Alef Logo
ابداعات
              

قصة / بالعدسات المقربة ـ ذات ـ قصتان

ثورة الرزوق

2006-07-01

خاص ألف

عند شاطئ البحر.
تحت مظلة ملونة ، لها ظل دائري خفيف باهت ، فوق كرسي – طي .
كان معي منظار مقرب. به أنظر إلى البحر ، و أمواجه التي تتكسر على الشاطئ كأنها امتداد لعواطفي المكبوتة و الحزينة.
كنت أشعر بالحزن دائما.
لاحظت أن شابا في نصف ثيابه ، و في منتصف العمر ، كان يركز نظراته المتطفلة نحوي. فقررت أن أتحداه . أعلنت الحرب ضد غطرسته المذكرة. و هكذا بدأت أتخلص بدوري من الثياب التي أحملها و تكبت هي من انطلاقاتي الفطرية.
وضعتها فوق الرمل، و استلقيت على الكرسي بثياب الاستحمام ، ثم نظرت من وراء العدسات المقربة إلى البحر.
كانت هناك باخرة تقترب. سحابة من الدخان الأسود تتصاعد من أحد أبراجها حتى عنان السماء. لقد كانت تحترق. احتراقها غير كارثي. و شاهدت أيضا امرأة بدينة تلهو مع كلبها .
كانت ترمي إليه بدولاب الهواء. و هو يقفز وراءه. ينبح ثم يأتي به. أحيانا يقترب من المد المائي . يتردد هناك قليلا ربما لأنه يخشى أمواج البحر. ليس بين هذه الحيوانات الأليفة و الماء المالح أية مودة. كان يتفحص الأمواج ، ثم ينظر إلى السيدة البدينة بعينين مضطربتين قبل أن يتقدم من المياه غير العميقة بحذر ليمسك بأسنانه دولاب الهواء. و خلال ذلك يترك آثار خطواته على الرمال .. خطوات صغيرة و عابرة ، و سرعان ما تنمحي.
كم كانت تلك الآثار بائسة ، قصيرة العمر ، مثل نظرات الرجل المتطفل الذي يختلس النظر مني . لم أعلم ماذا يريد بالضبط.
ها أنا أعلن الحرب عليه مجددا.
دهنت بالزيت المضاد لأشعة الشمس الحارقة الأجزاء الحساسة من جسدي. و كنت أدلك كل بقعة منه ببطء. مثلما يفعل الجنود مع بواريدهم أثناء الصيانة في الثكنات. ثم بمزيد من التأني من العنق و حتى القدمين. ثم أنقلب على بطني و أتابع . كان شعري ينسدل فوق الكتفين ، و كلما هبت نسمة باردة و مالحة يتطاير إلى أعلى مثل شعر غورغونة.
و أعتقد أنه شعر بهذا السلوك المقصود. لذلك احمر وجهه ثم انعكس اللون الخاطف فوق عينيه. شاهدته بطرف بصري و هو يذهب إلى مقصورة لها شكل قصر من الرمال. برج خرافي . وهمي مثل معنى الرجولة في عالم متخلف.
لم يعد هناك داع لدق مزيد من طبول الحرب..
قبضت على المنظار المقرب بيدين ثابتتين ، و أمعنت النظر إلى الأمواج البعيدة. إلى شعاب مرجان أحمر كانت تطفو فوق سطح الماء كأنها أحلام بحرية . أو صور سقطت من مخيلة نساء هذا العالم و أزهرت فوق أرض غير مستقرة.
رأيت أيضا قوارب تأتني باتجاه الشاطئ على التوالي.
قافلة من رواد المياه ، لكل منها اسم أو معنى .. أكيلارو ، المرساة ، القبطان التائه ، إلخ...
و فوق كل زورق سحابة من دخان أسود . كانت تنتشر إلى الخلف ، و تتصاعد إلى على ، كأنها ربطة عنق تلهو بها الرياح...

ذات
الحديث عن الذات ليس مرضا. و لا هو نرجسية. فقد كتب طه حسين ( الأيام ) ، و أحمد حسن الزيات ( سارة ) ، و كذلك كتب علي الطنطاوي و بصراحة ( حديث عن النفس ). و فيه عدة فصول عنوانها أنا...
هذا النوع من الكتابة هو مجرد وقفة مع الزمن ، و نظرة إلى الخلف ، الغرض منها هو تقييم مسارنا في هذا العالم. ما لنا و ما علينا.
لذلك اسمحوا لي و لو قليلا بوقفة مع الذات.
لقد رأيت النور في بلدة صغيرة. كانت خصبة و خضراء ، مثل غوطة دمشق ، لأن نهر الذهب يمر من منتصفها. و كانت العجائز و الصغيرات يجلسن على ضفتيه ليغسلن بمائه الثياب التي اتسخت.
لا أعلم أين كان العرق و التراب و الغبار يذهب بعد أن ينحل في مياه النهر. هل يختلط مع التيار أم أنه يرسب في القاع.
على كل حال. لقد جفت مياه النهر الآن. و أصبحت ترى القاع المترب و المتحجر ، و بين هذه البقايا الجلمودية القاسية تستوطن الضفادع الصغيرة المرقطة ، لتنق في الليالي.
أغنيات بريئة و لكنهاغير مطربة..
في تلك الأيام القديمة ، كان جدي من الأعيان . ليس بمقدار ما يملك من أموال ، و لكن بمقدار العلاقات الاجتماعية التي يتمتع بها، و الأراضي الشاسعة التي هي بحوزته.
لم يكن بوسع أحد أن يعيش في تلك البلدة من غير المرور فوق تراب أراضي جدي. لأنها موجودة في كل مكان، و منتشرة في كل مكان . جرداء أو مزروعة ، غير أنها هناك ، إلى أن جرده منها الإصلاح الزراعي بعد عام 1964 .
ليست تلك هي ميزته الوحيدة. فقد كان لديه اصطبل ، و فيه دواب مطهمة للركوب. جياد أصيلة ، ذكية تعرف كيف تقفز من فوق الأنفاق و الأشواك و الأماكن الخطرة . و كانت تلك هي وسيلة في التنقل ، و معه على ظهره بارودة و أجندة رصاص.لا يحمل الرجل سلاحا إلا ليقتل به أو ليصطاد ، و كان جدي يمارس كلاهما.
القتل و الصيد.
و قد تحصن في إحدى المناسبات غير السارة فوق سطح المنزل الذي كان يسكن فيه ، وحده ، ليدافع عن شرف بيته من جنود فرنسا و الدرك الذين معهم. كانوا يرغبون بتفتيش البيت عن الثوار. غير أنه رفض . و لم يرد بالكلام ، إنما بالرصاص.
و انتهت الأزمة بالتفاوض.
الذي لم يتم عنوة تم بالاتفاق ، و أعقب ذلك عشاء للضيوف.
لم يدخل عسكري بيت جدي إلا ضيفا ، و للضيف حقوق علينا.
هذا الرجل يرقد الآن تحت الأرض في مقبرة قريبة من البلدة. و عند ضريحه عدة درجات تصعد بها إليه، و فوقها شاهدة مرتفعة ، منقوش عليها كلمات الفاتحة . قبسات من القرآن الكريم. و من حوله أموات العائلة الآخرون...
ما زالت تهب على ذلك الضريح غبار الطرقات و أمطار السماء ، و ما زالت تنمو على أطرافه الأعشاب الغريبة.
و لم يتبق منه غير صورة بالأسود و الأبيض ، كالحة و مصفرة، هي الشاهد الوحيد على بدايات حرفة الفوتوغرافيا.
و لكن ليس بمقدورنا أن نختزل مصير رجل في صورة...


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هل نكتب بحد السيف

30-تشرين الأول-2007

قصة / البيت المريح

17-آب-2007

قصائد للشاعرة الرومانية هاريكليا ميرونيسكو ـ ترجمة

31-تموز-2007

قصة / مديري الجديد

20-آذار-2007

إيروتيك / هواجس غير أمومي

18-تشرين الثاني-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow