Alef Logo
ابداعات
              

رواية الحي الشرقي لمنصور المنصور

منصور المنصور

خاص ألف

2020-09-12

الورقة الثالثة
في الجامعة تعرفت على الكثير من الطلاب، إلا أني اتخذت لنفسي أربعة منهم كاصدقاء، كاظم السامرائي من العراق وصديقته انيتا جانسون، اللذان ارتبطا بعلاقة سامبو، يضاف اليهما فيكتوريا راندكفيست وصديقها جوان اريكسون. كانت لهم اهتمامات ثقافية مشتركة، إذ أن عائلات هؤلاء الأصدقاء من الشريحة المثقفة، والمهتمين بالحياة الثقافية، سينما ومسرح وفن تشكيلي وقراءة الكتب وخاصة الروايات والشعر.
كانت المرحلة الجامعية بالنسبة لي مرحلة تحول جذرية في حياتي، غيرت اهتماماتي وأصدقائي وطريقة تفكيري. أصبحت علاقتي بالحي وبالمجتمع الصغير واهية. انتهت صداقاتي مع جميع أصدقاء الطفولة والمراهقة، ولم أعد أتواجد هناك إلا نادرا. كنت أخرج صباحا لأعود في الليل لأنام ثم استيقظ صباحا وهكذا. لقد كانت مرحلة ممتعة. مصدرهذه المتعة هو الحرية التي حصلت عليها، فقد تجاوزت الثامنة عشر وبهذا أصبحت أمام القانون بالغا راشدا، يمنع على الاخرين التدخل في شؤون حياتي الخاصة. هذا الشعور، أن القانون أصبح إلى جانبي، منحني قوة نفسية واجتماعية لأجل أن أقف ضد العرف الاجتماعي السائد في مجتمعنا الصغير في الحي. لذلك شعرت أن عين الرقيب، جدي وابي وامي والمجتمع عموما، قد ضعفت إلى حد بعيد. يضاف إلى ذلك الأصدقاء الاربعة الذين تعرفت عليهم. فلقد كنت محظوظا بهم، لأن اهتماماتهم الثقافية جعلتني أرى الحياة من منظور مختلف، جعلتني أتحرر من أميتي الثقافية. فقبل معرفتي بهم لم أكن قد قرأت ولو كتابا واحدا أو رواية واحدة. كنت أفهم أن السينما أن اذهب مع صاحبتي لأقبلها في العتمة ونأكل البوشار ونشاهد أفلام الأكشن الأمريكية الرديئة. أما المسرح فقد كان مملا وعبارة عن اشخاص يصرخون فقط. أما معهم فقد تغير كل شيء. ربما كانت تلك الإهتمامات سببا مهما خلف صداقتنا التي استمرت بعد المرحلة الجامعية. لقد بقينا على تواصل حتى بعد تخرجنا من الجامعة. حصلت على عمل، واستأجرت شقة بعيدة عن الحي، ولم أزر الحي سوى بضع مرات خلال عامين. اقتصرت صداقاتي على الاربعة. كنا نلتقي كل يوم سبت، لذلك أطلقنا على المجموعة اسم "مجموعة يوم السبت ". أحببت هذه المجموعة وأحببت يوم السبت وكنت أنتظره بشوق. شعرت أنني أنتمي إليهم لأنني أحست أن لي قيمة، لأنهم يصغون الي ويناقشوني ويحترمون وجهة نظري سواء كانوا يتفقون معي أم يختلفون. كنا نلتقي كمجموعة عند الساعة الخامسة مساء، وقت الشتاء، والسادسة أو السابعة في الربيع والخريف، أما الصيف فلا نلتقي لأن كل منا لديه خطة لقضاء عطلة الصيف مع عائلته في السويد أو خارج السويد. مع النبيذ والبيرة والطعام تبدأ السهرة بشكل عفوي بأحاديث متفرقة من هنا وهناك، ثم نتحدث عن النشاطات الثقافية الراهنة التي تجري في المدينة وفي السويد عموما. أحيانا يتفرع الحديث ليتناول حياة الكاتب أو الفنان المعني بهذا الأمر. ثم ينتقل الحديث إلى مناقشة كتاب أو رواية قرأه أحد الأصدقاء خلال الإسبوع المنصرم.
كان كاظم يكتب مسرحيات، بعضها رائع ومدهش، وكانت مسرحياته محط اهتمامنا. كنا نقرأ ما يكتب ونتناقش فيما بيننا. يضاف إلى موهبة الكتابة كان يحب التمثيل، لذلك انضم إلى جمعية تضم الهواة في التمثيل المسرحي.
في أحد أيام الشتاء الباردة جدا، اتصل بي كاظم وقال لي أن هناك مخرجة مسرحية مشهورة في عالم المسرح، تعرف عليها مؤخرا، ويريد أن يدعوها لسهرة السبت، اليوم. توقف قليلا ثم اضاف:
ــ هل لديك مانع من دعوتها؟
قلت بشكل تلقائي:
ــ لا ولماذا أمانع.
تابع كاظم:
ــ فقط لهذه المرة.
قلت:
ــ بالعكس، ربما وجودها يضيف حرارة للجلسة ويجعلنا نتعرف على اراء جديدة.
قال:
ــ شكرا ماهر، كان يجب عليً أن اسألكم..
استيقظت في اليوم التالي الساعة الحادية عشر. كان مزاجي سيئا بسبب مشاكل في العمل. بقيت في السرير حتى الثانية عشر، ثم نهضت بتكاسل ووقفت أمام النافذة. كان الثلج يهطل بغزارة ودرجة الحرارة كانت سالب خمسة. يمكن أن اضيف سببا اخر لمزاجي السيء، إضافة إلى مشاكل العمل، الكآبة التي يولدها الشتاء ومن قبله الخريف في السويد. ذهبت إلى الحمام ووضعت نفسي تحت تيار من الماء المعتدل البرودة والحرارة كي أزيل عني كسل النوم. خرجت إلى المطبخ أقل كآبة. أعددت القهوة وجلست إلى طاولة الطعام بجانب النافذة. اشتهيت أن أدخن سيجارة مع القهوة، ولكن لا أستطع الخروج إلى البلكونة لأن شعري ما زال رطبا. فكرت أن اضع طاقية على رأسي لتحميني من برودة الطقس، إلا أن رنين الموبايل بدد الفكرة. كان المتصل أخي عبد الرحمن. عندما سمعت صوته خفت وادركت على نحو غامض أن مكروها حدث في البيت. فأنا أخاف عندما يتصل عبد الرحمن، لأنه لا يتصل إلا إذا هناك حدث مزعج. قال:
ــ أمك في المشفى. لماذا لم تأت لزيارتها؟
لم استوعب ما قال، لذلك قلت باستنكار وبضيق:
ــ ماذا قلت! أمي في المشفى!؟ ولماذا؟ ماذا حصل لها؟
قال:
ــ انزلقت في الشارع وكُسرت قدمها وهناك رضوض في الركبة.
صحت بإستنكار:
ــ كيف ومتى حدث ذلك؟
قال:
ــ اليوم فجرا، أثناء ذهابنا إلى المسجد.
قلت:
ــ أنا قادم.
لبست ثيابي على عجل وخرجت مسرعا. كان الثلج قد تراكم في الطرقات مجددا بعد إزالته البارحة واليوم صباحا. كما أنه تراكم على السيارات المتوقفة. فتحت سيارتي وأخرجت منها كاشطة مصنوعة من البلاستك، وهي عبارة عن فرشاة من جهة لكنس الثلج الطري ومن الجهة الاخرى عبارة عن مشحاف مخصص لإزالة الجليد الذي يتشكل على اللبلور. أزلت الثلج والجليد وشغلت السيارة وانطلقت إلى المشفى القريب إلى الحي.
كانت أمي مستلقية على السرير وقد جبرت رجلها من القدم حتى ما بعد الركبة. إحتضنتني وقبلتها وجلست إلى جانبها وسألتها عن صحتها وكيف وقعت. من حسن حظي أنني لم أجد جدي قاسم ولا أبي ولا أحدا من الكبار، أعمامي وأخوالي والجيران. كان هناك فقط أختي امنية، أما عبد الرحمن فقد ذهب منذ لحظات، كما قالت امنية:
ــ لقد ذهب منذ دقائق بعد أن اتصل بك بناء على طلب أمك.
قلت معاتبا:
ــ لولا أمي لما اتصل أحد بي. ألست من عائلتكم؟
ردت امينة:
ــ لماذا تلومني، وما علاقتي أنا.
بالفعل لماذا اوجه اللوم لها، وهي التي لا تقرر حتى مصيرها في تلك البيئة الذكورية المقرفة. راحت أمي تسألني عن أحوالي وصحتي، ثم وكما العادة حدثتني عن الزواج وضرورة أن أتزوج وأنها رأت أكثر من صبية، في الحي، جميلات جدا، ويتمنين ان يتزوجن مني.
موضوع الزواج في حينا، ما يزال شأن العائلة وأحيانا شأن المجتمع، الكل يتدخل ويطلب من الشاب الأعزب أن يتزوج ويحضه على الزواج، لأن الزواج في العرف الإجتماعي والديني هو حماية للشاب من الغواية الجنسية، كي لا ينجرف في ممارسة الرذيلة، مثل اقامة علاقة جنسية مع فتاة أو امرأة خارج علاقة الزواج. ينظر إلى الزواج كوسيلة لتلبية احتياجات الشاب الجنسية أولا, ولتأسيس عائلة ثانيا. أما في بلاد المهجر تسعى العائلات المسلمة إلى تزويج شبابها وبناتها بسرعة، لأجل ألا يتزوج الشاب من صبية أجنبية، اي من صبية غير مسلمة، لأن ذلك سوف يؤثر على تربية الابناء. اما البنت المسلمة فحرام عليها أن تتزوج من شاب غير مسلم.
قالت أمي:
ــ يا ماهر، الله يرضى عليك يا ابني، ريحني واتزوج.
ثم التفتت إلى امينة وقالت:
ــ ما رأيك يا امينة ببنت أم اسامة؟
ثم التفتت الي وتابعت دون أن تنتظر رأي امينة:
ــ بنت مثل القمر بتجنن، ومتدينة وكانت تدرس مع اختك، وهلق صيدلانية وأهلها محترمين.
قالت امينة:
ــ ازدهار كثير مؤدبة وانسانة خلوقة.
قلت لأمي:
ــ ماما، لا أحب أن أزوركم لهذا السبب. لا أريد أن أتزوج الان، وعندما اقرر سوف افعل.
قالت أمي:
ــ ولكن يا ابني أحب أن اطمئن عليك، أنك تزوجت المرأة الصالحة.
قلت بشيء من الحدة:
ــ أمي، إذا استمريت في الحديث في هذا الموضوع فسوف اغادر الان.
ساد الصمت بيننا. قطعه رنين الموبايل لأمينة. فهمت من كلام امينة، وهي تتحدث بالموبايل أن أبي سوف يأتي ليقل أمي إلى البيت. لذلك نهضت وودعت أمي، التي أوصتني أن أزورهم، وأفكر بالزواج، وأهتم بنفسي، و لا أقوم بعلاقات غير شرعية.
عدت إلى البيت، وفي المساء ذهبت إلى جلسة يوم السبت. صافحت كاظم وجوان، وعانقت انيتا وفكتوريا، ثم صافحت الضيفة التي قدمت نفسها:
ــ ماريا كارلسون.
قلت:
ــ ماهر الغازي.
جلسنا جمعا، وتابعت ماريا حديثها. تكلمت عن أعمالها ومشاريعها وأحلامها. ثم دار نقاش عن المسرح بشكل عام وفي السويد بشكل خاص. بقيت صامتا طيلة فترة الجلسة. شعرت أن الجميع كان مرتاحا للسهرة ومجرياتها إلا أنا. بعد أكثر من ساعة اعتذرت ماريا وقالت إنها مضطرة للمغادرة، وصافحت الجميع بحرارة، وقالت لهم العبارة التي تقال دائما:
ــ سعدت بلقائك.
إلا أنا، بالكاد مدت يدها لي وهي تنظر و تتحدث مع فيكتوريا. لم أرتح لها، بل شعرت أنها مزهوة بنفسها إلى درجة النرجسية.
قالت فيكتوريا بإعجاب:
ــ امرأة رائعة.
وافقها الجميع بينما بقيت صامتا.
قال كاظم مزهوا:
ــ إنها مخرجة مبدعة ولها كلمتها في عالم المسرح في السويد.
أخذ جرعة نبيذ، ثم نظر الينا فردا فردا لكي يعطي أهمية لما سيقول وتابع:
ــ قرأت إحدى مسرحياتي وأُعجبت بها، وقررت أن تخرجها.
انطلقت صيحات التأييد والاستحسان من قبل الجميع. كان خبرا مفاجئا لنا جميعا. صاحت فيكتوريا:
ــ هل تتحدث بجد؟
هز كاظم رأسه ايجابا وتابع:
ــ نعم، اقترحت عليها أن يكون الممثلون من الهواة، وأن أكون أنا أحد هؤلاء. أُعجبتها فكرة الممثلين الهواة، وأحبت أن تخوض تجربة جديدة مع الممثل الهاوي وهذا تحد لا يجربه إلا المخرج الواثق من نفسه.
قالت انيتا:
ــ البارحة أخبرته أنها سوف تخرج المسرحية، لذلك دعاها إلى جلسة يوم السبت.
انتهت جلسة يوم السبت مبكرا تلك المرة. فقد كنت بمزاج سيء، ربما بسبب تلك المدعوة ماريا كارلسون.
بعد شهر ونصف، اتصلت أمي صباحا وطلبت مني أن أرافقها إلى المركز الصحي لان أبي وأخي وأختي في أعمالهم. طلبت إجازة لمدة أربع ساعات. في المركز الصحي، أزالوا الجبس الثقيل، واستبدلوه بمادة خفيفة، لفوها حول القدم والساق فقط، وأعطوها ما يشبه الحذاء وعكازة لكي تمشي. أوصلتها إلى البيت وجلست معها حتى الساعة الرابعة. خلال تلك الساعات الأربعة حدثتني أمي عن الزواج، كالعادة، وطلبت مني أن أقوم وبرفقتها بزيارة بيت أبو أسامة كي أرى ابنتهم. رفضت طلبها، وطمأنتها ألا تقلق، لأنني سوف اتزوج ولكن ليس الان. قالت:
ــ لا اريدك أن تتزوج إلا صبية مسلمة. يا ابني إظفر بذات الدين تربت يداك.
لم أفهم جملتها الأخير، لذلك قلت:
ــ ماذا تقصدين بإظفر بذات الدين تربت يداك؟
قالت:
ــ هذا حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يدعو الشاب المسلم أن يتزوج من الصبية المتدينة.
لم أعلق على كلامها، وبقيت صامتا بينما هي راحت تشرح لي مضمون حديث الرسول وأهميته بالنسبة للمجتمع.
عدت إلى البيت الساعة الخامسة. وجدت ورقة صغيرة حمراء ملصوقة على الباب. عرفت أن كاظم قد أتى لزيارتي. لم يتخل عن تلك العادة أو العادات. يزورني دائما دون أن يتصل وفي أي وقت، وهذا لا يزعجني، بل يسرني. كثيرا ما كان يأتي بعد التاسعة ليلا ويبقى للواحدة أو الثانية، وأحيانا ينام عندي. عندما لا يجدني يخرج من حقيبته، التي يحملها دائما، ورقة صغيرة، ويكتب عليها " لقد اتيت، كاظم " يلصقها على الباب ويغادر. لا يستخدم الموبايل لا قبل أن يأتي ولا بعد ان لا يجدني. ليس بخلا ولكنها عادة يحب أن يمارسها.
أزلت الورقة وفتحت الباب ودخلت. اتصلت به وقلت:
ــ لك يا كاظم اتصل بي، لا لشيئ فقط لكيلا تأت ولا تجدني.
قال:
ــ انا حبيبي، أبقى عراقي، ماحب اتصل لاخذ موعد. وماحب الموبايلات ولا التكنولوجيا. يا ريت لما تجيني وما تلاقيني تترك ورقة عالباب حتى لما اشوفها اشعر بلهفة أنه أحد اتى وسأل عني، اشعر نني لست وحيدا في هذا الكون.
قلت له:
ــ بكفي فلسفة. تعال أنا في البيت.
خلال ساعة وصل كاظم ومعه كما يقول " بطل نبيذ " وكثير من الطعام والفواكه. كان يحمل كيسين مليئين بالمواد الغذائية. قلت له ممازحا:
ــ ما بك يا رجل، لما كل هذا الطعام.
لم يرد. دخل المطبخ ووضع المواد، ثم ذهب إلى الصالون. قال:
ــ انت سوري، شامي، و الشوام لديهم ذوق رفيع في اعداد مائدة الطعام. مارس هوايتك.
قلت له:
ــ كاظم، انت وانا سويديين. ولدنا هنا وثقافتنا سويدية، حتى طريقة حياتنا سويدية.
قال:
ــ لا أعتقد. هذه كذبة يمارسها الإعلام ونمارسها نحن ايضا. نحن كما اهلنا، يمضون حياتهم هنا في شقق للإيجار ويبنون بيوتا هناك، في العراق أو سوريا، في الموطن الاصلي. قد يموتون ويدفنون هنا ولا يسكنون في ذلك البيت الذي بنوه. ثم يأتي الجيل الثاني، ويذهب إلى هناك، بناء على وصية الأهل، يجد البيت قد تخرب بسبب الإهمال، يصلحونه ويسكنون فيه لايام فقط. لا يتحملون الإقامة في وطنهم الاصلي، لأنهم اعتادوا على حياة وثقافة اخرى. يشعرون أنهم غرباء في بلدهم، فيضطرون للعودة إلى بلد المهجر بعد أن يبيعوا ذلك البيت الذي بناه الأهل. نحن لسنا عربا ولا مسلمون ولا سويديون. نحن جيل التعساء، هل سمعت عن جيل التعساء؟
قلت:
ـ لا، هذه أول مرة أسمع عنه.
قال:
ــ وأنا كذلك.
ضحك، بينما ابتسمت، ثم نهضت حملت الكيسين إلى المطبخ، وبدأت أعد طعاما للعشاء. سمعته يتكلم:
ــ مصطلح " جيل التعساء " أكتشفته أنا، وهو يشير الينا، نحن الجيل الثاني من المهاجرين الذي ولدوا خارج موطن الأهل. فلا ينتمون إلى موطن أهلهم ولا إلى موطن المهاجر الحالي.
توقف عن الكلام. ثم رأيته يدخل إلى المطبخ، فتح حقيبته، المعلقة إلى كتفه، وبحث بها عن شيئ ما ثم أغلقها ورماها جانبا وتابع:
ــ أنا لا أحب النموذج السويدي في الحياة، دقة متناهية في كل شيء، يشعر الانسان انه عبارة عن الة تعمل، روبوت صُنع ليقوم بما نقوم به. التخطيط يبدأ من ساعة الاستيقاظ ولمدة عام. لا أستطع العيش بهذا الشكل.
قلت:
ــ أحيانا تقول إنك سويدي وأحيانا أخرى تقول أنك عراقي. أحيانا تسب كل ما هو شرقي وعراقي وعربي واسلامي، وأحيانا العكس، تصب جام غضبك على السويديين.
قال:
ــ ابدا، أنا شرقي في كل شيء.
قاطعته:
ــ وعلاقتك مع انيتا.؟
لم يرد. التقط حقيبته من على الارض، فتحها ودس يده فيها وهو ينظر الي ثم سحبها وأغلق الحقيبة. تابعت متهكما:
ـــ أعتقد أنه لا يوجد سامبو في العراق. ثم نحن، أنا وأنت نتكلم باللغة السويدية دائما، رغم أننا نتكلم العربية بشكل جيد.
عندما اقتربت منه شممت رائحة كحول قوية، فأدركت أنه قد شرب الكثير، لأن عينيه حمراوين. جلست قبالته، نظرت إلى عينيه وقلت:
ــ كاظم ما بك؟
خرجت تلك الكلمتان ومعهما شحنة عاطفية كبيرة من الود والحنان والتعاطف إلى درجة امتلأت عينا كاظم بالدموع.
ثم تابعت، أشجعه كي يتكلم:
ــ قل ما تريد، تحدث عما يزعجك. نحن اصدقاء.
قال:
ــ اليوم صباحا، استيقظت الساعة التاسعة، وبقيت مستلقيا، أتصفح في كتاب، رواية كنت قد بدأت بقرائتها البارحة. استيقظت انيتا. رفعت جذعها قليلا ونظرت في عيني، ثم ضمتني وقبلتني قبلة سريعة. ضممتها بدوري وبدأت الإثارة تتولد في جسدي، فرحت اقبلها في انحاء....
توقف عن الكلام. بدا مترددا، يريد أن يتكلم ولا يريد في نفس الوقت. خمنت ما يدور في رأسه من أفكار، قال:
ــ لا، لا يجوز أن أتحدث في هذا الموضوع. أنه موضوع غاية في الخصوصية.
نهض، فتح أحد الكيسين وأخرج " بطل النبيذ " وسكب لنفسه كأس وعاد وجلس إلى الطاولة وقال:
ــ أنت تعرف، في الحياة المشتركة بين الرجل والمرأة هناك خصو صية في علاقاتهما الحميمية، لا يجوز الحديث عنها حتى لاقرب الناس. لكن يمكن القول إن خلافا حدث بيني وبين انيتا، أو قامت بشيئ ما جعلت رغبتي الجنسية تتلاشى فجأة. انقلبت الجلسة أو اللقاء الحميمي إلى خلاف الذي تطور إلى شجار. ارتفعت أصواتنا وصرخنا في وجه بعضنا البعض، وكدت أن أضربها، إلا أنه وفي اللحظة الاخيرة، استطعت أن اسيطر على غضبي. خرجت من غرفة النوم وأغلقت الباب خلفي واتجهت إلى الصالون. كنت متوترا جدا وغاضبا جدا. درت في الصالون كالثور الذي يبحث عن التوريرو، المصارع، كي ينتقم منه. ثم عدت إلى غرفة النوم واتريدت ثيابي على عجل وخرجت.
قلت له:
ــ لا تشرب وأنت مزعوج. انتظر قليلا، سوف أجهز المائدة خلال دقائق.
لم يتوقف عن الشرب، بينما كنت قد انتهيت من إعداد العشاء. جلسنا مقابل بعضنا البعض ورحنا نتحدث. عبر كاظم عن ندمه لأنه ارتبط بانيتا. رغم حبهما لبعضهما البعض، بل هي تحبه وتعتني به أكثر مما هو يفعل، إلا أنه من الخطأ أن ارتبطا بعلاقة سامبو. قال إن اختلاف الثقافة بينهما هو السبب في الخلافات والمشاكل التي تحصل. فهو يكره النظام والترتيب والمواعيد المسبقة ويعتبر ان الانسان ليس الة يتم ضبطها لتنفذ البرنامج الذي أُعد مسبقا. يرى الانسان عبارة عن روح لا يمكن وضعها في قالب.
سألته:
ــ لو أنك متزوج من عراقية، ألا تتوقع أن تختلف معها وتتشاجران.
فكر قليلا ثم قال:
ــ لا لا أعتقد.
ثم عاد وغير رأيه:
ــ لا، سوف نختلف بالتأكيد. أمي وأبي كانا وما زالا يختلفان ويتشاجران.
قلت:
ــ إذن القضية ليست الثقافات المختلفة وإنما طبيعة الإنسان، اي انسان.
قال وقد أصبح كلامه بطيئا ولسانه ثقيلا:
ــ ربما كلامك صحيح، ربما لا. لم أعد أعرف الصح من الخطأ. نحن معشر المهاجرين، " جيل التعساء " جيل أضاع كل شيئ، فلا هو ينتمي إلى وطن الأهل ولا إلى وطنه الحالي. فلا ثقافة خاصة به ولا حتى لغة ولا تاريخ.
زاغت نظراته، وثقل لسانه أكثر، وتدلى رأسه. لقد شرب الكثير. كان لديه قرارا مسبقا أن يسكر كي يتخلص من الألم الذي سببه الشجار مع أنيتا. قال:
ــ أنا لا أحب أن اسمع الكلام الفاحش وأنا أمارس الجنس معها. قلت لها ذلك كثيرا، ولكنها لم تتوقف عن قول الكلام البذيء ونحن نمارس الجنس. أنا أفقد الرغبة الجنسية عندما أسمعها تتحدث بهذه الطريقة. ربما بسبب تربيتي الإسلامية المحافظة.
توقف عن الكلام ورفع رأسه بتثاقل ونظر إلي وتابع:
ــ لك أخي أنا انسان شرقي، محافظ، اغار، نعم أنا أغار على انيتا وهي تحتضن وتقبل الاخرين. غرت جدا وتألمت عندما حدثتني عن علاقاتها السابقة. لم أظهر لها ذلك وتصنعت أن الأمر عادي وأنا اتفهم هذا، ولكن في الحقيقة أنا كنت أتألم.
أوقفته عن الكلام الذي رفض أن يقوله عندما كان صاحيا. شعرت بالخيانة إن أنا تركته يتحدث عن اشياء خاصة لا يريد الحديث عنها عندما يكون صاحيا. قلت:
ــ كاظم، توقف أرجوك. يجب أن تنام.
قال:
ــ لا لا اريد النوم. أتركني اتكلم.
رن موبايله. حاول أن يمسكه ليتكلم إلا أن الموبايل انزلق من يده وسقط على الارض وبقي يرن. التقطت الموبايل ونظرت إلى الشاشة، رأيت اسم انيتا. توقف الموبايل عن الرنين. وضعته على الطاولة وأمسكت كاظم من يده وقلت له:
ــ انهض، انهض.
نهض دون أي تردد. قدته إلى غرفة النوم وقلت له:
ــ حاول أن تنام. سوف نتحدث فيما بعد.
ساعدته أن يستلقي، وغطيته باللحاف. خرجت من الغرفة وأغلقت الباب. اعرف مسبقا أن كاظم ينام عندما يسكر.
بعد ربع ساعة رن موبايل كاظم. كانت انيتا المتصلة. ترددت في الرد، إلى أن توقف الموبايل عن الرنين. خمنت أن انيتا سوف تقلق على كاظم الذي لا يرد على مكالماتها، لذلك اتصلت بها من موبايلي:
ــ مرحبا انيتا.
قالت بلهفة:
ــ اهلين ماهر. هل كاظم عندك؟
قلت:
ــ نعم، هو عندي. انا اتصل بك لكي أقول لك أنه هنا.
قالت معاتبة وبشيء من العصبية:
ـ لماذا لا يرد على اتصالاتي؟ لقد قلقت عليه.
قلت:
ــ هو بخير ولكنه نائم.
قالت بإستنكار:
ــ نائم!؟ الان!؟
قلت ببساطة:
ــ نعم نائم. شعر بالنعاس ونام.
قالت:
ــ هكذا وببساطة. أي انسان يشعر بالنعاس فينام دون إحساس بالمسؤولية.
قلت:
ـ اية مسؤولية هذه التي تتحدثين عنها!
قالت:
ــ المسؤولية أنه لن يستطع النوم في الليل وسيبقى مستيقظا حتى الصباح ويذهب إلى عمله، وهذا سيؤثر على عمله وعلى صحته. أليست هذه مسؤولية؟
قلت:
ــ نعم، ولكنه شرب كثيرا.
قالت:
ــ أها، هذا هو السر. هل أستطيع أن اتي؟
قلت بالتأكيد:
ــ طبعا تفضلي.
اغلقت الموبايل ورحت أنظف المطبخ وارتبه. كما أنني رتبت الصالون وعندما دخلت إلى الحمام لكي أنظفه إكتشفت كمية كبيرة من الغسيل. وضعت قسما منهم في الغسالة وشغلتها وتابعت تنظيف الحمام.
أتت انيتا بعد ساعة. بعد أن عانقتني قالت:
ــ أنظر ماهر إلى الساعة لقد اصبحت العاشرة، ويجب أن نذهب للبيت. يجب أن أوقظ كاظم.
قلت:
ــ اتركيه نائما. أنا أوقظه صباحا لكي يذهب إلى العمل.
قالت:
ــ سوف لن يذهب إن بقي هنا. سوف يستيقظ بعد ساعة ويبقى حتى الصباح، ويقول لك أن لديه صداع ولا يستطع الذهاب.
نظرت إلي مبتسمة وتابعت:
ــ أنا افهمه جيدا. سوف أدخل واُوقظه وسوف نتصالح ثم نذهب للبيت.
قلت:
ــ أوكي كما تريدين.
دخلت انيتا غرفة النوم واغلقت الباب خلفها. إنها محقة في كل ما تقول، كاظم هو كذلك. هي تفهمه جيدا وتحبه جدا. كاظم لديه مزاج الكتاب المتغير والمتقلب. يمكن أن يبقى مستيقظا ليومين متتاليين، ويمكن أن ينام يوميين متتاليين. هذه المزاجية الحادة لديه إحدى اسباب الخلاف بينهما. بعد نصف ساعة خرجا من غرفة النوم. بدا كاظم صاحيا تماما وهو يبتسم، وانيتا كذلك. احتضنته وقبلته، ثم التفتت إلي قالت:
ـــ إنه طفلي المدلل.
ضحكنا ثلاثتنا. بينما راح كاظم يلملم أغراضه، قلت:
ــ ما رأيكم بفنجان قهوة عربي؟
قال كاظم:
ــ نعم، أحب هذا.
قالت انيتا:
ــ لا يجوز حبيبي أن نشرب القهوة في هذا الوقت، لن نستطع النوم ولدينا عمل غدا، لقد تأخرنا ويجب أن نذهب.
لفظت كلمة حبيبي بالعربي. هز كاظم كتفيه وهويقول:
ــ حاولي حبيبتي ان تنسي ولو لدقائق قانونك الذي يسجنك بداخله.
قالت:
ــ لا ليس سجن، إنه الواجب.
ثم اتجهت اليه وأمسكته من يده وقالت:
ــ باي ماهر، نلتقي قريبا.
قلت:
ــ مع السلامة.
نظر كاظم الي وهو يهز كتفيه وكأنه طفل يقاد إلى مكان لا يرغبه ولا يحبه ولكنه مجبر. غادرا الشقة وأنا أنظر إلى الساعة. كاظم يرى النظام والقانون سجنا بينما انيتا تراه واجبا. نظرتان مختلفتان تماما تلخصان ثقافتين مختلفتين.
أنهيت الورقة الثالثة بينما الشرطي الذي أشعر أنه يكرهني فتح الباب ووقف بإنتظار خروجي للغداء. تباطأت في الخروج وسألته عن ماتيلدا فلم يجب. قلت:
ــ أتمنى ألا تفتح أنت باب غرفتي وأن لا اراك اطلاقا.
لم يجب فقط أغلق باب الغرفة وذهب إلى الغرفة المجاورة. تابعت سيري إلى صالة المطعم.

****







الورقة الرابعة
أمضى كاظم اربعة اسابيع يتدرب على دوره في مسرحيته التي تخرجها ماريا كارلسون. مر الاسبوع الأول والثاني وكاظم مستمتع مع الفرقة المسرحية. بدأت المنغصات منذ الأسبوع الثالث. عندما اجتمعنا يوم السبت قال عن المخرجة ماريا:
ــ إنها شخصية ذات طباع غريبة، لا يعجبها تمثيلي، بل تعتبرني ممثلا فاشلا، أحيانا تنفعل وتصرخ في وجهي.
في الاسبوع الرابع، عندما اجتمعنا يوم السبت، لم يكن فرحا مرتاحا كما اعتدنى عليه، بل كان متجهما كئيبا، قال:
ــ ممكن أن أترك التمثيل معهم، لم أعد اطيقها، إنها امرأة مجنونة.
في السبت الذي أتى بعد ذلك لم يأت كاظم ولا انيتا. اتصلت انيتا وقالت إن المخرجة سحبت من كاظم دور البطل لتعطيه لشاب اخر وأوكلت اليه دورا اخر، واضافت انيتا أن كاظم حزينا جدا ويعاني من صدمة نفسية، ثم طلبت مني أن اتي غدا واحاول قدر المستطاع أن اساعده للخروج من هذه الحالة..
لم تكن سهرة ممتعة بسبب غياب انيتا وكاظم. لذلك لم تطل السهرة، عدت إلى البيت ونمت مبكرا. عندما استيقظت قدت سيارتي إلى شقة كاظم. فتحت انيتا الباب وهي تبتسم ابتسامة رجاء. عندما دخلت شعرت أنني في مغارة مظلمة. كل النوافذ مغلقة ومسدلة الستائر، كاظم جالس في الصالون، متمددا على الصوفة. فوضى في المكان، اشياء كثيرة مبعثرة هنا وهناك على الارائك، مثل ثياب وبشاكير وأمشاط ومصفف للشعر، على الطاولة فناجين قهوة، وأكواب ماء وأدوية، دفاتر واقلام، لاب توب وأشياء اخرى. سحبت الستائر وفتحت النوافذ، وأنا أصيح بصوت مرتفع، أشتم ماريا، التي لا أعرفها، وأشتم المسرح والمشاهير من المخرجين والممثلين. ثم وقفت أمام كاظم وقلت:
ــ أريد أن اقول لك الحقيقة، اليس هذا شعارنا، نحن، " مجموعة يوم السبت"؟
هز كاظم رأسه، تابعت:
ــ أنت لا تجيد التمثيل.
تفاجأ كاظم، إذ جحظت عيناه، بينما ندت عن انيتا صرخة خفيفة وأسرعت لتقف إلى جانبه وتحتضنه ثم راحت تمسد ظهره كي لا يتوتر. تابعت:
ــ لكنك كاتب مبدع. أبق في مجال الكتابة وأترك التمثيل، هذا أفضل لك. لم تنته الحياة إذا توقفت عن التمثيل، بل على العكس من ذلك سيكون أبداعك في الكتابة أهم وأفضل، ثم أنك سوف ترتاح من صراخ مخرجتك المجنونة.
ابتسم كاظم ابتسامة خفيفة، بينما ضحكت انيتا بسبب السخرية التي قلتها عن ماريا " مخرجتك المجنونة ". تابعت حديثي المرح كي أخفف من ضغط الواقع الكئيب وأنشر مناخا مريحا، لذلك رحت أتحدث عن وقائع حصلت لي أيام تشردي وتسكعي في شوارع ستوكهولم مع مروجي ومدمني المخدرات وكل حثالة المجتمع، كما يسميهم هو. حكيت لهما قصة مضحكة:
ــ مرة كنا ما يقارب العشرة أشخاص، شباب وبنات، نتعاطى المخدرات في شقة أحدهم. مساحة الشقة، التي هي عبارة عن غرفة ومطبخ وحمام مع تواليت، لا تتجاوز ثلاثين مترا مربعا. كنا نجلس على الأرض بجانب وأمام بعضنا البعض. شعرت بالعطش، نهضت إلى المطبخ لكي أشرب. استغرق وصولي إلى المطبخ وقتا طويلا، لأنني كنت فاقد التوازن، كنت أتعثر بالموجودين الجالسين على الأرض وأقع عليهم ثم أنهض وأمشي خطوة ثم أقع وهكذا. وفي كل مرة كنت أقع أحتاج إلى وقت كي أنهض بعد محادثة طويلة مع الأنسان الذي وقعت عليه عن سبب الوقوع. في النهاية وصلت إلى المطبخ، فتحت الصنبور ووضعت الكأس تحته وانتظرت لدقائق، لكن الكأس لم تمتلئ. تأكدت أن الماء يسيل والكأس تحت الصنبور، ولكن كلما رفعت الكأس إلى فمي لأشرب أجده فارغا، فأعيده إلى تحت الصنبور. كررت محاولة الشرب أكثر من عشر مرات وفي كل مرة يحدث نفس الشيء، الكأس فارغة. يبدو أن أحدهم كان صاحيا، لم يبدأ بعد بتدخين الحشيش، كان يراقبني، دخل إلى المطبخ وقال لي:
ــ ماذا تفعل؟
قلت:
ــ اريد أن اشرب ولكن الكأس تبقى فارغة.
قال:
ــ كيف ستمتلئ وأنت تضع الكأس بالمقلوب!
ردت خلفه مستنكرا مثله:
ــ بالمقلوب! أنت تضع الكأس بالمقلوب!
قال:
ــ أنت وليس أنا.
أخذ الكأس مني وقلبها، وبعد أن امتلأت قال:
ــ خذ واشرب.
ضحكت انيتا ضحكا متواصلا لمدة تجاوزت الحد المألوف، ولكن كاظم لم يضحك، فقط ارتسمت على شفتيه شبه ابتسامة، ثم التفت إلى انيتا بنظرة استنكار. توقفت انيتا عن الضحك، وعاد المناخ البليد الحزين مجددا بكل ما فيه من ضجر وكآبة. مشيت إلى النافذة، ووقفت أنظر للخارج ثم قررت أن أذعود للبيت بعد هذا الفشل في إخراج كاظم من حالته. التفت اليهما لأودعهما واتجه إلى البيت، نظر كاظم إلي وكأنه قرأ افكاري وقال:
ــ شكرا ماهر لقدومك.
توقف للحظات وأنا أنظر اليه وأنتظر أن يكمل كلامه، تابع:
ــ ربما أصبح أفضل بعد ساعة أو أكثر.
قلت:
ــ صديقي العزيز لا شيء يستاهل أن تحزن لأجله. أنت لست ممثل لتحزن وتكتئب لأنك فشلت. أنت كاتب وكاتب مهم جدا، وهذه هي نخرجة كبيرة تعمل على عمل لك. هذا نجاح وعليك أن تتابع كتاباتك وتحقق نجاحا اخر. ارجوك لا شيء يدعوك لكي تكتئب.
رأيت انيتا تنظر الينا بحنان الام وقد دمعت عيناها. قال كاظم:
ــ اعرف ذلك ولكن هذه الحالة ليست بيدي، ليست قرارا اتخذه، إنها حالة نفسية.... أهدك أن اتجاوزها ولكن احتاج لبعض الوقت. ولكن يمكن أن نشرب القهوة معا.
شربنا القهوة ونحن نتحدث عن لا شيء محدد، مجرد كلام لقتل الوقت. لم يشرب كاظم القهوة ولم يشاركنا الحديث، فقط كان يتابعنا بالإصغاء. ودعتهم وخرجت على أمل العودة اليهما مساء إن توفر بعض الوقت. قدت سيارتي باتجاه البيت، ثم غيرت رأيي وذهبت إلى الحي لأزور أمي واطمئن على صحتها. هناك كان جداي، قاسم وفاضل. ما أن دخلت وصافحتهم حتى خرج جدي قاسم بحجة أن لديه عمل. نظرت أمي إلى لترى ردة فعلي، لأن ذهابه يعني أنه لا يريد حتى أن يجلس في المكان الذي أتواجد به. لم أبد اية ردة فعل، بل تجاهلت انسحابه من المكان وتابعت حديثي مع جدي فاضل.
بقيت عند أمي حتى الساعة التاسعة ليلا. عدت مبكرا كي أتجهز للذهاب إلى العمل في الصباح. لم أكن بمزاج يمكنني أن اذهب إلى كاظم. اتصلت به وقال إنه أفضل الان. اتصلت بانيتا لأتأكد من كلامه. قالت اينتا أنه بالفعل أصبح أفضل وبدأ يتحدث اليها في مواضيع متعددة، وهذه علامة تؤكد أنه بدأ يخرج من كآبته.
بعد سبتين من ذلك التاريخ قررنا، نحن المجموعة، أن نذهب لمشاهدة مباراة بكرة القدم ضمن الدوري السويدي. لا أعرف الفريقين، لأنني لست من المهتمين بالرياضة ولكن نزولا عند رغبة الاصدقاء. ولكيلا نتأخر اتفقنا أن نذهب إلى مبنى المسرح، ونجلب كاظم من هناك. فقد عاد إلى حياته الإعتيادية، وتخطى كونه ممثل فاشل، وأقتنع بكلامي، ورضي بموهبته في الكتابة دون التمثيل، ولكنه بقي ضمن مجموعة التمثيل، وتابع التدريب على دور ثانوي في المسرحية. أوقفت السيارة أمام صالة المسرح، بإنتظار كاظم أن يأتي. طال الوقت ولم يأت. اتصلت به بالموبايل ولكن الموبايل كان مغلقا. قال جوان، وهو أكثر واحد متحمس للرياضة:
ــ إذا انتظرنا أكثر من ذلك سوف نتأخر
قلت:
ــ سوف أذهب واناديه، ابقوا في السيارة.
نزلت من السيارة وأسرعت إلى الصالة. أخرجت علبة التبغ وسحبت سيجارة ثم أخرجت القداحة، إلا أنني أجلت اشعال السيجارة حتى أعود من صالة المسرح. تركت السيجارة بين إصبعي الوسطى والسبابة بينما وضعت القداحة بين راحة يدي والإبهام. عندما دخلت، كانت الاضواء خافتة في الصالة وقوية على خشبة المسرح. رأيت عددا من الأشخاص جالسون في مقدمة الصالة وعددا منهم على الخشبة. أحد هؤلاء، وهي ماريا، كانت تقف على الخشبة وتتحدث مع ممثل وهي في حالة انفعالية. كانت تشرح له فكرة ما في المسرحية، قالت:
ـــ التقيتما بعد أكثر من سنة. يجب أن يكون اللقاء حميميا ومليئا بالمشاعر الجميلة، واللغة المستخدمة هنا هي لغة الجسد، الرقص. تخيل نفسك أنك كنت على خلاف مع حبيبتك ولم تلتقيا منذ سنة، وفجأة التقيتما وأردت أن تعبر لها عن حبك وشوقك لها بلغة الجسد، عليك أن ترقص رقصة في غاية الجمال والروعة. يجب أن تقول لها بجسدك كل مشاعرك، كل حبك لها واشتياقك. هنا التعبير بالجسد يجب أن يرتقي الى أعلى قدر ممكن.
قاطعها الممثل:
ــ لكننا انفصلنا عن بعضنا وبالتالي لا نحب بعضنا..
صاحت ماريا بعصبية:
ــ كيف تقول ذلك!؟ كم مرة شرحنا وتناقشنا عما يحمله النص من معان لم تُذكر، هنا تكمن أهمية النص. أنهما يحبان بعضهما ولكن لقناعتهما المسبقة أنهما من ثقافتين مختلفتين وأنهما يجب أن يختلفا ولا يستطيعا العيش سوية فشلت علاقتهما وانفصلا. أتت هذه الحفلة والتقيا، ثم تناولهما للكحول أزال تلك القناعات المسبقة وظهر حبهما كما هو. هل نسيت!؟
رد الممثل الشاب:
ــ لا لم أنس ولكن لم أقتنع. لدي تحليلي الخاص وفهمي الخاص للنص. أعتقد أن التناقض في ثقافتيهما هو السبب ويجب إبرازه لا إزالته، يجب أن تفشل علاقتهما وتنتهي لا كما فعلت أنت، هذا تزوير للواقع.
خبطت ماريا خشبة المسرح بقدمها ودارت على نفسها دورة كاملة ثم استندت الى الجدار ووضعت يديها على رأسها. كنت قد وصلت الى مقدمة المسرح أبحث عن كاظم. مرت لحظات وساد الصمت. الكل ينتظر رد فعل ماريا، ماذا ستفعل. عندما استدرات ماريا، رأتني بالقرب منها، يفصلها عني ارتفاع خشبة المسرح. نظرت إلي نظرة طويلة، شعرت أن تلك النظرة استمرت لساعة. كانت تبحلق في وجهي وكأني جني أو من سكان الفضاء. سألتني بصوت مرتفع وبإنزعاج:
ــ من أنت.؟
أجبت بشيء من السخرية:
ــ أنا ماهر.
نزلت مسرعة من على المسرح واتجهت إلي بإندفاع. رحت أعبث بالسيجارة، وأقلبها بين اصابعي بينما أتابع بعيني ماريا القادمة الي كالصاروخ. ما أن وصلت الي، حتى خطفت وبسرعة السيجارة من بين أصابعي وأتلفتها وهي تنظر إلي وتقول:
ــ أنت تعلم أن التدخين ممنوع ومع ذلك تريد أن تدخن.!
بقيت كما أنا واقفا أنظر اليها بدهشة، كل شجاعتي ومهاراتي في الحديث إختفت. الجميع ينظر إلي، وانا في حالة صدمة، لا أعرف ماذا افعل وكيف أتصرف. رحت أنظر حولي، باحثا عن كاظم لعله يظهر وينقذني من تلك العينين الناريتين لماريا التي قالت:
ــ من أنت، ولماذا أنت هنا؟ ومن سمح لك بالدخول؟
لم أرد على اسئلتها. خمنت مسبقا أنها ستعرفني لأننا التقينا مرة، ولكن على ما يبدو لم تتذكرني. هذا حفزني واثار في نفسي روح التحدي والمشاكسة والعناد. استعدت شجاعتي وثقتي بنفسي. أخرجت علبة التبغ بهدوء وسحبت سيجارة وأشعلتها بهدوء، وأنا أنظر إلى عيني ماريا بتحدي ووقاحة. صاحت ماريا بعصبية:
ــ أخرج من هنا، يجب أن تخرج من هنا.
قلت بهدوء وأنا أنفث الدخان في وجهها:
ــ يجب أن تتعلمي كيف تحترمي الاخرين.
فوجئت ماريا بكلامي، واتسعت حدقتا عينيها، حركت يدها أمام وجهها كي تبعد دخان التبغ عنها، وهي تشعر بالغيظ، بينما عيناها ما زالتا منغروزتين في عيني بتحد واضح. قالت:
ــ إن لم تخرج الان سأطلب لك البوليس.
تهديدها استفزني أكثر، وأصبحت أكثر عدوانية وعنادا، لذلك قلت:
ــ سأبقى في انتظار البوليس.
في هذه اللحظات وصل كاظم الذي كان في التواليت. قال لي:
ــ أهلين ماهر.
ثم التفت إلى ماريا وقال:
ــ إنه صديقي، ماذا حدث؟
قالت ماريا وهي تنظر إلى كاظم بإنزعاج:
ــ نحن اتفقنا أن لا يأت اصدقاء او اقرباء أو اي أحد الى هنا، فقط فريق العمل.
قلت:
ــ في الواقع لم يقل لنا كاظم أن نأتي لنشاهد ما تفعلون. نحن متفقون أن نذهب الى المباراة إلا أن كاظم تأخر فدخلت لأناديه.
أدرت ظهري لأمشي باتجاه الباب، إلا أن حافزا عدوانيا دفعني لألتفت إليها وقلت:
ــ لو أن لون عيني زرقاوان وشعري أشقر هل كنت ستظنين أنني سأدخن هنا!؟ هل يوجد إنسان عاقل يدخن في مكان عام، وحتى في مكان خاص!؟
ردت وبسرعة:
ــ ولكنك دخنت.
سألتها:
ــ ماذا سيكون رد فعلك إن شتمك أحد ما فجأة؟
أدرت ظهري مرة اخرى وتابعت طريقي خارجا دون أن أنتظر إجابتها. ساد صمت في الصالة، فقط وقع أقدامي كانت تُسمع وأنا خارج. ما إن اصبحت خارج الصالة حتى أشعلت سيجارة ورحت أدخن بظمأ وبقهر. لم أقترب من السيارة لأني كنت بمزاج سيء. بقيت أدور في المساحة الواقعة بين السيارة وباب المسرح، وأنا أصغي الى صوت تكسر الجليد تحت قدمي. أنهيت سيجارتي الاولى واشعلت الثانية وأنا أدور وأدخن وأصغي إلى تكسر الجليد تحت قدميه. لم أكن أمشي على مسار دائرة واحدة بل على مسار دوائر أكبر فأكبر كي أهشم الجليد الذي لم يتهشم بعد. فجأة وجدت كاظم وماريا بالقرب مني. نظرت اليه، ثم اليها حيث رأيت تعابير وجهها قد تغيرت من التعبير الصارم، القاسي، المنزعج إلى التعبير الراضي، المتسامح. مدت يدها وابتسمت وقالت:
ــ ماريا كارلسون
مددت يدي بشكل تلقائي وقلت:
ــ ماهر الغازي، لقد التقينا قبل وقت قصير..
قالت:
ــ أنا اسفة لانني رفعت صوتي، كنت منفعلة قليلا، واسفة مرة اخرى لأنني نسيتك. لقد ذكرني كاظم منذ قليل أنك كنت معنا في ذلك اللقاء..
قلت:
ــ لا عليك..
التفت إلى كاظم وقلت:
ــ يجب أن نذهب. هل تريد أن ترافقنا أم لديك عمل؟
قال:
ــ بالتأكيد، أنا قادم، لقد انتهينا.
ثم التفت الى ماريا وقال:
ــ الم ننتهي أم ماذا.؟
قالت:
ــ بالطبع. نلتقي يوم الاثنين.
ودعنا ماريا، واتجهنا إلى حيث تقف السيارة. لم نتكلم إلا بعد أن دخلنا إلى السيارة حيث قدتها مبتعدين عن المكان. قال كاظم وهو يتنفس ملئ رئتيه:
ــ الان تأكدت أنه معنا حق أن ندعوها بالمجنونة.
ضحك الجميع. قالت فيكتوريا:
ــ ماذا حدث؟
شرحت لهم بإختصار وبطريقة كوميدية ماذا حدث. ضحك الجميع وبدأت التعليقات على تصرفاتها. قال كاظم:
ــ امرأة عبقرية، مخرجة مذهلة إلا إنها عصبية
بعد اسبوع وقبل موعد جلسة السبت بساعتين اتصل كاظم، وقال لي:
ــ تعال قبل الموعد بساعة أريد أن نتحدث بموضوع خاص.
ذهبت مبكرا، كما طلب كاظم. عندما دخلت المطعم، وجدته ينتظرني، وقد جلس إلى طاولة " المجموعة " التي أعتدنا الجلوس اليها كل سبت. أخذت قهوتي وتابعت سيري بإتجاه كاظم. ما إن جلست حتى قال:
ــ ماريا تريد أن تراك.
في البداية لم أستوعب ما قاله كاظم. سمعت اسم ماريا، ثم رحت أفتش بذهني عن تلك الشحصية التي تتطابق مع الاسم، ثم قلت بدهشة:
ــ ماريا! تريد أن تراني!؟ لماذا؟
رد كاظم:
ــ سألتني عنك. هل مثلت من قبل، هل تحب التمثيل. ثم طلبت أن تراك.
قلت:
ــ لا لا، أنا لا أحب التمثيل، ولم أمثل في حياتي، أخبر مخرجتك العبقرية أنني لا أحب التمثيل.
قال كاظم:
ــ لماذا ترفض مسبقا استمع اليها أولا ثم قرر.
قلت وبسرعة:
ــ لا، لا أريد أن استمع، ثم أنني لم أفكر ولو للحظة أن أكون ممثلا..
بعد يومين تحدث كاظم الي عبر الهاتف وقال:
ــ ماريا مصرة أن تراك وارجو ان تحدد مكان لنلتقي، كافتريا، ... أو اي مكان اخر..
قلت:
ــ ومن قال لك أنني أريد أن التقي بها!
قال كاظم ساخرا:
ــ بس ما تكون مفكر حالك أحد نجوم عمالقة المسرح!؟
قلت:
ــ لا بالعكس، لأني لا أعرف أن أُمثل ولم أفكر في حياتي أن أكون ممثلا، أرجوك لا تورطني في عمل لا أتقنه..
قال كاظم:
ــ اوكي، قل هذا الكلام لها، نقطة انتهى. ثم يمكن أنها تريد أن تصلح الخطأ الذي ارتكبته بحقك.
بعد نقاش وأخذ ورد وافقت أن نلتقي، كاظم وماريا وانا في إسبرسوهاوس في شارع دروتننغ غوتان، في المنطقة التي أحبها.
خرجت من العمل إلى البيت مباشرة، وبدأت بتجهيز نفسي. أخذت دوشا، وحلقت ذقني، وكويت ملابسي التي سأرتديها، ثم انطلقت مباشرة إلى الموعد بسيارتي، كي لا أتأخر، ولكني تأخرت. في الطريق اتصل كاظم وهو يصيح بإنفعال:
ــ هل يعقل أن تتأخر عن الموعد!؟ ومع من!؟ من أنت كي تتأخر!؟ هل تعلم أن الاف الاعلاميين والكتاب والمثقفين يتمنون أن يلتقوا بها أو أن يحصلوا على مقابلة أو لقاء قصير!
قلت:
ــ اوكي اوكي كاظم، أنااسف، أنا في الطريق، عشر دقائق.
صاح:
ــ كمان عشر دقائق!
قلت:
ــ ماذا افعل. أنا اقود السيارة والازدحام شديد، نحن في وقت الذروة.
أنهيت المكالمة وزدت من السرعة، سلكت طرقا مختصرة ولكني وصلت متأخرا عشرين دقيقة. دخلت مترددا، أجلت بصري في أرجاء المكان أبحث عنهما. رأيتهما جالسان إلى طاولة ملاصقة للواجهة وإلى اليسار من المدخل. اتجهت إليهما، صافحت ماريا وأنا أعتذر:
ــ اسف جدا للتأخير، ماذا أفعل، وقت الذروة، حاولت المستحيل كي لا أتأخر.
قالت ماريا:
ــ لا عليك، نعم إنه وقت الذروة.
لم يبدو عليها أنها أنزعجت من تأخري، لذلك شعرت بإرتياح. نهض كاظم وسألني:
ــ ماذا تريد أن تشرب؟
ثم أضاف:
ــ كالعادة؟ اسبرسو؟
هززت رأسه:
ــ نعم كالعادة.
سألني مرة اخرى:
ــ هل تريد أي شيء مع القهوة؟
قلت:
ــ لا شكرا.
جلب كاظم القهوة لي.
ما أن بدأت ماريا تتكلم حتى شعرت بسحر شخصيتها، بجاذبيتها التي لا تقاوم. كنت أنظر إلى وجهها تارة ثم إلى الثلج المتساقظ في الخارج تارة اخرى. شعرت بإحساس غريب، بهدوء في أعماقي، وبهدوء يشمل المكان إلى درجة لم أعد أسمع الضجيج الذي يحدث من حولي، سواء كان قادما من الناس الجالسين في الكافتريا أو من الشارع. كنت أسمع كلماتها مختلطة مع نعومة نُدف الثلج، وأرى الثلج الابيض في كلماتها التي تصل إلى اذني على شكل وشوشات كما لو أن ماريا تضع فمها على أُذني وتهمس لي. لم تكن ماريا خارقة الجمال، ابدا، إلا أنها كانت جميلة وجذابة، وأن هناك شيئا غامضا في شخصيتها، لا يُرى ولا يوصف وإنما يمكن للمرء أن يحسه. شيء يجذبك اليها، لا تستطع مقاومته، وكلما اقتربت أكثر غرقت أكثر في سحرها أو في ذلك الشيء الغامض في شخصيتها.
راحت تتحدث عن المسرح وحبها له وعن المسرحيات التي اشتغلت عليها. ثم تحدثت عن الموهبة وقالت أن الموهبة يمكن أن تكون كامنة وصاحبها لا يدري أنه موهوب، وإنما يحتاج الى من يكتشف تلك الموهبة. قالت إن الدور في المسرحية التي تعمل عليها يناسبني، وأنها عندما رأتني رأت ذلك الشاب، بطل المسرحية. قالت:
ــ عندما قرأت المسرحية تخيلت البطل، وجهه، شعره، طوله، لون بشرته، تعابير وجهه. عندما رأيتك شعرت أنني أرى ذلك البطل وقد خرج من عالم المسرحية الى عالمنا الحقيقي. لقد اختلط علي الأمر.
اقشعر بدني ونظرت اليها بدهشة. إذ كيف يمكن لشخصية مسرحية على الورق أن تتحول وتصبح انسان من لحم ودم ويمشي ويتحدث اليها.
تابعت:
ــ لا تندهش. اقول لك ما أحسست. شخصبات المسرحية، اية مسرحية، التي أشتغل عليها تعيش معي، في شقتي، تسكن أحلامي، ترافقني أينما ذهبت، أحيانا توقظني من النوم لأنها قلقة لا تستطع النوم، وتحاورني، وتحتج أحيانا. نبقى هكذا إلى أن أنتهي من المسرحية، بعد ذلك تختفي من حياتي لتبدأ شخصيات جديدة بالظهور..
قلت:
ــ أنا أعرف نفسي جيدا أكثر منك، أنا لا أستطع...
قاطعتني:
ــ لا، في هذه النقطة تحديدا، لا، أنت لا تعرف نفسك. أنا أعرفك أكثر مما تعرف نفسك.
نظرت اليها بدهشة أكبر. دهشتي متأتية من قناعتها الراسخة أنها تعرفني أكثر من نفسي. نظرت إلى عينيها، رأيتهما جميلتين، فيهما سحر وذكاء. لم أستطع أن أبقي&l
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الحيّ الشرقي / 5- 6

19-أيلول-2020

رواية الحي الشرقي لمنصور المنصور

12-أيلول-2020

الحي الشرقي / رواية

05-أيلول-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow