Alef Logo
ابداعات
              

قصة / صورة بثياب صيفية

ثورة الرزوق

2006-09-09

دعاني أحد الأقارب لزيارته في مصر.كان ضابطا في القوات الجوية بدولة الإمارات ، و أوفدته حكومته إلى مصر ، بجولة اطلاعية.
لم يكن بمقدوري أن أتجاهل نداء ضفاف النيل الأزرق ، أطول نهر في العالم ، و أغزر تيار مائي على وجه الأرض.
و لكن طلب مني قبل ذلك أن أرسل إليه صورة بالطول الكامل ليرفقها مع أوراق أخرى ، أو استمارة ، لست أعلم على وجه اليقين، حتى تصلني منه دعوة شخصية تسهل لي بقية الإجراءات.
كان الوقت صيفا . الشمس ساطعة و السماء مثل فرن لاهب . و مع ذلك اتخذت أسباب الحشمة ، و ارتديت ثوبا طويلا بأكمام ، و له ياقة منفوشة مثل أوراق الموز ، و ذهبت إلى أقرب مصور.
ابتسم لي و هو ينظر إلى قامتي المنتصبة ، و حين مد يده إلى ماكينة التصوير ذكرني أن لا أغمض عيني حين يضيء الفلاش ، و أن أشد صدري إلى أمام ، لتبدو الصورة مناسبة.
لقد اعتقد أنني أنوي وضعها في إطار لأعلقه فوق سرير الزوجية. شاب آخر مغفل لا يفكر إلا بما يدور في حجرات النوم المغلقة.
بعد يومين ذهبت لأستلم صوري ، و لكن كان عليها ظلال شاحبة أحبطت التفاؤل الذي كان في نظراتي.
دفعت ثمن الصورة ، و رميت المظروف بكل ما فيه في سلة المهملات. في الممر . عند باب الخروج من دكان التصوير.
لقد رغبت أن تكون صورتي الأولى إلى مصر مشرقة و مضيئة. إن السفر إلى الأهرامات و إلى برج القاهرة يحثك على أن تبدو بأبهى صورة ، لا بشكل قاتم ، و كأنك ندابة تجري وراء حظ عاثر.
على الفور ذهبت إلى مصور آخر، على الرصيف المقابل للأول. و كنت في ذلك اليوم الصيفي اللاهب بثوب طويل أيضا.. أسود و منقط بنقاط ملونة ظهرت به كأنني ريش طاووس ملكي. و كانت الأكمام في هذه المرة مسدلة إلى منتصف الذراعين . و لم تكن تسريحة شعري مبالغ فيها. لقد كان مظهري باختصار يميل إلى البساطة و الهدوء.
هنا كان المصور عجوزا ، طاعنا في السن ، و قد نبهني إلى ضرورة إعادة تسريح شعري قبل ان أقف أمام عين الكاميرا. لا شك أن تقديره حول الصورة قد ذهب باتجاه خاطئ . و لعله اعتقد أنها لاحتفال بمناسبة روتينية ، و سوف أضعها في ختام المطاف داخل إطار ثم أعلقها على الجدار في مكان ما من الصالة ، أو غرفة المعيشة. ذهن رب أسرة طاعن في السن طحنته الحياة ، و لم تترك لديه مجالا للتخيل . إن الكاميرا تسجل ما تراه و لا تستطيع أن تضفي على صورنا شيئا من خلجات النفوس المكبوتة. هكذا على ما أظن كان شأن المصور الثاني.
في اليوم التالي كان الحر شديدا ، لذلك لم أستطع أن أقاوم إغراء التحرر من القيود . فارتديت فستان جينز أزرق مستورد من غير أكمام ، قصير ، و وضعت حول رقبتي عقدا مزيفا لكنه براق و يمنحك مسحة حزينة. قليل من الحزن في زمن أجوف أمر منطقي. كان العقد غير تقليدي ، ينم عن التفجر المحتمل في أفكار المرء إذا ما اشتدت الضغوط عليه. و ربطت شعري بشكل فوضوي. ثم ذهبت إلى المصور.
للمرة الثانية دفعت و أنا أنظر إلى صورتي الملونة بإحباط. تمنيت لو أن المصور أطلق على رأسي النار و لم يرسمني بكاميرته على هذا النحو. لقد كنت مثل جدار أوشك على الانهيار. هذا ما يبدو من الصورة في الظاهر على الأقل. كسولة النظرات ، من غير إحساس بالمستقبل أو بما هو أمامي.
أودعت المظروف للمرة الثانية في سلة مهملات أخرى كانت خاوية. حتى دون أن أمزق صورتي . لم أكن أعتقد أنني أمت لتلك الصورة بأية صلة . خطوط و ألوان من غير روح لا تعبر عن شكلك على الإطلاق ، على الإطلاق ، على الإطلاق...
و أنا في هذه الحالة من الامتعاض ضد العالم و ضد مهنة التصوير . لم يكن أمامي إلا أن ألجأ إلى مصور ثالث.
ما أن شاهدني في منتصف صالونه قرب ماكينة التصوير حتى بدأ يتأملني من أخمص قدمي إلى مفرق شعري بعيون متطفلة. لقد فطنت أن ثيابي كانت صيفية جدا لأقاوم بها شدة الحر ، و أن اهتياجي مما سبق قد منح وجهي قسمات مستهترة و غاضبة.
أطلق الفلاش عاصفة من الأضواء المبهرة ، و حصلت على الصورة في ظرف ساعة واحدة.
حينما نظرت إليها أدركت أن هذا المصور فهمني ، أو ربما أنا التي فهمت كيف علي أن اقف أمام الكاميرا.
كنت أبدو على رقعة الورق الملونة مثلما أتمنى ، و في رأسي و داخل عيني أفكار على وشك أن تفصح عن نفسها.....

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هل نكتب بحد السيف

30-تشرين الأول-2007

قصة / البيت المريح

17-آب-2007

قصائد للشاعرة الرومانية هاريكليا ميرونيسكو ـ ترجمة

31-تموز-2007

قصة / مديري الجديد

20-آذار-2007

إيروتيك / هواجس غير أمومي

18-تشرين الثاني-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow