Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

قصة / مديري الجديد

ثورة الرزوق

خاص ألف

2007-03-20


في الفترة الأخيرة كنت أبحث عن عمل. لست عاطلة عن العمل كما يخطر في البال. و لكن مخدومي الحالي وغد. مع أنه طاعن في السن، و له لحية الشعر الأبيض فيها أكثر من الأسود، و مع أنه تزوج مرتين، و له أولاد بعمري، لم يكن طوال بقائه في المكتب يكف عن التلصص علي من وراء اللوح الزجاجي الذي يفصل غرفته عن مكان عملي. ذلك أقلقني جدا، و بالأخص أن نظراته كانت تتوجه إلى مناطق حساسة من جسدي تنكشف على غلطة مني حينما أنهمك بالعمل. و كلما انحنيت لألتقط من الأرض ورقة أو دبوسا سقط من الطاولة ، كانت نظراته تتركز على الأجزاء السفلى مني. من منطقة الركبتين و حتى الحذائين. و أنا بطبعي ليبرالية أرتدي الثياب الحديثة. ضيقة و قصيرة. لم أترك بابا إلا و طرقته. ثم لجأت إلى طريقة الصفحات المبوبة في جرائد الإعلانات.
مضى علي و أنا أبحث عن عمل آخر حوالي عامين. و خلال هذه الفترة لجأت إلى التقليل من التباهي بالأثواب التي أمتلكها. كنت أقتنيها و أتركها معلقة في خزانة الثياب. و لدي منها الآن دستة كاملة. من شتى الألوان و الأزياء. و بدأت أعتاد على ارتداء بنطال الجينز و القميص الفضفاض و الأنوراك في الشتاء. أزياء لا تلفت انتباه الرجال المشاغبين كما أنها تجعلني أبدو لهم مثل الذكور. غير أن هذا أيضا لم يمنع مخدومي من الاقتراب مني بحجة أو أخرى، أو حتى أن يطلب مني تقديم مصنفات ليست ذات أهمية لأعرضها عليه في مكتبه. و كان دائما يقول لي : اقتربي يا آنسة من مصدر الإضاءة لأتمكن من الرؤية.
كانت تلك هي حيلته الوحيدة في هذه الظروف. كان يضع بالقرب منه على المنضدة مصباحا ظليلا له لون برتقالي خافت، و يعمد إلى إغلاق الستائر على النوافذ. و حالما أقترب من ذلك المصباح البغيض، و أتقدم بالأضابير التي طلبها، يبدأ بممارسة عادته في تأمل قامتي التي أخفيها في ثياب فضفاضة.
لم أعرف ماذا يريد مني هذا العجوز. لقد خشيت من نظراته التي لها رائحة ورق جرائد مهترئة و ما إلى ذلك. و بالأمس فقط طفح الكيل. لقد أراد مني أن أقترب أكثر. نظرت إليه نظرات بكماء، ثم ألقيت الملف على المنضدة. و غادرت الغرفة. و لم أرد على نداءاته المتكررة. و عند انتهاء الدوام ، لم أذهب إلى البيت مباشرة، إنما خرجت إلى مطعم في طرف المدينة. كنت أحيانا في أيام الرخاء القديمة أزوره مع بعض الصديقات. كان ذلك مطعما صينيا يطهون فيه الطعام بالزيت النباتي، و يقدمون فيه المكرونة التي تؤكل بأعواد خشبية مع حساء الدجاج و أصداف البحر و أفخاذ الضفادع و هلم جرا.
حينما اقتربت من باب المطعم رأيت السيارات المصفوفة أمامه في ساحة خاصة. فعلمت أن المكان في الداخل مزدحم. كانت الإضاءة في صالة المطعم خفيفة لتؤمن للزبائن الجو الرومانسي الشرقي. لذلك فضلت أن أجلس على منضدة قرب النوافذ حتى أسترق من وراء الستائر نظرة إلى السماء الزرقاء الصافية. و إلى حركة المارة في الخارج. القادمين و الذاهبين، حتى لا أشعر بالملل.
لم أفعل ذلك. لأنني ما أن أصبحت بين المناضد في منتصف الصالون و فوق رأسي عنقود من المصابيح الملونة التي صبغتني بألوانها فأصبحت أبدو مثل مهرج في سيرك أو كرنفال حتى هتف لي صوت نسائي أعرفه يدعوني إليه. نظرت نحو الصوت. كانت ذاكرتي تحاول أن تحدد هو صوت من بالضبط من رفيقات الزمان الذي مضى. فرأيت كوثر. إحدى زميلاتي. و كانت ببذة رمادية ثمينة و حول عنقها قلادة من الذهب تلمع في هذا الليل الخافت. و على شعرها دبوس ماسي. ابتسمت لها و اقتربت منها و أنا أشعر بالفضول لهذا التغير الذي طرأ عليها، فقد كانت فقيرة و مقتصدة و لكنها تتميز بالأناقة. أناقة عاطفية جذابة.
أمضيت معها زهاء ساعة. و شربت خلال ذلك فنجاني قهوة بعد طعام خفيف. و دخنا عددا من السجائر. عادة تعلمناها فيما مضى لندل بها على مدى تحررنا من القيود. و لكنها على كل حال عادة من غير معنى.
و علمت منها أنها الآن زوجة رجل ثري، لديه مجموعة شركات. و إذا كان أملي خاب من مخدومي هذا ، بإمكاني من اليوم التالي أن ألتحق بشركات زوجها. لقد كانت كعهدها دائما رقيقة و ذات عاطفة بشرية تترك لديك لمسات عن مدى تفهمها لعالم المرأة الداخلي. ثم أعطتني بطاقة عليها المعلومات اللازمة. ما تبقى من وقت لم نتطرق فيه إلى هموم الحياة بل خصصناه للثرثرة، و لتذكر الأيام الماضية و للتنبؤ بما حل في بقية أفراد المجموعة، و هكذا أصبح لدى كل منا صورة عما حصل لصديقات الأمس. كيف تفرقن و كيف بدأن في أخذ مسارات مختلفة . هذه هي الحياة و هذه هي المقادير.
في اليوم التالي، منذ الصباح الباكر. و قفت أمام مبنى شركة زوج صديقتي كوثر. تأملته بدهشة بالغة. لقد كان يشبه ناطحة سحاب مرتفعة. أما الأبواب التي تنفتح بشكل أوتوماتيكي فقد كان يحرسها رجلان عملاقان لهما فكوك كلاب صيد. و على رأس كل واحد منهما قبعة أو عمرة زرقاء تحمل شعار الشركة. درع من النحاس و فوقه نقوش لم أستطع أن أراها لأنها ناعمة و لكنها تشبه شكل التنين الأسطوري. إذا هذه هي مملكة كوثر. بواسطة المصعد ذهبت إلى الطابق الثاني حيث يوجد مكتب المدير و طلبت مقابلته.
لم أنتظر كثيرا لأن السكرتيرة عادت بعد دقائق بالأذن. و دعتني للتفضل بالدخول عبر باب كتيم ثم أغلقته ورائي. و سمعت صوت كليك كلاك. صوت لسان القفل المعدني و هو يغلق.
بمجرد أن وقفت أمام المنضدة التي جلس خلفها المدير ( زوج صديقتي كوثر ) شعرت بالدوار.
لقد رأيت الستائر مسدلة على النوافذ. و كانت الإضاءة شبه معدومة. و هنالك إلى جانبه على المنضدة مصباح الظل ذو اللون البرتقالي الخافت. و كانت عيناه تتفحصاني من مفرق رأسي إلى أخمص قدمي.
لقد لبست لهذه المناسبة ثوبا أحمر قصيرا صنع في قبرص و وضعت حول عنقي قلادة فرعونية ناعمة ، لأبدو بالمظهر المناسب للعمل الجديد. و أعتقد أن ذلك لفت انتباهه و انتزع منه ابتسامة رضا رأيتها ترتسم على شفتيه مثلما حصل بالضبط حينما تقدمت بالعمل إلى مخدومي السابق. ابتسامة ذكورية لا ينقصها الخيلاء، صفراء تترك لديك انطباعا مريرا.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هل نكتب بحد السيف

30-تشرين الأول-2007

قصة / البيت المريح

17-آب-2007

قصائد للشاعرة الرومانية هاريكليا ميرونيسكو ـ ترجمة

31-تموز-2007

قصة / مديري الجديد

20-آذار-2007

إيروتيك / هواجس غير أمومي

18-تشرين الثاني-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow