Alef Logo
مقالات ألف
              

أخطاء إملائية

حربي محسن عبدالله

خاص ألف

2013-10-26

ثمة مفارقتان ساخرتان مررت بهما لا يزالا يثيران لدي الرغبة بالضحك, أولهما كانت "مكتبة تبيع العسل" والمفارقة ليس بالبضاعة الجديدة التي أضافها صاحب المكتبة لمبيعاته, بل الاعلان الذي يشير إليها, وهو عبارة مخطوطة على ورقة من الكرتون المقوى تقول "يوجد عنا!! عسل مصفى" خطها صاحب المكتبة ووضعها على الواجهة الزجاجية التي تعرض الكتب, دون أن يخطر بباله كلمة "لدينا" أو "عندنا". والمفارقة الثانية كان بطلها صديق لي أيام المراهقة, كان يكتب لفتاة شغلت باله وملكتْ فؤاده وعششتْ في تلافيف دماغه, رسائل من كلمة واحدة فقط, هي (حبك). وعندما سألته ماذا يقصد بهذه الكلمة تبين لي أنه يقصد (أحبك) وهو مقتنع تماماً بأن الكلمة التي يخطها في رسائله صواباً, ويجادل قائلاً: (أليس الحرف الأول هو "أح"؟! بالتالي وين الغلط؟!!). أتذكر اعلان العسل ورسائل صديقي البعيد هذا وأنا أتابع التقارير التي يتحفنا بها المراسلون في مناطق الصراع والقتال وما ينقلونه للمشاهد مما يكتبه المتطرفون والطائفيون وأتباعهم من جيوش الجهل والظلام, على الجدران. الثيمة الأساسية التي تجمع الشامي بالمغربي في تلك الكتابات هي رداءة الخط وأميّة كاتبه الذي يحذف حروف ويستبدل أخرى, ولا يفرق بين الذال والزاي والسين والصاد, ويقع في أخطاء إملائية تؤكد أنه لم يصل بعد إلى الصف الثالث الابتدائي. يتعامل مع الكلمات على طريقة صاحب المكتبة وصديقي سالفي الذكر, ولا أدري كيف يقرأ القرآن وكيف يصلي ومن هو إمامه في الصلاة؟ أم أن فقهاء الظلام يحتفظون بمعرفتهم بالإعجاز البلاغي للقرآن لأنفسهم, ويسهّلوا للقطيع طريق الموت جهلاً؟!!.

مرّ حين من الزمان كانت ساحة السجال المذهبي الاسلامي, تعجّ بالأسماء اللامعة والمواضيع التي كانت الشغل الشاغل لجناحي الأمة من الشيعة والسنة. فالمباراة كانت حول اللغة التي تمثل ساحة النقاشات والحوارات في علم الكلام والتي تدور حول الإعجاز اللغوي في القرآن والتجديد في التفاسير فبرزت على تلك الساحة أسماء مثل "محمد باقر الصدر" مؤلف سلسلة من الكتب مثل "فلسفتنا" و"اقتصادنا" و "الأسس المنطقية للاستقراء" ومن الجهة المقابلة برز"سيد قطب" في مقاربته التفسيرية للقرآن عبر كتابه الشهير "في ظلال القرآن" الذي كان محط أنظار الشيعة قبل السنة. في ذلك الزمن الذي لم يكن قد نبتَ للاسلام السياسي والطائفية البغيضة ريش ولا أجنحة بعد, كانتْ الحوزة العلمية في النجف تصدّر قامات من أمثال محمد مهدي الجواهري وحسين مروّة, وكان الأزهر قبلة للحوار والجدل بأرقى مستوى لغوي. ومنْ أراد الاطلاع على نموذج للمحاورات لكي يكشف على المستوى اللغوي الذي تتمتع به, فما عليه سوى أن يقلّب صفحات كتاب "المراجعات" الذي يسجل المراسلات التي جرتْ بين شيخ الأزهر "عبد العزيز البشري" وشيخ من جنوب لبنان هو السيد "شرف الدين الموسوي" بغض النظر عن موضوع الجدل المذهبي الذي خاضا به. بتعبير آخر كان الخلاف يجري بسوية عالية من المعرفة والمحبة والتسامح. لكن عندما أطلتْ الطائفية عبر مسمى "الاسلام السياسي" وبدأت تحرث في أرض التعايش بين الناس بالتراضي لتقلب عاليها سافلها كي تبذر بذور الشقاق والنفاق والضغائن, كان الحصاد هو الدمار على كل الأصعدة. فالمعرفة تحولتْ إلى ثمرة محرّمة, والمحبة أصبحتْ ثوب الضعفاء, والتسامح صار كذبة أمام عدسات الإعلام. فكانتْ صادرات حوزة النجف شخصيات من أمثال مقتدى الصدر وبطانته من المشايخ والجلادين السابقين الذين يعرفون قواعد اللعبة السياسية القذرة ومحاصصاتها الطائفية, ولا يعرفون قواعد اللغة فيرفعون المنصوب ويجرّون المرفوع في ثورة أغبياء معلنة على النحو وأزلامه, وكأنهم يثأرون من تاريخ يعج بقامات في الشعر والخطابة والبلاغة خرّجتها الحوزة التي كانت تدرّس في مناهجها المنطق والنحو والصرف قبل درس الفقه. فكانت النتيجة جيل من أنصاف المتعلمين تتصدرهم هيئات تؤسس لنشر الأمية الأبجدية قبل الأمية الثقافية وبقدر نشرها للأسلحة والعبوات اللاصقة والكراهية. وفي المقلب الآخر برز أرباع المتعلمين ممن يجيد تفخيخ السيارات واطلاق الهاونات واستخدام السيف لقطع الرقاب أكثر من اجادته قراءة سورة الفاتحة وكتابة شعار يردده كالببغاء. جمعتْ الأخطاء الإملائية المختلفين طائفياً والمتحاصصين سياسياً, والمرتدين إلى الأسلاف, الذين يستذكرون الحروب الأهلية والفتن الدموية التي خاضها الأجداد باعتبارها المجد التليد والماضي الذهبي, ولا يخطر ببالهم لا من قريب ولا من بعيد عهد المأمون الذي ازدهرت فيه الترجمة والتفاعل مع شعوب العالم من رومان وأغريق وفرس وهنود. بل وقفوا يتباكون على أطلال حرب الجمل وصفين. وألبسوا التاريخ قميص عثمان طلباً للثأر, مصرّين على عدم الخروج من جلباب الأب الذي لا يفك الحرف.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

منْ يُخرج الناس من دين الله أفواجاً؟ بقلم:

21-تشرين الثاني-2013

الحقائق ثوابت أم متغيرات؟

16-تشرين الثاني-2013

عندما يتحول اللونُ إلى إله "كهوف هايدراهوداهوس"

05-تشرين الثاني-2013

أخطاء إملائية

26-تشرين الأول-2013

هل أصبح الكذب ملح الحياة؟

15-تشرين الأول-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow