشافِ اللهِ الَّذي تأكَّدَتْ صِفاتُهُ في الإِسلامِ آَخِرِ الدِّياناتِ السَّماويَّةِ، كانَ الجنسُ عِبادةً، طَقْساً مِنْ طُقوسِ التَقَرُّبِ مِنَ الأربابِ، وهُمْ كُثُرٌ، والأَهَمُّ أنَّهُ كانَ طقساً مِنْ...
وأَنَا أبحثُ عنْ أوراقَ هامَّةٍ في أَحَدِ الأدراجِ المَنْسِيَّةِ في مَكْتَبَتِي؛ وقعَ بينَ يَدَيَّ دفترٌ، كُنْتُ ظَنَنْتُ أَنَّنِي قَدْ أَضَعْتُهُ، فَفِيْهِ جَمَعْتُ كُلَّ ما كَتَبْتُهُ مِنْ شِعْرٍ في بِدايةِ حياتِي الأدبيَّةِ، مُذْ كانَ عُمُرِي ثمانيةَ عَشْرَةَ سَنَةً؛ تناولْتُهُ بِلَهْفَةٍ مَِنْ وَجَدَ كَنْزاً، أَغْلَقْتُ على نَفْسِي بابَ مَكْتَبِي، وبَدَأْتُ أقرأُ بِلَهْفَةٍ وَمُتْعَةٍ ما كَتَبْتُهُ قبلَ نِصْفِ قَرْنٍ تقريباً؛ قَرَأْتُهُ كَمَا لَوْ أَنَّ أَحَداً آَخَرَ قَدْ كَتَبَ ما كَتَبْتُ؛ فُوْجِئْتُ بِمَا قَرَأْتُ، وَاسْتَمْتَعْتُ بِهِ، وَأَنَا الَّذي يقرأُ كُلَّ يومٍ عَشَراتِ المَوَادِّ الإِبْداعِيَّةِ، لاتِّخاذِ قَرارِ نَشْرِهَا أَوْ عَدَمِ نَشْرِِهَا؛ كَمْ أَغْبَطَنِي مَا ضَمَّهُ الدَّفْتََرُ القَدِيْمُ.!.مَضَامِيْنُ القَصَائِدِ في مُعْظَمْهَا كانَتْ عَنِ الحُبِّ، مَعْ أَنَّنِي...
"إِنَّ بَهِيمةً تُقَادُ أفضلُ مِنْ مُقَلِّدٍ يَنْقَادُ."!. هكذا وصفَ المناضلُ الكبيرُ، الشَّيخُ عبدُ القادرِ الجزائريُّ، رجالَ الدِّينِ الَّذينَ ينقلونَ عَنِ السَّلَفِ، دونَ أيِّ تفكيرٍ أو تمحيصٍ، أو حتَّى محاولةِ فَهْمِ السَّببِ الَّذي جاءَ بِمُناسبتِهِ ذلكَ الحديثُ، أو مِنْ أجلِهِ أنُزِلَتْ تلكَ الآيةُ. وحقيقةُ الأمرِ، أنَّ أجملَ وأرَقى ما يُمْكِنُ أَنْ يُوصَفَ بِهِ أولئكَ النَّقَلَةُ ذَوُو العقولِ المُغلقةِ، الَّذينَ يُديرونَ شُؤونَ الإِسلامِ، منذُ نهايةِ القرنِ الماضِي، وصولاً إلى اليومِ؛ هُوَ ذلكَ القولُ الَّذي قالَهُ المُجاهِدُ عبدُ القادرِ الجزائرِيُّ.مَنْ يُراقِبُ الحضارةَ والفِكْرَ الإسلاميَّيْنِ في عُصورِ الازدهارِ الحضاريِّ الإسلاميِّ، لا شّكَ سَيَنْتَبِهُ إلى الفارقِ الكبيرِ، بينَ تلكَ الفترةِ وهذهِ الأيامِ. بِالتَّأكيدِ لمْ تَكُنْ...
هَلْ تسمحونَ لِي بِالخُروجِ عنِ المألوفِ.؟ فَلا أتفلسفُ، ولا أخوضُ غِمارَ معاركَ دونكيشوتيَّةٍ، لم تأت يوماً بنتيجة، ولَنْ تأتيَ سوى بتخديرِ الألمِ فينا.!. لمْ أعتقدْ يوماً بِأَنَّني - بِمَا أكتبُهُ - سَأُغيِّرُ العالمَ.!. أوْ أُغَيِّرُ البلدَ، أوِ الحارةَ، أوِ البنايةَ الَّتي أسكُنُها؛ أوْ أُغَيِّرُ حتَّى جاريَ الَّذي يعيشُ شقةٍ مُواجِهَةٍ لِشِقَّتِي، التَّغييرُ يحتاجُ إلى حُرِّيَّةٍ.!، يحتاجُ إلى نقاشٍ مُتكافِئٍ بينَ فريقَيْنِ، هَبَاءٌ وَعَبَثٌ أَنْ تدخُلَ نقاشاً، سِلاحُكَ فيهِ قَلَمُكَ الأَعْزَلُ، في مُواجَهَةٍ غيرِ مُتَكافِئَةٍ، يستنفِرُ لها خَصْمُكَ ركاماً هائلاً مِنْ تَرِكاتِ القُوَى السَّلَفِيَّةِ، "الموضوعةِ" في أَغْلَبِهَا، عدَا ما هُوَ "غيرُ موضوعٍ" مِنْهَا؛ ففعلَ ما فعلَ في زَمَنِ وَضْعِهِ، لِيُغَيِّرَ، وَيُؤَثِّرَ؛ وحينَ...
تساءلتْ بشكلٍ عابرٍ- دونَ أَنْ تتقصَّدَ خلفيَّةَ السُّؤالِ - : ماذا لَوْ خلقَ اللهُ الإنسانَ بدونِ شَهْوةٍ.؟.لمْ تَتَوْقفْ عِنْدَ تَسَاؤُلِها هذا.. بَلْ تَابَعَتْ الحَدِيثَ في مَنْحَى آخَرَ.وَانْتَبَهْتُ إِلى أَنَّ هذا السُّؤالَ لا يُمْكِنُ أَنْ يكونَ عابراً، ويجبُ التَّوقُّفُ عندَهْ، فَعَلَيْهِ تتوقَّفُ حياةُ البشريَّةِ؛ وهُوَ الَّذي يُعطِي معنىً لِلحياةِ.لِيَسْأَلْ كُلٌّ مِنَّا نفسَهُ السُّؤالَ ذاتَهُ، وَلْيُفَكِّرْ قليلاً، قليلاً فقط؛ سيكتشِفُ أَلا مَعْنَىً لِهَذِهِ الحياةِ، ولا مَعْنَىً لِلوجودِ، ومَا كانَ يُمْكِنُ لِلحضارةِ أَنْ تكونَ على ما هِيَ عليهِ اليومَ، بدونِ الشَّهْوَةِ.!. سُؤالٌ واحدٌ كانَ يُمكِنُ أَنْ يُغَيِّرَ التَّاريخَ البشريَّ. هَلْ خَطَرَ في بالِكُمْ مِثْلُ هذا السُّؤالِ سابقاً، وما يُمْكِنُ أَنْ يتفرَّعَ عنه:أَنْ تكونَ...
حينَ تتعايشُ مجموعةٌ مِنَ البشرِ، مُتعدِّدَةُ الانتماءاتِ والدِّياناتِ، والتَّوَجُّهاتِ المذهبيَّةِ، والسياسية، في منطقةٍ جغرافيَّةٍ واحدةِ، فلا بُدَّ مِنْ وُجودِ ناظمٍ يضبطُ العلاقةَ الَّتي تربطُ بينها؛ ولو كانتِ الأكثريَّةُ فيها تنتمِي إلى مَذْهَبٍ أوْ دِيْنٍ مُحَدَّدٍ.في سُوريةَ، الدِّينُ الرَّسمِيُّ لِلدَّولةِ هُوَ الإِسلامُ؛ ولكنْ لا أَحَدَ يستطيعُ أَنْ يُنْكِرَ وجودَ دياناتٍ ومذاهبَ مُتعدِّدَةٍ فيها، ولا داعيَ لِعَدِّها، لأَنَّ الغايةَ مِنْ حديثِنَا هُنَا ليسَ الشَّرْحُ أو التَّذكيرُ بِالمذاهبِ في سوريةَ؛ وإِنَّما الغايةُ هي التذكيرُ بحُقوقِ هذهِ الطائفةِ على الطائفةِ المسيطرةِ، والَّتي تُشَكِّلُ الأكثريَّةَ، بِعَدَدِ مَنْ ينتمُونَ إِليها. قَبِلْنَا راضينَ، أو مُرغَمِينَ، بِمَنْعِ التَّدخينِ في الأماكنِ المُغلَقَةِ العامَّةِ؛ لأَنَّ هذا الأَمْرَ يَسْرِي على الجميعِ،...
الأمثالُ بوجهٍ عامٍّ صورةٌ تعكسُ حياةَ الأمَّةِ، أو الشَّعبِ الَّذي يُنتِجُها، وغالباً ما تكونُ حالةَ انتقادِ أسلوبِ تفكيرٍ، لا يُوافقُ عليهِ المجتمعُ، فيسجِّلُ موقفَهُ منهُ بِمَثَلٍ شعبيٍّ، يسودُ، ويخلُدُ، ويشكِّلُ علامةً فارقةً في تاريخِ الأمَّةِ.لا أدري لماذا فاجأَنِي المَثَلُ الشَّعْبِيُّ: "القَرْعَةُ تَتَكَنَّى بِشَعْرِ ابْنَةِ خالَتِهَا"؛ وأنا أُشاهِدُ الفرحةَ الرَّسميَّةَ والشَّعبيَّةَ العارمةَ بِالنَّصرِ التُّركِيِّ على إسرائيلَ؛ هُوَ نَصْرٌ مِنْ نوعٍ خاصٍّ، مُواجهةٌ أُجْبَرَتْ عليها إسرائيلُ نتيجةَ إِصرارِ تُركيَّا على إرسالِ قافلةِ الحرِّيَّةِ، باتِّجاهِ غَزَّةَ مُحَمَّلَةً بِالمُؤَنِ، والأغذيةِ الَّتي بالكادِ يُمْكِنُ أَنْ تَفِيَ بحاجةِ المُحاصَرِيْنَ في غَزَّةَ.!.لا أعتقدُ أَنَّهُ قدْ غابَ عَنْ بالِ القيادةِ التُّركيَّةِ أَنَّ مُواجهةً مِنْ نَوْعٍ ما ستحصُلُ، فليسَ...
يظلُّ هاجِسُ الجِنْسِ المُعْلَنِ، والمُباحِ، والمكتوبِ بلغةٍ فيها فُحْشٌ - كما يُسَمِّيها بعضُ قُرَّائِنا-، يُلاحِقُنا عَبْرَ البريدِ الإلكترونِيِّ، وعَبْرَ الهاتفِ في محادثاتٍ تأتي مصادفةً، حينَ نسألُ عنْ رأيِ المُتَّصِلِ بِالموقعِ. رَغْمَ أَنَّ عدداً كثيراً منهُمْ يُعطينَا تبريراً لِما نكتُبُهُ، أوْ ننقلُهُ مِنْ كُتُبِ التُّراثِ؛ مُعتمدينَ في تبريراتِهِمْ هذهِ على ما نُعلنُهُ بينَ الفَيْنَةِ والأُخرى مِنْ موقِفِنَا مِنَ الحديثِ الصَّريحِ في الأمورِ الجنسيَّةِ؛ أُسوةً بِسَلَفْنَا المْتَمَدِّنِ، لا بخَلَفِنَا الحاضرِ المُتُخَلِّفِ، وَإِنَّ ما ننقلُهُ مِنْ كُتُبِ التُّراثِ، أو نكتبُهُ بِقلمِنَا، ما هُوَ إِلا موقِفٌ اجتماعيٌّ مِنَ السُّلطةِ الدِّينيَّةِ الرَّجعيَّةِ المُتَخَلِّفَةِ.ولَكِنَّ البعضَ الآخَرَ لا يُعطِي مِثْلَ هذا التَّبريرِ، ويُعلِنُ مِنْ خِلالِ تعليقاتٍ وَقِحَةٍ...
أَنْ تكونَ رأسماليّاً جشعاً، لِصّاً، تسرِقُ وتنهبُ الآخرينً، أو أَنْ تكونَ تاجراً شريفاً، يبيعُ ويشتري، ويحترمُ زبونَهُ، بينَ هذا وذاكَ فرقٌ كبيرٌ. في بلادِنَا، أعني نحنُ – العربَ -، داخلَها وخارجَها، أَنْ تكونَ تاجراً يعني أَنْ تكونَ لِصّاً، والبيعُ والشِّراءُ يعني الغِشَّ والتَّلاعُبَ بِالموادِ الأَوَّلِيَّةِ، حتَّى لو كانَتْ هذهِ الموادُّ وَرَقاً مطبوعاً.لَنْ أدخُلَ في تفاصيلِ لُصوصِ بلادِي، وهُمْ كُثُرٌ مِنْ أصحابِ رُؤوسِ الأموالِ؛ لأَنِّي لا أجرُؤُ على الاقترابِ مِنْهُمْ أوَّلاً. وثانياً لأَنَّ بعضاً مِنْهُمْ يعملُ بشكلٍ حضاريٍّ دونَ أَنْ أنفِيَ عنهُ صفةَ كونِهِ لِصّاً. إِذْ إِنَّكَ أحياناً يُمْكِنُ أَنْ تحترمَ تاجراً يسرِقُكَ، لأَنَّهُ يتعاملُ معكَ بِذَوْقٍ وأخلاقٍ.أعتقدُ أَنَّ ما قلتُهُ...