Alef Logo
ابداعات
              

الثقافة الشعبية

كندة السوادي

2009-06-07


انتهى الجميع من وجبة الغداء الغنية بفيتامينات القهر وألياف تتمزق على باب المعدة، و(فيتامين سي) كذلك الذي يحث إلى السعي الأزلي نحو بروتين حيواني بكامل دسمه، وبهائه العضوي على بساط الألوان الفاقعة هذا، بهاء اللحم ينز بهجة الأيام القادمة ، حينها ستذكر العائلة كم كانوا يشبهون البشر آنذاك، . بعد أن نُفضت الصحون تماماً رُميت على المجلى مذلولة بالبياض المباغت. وجلست العائلة تشرب شاياً أسود بسكر بني محروق. فردت (نزيهة) ساقاً سمراء منتوفة بعناية، بينما طوت الأخرى جانباً وبانت أطراف الشلحة الصفراء من تحت قميص النوم. وبعينين غائمتين رشفت الرشفة الأولى وتابعت الحكاية التي جعلت من البنت التي تسكن في حي المهاجرين، والتي جاءت من أجل خبطة صحفية عن الأحياء غير الصالحة للعيش صحياً ، تغص بحبات الرز المكسورة:
رغم كل شيء يبقى أخي، والدم لا ينحلّ كالسائل في عروق حبة البندورة، لكنني أخشى الطلاق. ذعر أبناؤها من النبرة الغامضة التي تفوهت بها الأم.
مجد ذو الأعوام الخمسة أدار رأسه نحوها، كان يشاهد قناة (غنوة) الفضائية، لكنه عاد مجدداً إلى كتابة قاموسه الجنسي الناشئ مع نساء قرويات الأصل، يرتدين الجينز الضيق للغاية كأحوال نزيهة التي لا تسر. تابعت الحكاية وكان من المفروض أن يكون جواباً على سؤال الصحفية: مرةً دخل من الباب، كان سكراناً ومبتلاً للعظم بعرق البطة، ثم صرخ: حمودة منعني من قيادة السيارة، يظن أنني ضيعت.. لكن قلت له أمك المضيعة. تخيلوا، يتفوه بهذه الكلمات أمام زوجي تقول المرأة بحسرة...
حينها فزت أمي من قيلولتها: حسين، اكسر الشر وابتعد عن حمودة
وزوجي الذي كان ينصت بهدوء إلى صراخه، توعد مهدداً بأن رأس الولد سيتدحرج أمامه، والله، إذا حمودة أساء إلى خاله الثلاثيني هكذا دون أسباب. وبكى الفتى (يا عيني) دمعا بحجم كف اليد ، قال للجميع وهو يحلف بقبر جده: إنه يخشى تحطم عظام الخال إذا تحطمت السيارة، لأن الفتى صغير لا يعرف أنه في الهاوية أيضاً، بكى وهو يشرح لأبيه الأمر، أنه كان خائف حينئذ على روحيهما من الطيران نحو الهاوية، لكن حسين شعر أنه فقد زمام أكاذيبه اللعينة وهجم على أمي يريد تهشيم وجهها المجعد، ثم صرخ كمسعور: أمي، والله لقلع عيونك والله...، والتيار الكهربائي هو الذي انقلع لأن شبح التقنين هبط فجأة على بيوت الحي في أطراف العاصمة، وصارت يداه تخبط عشوائياً، يخمش الهواء يائساً ليلتقط مقلتي الأم بأصابعه العشرة هكذا ... هكذا يا أنسة يرغب بفقئ عيونها العسلية لكن حسين التفت وراءه ثم هجم شياطينه المتربصة به وراء شراشف الظلام الزهيدة، كان يخيل إليه أن ثمة من يناديه : أنت لا شيء.. أنت لا شيء... أي أي لا شيء
لكماته القوية كانت من نصيب خاصرات الأطفال المذعورين. قال ولد ضاحكاً: وأنا خالي ضربني على خصيتي، هنا يا آنسة، وأشار إلى مابين ساقيه، وضحكت (توتة) مزقزقة وهي تمسك بوردة صفراء وتضع نظارات شمسية باللون البنفسجي تحت سقف الغرفة التي شهدت فصول معارك الأخ الثائر مع نزيهة التي يزورها مراراً وهو يحمل في جيب حبوب الهلوسة والجيب الأخر ويسكي رخيص الثمن. تضيف نزيهة: لكن أمي استطاعت أن تفلت منه تهرع إلى مخفر الشرطة في رأس الشارع، لحسن الحظ أن المخفر قريب جداً من البيت! ارتدت المانطو بالمقلوب وحذاء ابراهيم الأسود، ولولت أمام حزام حارس المخفر، اسجنوه.. الضال السكير.
لو رأيتم إيشارب جدتي مربوطاً رأساً على عقب... قالت الطفلة وقلبت على ضهرها وهي تضحك
لماذا يفعل حسين كل هذه المصائب؟ سألت الصحفية: هل جربتم أخذه إلى مركز للتأهيل، أو زيارة طبيب نفسي على الأقل؟ نظرت نزيهة إليها وهزت رأسها ثم رشفت الرشفة الثانية: ماذا نفعل ؟! قضاء الله وقدره، لكن اسمعي هذه القصة ستعجبكِ يا آنسة اكتبيها في المجلة، مرة دخل حسين من الباب، كنا نتناول الغداء فاصولياء و رز على ما أعتقد، طلب من سوسو أن تحضر له كأس ماء، ثم لقف حبة زرقاء بهذا الحجم، أشارت إلى نصف ضفرها، وأسقطها في بطنه، لا أدري ماذا تدعى فولان، فولانتين، فالتين... قال ذو العشرة أعوام مصححاً: ماما، يدعى فالتان وهو دواء مهلوس يا آنسة! صفعت الأم ابنها بقوة: لا تقاطعني أثناء الحديث!! لا يهم، وما يهم أن حسين خرج ساعة من الزمن وعاد معفراً بالتراب وهو يقسم بأن سيارة البلدية التي استثمرها ابراهيم قد اخترقت جدار محل الورود في الشارع العام، وحمودة يسأله، إن كان يقصد سيارة ابراهيم الأخرى التي يعمل عليها أيضاً؟ لكنه تشنج كعود خشب ولطم وجهه قائلاً: اقسم لك إني... ربكم! شهقت (نزيهة ) فذعرت الصحفية، ثم تابعت المرأة:
يومها دخلت على رؤوس قدمي، إلى غرفة النوم، وابراهيم كان غافياً للتو، قلت له: هل ذهبت بسيارة البلدية إلى الميكانيكي؟
لا سأذهب في المساء...
حسناً إذن... حسين حطم حافلة البلدية الخضراء ويقول أنه... ربك يا ابراهيم!
انتبهت نزيهة إلى كأس الشاي الفاتر بين كفيها، وشربت منه، بينما كان الأطفال يضحكون بهستيرية وهم يحدقون بالوجه الأنيق المبهوت وسط المكان.
و حسين فر إلى عباب الأبنية الكبيرة في العاصمة على دراجة نارية يقودها عابر أسمر، وأكوام الورود نثرت فوق أكياس القمامة، شمت توتة وردتها الصفراء: ... يا خسارة كان اجمل محل ورد في المدينة!! زقزقت بطوننا ثلاثة أشهر، متنا من الجوع والغربة، شحذنا ثمن ربطات الخبز وكمشات السكر يا ابنتي جاؤوا كل أقارب زوجي وتفلوا علي وداس أخو ابراهيم الصغير بحذائه على خدي وهدد بفناء أهلي واحداً تلو الأخر، و ابراهيم خلف جدران السجن، وماذا نعمل مع حسين؟ لا ندري؟! أخذوه مرة إلى مركز للعلاج من الإدمان... والله يا آنسة ان مركز التأهيل رفض وجوده في المبنى النظيف لأن نسبة الكحول في دمائه لا تؤهله إلى مرتبة الإدمان، قال: عودوا حين تطوف دماء حسين الكحولية تلك الأحياء الساقطة إلى الجحيم، حين يقلب البيوت التي تنزف، أطفال عراة يتقافزون فوق المجاري المكشوفة، ويجرف العاطلين عن العمل من الزوايا، وسيديات أفلام البورنو ، الخضار الذابلة ، عودوا إليَ حين يسفح حسين هذا صدره المسموم أمام كل الناس، حين تتمزق روحه المتفحمة كأشلاء الأثواب التي تلبسونها، ما الحل؟! ماذا ستفعلين نزيهة...
سأنتظر عودة أخي، سيدخل من الباب بعد أسبوع أو أكثر...
وأنا لن أعود... ركضت الفتاة إلى الخارج ولم تلتفت إلى النداءات من ورائها: يا آنسة... يا آنسة، إلى أين؟ بكت بألم غريب. لقد كانت تشعر بأنها في القبر، ركضت بأقصى سرعة وهي تلعن رئيس التحرير، مبتعدة عن سحارات الباذنجان المتعفنة، والنسيم الفاسد، والوجوه الحزينة والفقر والجهل والأزقة الضيقة للغاية كضيق العيش...

كندة السوادي

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

صحون سلمان النظيفة

21-حزيران-2009

الثقافة الشعبية

07-حزيران-2009

كائنات الخديعة

22-نيسان-2009

أتبكي أمك ياكاظم وأنت عراقي؟!

01-نيسان-2009

هيتشكوك كتب القصة القصيرة جدًا أيها السوريون!

24-آذار-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow