Alef Logo
يوميات
              

سيعود ليكتب جداريةً أُخرى فله أسبقيات في الموت

غياث راسم المدهون

2008-08-13


امنحوه فرصةً أُخرى، فقد يعود من الموت كما فعل سابقاً، وربما كانت هذه مجرد محاولةٍ جديدةٍ منه لكتابة جدارية ثانية، هكذا منَّتْ نفسي نفسها المتشائلة دوماً حين تساقطت الأخبار حول موته أو دخوله في الغيبوبة، امنحوه فرصة أُخرى، فربما غيبوبتة الأولى لم تكن كافيةً لسبر الموت عن كثب، وربما هنالك تفاصيل أخرى لم تتسع لها حقيبة الشاعر في تلك الرحلة الأولى المختصرة، قلتُ هذا وأنا أقطع شارع مدحت باشا باتجاه باب شرقي، /لكن هذه المرة ستكون أطولَ نوعاً ما/، صاح حجرٌ على جانب الطريق، فتذكرتُ كيف تشعر الأشياء من جمادٍ وحيوان بالزلازل قبل وقوعها، ترى، هل من المعقول أن يرحل هكذا ويترك الحصان وحيداً كما فعل أبوه، ثم من سيقنعني كيف يحدث أن يخون القلب شاعراً، القلب، هذه العضلة الصغيرة التي لا تستريح ألا مرةً واحدةً في الحياة، هذه الأداة الوحيدة للشاعر، الأداة التي يستهلكها بشراهةٍ حتى آخر صمام دون كل البشر، كيف يمكن لها أن تخذله بعد أن وفى لها طويلاً.
محمود درويش، كيف سنختلف الآن في آخر السهرات حول الجدوى من كتابة قصيدة التفعيلة, وماذا سنقول للشباب في المخيمات ممن يحفظون قصيدة (أحمد الزعتر) طازجةً وكأنها كتبت الآن، كيف سندخل معرض الكتاب في السنة القادمة دون أن نتوجه مباشرةً إلى دار رياض الريس، ومن الذي سيجمع الناس الآن في ملاعب كرة القدم كي يحضروا أمسيةً شعرية، من الذي سيطلق علينا كذئابٍ جائعةٍ قصائد تغيرنا تماماً، كما فعلت قصيدة (سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا) و(لماذا تركت الحصان وحيداً) و(الجدارية)، ترى هل سيستفرد بنا كتاب قصيدة النثر بعد أن رحل الدليل الوحيد على أن الشاعر الحقيقي لا تحصره التفاعيل والبحور، تُرى هل سيقول الناس في مراثيهم إن آخر الشعراء قد رحل، ثم يظهر أن هناك شعراء آخرين مازالوا يولدون، وتعود الحياة إلى مجاريها.
لمن سنتوجه بالتعازي؟ وكيف سنفسر للجيل الذي سيولد دون حضورك، أن خللاً في DNA الأحاسيس قد تسيد الموقف، وأن الفيزياء ستغطي بملاءتها الداكنة رويداً رويداً وجوهنا وتفاصيلنا، وماذا سيكون موقف العصافير وكيف ستتقبل الطرقات والأشجار هذا الارتجال المفاجئ لملك الموت.
عندي اقتراح صغير، ماذا لو تراجعتَ قليلاً عن قرارك المتسرع، وانتظرت فقط حتى ترجع فلسطين، أو حتى تزهر الأحجار بالزنزلخت، ونختار ألواناً زاهيةً للعلم الفلسطيني كما كنت تقول، ماذا لو أنكَ فكرت ملياً بهذه الصحراء الشاسعة التي ستزحف نحونا والكم الهائل من الحبر والكلمات التي ستستهلك في رثائك، كنتَ ستغير رأيكَ وتعود، لاسيما أن لكَ أسبقيات في موضوع الموت والعودة منه.
الآن، وقد رملتَ اللغة، ومضيتَ بعيداً في الممر اللولبي، سنحاول أن نعيد ترتيب المدن والسهول والنوافذ، ونغير خارطة الصباح وجداول المواعيد، سنضع كلَّ السنونوات في أقفاص كيلا تهاجر هذا الشتاء، ونرمي عفش بيوتنا من النوافذ المشرعة، علنا نملأ فراغاً واحداً مما خلفتَ وراءك من فوضى، وبعدك من صمت.



بلدنا الثقافي 11-8-2008

[email protected]

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

سيعود ليكتب جداريةً أُخرى فله أسبقيات في الموت

13-آب-2008

قصائد لن تكتمل

21-تموز-2008

"نسيان" لفراس سليمان قصائد الاغتراب الأمريكي

09-حزيران-2008

تجربة خيري الذهبي الروائية...المعمار الفني أولاًَ

23-شباط-2008

بلاد الموت

05-حزيران-2007

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow