Alef Logo
يوميات
              

أجل. حاولت أن أكتب قصيدة حبٍ. حاولت فقط. وهذه مرافعتي.

عبد القادر الحصني

2020-03-07


 كما لو أفقتُ على الوقت أزرقَ، ظلّله غبشٌ أسمرُ
وألقيت في الناس عينين حائرتينِ :
أهذا مساءٌ تأخّرَ
أم فلقٌ صبحهُ مُبكِرُ؟

على حافة الليلِ أم قرب بوّابة الفجرِ
هذا الهواء الذي يتنهّدُ بين حبال الغسيلِ
فيصنع أشرعةً للمنازلِ
بينا تطلّ النساءُ الجميلاتُ من قَمَرات المراكبِ،
يسألنَ عمّن تلمُّ الغسيلَ ومن تنشرُ؟


بقايا المصابيح من ليلة الأمسِ لم تنطفئ بعدُ
أم بعضهم يشعل الآن بعض المصابيحِ؟
ياشمس تبريز
ياقمر الأولياء بشيرازَ
يا حلمَ نار المجوس ببرد اليقين:
أنا كنت أحلم بالمستحمّةِ،
أم كانت المستحمّةُ تحلم بي،
أم أنا والتي تستحمُّ، أفقنا على حلم الآخرين،
ولانذكرُ؟!

-مضى زمن الشمس والملكاتِ
مضى زمن الطفل والأغنياتِ
مضتْ أنهرٌ في الرماد إلى حتفها،
وتأسّن ماءُ البحيراتِ.
أنتَ مريضٌ
وقلبكَ أرجوحةٌ، لا أشكُّ بأن الملائكةَ الطيبين على سدرة المنتهى علّقوها، وأنّ رنين الخلاخيل في أرجل الحورِ، من تحتها يُسمعُ

ولكنَّ قلبك هذا المريض الذي ملَّ من سَجنه الأضلعُ
سيأخذه الحبُّ ذات صباحٍ، فيمضي بعيداُ ،
ولا يرجعُ.

تداركْ – إذا اسطعتَ- حيرةَ عينيكَ من نجمةٍ
أغلقت خلفها باب غرفتها في السماءِ
وفسِّر على ساعة الرمل بعض خطوط يديكَ
إذا التبست بطيور الفضاءِ
ولا تتورّط – إذا ورّطوكَ – بمرثيّةٍ للهواءِ
ففي زمنٍ مثل هذا الذي أنت فيهِ يضيقُ بأعراضه الجوهرُ
وتخلع بستانها وردةٌ في الظلامِ
إذا اكتشفتْ أنّ أخضرها أحمرُ.

 له أن يخاف عليَّ
له أن يخاف على نفسه فيَّ
هذا صليبي وظلّي
وهذا يعين عليَّ الضنى

تمنيّتُ لو فتّه بين حشدٍ من الناسِ
لو حين أبطأ ، أسرعتُ
لو غطَّ في نومه ، فانسللتُ
لو الريح تأخذه نحو أيّة أرضٍ، تُسمى هناك،
وأبقى هنا
لأدخل أقرب مقهى صغيرٍ، وأنسى الذي كان مابيننا
ولكنّني بعد عشرة عمرٍ طويلٍ،
تالفّتُه بالغيوم التي بيننا تعبرُ
وصرت إذا مااعتراني النعاسُ، وألفيته ساهراً أسهرُ

أقصُّ عليه الأقاصيص عن أرخبيل نجومٍ، يجوس شواطِئه بالقوارب بحارةٌ من سلالات قرطاجَ ، أرسلهم هانبعلُ، ليكتشفوا خطّةً للوصول إلى قلب روما، ولكنّهم صادفوا في الأزقّة ، بين النجومِ نوافيرَ ، ينحتها العنبرُ
ويصنع منها صبايا، يَمِسْنَ، كما قصبُ المصّ
والسكّرُ،
فظلّوا هناك ، ولم يبحروا.

- لماذا رجعتَ ، إذاً، أنتَ ؟
 أطبق جفني على غيمةٍ خلفه تمطرُ:
رجعتُ لأن فراقك صعبٌ،
ومثلي على البعد لايصبرُ .

تبسّم في شفتيه الرضا، ثم نامَ،
وها أنذا بعده أسهرُ..

صناديق من فضّة للنعاسِ، مفاتيحها في جيوب
الظلامِ،
وبرج قديمٌ، تعلّق في صدره جرسٌ، لايرنُّ،
وحبل يؤانس وحشته في الفراغ هواءٌ عتيقُ

قرأتُ على الرمل خطّاً، يمشّط بالريح ريشَ النَعامِ،
وأوّلت معنى الحياه بغزل البنات، لأن الكلام يضيقُ،
وأقنعت شيخي بأن الوصول جميلٌ،
ولكنّ أجمل منه الطريقُ.

دعوتُ الربيع إلى زهرةٍ،
والفضاء إلى نجمةٍ،
والكتابَ إلى كلمةٍ،
والإله إلى رجل متعبٍ، والصديقَ إلى امرأةٍ
مال عن وجهها في الخريف البريقُ.
فجاء الربيعُ ،
وجاء الفضاءُ ،
وجاء الكتابُ ،
وجاء الإلهُ ،
ولم يأتِ ، بعدُ ، الصديقُ.

إلى أين أمضي بخمري التي منذ عمرٍ أقطّرها
قطرةً.. قطرةً،
ثم أسكُبها ملءَ صلصالتي، فتروقُ
أريد نداماي.. أحلى نداماي أن يشربوها
وأن يسألوني، يتعتعهم سُكْرُ هذي المدامةِ :
مَنْ أمّها وأبوها ؟
أريد لهم أن يروا من خلال الزجاجة أوصافها
وأن يسألوني إذا كنت أعرف خزّافها

أريد نداماي يا سيدي :
قد أعدت إليها رسائلها، غير أن الكلام الذي في رسائلها لا يُعادُ،
وحمّلَ روحي من الهمّ ما لا تطيقُ.

أريد نداماي :
وَحْدَ نداماي من يعلمون بأن الذي يتفتّحُ في الروح ليس شقائق نعمانها،
بل حروقُ
ووحدهمُ يعرفون حقيقة مايعتريني من الوقتِ،
حين مع الوقت لا يُستبان غروب،
ولا يُستبان شروقُ،
وحين يشبّه لي أنني أبصرُ
كما لو أفقت على الوقت أزرقَ ، ظلّله غبشٌ أسمرُ

- تريد نداماكَ ؟
ماذا بوسع نداماك أن يفعلوا ؟
سوى أن يديروا عليك الكؤوسَ ،
وأن يثملوا مثلما تثملُ
تريد نداماكَ، لكنّ شمساً على البابِ ،
أخّرها أنّها اتّخذت كلّ زينتها،
وهي تبغي الدخول عليكَ ، ولكنها تخجلُُ.
ترى مايجهجه أشقرَ ملتبساً بالندى والنضارِ،
ومشتبهاً بالخواتم والكستناء على النارِ،
هذا قميص النهار الخفيفُ،
تدفّق من فوقه شعرها المرسلُ

ترى عربات الهواء بأفراسها البيضِ،
جنّحها موعدٌ في الجبالِ ،
وسرّحها كوكبٌ في الخيالِ ،
فضاقت عليها الدروبُ ؟
وهبّت رُخاءُ على الآنساتِ: فجفنٌ يرفُّ ،
وجفن يذوبُ
إلى أن جرى عسلٌ بينهنّ ،
ومرّ ببال الجرارِ الحليبُ

ترى كيف تصحو عليك يداها ، وكيف بأنفاسها تُقبلُ؟
يقولون يا طالما قبلتك ، وأنت نؤومُ الضحى ، تغفلُ
يعّلقها فيك أمرٌ عجيبٌ ، وأنّك منزلها الأولُ .

 أرى في كتاب المرايا حقيقة شمسي التي تسفرُ
أقلّبه موجة موجة كلّ يوم ، كما تفعل الريح والأبحرُ
فيفجؤني أن هذي الحياة
تزخرف أسماءها والصفات
وتسكبُ غير الذي تعصرُ

سعيد بشمسك ياسيدي هلّلوا .. يا
مبارك النور في وجهها، ونثار المجرات في شعرها،
ومباركتان يداها

سأدنو حزيناً بكلتا يديّ لكيما أراها،
لأن كتاب المرايا يقول: بشمسٍ ترى الشمسَ لا بسواها،
فهلٌ انظرُ
بعينين متعبتينِ ،
كما لو أفقت على الوقت أزرقَ، ظلّله غبشٌ أسمرُ؟


أوقد الثورة، شباب جلّ ما يبحثون عنه، قطع الصلة مع الغيلان.. غيلان المال الفاسد، والعقول الفاسدة، والسجون وقد باتت قاعدتها الذهبية:

ـ من يدخلها مفقود ومن يغادرها مولود.

ولم يكن لهم من السلاح، سوى الهتاف، وفي لحظات ما، لا يلبثون أن يوزعوا الورود على قاتليهم، أما البنادق المحشوة، فلم تكن سوى من حصة الوحوش.

كان ذلك هو طريقهم، وتلك كانت راياتهم.

سوريا التي يريدونها، بلا ريب تدخل في معادلة بالغة التعقيد.. معادلة هي المصيدة الرهيبة التي وضع النظام فيها البلاد، بحيث يتنحّى فيها الله، لحساب من حلّ محل الله وقد ارتدى ثياب الجنرال دون أن يخوض حرًبا منتصرة واحدة تمنحه كفاءة الجنرال.



وعلى الضفة الأخرى، كان للبلاد مسار آخر، وقد تعسكرت الثورة، وتدفق عليها السلاح، ليدخلها عرابو الخراب.. عرابون تدفقوا من كل جهات صناعة الموت، ومن البوابة التركية حصرًا، وكان على السيد رجب طيب أردوغان أن يقولها:



ـ ادخلوها فأنتم آمنين.

وكانت القفزة الكبرى، تلك التي يمكن نعتها بـ "تفصيل المعارضات".


ومع هذه المعارضات، سيكون أعمى من لا يرى أولئك الذين اشتغلوا على تكرار التراجيديا الأفغانية في سوريا، بعد أن صُنّعت شخصيات جاءت من التواء الزمن والتواءات المكان، ليكونوا روافع الحرب الأهلية في سوريا.. حرب الجميع على الجميع، بما فيها حرب الفصائل على الفصائل، تلك التي لا يسعها أن تتوانى في التكبير على ذبائحها، في لعبة لانتزاع احتكار المال واحتكار السلاح، أما (الشرف)، فاحتمالاته لا تحلّ حسابيًا كما الحال في عالم الرياضيات، وإن كان شرفهم قد بات خارج أي احتمال، فأي شرف لمن يدمّر منحوتة أبو العلاء، واي شرف عند أولئك الذين سطوا على البلاد وقد أنتجوا سجونًا أشد بشاعة وعددًا من سجون النظام، وأي شرف عند من يمارسون شواء رؤوس القتلى، في تكرار بالغ البشاعة لفقه تاريخ الاستبداد؟



وها نحن وقد بتنا في البلاد المتشظية، لا نعلم على أي نحو ستكون القفزة التالية.

ـ سلطة تعمل أجيرًا عند الروسي/ الإيراني، وسواهما، ولم يتبق لها من سطوة السلطة على البلاد سوى السطوة على فقراء المدن.. فقراء الأرياف، وجيش يموت شبابه في أزقة مدن رحل عنها ساكنيها.

ـ ومعارضات، تتنقل في الطائرات على الدرجة الأولى وإن لم يكونوا رجالاً أوائل.

معارضات، هجينة، جلّ مآثرها أن تهتف لـ (أسد) في إستنبول، فيما أسد إستنبول يبيعهم مرة لحكومة السرّاج على هيئة (بلاك ووتر)، بفارق ضآلة مهاراتهم بالقياس مع بلاك ووتر الأم، ومرة يلقي بهم في متاهات الحدود الفاصلة ما بين تركيا واليونان، وهناك يبعث بهم ليكونوا قفازاته في وجه الأوربيين وهو يمارس عليهم الابتزاز، وقد ضاقت أوربا بالمهاجرين حتى باتت تستولد نازية جديدة لا نعلم على وجه اليقين متى ستطل برأسها لتمارس التنكيل بالمهاجرين.



وها قد باتت البلاد ما بين قبضتين:
ـ قبضة رجب طيب أروغان الذي يلعب حلم الخلافة برأسه معزّزا بفتاوى الإخوان المسلمين.
ـ وقبضة فلاديمير بوتين، الرجل الذي يحاكي بطرس الأكبر وقد زرع قدميه في المياه الدافئة وباتت له قاعدة في حميميم.

ـ أما نحن؟

نعلم علم اليقين، أن تسع سنوات حرب كافية لتمنحنا درسًا في الكيفية التي تبرد فيها الرؤوس، فأبناء الرؤوس الحامية، لم يعلقوا على الحدود الفاصلة ما بين تركيا واليونان.. هؤلاء لن يمارسوا الحيرة في البحث عن مقابر الأبناء ليتسنى للأمهات البكاء على أولادهن، فأولاد هؤلاء لا يموتون وإن كانوا يحرّضون على الموت بإطلاق الزغاريد.

الذين يموتون، هم أولئك الذين يرحلون إلى التراب آخذين معهم مواهبهم، فبيوتهم بيوت بلا أثاث وإن ثمة أثاث فمآلها أسواق المرتزقة "العفاشين"، ومن فينا لا يدري أن جنود الجيش كما مقاتلي الجبهات على الضفة الثانية، يشكون من الخيبة من الزمن الميت، ذاك الزمن الذي يدفع بجندي يقف على حاجز في الزمهرير ليكتب منشورًا على الفيس بوك يقول فيه:
ـ أليس من الظلم يا إلهي أن لا تشاركني امرأة الفراش وأنا من مدينة نصف نسائها مرملات؟
فيما مقاتل على الطرف الآخر من الحرب يصرخ طالبًا من الله.. الله وحده أن يدله على ما ستؤول إليه الأحوال؟
كثيرأ ما رددنا أننا دخلنا الليل الطويل.. ليل العقائد والقمامة ونبّاشي المقابر.
ـ نعم نباشو المقابر، أولئك الذين يطلعون تارة من بطن النظام وينزلقون في لحظة ثانية من أقفية الباحثين عن الحوريات؟
ويأتيك من يمجّد الحرب وهو من غير المتحاربين، وبكل تفاهة يهبط على أكتافك ليقول لك:
ـ أريد ولا أريد.
ثم ينطق باسمك.
تصوّر أن ينطق باسمك ذاك القادم من الوحل، حتى تفضّل أن لا يكون لك اسمٌ وأن تغرق في المجهول من الأسماء.
وهذا الذي يريد ولا يريد، كان قبل هنيهة مرتزقاً من لقطاء النظام ثم تدحرج ما بين ليلة وضحاها إلى حرملك التركي والمال الخليجي، ثم لم يلبث أن وجد مكانًا عند الإيغوري والتركمانستاني وفي جبهة النصرة، موطدّاً العزم بأن الرايات السوداء هي مفاتيح الخلاص.
ـ أيّ فظاعة نحن فيها، حتى بات علينا أن نردد مع نجيب سرور:
هو لم يمت بطلاً ولكن مات كالفرسان بحثاً عن بطولة .
لم يلق في طول الطريق سوى اللصوص،
حتى الذين ينددون كما الضمائر باللصوص ..
فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص ! ”



من كتاب المرايا

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

سقف العالم

04-نيسان-2020

أجل. حاولت أن أكتب قصيدة حبٍ. حاولت فقط. وهذه مرافعتي.

07-آذار-2020

نصوص

20-تموز-2019

حوار مع الباحث السوري فراس السواح أجراه

21-تموز-2018

حوار مع فراس السواح أجراه

10-شباط-2018

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow