Alef Logo
الآن هنا
              

الفلسطيني وسوريا.

أحمد برقاوي

خاص ألف

2019-09-07

كتبت لي سيدة على صفحتي في الفيسبوك ، تعليقاً على مقالتي " مخيم اليرموك " تقول بالحرف الواحد :
"دكتور لماذا لا تذكر الإيجابي، ألم تعطيك"تعطك" دمشق حقك في الحياة
وأعطتك المركز والأحترام وكنت استاذ الأساتذة ولك شعبية كبيرة ... وتعيش حياة محترمة ... وانا أعرفك منذ 30 سنة ،اين ماذهبت كنت محترماً واستاذاً لك مكانة رفيعة . ولكنك انت اخترت ان تكون مع الشريحة الثانية في الغربة ، ارجع وسوف يرحب بك ".
ولقد وصلتني عدة رسائل بهذه الروح . وبعضها قد تجاوز حدود الإحترام و الأدب بذمي بوصفي فلسطينياً لم أحفظ فضل سوريا علي، سوريا التي أطعمتني ودرستني و عينتي في الجامعة الخ من هذا القيل السخيف .
وبعض من كانوا في عداد الأصدقاء عادوا لمخاطبتي: "أيها اللاجئ، مالك و مالنا ،أنسيت فضل سوريا عليك ؟".
ليس من شيمتنا الدخول في حوار مع المبتذل من القول ، أو الشجار مع شاتمينا ،ومن خلائقنا الكبر والترفع عن القيل .
غير إن هذه السيدة المحترمة ، وأنا على معرفة بعواطفها الصادقة، حملتني على وضع القضية التي طرحتَها موضع النظر و التأمل الكلي ،لان السؤال سؤال في حقيقته ليس فردياً .
هناك قضيتان مختلفتان طرحها خطاب السيدة : قضية اللاجئ الفلسطيني في سوريا .وقضية وضع الشخص المعيش و الموقف من الحياة و القيم .
في القضية الأولى فهذا الخطاب ،و ما شابهه من خطابات، ينتمي إلى نمط من الوعي قائم على تقاليد الضيف و المضيف ، و الإستجارة ، و ما يترتب على ذلك من واجبات من الضيف و المستجير تجاه المضيف و المجير .بحيث يجب أن يكون الضيف مؤدباً و المستجير وفياً لمن استجاره، وهكذا يتحول لجوء الفلسطيني نتيجة الحرب إلى مكان كان قبل عقدين من الزمن وطنه ،إلى ظاهرة تقليدية من تقاليد الإستجارة البدوية ،وحسن الضيافة لشخص غريب. وليس من زاوية الحق والقانون والمشترك الوطني والإنتماء.
و الحق إن هذه النظرة المبتذلة و الزائفة للفسطيني السوري ليست جديدة ، فهي غالباً ما تظهر عند بعض الأفراد مع كل نفور أو اختلاف مع الفلسطيني . و الملاحظ بأن موقفاً كهذا نادراً ما تجده لدى أفراد الشعب في الحياة اليومية ، بل هو موقف ينفرد به بعض المتعلمين،وأفراد السلطة، و من والاها من العفوش.
فحين أحالت وزارة الإعلام كتابي " مصير الشعارات العظيمة " إلى دائرة الرقابة في مكتب الإعداد الحزبي عام 1996،كان تعليق رئيس المكتب : ماذا يريد البرقاوي ؟ عيّناه في الجامعة و حصل على بيت من الجامعة ، لماذا يكتب على هذا النحو " . وبعد أن رُد الكتاب بالرفض أشار علي الصديق حسين عودات أن أغير من العنوان، وهو سيتولى الحصول على الموافقة على النشر . وهكذا كان . فقد استبدلت " العرب بين الأيديولوجيا و التاريخ " بمصير الشعارات العظيمة ، ونُشر الكتاب في دار الأهالي .
إذاً لأن الفلسطيني لاجئ في سوريا فهذا يعني بأنه مدين للسلطة الحاكمة بلجوئه وبقائه في البلد ، ولهذا يجب أن يكون إلى جانب السلطة التي توحد بينها و بين الدولة.
لكن الفلسطيني السوري أكسبته السلطة المنتخبة ديمقراطياً في عام 1956 حقوق السوري كاملة ، وعاش في إطار هذا الحق . فاكتسب وعي المواطنة . وليس هذا فحسب بل إن الشعب السوري لم ينظر إلى الفلسطيني إلا بوصفه سورياً، وامتداح الفلسطيني سورياً أمر عادي ، فضلاً عن ذلك فإنه حين قررت الجماعة الحاكمة مواجهة منظمة التحرير في لبنان وقف أغلب السوريين مع الفلسطينيين وليس مع السلطة . في هذا السياق من العيش المشترك اتخذ الفلسطيني موقفه كما السوري تماماً . فالشبيح الفلسطيني لا يختلف عن الشبيح السوري، و مثقف الوسخ التاريخي الفلسطيني لا يختلف عن مثقف الوسخ التاريخي السوري .و بالمقابل من الطبيعي أن يكون مثقف الثورة الفلسطيني كما السوري في الموقف معاً.
أما المسألة الثانية فهي العلاقة بين الوضع المعيش و اتخاذ الموقف في لحظات التاريخ المفصلية . و التي نصوغها بالسؤال : ما معنى الموقف من الحياة و الوجود و التاريخ و المصير و الإنسان ، لماذ يتخذ الإنسان موقفاً؟
السؤال لماذا يتخذ الإنسان موقفاً جوابه سهل ولا يحتاج إلى عناء. فالموقف هو تعبير عن نظرة إلى الحياة و معنى وجود الإنسان . وجميع البشر بلا استثناء لديهم نظرة إلى الحياة و معنى لوجودهم .من الفلاح و العامل وحتى الفيلسوف و الشاعر مروراً بالثري و الفئات الوسطى الخ .
النظرة إلى الحياة تعني بأن كل فرد يمنح حياته معنى ما . بل معاني و يمضي في طريقه على هديها. وليس هذا فحسب فحين يختار الإنسان معاني حياته عبر تأمل وتعقل بالحياة ، مهما كانت ماهياتها، فإنه عملياً ، يظهر حر يته .
فِيمَا القتلة و المجرمون و السياسيون و الدكتاتوريون وأمراء الحروب والهباشون ،وهم يخوضون حربهم بمعنى الحياة الوضيع ، يطرحون أمام البسطاء من الناس المعاني الأثيرة لديهم و المتطابقة مع هوياتهم الساكنة .
الدكتاتور القاتل و الذي ولد في بنية قاتله يواجه المعاني النبيلة للبشر النابعة من شعورهم بالحرية بمعاني زائفة تخفي معنى وجوده الوضيع في الحكم عبر القتل ، فتصبح العروبة و الممانعة و الصراع مع الصهيونية و مواجهة الإرهاب عدته الأيديولوجية لجر العدد الأكبر إلى ساحة معركته المنحطة .وحليفه المعمم لن يقول للبسطاء هيا إلى الحرب دفاعاً عن جماعة حاكمة لنا مصلحة باستمرار حكمها ، بل يدعوهم باسم الأسماء الأثيرة التي تسكن هويتهم الطائفية : فيصبح الدفاع عن زينب وفاطمة و الثأر لمقتل الحسين والإنتقام من يزيد و ما شابه ذلك من أسماء ستارة المعنى الزائفة التي تخفي المعنى الوضيع الحقيقي لجر الناس إلى القتال.
وقس على ذلك المعمم الآخر النقيض الذي يدعو البشر للموت في سبيل الخلافة و تحقيق حكم الله ، لأن الحاكمية لله وحدة .فيمارس قتل المختلفين بدم بارد باسم الأمر الإلهي .
و هكذا يتحد الدكتاتور القاتل و العمامة المجرمة بهدف مشترك، ألا وهو العداء للحياة .
ولهذا فإن القتل و الإجرام والتدمير هي أشكال السلوك الطبيعة لأعداء الحياة.
أحباء الحياة الحرة،الحياة المتحدة بقيمة الإنسان الحر ، يخوضون معركتهم بوصفها معركة معنى الحياة كما يجب أن تكون ، حياة تتحد فيها قيم الوجود الحر و مركزية الإنسان . هذا المعنى يتجاوز النظرة البيولوجية للإنسان، يتجاوز مستوى الحياة المعيشة الخاصة . ويعلن بكل وضوح أنا حر إذاً أنا أكون . فمعنى الحياة الذي ينطلق منه الإنسان هو الذي يحدد سلوكه تجاه الحياة ،و الصراعات صراعات معاني متعينة بالأفراد و الجماعات .فمعاني الحرية و الديمقراطية و العلمانية و الكرامة الفردية و الوطنية و الحق و القانون و الأمان المادي و الروحي والإنتماء إليها هي التي تقودنا إلى الإلتزام الوطني و الإنساني و الأخلاقي و الوقوف إلى جانب الشعب السوري ،وهي التي عينت فلسطينيتنا السورية في شروط الثورة و ما قبل الثورة.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أي يسار نريد في عصر موت الإنسان ؟ من وحي ناقوس الكورونا

18-نيسان-2020

رؤية مقدمة إلى الشعب السوري و النخبة السورية الفاعلة :

17-كانون الثاني-2020

الفلسطيني وسوريا.

07-أيلول-2019

تحطيم القيم ونفي الآخر

31-آب-2019

قول في الوجود والماهية / عن موت جميلة بوحيرد

17-آب-2019

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow