Alef Logo
ابداعات
              

أنثى وثلاث قصص

ثورة الرزوق

2006-08-15

على خطا الجمال
لا حظت أن بعض الممثلات يصبغن شعورهن باللون الأخضر إن ذلك يزيد من نغمة الأنوثة في المرأة ويمنحها لمسة في غاية الإثارة. لمسة بارو كية . القلاع في النهار تبدو في الحالة الطبيعية , حصونا
" للدفاع والحماية . ولكنها تحت أضواء الليل تصبح أقرب ما يكون إلى قصور مرعبة تذكرني بدراكولا وفرانكشتاين وهلم جرا....
وضعت الصباغ على رأسي. وربطت شعري بكيس من النايلون حتى تتوزع الألوان بالتساوي وتابعت أعمالي الروتينية اليومية حتى لا يضيع الوقت من غير جدوى. فالزمن كالسيف إن لم تقطعه قطعك.

لقد كنت في الحقيقة مهتمة منذ الصغر بصفاتي الشكلية. وكنت في مرحلة النضج والتحول من طفلة بريئة إلى مراهقة, أقف أمام المرآة كل صباح ومساء وأتأمل ما يطرأ على وجهي وبدني من تغيرات. لاحظت كيف كانت الأوراق تتكور وكيف تبرز الأثداء. لقد أعطاني ذلك الإحساس الأصلي بالمادة الأولى.
وفي بعض الأحيان كنت أرفع أذيال ثوبي المنزلي وأقف أمام مرآة طويلة نضعها في الممر خلف الباب وبقربها مشجب معدني نعلق عليه أشياء الخروج. القبعات واللفحات والمعاطف وما شاكل ذلك. وتبدو هذه في العتمة كأنها نساء ذي اللحية الزرقاء.ضحايا أخرى لطغيانه الذكوري المريض.
كنت أنظر إلى الطريقة التي تنمو بها ساقاي. رفيعتان مع انحناءة بسيطة بين الركبة ووتر القدم. مثل صور النساء في الدعايات التجارية. لقد حمل ذلك إلى نفسي الطمأنينة التي تبحث عنها كل أنثى في جسدها. وعلمت أن لي مستقبلا" ناجحا" في عالم الذكور الذين ينظرون إلى المرأة بعيونهم أولا" وليس بقلوبهم أو عقولهم.
بعد الاستحمام غادرت الحمام إلى غرفتي وعلى رأسي طاقية خفيفة. كنت أود لو أقف أمام المرآة وأنظر إلى ما فعلت.
لقد أصبح رأسي مثل مرج بأعشاب ربيعية يبدو للعين مبهجا" ومنعشا". لم يبقى أمامي غير تنشيف شعري من الرطوبة التي علقت به أثناء الاستحمام.
كالعادة أمسكت قبضة المجفف ووضعت رأسي أمام تيار من الهواء الساخن. كان المجفف هكذا وله تيار ساخن يشوي جلدة الرأس وكنت غالبا" ما أفعل ذلك أمام المرآة لأنظر إلى ملامح وجهي الأخرى.لقد كبرت هكذا. نرجسية ومحبة للذات إلى حد الإفراط. وإنني لا أمل العناية بملامحي الخارجية. الكحل الأسود في العيون والروج القرمزي على الشفتين. وغير ذلك.... ولكن في هذه المرة لم أفعل ذلك. إنما جففت شعري وأنا أمام خزانة الثياب. أنتقي أفضل مالدي لهذه المناسبة. وقد اخترت ثوبا" أخضر أيضا" وصدارا" رماديا" بلون فراء الثعالب. لقد رغبت أن أالغابة.ذا اليوم على طبيعتي وفطرتي.ببراءة أبناء الغابة.
بعد أن تم لي ذلك, ذهبت إلى المرآة لألقي النظرة الأخيرة.لاحظت أن تيار الهواء الساخن للمجفف قد بدد نضارة لون شعري الأخضر . وأصبح مثل لمة من خيطان بلونيين. أخضر باهت وأسود خر نوبي ملوث بالصبغة الخضراء.
لم يؤثر ذلك على معنوياتي. لقد كنت أبدو في هذا الصباح مختلفة.حملت حقيبة يدي المعلقة على المشجب المعدني في الممر المعتم وتهيأت للخروج

أول موعد غرامي
قصة : ثورة الرزوق
كنت أسكن في حي متواضع. لكنه ليس في وسط المدينة ، بل هو على أطرافها. من حولنا توجد بيوت كثيرة هي أشبه بالعلب المضغوطة. عبارة عن مكعبات من الإسمنت لا تصلح لإلا لتكون أبراج مراقبة على الحدود. في حالتنا يعيش في الواحدة منها أكثر من خمسة أفراد. أب و أم و أولاد.
نحن خرجنا على هذا التقليد ، و جعلنا لبيتنا فسحة مهواة. زرعنا فيها شجرة عاقر لا تثمر. كان جذعها أقوى من عمود الإنارة الذي يحمل المصابيح المضيئة إذا ادلهم الليل. و إلى جوارها نبتة صغيرة. حوض نمت فيه أعواد البنفسج. قناديل زرقاء قاتمة ذات رائحة كنت أمضي أوقاتا طويلة و أنا أتأملها و أحلم بما هو خلف حدود هذه الحياة. بالإضافة إلى ذلك كنا ثبتنا على سقف كبرى حجرات بيتنا مثلثا من القرميد ، جملون يمنح المكان بهجة خاصة و نداوة بصرية ترتاح لها النفوس . على الإجمال ، كان بيتنا على النمط الغربي . مختلفا عما سواه و ملفتا للنظر.
و كنت أحيانا أرى شابا يميل إلى البدانة . قصير إلى حد ما ، يختلس النظر من بيتنا في الذهاب و المجيء ، و بيده عدة كراريس ذات أغلفة ملونة. و كانت له على وجهه البيضاوي نظارتان سميكتان بإطار أسود لكـنه مصنوع من العظم.
اعتقدت أولا أنه كان يرمق البيت و يتمنى لو أن أهله صمموا بيتهم على هذه الشاكلة. لكن فيما بعد علمت أنه كان يهتم بي أنا شخصيا. فقد التقت عيناه بعيني ذات مرة. و رأيت كم فيهما من إعجاب و خضوع. نظرة لا تراها إلا في عيون الكلاب التي تتبعك أين ذهبت و تتلقى منك التعليمات و تحرسك من الأخطار.
إنها نظرة متفهمة ليس بوسعي أن أشرحها بما يزيد على ذلك.
لا أعلم ماذا أعجبه بي. فقد كنت شاحبة اللون . عيناي صغيرتان . لا ترى مثلهما إلا في رأس قندس. و كانت جدائل شعري خشنة . غير أنني كنت على دراية كم هو صدري مستدير و منتفخ لمن هن في عمري . و بمقدورك أن تقول ذلك عن عجيزتي . فهي ملساء و مستديرة ، و ليست مسطحة أو عريضة مثلما هي الحال بالنسبة للأخريات.
ابتسمت له بعد عدة أيام من الإلحاح. كان كالعادة يقف تحت شمس المغيب أمام باب بيتنا و نظراته متوجهة إلى الشباك الذي أقف خلفه لأراقب من وراء الزجاج المارة و العربات التي تعبر ببطء و من ورائها سحابات غبار.
لم يرد علي بابتسامة مماثلة ، و لكن مد يده إلى نظارته ذات الإطار العظمي الأسود ، نظارات مقتبسة من أحد أفلام أنطوني كوين ، و ثبتها على وجهه بحركة خفيفة ، ثم ترك ورقة كانت بيده تسقط على الأرض.
تلك هي أول رسالة حب تلقيتها . و فيها موعد غرامي لي مع شاب من منطقتنا.
بعد أن ابتعد ببطء و بيده رزمة الكراريس ، خرجت إلى الشارع ، و أخذت الورقة ، كان الهواء قد عبث بها ، و كانت ملوثة بتراب الأرض و مدعوكة.
في داخل البيت ذهبت إلى زاويتي المفضلة بالقرب من حوض البنفسج ، و قرأت المحتويات.
لقد كانت مؤلفة من كلمة واحدة . ( أحبك ) . و فيها دعوة خجولة ، و فطرية ، و حزينة. مثلما هي حالنا دائما.
لم أفكر بالموضوع طويلا.
ارتديت لهذا اللقاء حينما حان موعده أفضل ما لدي. ثوب أحمر منقط بالأسود و له ياقة مخملية فاحمة. ثم غادرت البيت بحجة زيارة إحدى الصديقات.
لم يشك بي أحد لأنني أخذت احتياطاتي كي لا ألفت انتباههم. لقد وضعت زجاجة العطر في جيبي ، و حينما أصبحت في الشارع ، وقفت أمام الباب ، و دهنت ما وراء أذني و ما فوق الحواجب بمسحة خفيفة. و أصبحت لي رائحة البنفسج المفضلة. كانت الرائحة في الطريق إلى الموعد ذكية ، و لم تستطع أنفاس الروث و لا التراب و لا أكوام الزبالة أن تتغلب عليها.
كان مكان اللقاء هو كافتيريا على بعد شارعين من منطقتنا. مسيرة تقدر بحوالي ربع ساعة. دخلت هناك. و جلست خلف منضدة عليها كوب فيه ورود اصطناعية بألوان باهتة، و نفاضة سجائر . كانت حولي مناضد أخرى جلست عليها بنات وحيدات أو بنات مع شباب في وضعيات مختلفة ، طبيعية أو شائنة.
بعد هنيهة قصيرة رأيته و هو يأتي من باب الكافتيريا باتجاهي.
كانت على وجهه ابتسامة عريضة صفراء و غير مقنعة. و الكراريس ليست بيده . و كان شعره مسرحا و مفروقا من الوسط . و يلتمع بسبب المثبتات التي استخدمها و لا شك. الجل الأصفر أو الأخضر المعروف. و لم أجد النظارات التي يستر بها وجهه بالعادة. لذلك انتبهت كم هي عيناه غائرتان إلى الداخل و شاحبتان بظل باهت.
في الواقع لم يعجبني و هو أعزل من كراريسه و من النظارات الغليظة ذات الإطار الأسود العظمي الخشن . و لم يعجبني بتسريحة شعره الأنيقة المتكلفة عوضا عن الخصلات الشعثاء التي تفر في الريح برعونة مثلما ترى ذلك في صورة غيفارا أو تروتسكي.
لقد شعرت أنني لم أحضر لأقابل هذا المتأنق و المتحذلق . و ندمت على تلبيتي لدعوته...


لحظة في الذهن
من ذاكرة : ثورة الرزوق
لحظة من العمر لا تذهب من الذهن.
يوم وافقت على الزواج من شخص مسافر إلى إنكلترا ، و لم تسبق لي معرفته، و لم ألتق به سوى لمدة دقائق في حضور أفراد العائلة الذين كانوا جميعا يتأملونه من أخمص قدميه إلى مفرق رأسه.
أذكر أنه كان يجلس في الظل بعيدا عن مسقط ضوء المصباح النيوني الأبيض، لذلك لم تتسن لي غير رؤية بريق نظارته الطبية الكامدة التي تعطيك انطباعا بائسا بالغموض، غموض مع شقاء صيفي ليس فيه من نسمة لطيفة واحدة.
لقد تم عقد القران على الورق من غير تواجده ، و فيما بعد علمت أنه سعد بذلك جدا لأنه استطاع أن يتجنب تلك اللحظات الروتينية المريرة. الجلوس بين آخرين لم يخترهم بنفسه بربطة عنق و شعر مصفف جيدا و بذة سوداء هي ثوبنا الأزلي في كلتا حالتي الفرح و الحزن. يا للمفارقة..
بلى . إنها لحظة لا تذهب من الذهن ، و بالأخص أنه تبعها سفري غير المخطط له بشكل واف للالتحاق به هناك. في البلاد البعيدة المكان المفقود و الزمان الضائع الذي أرهق بروست نفسه بعناء البحث عنه.
في مطار لندن ، و بعد منتصف الليل تبادلنا الخواتم. حلقتين رفيعتين من الذهب المحلي مع ابتسامات مجاملة و نظرات خجولة لنتعرف على الشكل الذي يبدو به أحدنا في عين الآخر. ما زلت أذكر أنه لم يكن حسن المظهر و بشعر أشعث و كأنه حضر من حفلة صيد وراء ثعالب للحصول على الفراء الثمين.
و حينما دفع التروللي المعدني الذي ينوء بحقائبي و غادرنا من البوابة التي تنفتح من تلقاء نفسها أوتوماتيكيا إلى الخارج ، كانت جمرة الهواء باردة. النسيم الليلي رطبا . و الظلام يخيم على جميع الأنحاء ، ما عدا نظراتنا. لقد كانت تشع بنور خاص ، ما زلت أفتقد إليه حتى هذه اللحظة.














































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هل نكتب بحد السيف

30-تشرين الأول-2007

قصة / البيت المريح

17-آب-2007

قصائد للشاعرة الرومانية هاريكليا ميرونيسكو ـ ترجمة

31-تموز-2007

قصة / مديري الجديد

20-آذار-2007

إيروتيك / هواجس غير أمومي

18-تشرين الثاني-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow