Alef Logo
ابداعات
              

كائنات الخديعة

كندة السوادي

2009-04-22


إلى العفراء

غرفة النوم هذه ستكون الوطن الذي يقيم فيه مواطنون يشبهوننا بملامح الكبريت والجوع الأزلي، ستكون الشاهد عبر الأزمنة التي ستجيء وتذبل كما الطحالب العطشة التي شربت من نزيف الوهم الذي جمعنا في كل مرة، الطحالب التي نبتت لها أجنحة من رماد، طحالب الضوء التي ستعرش على جدران غرفة النوم بكل جسارة، وتحاول بشدة سد فم الجدران، ستكون الغرفة شاهداً أيضاً على تهتك الرب الذي تعبدون، وسراً ندعوه بإله السراب كديانة ما في طورها الأول، غرفة النوم كما أتنبئ، ستشهد على انفلاته من القداسة، على بشاعته حين هبط الآن إلى درك المجون الناري للعالم.
قالت الأنثى وهي تجلس إلى حافة السرير البائس، بينما كان الرجل يجلس مقرفصاً في أقصى زاوية الغرفة: إنه المكان الذي احتضن انسلاخ جلدها إلى فراشة قلقة من حول نيرانه الهائجة، مع هذا السرير الذي تفتقت بين أغطيته عن شهوة آلام وجودها، الأنثى المستنزفة إلى اللانهاية. تابعت الحديث بعينين دمويتين كعيني كلبة دُهس جراؤها للتو، وكان شعرها المجنون قد انسدلت بعض من خصلاته على خديها، فمنحت وجهها الأسى. وجه أخر صار غريب عليه حقًا... تابعت الحديث الموجه عبثاً إليه، وبصوتِ أجش لشدة ما صرخت، قالت له: غرفة النوم هذه ستكون المقصلة أيضاً إذا لم تكن تعلم أيها الرجل المهووس بالجنس، الشغف بما تخبئه امرأة صغيرة وتافهة من مياه زرقاء كالرب الذي خنته بتعمدٍ صادق، وأنا أعرف ما ترغب، أن تلمس بيديك الإثنتين الحيوان الذي ستصيره وستخلقه من جديد، وهذا هو إعجازك الوحيد، كشكل امرأتك المظلمة في الزاوية، تجوس بأصابعك نزيفه المفتوح بشراهة إليك... هكذا تراقب، لحظة انقلاب عينيها، الساعة التي تزف لك خبر الشهوة، وأنت تعشق اقتناص الآنسات المحترمات قبل السقوط في دوخة الرغبة والحب برعشة واحدة لا غير. ضحكت بألم لبرهة، وقالت: يستهويك هذا كله إذن؟ تريد الوحشية، تريد الدمار، تشتهي الدماء، ومللت من الياسمين والورود الملونة؟ حسناً! صرخت الأنثى التعيسة فجأة، وذعر بعض الشيء الرجل الذي لم يبارح مكانه، ودمرت الأشياء التي تخصه، حطمت المكان معتقدة أنها بذلك تحطم شريعة الكون الجائرة، الصحون التي على الطاولة، الكؤوس، ومن ثم الطاولة أيضاُ، تحولت إلى وحش مطعون بشتى أشكال سهام الغدر، فحطمت المكتبة برمتها، مزقت كتبه وأوراقه بضراروة، ليخرج الرجل من صمته دفعة واحدة، طلع من كهف الخذلان المؤقت وبشجاعة نادرة صرخ:
كفى، كفى. لا استحق كل هذا العذاب. راح يحبو إليها رويداً رويداً حتى وصل إلى دمارها الشامل، وقد انهارت على الأرض تماماً كخرقة بالية، أولاً تلقف وجهها بين كفيه، ثم أبعد شعرها المبتل بالملح، نظر إلى عينيها المحنطتين بالفجيعة، همس بالقرب منها:
لم أتوقع منكِ أن تفهميني يوماً، ولم أطلب هذا أبداً، هل سبقني ذكرٌ في العالم إلى الاعتراف بمثل هذه الرغبة؟ لا أعلم، وهل يعترف الرجال بالذل؟ إحساسهم المتأصل بالنذالة يغص بحناجرهم، سأمنحكِ اليوم مثل هذه الفرصة التاريخية. إذن فقد تعيشين الأزمنة كلها على أنك المرأة الوحيدة التي شهدت تجلي نذل حقيقي هو رجل! ألا يجعلنا هذا الأمر متعادلين؟ أخونكِ أنا ثم أكفر عن ذنبي بإفشاء أسرار بني جنسي. رفعها من خصرها الرخو، ووضعها كالجثة على الكرسي، وبقي جاثياً على ركبتيه طويلاً. قال لها: هل أخبركِ رجل ما عما يشعر به تجاه أمه؟ أنتظر أن تجيبه، لكنها آثرت عدم الإجابة، فتابع: إنها الحلمة، تدسها بين شفتيه بأمان، فيتوق الذكر إلى شد هذه الحلمة بكل قوة وبلعها في جوفه الى الأبد. يحب الرجال يا عزيزتي الاحتفاظ بأمهاتهم على شكل حلمة، هل سمعت يوماً بالعنف الأمومي؟ نظرت إليه مستغربةً مثل هذه الفلسفة الغريبة الآن، قال: الأمر لا يتعلق ببعض الصفعات والتوبيخ حين يقترف أحدنا أمراً سيئاً، إنني أتحدث عن معنى القهر الذي يشعر به أحدنا أمام هذا الجسد. عنف بغاية الخطورة، هذا التقزم أمام عظمة ثدييها، أمام سطوة الكفين المبللين، سيبقى مقدراً لكل رجل أن يحلم بالليلة التي يلوث فيها ملابسه وتتململ أمه منه، فتغسل ما بقي من قشور تعرف سرعة تمزقها وهشاشتها بحكم البيولوجيا فقط. أحتاج إلى المرأة الأخرى التي أوقعتكِ على أرض غرفتي، وزلزت بنيان أحلامكِ الرهيفة عن الأطفال وواجباتهم المدرسية، أعتذر لأنني أقولها بهذه الطريقة، ولكنني أحتاجها حقاً وقد منحتني سلام ما بعد التقشر، إنه الوجه الثالث مني، والذي طالما آمنت به وحده. الوجه الذي أخرجته هي بصبر وطول أناة، أخرجته من رحم آلامه كشرنقة يافعة بلا ذاكرة، وبلا ماض أو مستقبل. تعلمين شيئاً؟.... قد يعترف العلماء بعد سنوات بأنني الاكتشاف الأخطر في تاريخ العلم الحديث، الرجل الحقيقي، ليس الأخضر، ليس الحديدي، بل الحقيقي، كما كنت في الماضي دودة الزمن العصرية مع هذه الحياة الكبيرة التي تتسع لكل قذاراتي، لقد تم تقشيري وأنا الآن أستمتع بكوني محقوناً بالفطرة الأولى، الأمر الذي عجز عنه العالم، وأنت كم صرت متماهية مع كل هذا النفاق الذي ابتدعته بجدارة، في النهاية أدمنت أن أكون على فطرة ما قبل الكهف، الفطرة التي سببت لنا نحن الذكور أمراض النذالة المستفحلة جداً، هذه الحقيقة التي تنأى بنفسها إلى العتمة... الأخرى؟ قد سألتِ يوماً عن الأنثى الأخرى؟ هي الحلمة فقط، أرغب بقتلها أحياناً وأرغب بممارسة الحب معها كيتيم حقيقي بالوقت نفسه، أشتهي أن أصير دودة معها، ومن اليوم وصاعداً.. سأتعلم على يديها طقوس الحقد على الكينونة، رغم أنني مازلت أقدم الأضاحي لإله الحماقة الذي يرعى شعوباً عظيمة من الحمقى لا تعرفينهم أنت بكل تأكيد. حين مضت خطوات مبتعدةً عن غرفة النوم حزينة ومثقلة بالواقع، كانت تتخيل الأنثى الأخرى... بيد أنها لم تتوقف قط...
وهي تقف الآن بعيداً جداً تسأل بمرارة حارقة من أنتِِ؟ ولماذا؟ كيف هو شكلكِ؟ طويلةَ أم قصيرة تبتسمين كالأطفال، وماأجملكِ حين تفعلين ولم أركِ بعد، لكنكِ قد تملكين شفاهً رطبة يخترقها باللذة كل يوم، وأشعر بسعادته أنا عن بعد آلاف الكيلومترات، أريد تذوقهما، هل ستسمحين لي يوماً؟! سأفعل المستحيل كي أحظى بكِ زمناً سرمدياً لم أختبره قط، فأجول وحدي في الرمال الذي تشربته سمرتك... يحبكِ؟ أنا أحبكِ أيضاً، لأنكِ تشبهينني ويحبكِ، أتقبلين بي عاشقة مجنونة كذلك؟! أنا أشاهد شعركِ من مكاني هذا، شعركِ الملتف كشرايين الوحوش، أسود مزرقاً بالنعم، يخترق سكون ليلي بالوجع، ويفترش سرير السراب الذي أغفو عليه كل مساء، أتملكين رائحة الدراق التي يعشقها، وأنا أعشق أيضاً الدراق على فكرة، ألم يقطف واحدة من تحت إبطكِ ويخبئها في الدرج؟ تضعين رأسكِ على صدره وتهمسين بأذنه بصوت عذب أغاني المروج القديمة، وما أهنأ تلك اللحظات والعذوبة في مروح همساتكِ، وأنا أيضًا أحبكِ، هل تذكرين حين قلت لكِ أسباب هذا الحب قبل قليل، والدليل على ذلك: سأقدم لكِ نصيحتي الخاصة لك أنتِ وحدكِ، اغرقي في أنفاسه ولا تخشي الاختناق لأن ما تستنشقيه هو الخديعة لا أكثر، وغيري ساعتكِ للتوقيت الصيفي على وقع جديد هو أنفاسه، جربي الليلة أن تذوبي في لعابه كفنجان القهوة الصباحي، كما اعتدت أن أفعل معه، تحبينه معكِ دائماً، وأنا أيضًا، وأحبكِ سراً، لكن هل أعجبكِ مشهد استشهاده الآسر فوق الملاءات كما أعجبني يوماً؟ أعلم يا حسناء، قبليه نائماً كما لوكان طفلاً لم يلده زمن الذكورة أبداً، وتملكين الحق طبعاً، لكني أعتذر بشدة، أحتاج الآن إلى الهرب بعيداً عن العالم الذي يكاد يشبه غرف النوم المشروخة بصمت...

كندة السوادي
[email protected]



تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

صحون سلمان النظيفة

21-حزيران-2009

الثقافة الشعبية

07-حزيران-2009

كائنات الخديعة

22-نيسان-2009

أتبكي أمك ياكاظم وأنت عراقي؟!

01-نيسان-2009

هيتشكوك كتب القصة القصيرة جدًا أيها السوريون!

24-آذار-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow