Alef Logo
يوميات
              

سرقة و كذب …

مديحة المرهش

خاص ألف

2019-06-22


قالت لي صديقة من فترة: لماذا لا تنشرين على حائطك/فيسبوك/ بعضاً من إنجازات ابنك أو ابنتك أو أي فرد في عائلتك أو المقربين منك كما تفعل بعض صديقاتك اللواتي يتغنين بعنزاتهن الجرباوات.
قلت أولاً أنا لا أرى غضاضة بأن يتفاخر الآخرون بما يرون وبما يضعون على حيطانهم الافتراضية أو الواقعية، و لكنني لا أحب أن يطبّق عليّ المثل المعروف ( الخنفسة اللي شافت بنتا عالحيط قالت تؤبريني لولية و معلقة بخيط )، ثانياً: حشر أنفي بما يفعل الآخرون حتى لو كانوا أولادي ليس من شيمي إطلاقاً.و أردفتُ: الناس أحرار ليكتبوا ما يشاؤون، و الشخص المتلقي هو الذي يحكم إن كانت العنزة جرباء أم لا بغض النظر عن أي مجاملة أو تعليق. وأخيراً الشيء الذي أكرهه أو لا أستسيغه هو فكرة الاستعراض و مفهوم / شيّلني أشيّلك/.
لكنني اليوم سأكتب شيئاً ما ليس للمفاخرة ولا لعرض العضلات:
كنت أتصفح البارحة كرّاساً بالرسوم الكاريكاتيرية لابني عمرو الذي رسمه عن الانتفاضة الفلسطينية و الحجارة ولم يكن سنّه قدتجاوز ال12 عاماً آنذاك.
البداية حصلت حين كنا نمضي عطلة الصيف على البحر مع ثلّة من الأصدقاء من بينهم صديقنا علي فرزات و عائلته، و كان ابن علي يرسم فتأثر به عمرو و صار لا يفارق القلم و يرسم على أي شيء يصادفه و رسم الكثير على حصى شاطىء البحر.
تحول بعدها من رسم كاريكاتير ساخر عادي إلى رسم كاريكتير سياسي ملتزم نوعاً ما ...و صبّ اهتمامه على الانتفاضة التي كانت بأوجها آنذاك ، شجعه وقتها طلاب جامعة فلسطينيون و أردنيون يسكنون قبالة بيتنا منهم الجار و الصديق الذي مازال مصراً على تواجده في حياتنا و في قلوبنا كمال العكل …. وصديقنا المقرب من عائلتنا و كل العائلات الصديقة المشتركة لحسن أخلاقه و كرمه سعيد البرغوتي و الذي رأى بعضاً من رسوماته و قال له:إن أنجزت لوحات أكثر يا عمرو سنقيم لك معرضاً في صالة ناجي العلي.
فرح عمرو بتلك الفكرة كثيراً كما فرحنا أنا و أبوه و عزة أخته التي لم تتجاوز السادسة من عمرها،و صار هاجسه أن يرسم ويرسم لذاك الغرض و تلك الفكرة. جده أحمد نورس السوّاح بدوره و الذي كان رجلاً له باع طويل في الصحافة و الأدب و السياسة شجّعه كثيراً و كتب له رسالة جميلة محفّزة.صار عمرو لا يفوّت نشرة أخبار أو حديث سياسي بين الأصدقاء إلاّ و التقط فكرة ما. مرة كنت أنقّي العدس من الحصوات الصغيرة لأطبخ مجدرة فذهب عمرو و أتانا برسم لامرأة فلسطينية و صينية العدس بحضنها و ابنتها الصغيرة تقول لها:( يمّا بلاش ترمي الحجر اللي بتلاكيه بالعدس).. و مرة، باستراحة بين دمشق و حمص دخل التواليت قرأ جملة / عين البصاصة تُبلى برصاصة / و حين عدنا إلى الباص رسم كاريكتير لاجتماع فتيان فلسطينيين وخلف الباب رسم جاسوساً يتلصص عليهم و كتب / عين البصاصة تُبلى بحجر/. و مرة كنّا بزيارة صديق في مشفى فجلس و رسم معادلة كيميائية من ضمنها / حجر + حجر = صهيوني على نقالة. كان يلتقط أي مشهد أو كلمة أو حدث ليحوله إلى رسم لصالح الانتفاضة.
كانت أخته عزة مغرمة به و مبهورة بما يفعل،تنتظر بفارغ الصبر أن ينتهي من الرسم لترى رسوماته معلقة على جدران الصالة. دائماً تحب أن تشاركه بأفكارها،تشير عليه بطفولة حشرية: عمورة ما رأيك بفكرة كذا … و كذا ؟؟؟ و كان جوابه دائماً: واااااو عزوز، لكن لا هذا لا يخص فكرة الحجارة إلى أن كنّا مرة نحن الأربعة في الباص، عمروإلى جانب أبيه يتصفح مجلة و أنا كعادتي وقت التنقل بالمواصلات أقرأ دائماً قصة لعزة، من بين القصص التي كانت بيدي صيّاد يحمل بندقية … قالت بحماس كمَن وجد كنزاً: ماما انتظري.. و استدارت إلى كرسي أخيها و رفعت الصورة وهي تقول: عمورة شو رأيك بهالكاريكاتير؟أجابها كعادته دائماً: هاتي لنشوف، بحماس و صوت عالٍ سمعه جميع من في الباص قالت:بندقية تضرب حجراً كبيراً فتنقسم إلى حجرات صغيرة تتكلّم و تقول للبندقية: شكراً لأنك جعلتني مجموعة من الحجارة…. هنا فتّح عمرو عينيه بدهشة و فرح و قال: رائع عزوز نعم سأرسمها، و أضع أسفل الرسم فكرة عزة سوّاح.
أنجز عمرو قرابة 40 رسماً يخص الانتفاضة و أُقيم المعرض و أصرّ أن يضع اسم أخته تحت رسم الحجر و البندقية لكننا أقنعناه بألا يفعل، لأنها كانت مجرّد فكرة وحيدة عابرة.
وقتها أخذ عمرو مكافأة مالية و معنوية و لوحة تخص التراث الفلسطيني، و كتبت عنه بعض الصحف المحلية و اللبنانية… جُمعت الرسومات بعد ذلك و نشرت عن دار المنارة باللاذقية و بيع كثير منها.. كما تبنى الصديق الشاعر أحمد دحبور رحمه الله و الذي كان بتونس وقتها موضوع الكراس الذي حمل عنوان // الانتفاضة بالكاريكاتير كما يراها طفل //………….الخ
ظلّ عمرو كلّما فتح الكرّاس و رأى كاريكتير البندقية يقول .. يا حرام هذه فكرة عزة…هذه سرقة و كذب … ربيتمونا ألاّ نكذب و ألاّ نسرق.. و لكنكم سمحتم لي بسرقة فكرة أختي.
لا أريد أن أعرض عضلات تربيتنا لأولادنا، و لا أريد أن أظهرهم بمظهر الملائكة المعصومين… لكنني عرضت هذا لأنني أفكّر كثيراً تُرى هل الكذبات صغيرة كانت أم كبيرة سهواً أو قصداً، و التي كنّا نمررّها بالبيت على مرأى أولادنا، و هل سرقة كأس أو منفضة سجائر أو شمعة من مطعم أو فندق على سبيل الدعابة قد أثّر بهم سلباً نوعاً ما …
على ما أظن لا أحد يستطيع الجزم !!!!!!!!!!!!!!!!!!
*****
تعليق



زبير اليوسف

2019-06-22

كتابة سلسة و سؤال مهم

معن شاهين

2019-06-22

برأيي الحياة لغز لا نستطيع أن نعرف تماماً إن كان ذلك صحيح أم لا لكن الأولاد يكبرون و يشكلون ثقافاتهم الخاصة

مصطفى قرشي

2019-06-23

يوميات ملفته و سؤال مهم كان لابد الإشارة إليه

صهيب بقدونس

2019-06-23

التربية أمر ليس بالسهل إطلقاً مقالة مضيئة

قاسم محمد مجيد

2019-06-23

القديرة مديحة سلامي وتحياتي لعمر ولمقال رسم صورة لحياة تضج بالعفوية وقدرتها على الابداع - كان الافضل ان تكتب فكرة عزة سواح ... مقالك يتعدى الحالة الشخصية لعائلتكم انه يتجاوز للحالة العامة حين تسرق الافكار بطريقة فجة دون تانيب ضمير شكرا لك واجمل التحيات

أمينة بو زيد

2019-06-23

أحببت كما أحب شعرك

نبيل سلامة

2019-06-25

كتابة بعيدة عن التعقيد كشعرك الجميل و تطرح موضوعاً مهماً بوركت سيدتي

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أهب راقصة

24-نيسان-2021

دون ماء يذكر

13-آذار-2021

أهدده بالكسر.. قلمي

19-كانون الأول-2020

قليل من الهايكو ... كثبر من الحياة

07-تشرين الثاني-2020

لا … لا تأتِ

12-أيلول-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow