Alef Logo
مقالات ألف
              

قايين, ثمرة المعرفة

حربي محسن عبدالله

خاص ألف

2013-09-15

ثمة أسئلة ومسارات ومدارات حول الإنسان, كانت منذ الأزل وستظل إلى الأبد, تدور بلا نهاية, لأن مسيرة الإنسان هي رحلة نحو الكمال وسعياً لبلوغ المستحيل. وفي الطريق إلى تحقيق هذه الغاية ثمة مطبّات من الشك ودوائر متحركة متغيرة من اليقين لا تعرف السكون. فوراء كل سؤال مسار لجدل وخلف كل جدل مدار من الشك واليقين, يعيد اكتشاف الرحلة من جديد, ويجلب معه أسئلة جديدة, قد تضع القديمة في سلة المحذوفات. ومن هذه الأسئلة والمسارات والمدارات ثمة من يروي لنا رواية مختلفة عن حكاية الإنسان. بين أيدينا رواية "قايين" لجوزيه ساراماغو, ترجمة: صالح علماني, صادرة عن دال للنشر والتوزيع في دمشق. تأخذنا إلى تلك الحكاية بروح جديدة وتجعلنا نتلمس ما جرى من أحداث بعين النقد والشك والتساؤل. مع الأخذ بنظر الاعتبار إنها في الأساس رواية فيها من الفنطازيا بقدر ما فيها من التشكيك بالأصل الذي وصل إلينا عبر القصة التي يتبناها الفكر الديني التوحيدي عموماً. بطل الرواية هو قايين, ذلك المزارع الذي كان شغله الشاغل, النباتات وكيف تنمو, وكان سؤاله وهو طفل صغير, لماذا تخجل النباتات من الانسان فلا يراها وهي تكبر وتزهر؟!! وبدأت أسئلته من حينها ولم تتوقف, وورّث هذه الخصلة الحميدة والخطيرة لأبناءه.

عندما عَلقتْ تلك التفاحة بفم آدم, غصّتْ حواء بأوجاع المعرفة, وتهيأت لأوجاع الحمل, "السؤال هنا هو, لِمَ تسبب المعرفة, كل هذا الوجع؟, ولِمَ تقترن الأوجاع في الحالتين لهذه الدرجة, وتكون سبباً للغثيان؟!..". حضر السيد (الإله) بدويّ رعد, مُغضباً من عصيان أوامره واقتراب حواء أولاً من شجرة المعرفة, أو الثمرة اللغز" ثمرة الامتحان وسبب البلية", تلبية لدعوى جائتها في أحلامها من أفعى الحياة, "يالتعاستك يا حواء, بداية سيئة تبدئين, ومصيراً حزيناً ستلقين, كان عليك أن تفكري في الأمر قبل الإقدام عليه", ثم قيامها بتمرير تلك الثمرة المحرمة إلى آدم الذي غصّ بها وتعلقتْ للأبد في بلعومه لتشكل التفاحة التي أخذتْ اسمها من إسمه. ليغص بها, "أما أنت يا آدم, فالأرض ملعونة بسببك". وكما يقول الراوي في ذلك العصر كانت اللعنات عملاً أدبياً بارعاً, سواءاً بقوة النية أو بالتعبير الشكلي الذي توجز به...على الأقل في فصل البلاغة المهم حول الإيمان واللعنات الذي قلما ترتاده الحداثة ".

يبدأ السيد بالتساؤل المرّ, منْ عصى أوامري؟ منْ اقترب من ثمر شجرتي؟ ويُفتح الجدال الأزلي بين الإنسان والسيد "الإله":

- إنك لا تريدنا أن نأكل من هذه الثمرة لأنها تفتح عيوننا ونتوصل إلى معرفة الخير والشر مثلما تعرفها أنت أيها السيد.

- ثم لا ينقصكما سوى الوصول بالمعرفة إلى ثمرة الخلود فتصبحان كالآلهة. هكذا أجاب السيد, وأكمل إني نادم لأني خلقت الإنسان, وبسببه يعاني قلبي المرارة.

لكن المرارة الحقيقية كانت تلك التي تجرعها "قايين" أو "قابيل" بعد أن رفض السيد قبول تقدمته وقبل تقدمة هابيل, وأدتْ في النهاية إلى الجريمة الأولى في التاريخ. قايين هذا هو من فتح باب الجدل والحوار والندّية حتى مع السيد "الإله" بدءاً من حضور السيد الفوري بعد اقدام قايين على قتل هابيل بفك حمار كان قد خبأه مسبقاً. ليضع على جبهته علامة أبدية عن فعلته النكراء "التي سمح الإله لها بأن تحدث, دون أن يتدخل لوقفها, وهو قادر على ذلك؟؟!! يتسائل قايين عن سبب زرع الشجرة المحرمة في الجنة ولماذا لم يقتلعها السيد من جذورها, بدل أن يُدخل آدم وحواء بتلك التجربة العبثية؟. ثم يمضي هائماً في دنيا التجربة تاركاً جثة أخيه للذباب. يسير قايين في هذه الرواية مخترقاً حجاب الزمن نحو المستقبل ويخوض غمار التجارب الإنسانية الكبرى وما ورّثه لنا المخزون الديني من حكايات وقصص وعظية وإرشادية عن الحق والباطل وما يجوز وما لا يجوز, ليكتشف من مجرى تلك الحكايات ومغزى تلك القصص, إن ضمير السيد بالغ المرونة ويتوافق مع ما يرغب به. كما إن ملائكته شديدو الانضباط ولو لم يكونوا كذلك لنظّموا انقلاباً وأطاحوا به كما يعترف السيد لقايين في لحظة صفاء. اولئك الملائكة الذين يستخدمهم لإنزال اللعنات وصبّ حمم الغضب على الخطاة ومرتكبي الفواحش, فهم اليد التي يبطش بها ويحقق بها مشيئته التي أحرقتْ سدوم لما فعلته من آثام ولأن ليس فيها ولو عشرة من الأبرياء,"والأطفال أيها السيد ألم يكونوا من الأبرياء؟" هكذا تساءل قايين. وقد أنزل البلاء على أيوب بسبب مراهنة جرتْ بين السيد والشيطان على صبر العبد الصالح أيوب. وهل يصمد الأخير على البلايا والرزايا التي ستحلّ به, بعد أن يصل الجدل بينه وبين زوجته إلى القول "من المؤكد أن الشيطان ليس سوى أداة من أدوات الرب, إنه المكلف بإنجاز الأعمال القذرة التي لا يستطيع الإله توقيعها باسمه. فما كان من أيوب عندئذٍ, وهو في ذروة الألم, وربما متشجعاً بكلمات امرأته, دون أن يعترف بذلك, كسر حاجز الخوف من الإله الذي يختم شفتيه وصاح,(فليهلك اليوم الذي وُلدتُ فيه والليل الذي قيل فيه قد حُبل برجل, فليتحول ذلك اليوم إلى ظلمة, لا يوليه الإله من عليائه أي اهتمام ولا يتألق فيه ضوء, وليتملكه الظلام والعتمة, ولتلفه الغيوم وترعبه الكسوفات, فلا يُذكر ذلك اليوم بين أيام السنة, ولا يُحسب بين الشهور, ولتكن عاقراً تلك الليلة فلا يُسمع فيها صوت سعادة, ولتظلم نجوم غسقها, وليكن انتظار بزوغ الضياء فيها دون طائل فلا تنفتح فيها أهداب الفجر لأنها لم تغلق بطن أمي عليّ وتحول دون رؤيتي كل هذا الشقاء). هذا المقطع الذي يحيلنا إلى "سفر الجامعة" بدلاً من "نشيد الانشاد" يحمل بإمتياز الروح الشكسبيرية واليأس السيّابي, وهو ما تقدمه لنا الرواية عن أيوب بعيداً عن لا منطقية النص الديني في متنه وحواشيه. فمن قصة ابراهيم واستعداده للتضحية بفلذه كبده طاعة للسيد حتى نوح الذي تزخر قصته بتفاصيل تفتح الطريق لأسئلة لا تنتهي إلا بوصول الرواية إلى خاتمتها التي تعيد القاريء إلى الجدل بين قايين والسيد الإله وكل منهما يذكّر الآخر بما اقترفت يداه." أنت ياقايين الخبيث, أنت البغيض قاتل أخيه, لستُ خبيثاً ولا بغيضاً مثلك, تذكّر أطفال سدوم. ساد صمت عظيم. بعد ذلك قال قايين, يمكنك الآن أن تقتلني, لا أستطيع, فكلمة الإله لا تراجع عنها, سوف تموت ميتة طبيعية وستأتي الطيور الجوارح وتلتهم لحمك, أجل, بعد أن تكون أنت قد التهمت الروح. لم يكن سماع جواب الإله ممكناً, وضاع كذلك ما قاله قايين, من المنطقي أن يكون كل منهما قد أظهر حججه للآخر مرة ومرات كثيرة, وإن يكن الشيء الوحيد المعروف بصورة يقينية هو أنهما واصلا الجدال وما زالا يتجادلان إلى الآن".





تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

منْ يُخرج الناس من دين الله أفواجاً؟ بقلم:

21-تشرين الثاني-2013

الحقائق ثوابت أم متغيرات؟

16-تشرين الثاني-2013

عندما يتحول اللونُ إلى إله "كهوف هايدراهوداهوس"

05-تشرين الثاني-2013

أخطاء إملائية

26-تشرين الأول-2013

هل أصبح الكذب ملح الحياة؟

15-تشرين الأول-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow