Alef Logo
ابداعات
              

المفلوك. الجزيرة. وحكاية المرأة.

محمد أنوار محمد

2009-06-26


1- حكاية المرأة (1).
صَادفْتُ جَمْعاً كَبيراً يَتحَلَّقُ حوْلَ رجُلٍ يُحاضرُ في موْضُوع المرْأة...
أخَذْتُ مكَانِي... (في تلْكَ الأثْناء تَقَدَّمَ حِمارٌ، ورفعَ أذنَيه مُنْتبهاً).
أخَذَ الرَّجلُ نفَساً طويلاً ( عرفْتُ أنَّه ساردٌ حكايةً لا ريْب،
ورأيتُ الحمارَ يُبرزُ أسْنانَه ويتشمَّمُ الهَواءَ )، ثُمَّ قالَ بِهُدُوءٍ:
ذاتَ نقاشٍ فِكْريٍّ وجَدتُ إلى جنْبي امرأةً،
ولَمَّا شرعْتُ أنَاقشُ، بدأتُ بكَلمة المرْأة...
وأجلْتُ بصَري في الفَضاءِ بَحْثاً عنْ مَعانٍ مُناسِبةٍ...
فجْأةً.. نظرَتْ إلَيَّ المرأةُ بعيْنيْن واثقتيْن مُسْتفزَّتيْن،
كأنَّها ضبَطتْني أبولُ في مكانٍ عُموميٍّ:
– هَا... قُلْ...قُلْ.. قُلْ.. مَ المرْأةُ؟
وكأنِّي أبولُ في مكانٍ عُموميٍّ، قلْتُ:
- ما تبْحثينَ عنهُ.
وأكْثر وثُوقاً:
- قُلْ..وعَمَّ أبْحثُ؟
زَرَرْتُ السِّرْوَالَ بأناةٍ:
- ما أعْملُ عَلى إخْفائه الآن.
وأنْهى الكَلامَ، والجمعُ بيْن مُعْجَبٍ مُتعَجِّبٍ ومُعْجَبٍ مُسْتغْربٍ.
( رأيتُ الحمارَ يتمرَّغُ وينْهقُ...
رُبَّما لاحَظَ تشوُّشاً في الحكَاية لا يُسْتكْنَهُ بيُسْرٍ،
ونزَل الغُبارُ عليْنا جَميعاً...).
وضَعْتُ عَلامةَ اسْتفهام بلاغيٍّ على الحكَاية
... لكنْ، أكُنْتُ الوحيدَ الذي يرَى الحمارَ السَّاخرَ
أمْ كانَ صُورةً لتفكيرٍ جماعيٍّ في مرْآةٍ ما...؟؟؟

2- حكاية المرأة (2).

لَمَّا عُدْتُ إلى البَلْدة لَمْ أنْسَ حكَايةَ الرَّجُل عنِ المرْأة.
خرجْتُ إلى جِنانٍ مُزْهرٍ، فجَهَرَنِي إبْداعُ الله،
قُلْتُ أزْرَعُ الحكَايةَ في الجِنانِ وأنْتظرُ.
زَرَعْتُها فعْلاً، وقلتُ قريباً تنْمو، وأتَمتَّعُ بِمرْآها،
وأقْرعُ كأساً عَلى شرَفها.
بعْد أيَّامٍ عُدْتُ إلى الجِنان،
وجدتُ الحكايةَ نَبَتَتْ ورْدةً رائعَةَ الجمالِ،
تُشْبهُ المرْأةَ مُجادلةَ الْمُحاضر.
اكْتَمَلت المرْأةُ الورْدةُ، والجنانُ يكْبرُ ويتوسَّعُ...
وذاتَ يومٍ نظرتْ إليَّ مُبْتسمةً وقالتْ: انسَحبْتَ سَريعاً..
.......ألسْتَ في نفْس مَجْرى حكَاية الْمُحاضر والحمَارْ؟
قلتُ: لسْتُ في نفْس الْمَجْرى، لكنْ في مَجْرى بالجِوارْ !
قالتْ: ألَمْ تنتبهْ إلى أنَّ الْمُحاضر لَمْ يُكْمل الحكَايةَ ولَمْ يُخْبرْكُم بِجَوابي عنْه؟
قلتُ: صحيح، لم أنْتبهْ ! ربَّما أرادَ أنْ يظْهرَ كالْمُنْتصر.
عنْدئذٍ شرَدَ ذِهنُ المرأَةِ الورْدةِ قليلاً، وتخيَّلتُ أنَّها سَتقُومُ بِمُرافعَةٍ عنْ مَكَانة المرْأة
ونِضالِها منْ أجْل التَّحرُّر والمسَاواة
مُلَوِّحةً بأفكَار الحدَاثة وما بعْدَ الحدَاثة وعبْرَ الحدَاثة...
لكنَّها تَمَايَلَتْ مُبْتسمةً، وقالتْ:
بعْدَ أنْ انْتهَى المحاضرُ منْ كلامه، تَخَيَّلَ أنِّي سأقُوم بِمُرافعة عنْ مَكَانة المرْأة
ونِضالِها منْ أجْل التَّحرُّر والمسَاواة
مُلَوِّحةً بأفكَار الحدَاثة وما بعْدَ الحدَاثة وعبْرَ الحدَاثة...لكنِّي فاجَأتهُ وقدَّمْتُ لهُ ورْدة.
في الحقيقةِ، تَفاجَأتُ أنا أيضاً بردِّها، كأنَّها كانتْ تقرأ أفكَاري( أكانَ المحاضرُ وجهاً آخرَ لي؟).
فِي تلكَ الأثناء رأيتُها تنقلعُ بِلينٍ منَ الأرْض، فأخذتُها بِحَنان، وغادرتُ جناناً
لا معْنى لهُ بدُون الورْدة.

3- الجزيرة.

- رأيْتَ الجزيرةَ؟
- نعَمْ...
- متَى؟
- هذا المسَاءْ؟
- أيْنَ؟
- في المقْهى..
- شُكْراً
انْطلقَ عبدُ اللهِ مُخْترِقاً الجمُوعَ إلى المقْهى.
قصَد مَجْمُوعةَ الدُّومينُو، وبَدا على وجْهه الاسْتِياءُ.
جالَ ببَصَره في أرْجاءِ المكَان دُونَ أنْ يكُفَّ عنْ تقْطيبِ ما بيْنَ حَاجِبيْه.
ثُمَّ سَألَ النَّادلَ بصوْتٍ خافتٍ " رأيْتَ الجزيرةَ؟ ".
أشَارَ النَّادلُ بيده إلَى أقْصى المقْهى " في الكَنيف ".
الجزيرةُ رجلٌ يعْرفُ الجميعَ ويعْرفُه الجميعُ.
يُقدِّمُ معْلُوماتٍ عن النِّساء اللاَّئي يعْبرْنَ الشَّارعَ.
يعْرفُ أَخبارَ أحْياء المدِينة.
ويتحدَّثُ عن الأحْداث العالميَّة الكُبرى،
وعنِ التَّطَوُّرات الدَّاخليَّة للبُلْدان المتقدِّمة والمتخلِّفة.
لا يُجاريه أحدٌ في هذا الميْدان، لذلكَ لُقِّبَ بالجزيرَة.
بعْدَ أنْ خَرَجَ الجزيرةُ من الكَنيف، اتَّخذَ وصَديقه مكاناً قصيّاً،
فوشْوشَ إليه عبدُ الله بكَلمات.
عنْدئذٍ أخَذ الجزيرةُ رأسَه بيْنَ يديْه وأخَذ يلْطِمُ ويرْكُل في الهواء
ويصرُخ " واااالقحْبة... وااااالقحْبة.. وااااااابنْت القحْبة.. "
وهَرْوَلَ لاَ يلْوي علَى شَيْء.
يعْرفُ الجميعُ سَببَ الصُّراخ.
هَمَسَ أحدُ الحاضرينَ " أخيراً وصلَهُ الخبرُ،
يعْلمُ ما يقَعُ في المدِينة والعَالَم،
ولاَ يعْلَمُ ما يقَعُ في دارِه".
فأجابَهُ آخرُ مُرْتاباً " ومنْ يدْري؟
ربَّما يدْري،
ويعْطي الانطباعَ بأنَّهُ لا يدْري !".

4- المفلوك.
بَعْدَ أنْ ثَمِلْتُ، خَرَجْتُ مُترنِّحاً إلَى الشَّارِع.
مَرَرْتُ أمَام كشْك، ونظَرْتُ مليّاً إلَى أعْمالي المعْروضَة،
فشَرَعْتُ أتَحسَّرُ علَى الأُخْرى التي سَتُعْرضُ حتْماً.
تابعْتُ السَّيْرَ، ومِلْتُ إلَى شَارعٍ آخَرَ.
فِي رُكْنٍ قَصيٍّ لَمَحْتُ مُتَشرِّدا في يده ورَقةٌ يقْرؤُها بصَوْتٍ عالٍ.
تذَكَّرْتُ أنِّي أيْضاً أحْياناً أقفُ فِي نفْس الوَضْع.
اقْتربْتُ من الرَّجُل، فتوقَّفَ عن القِراءَة.
قلْتُ " ماذا تفْعل؟".
قالَ " أُجِيبُ عنْ أسْئلَة هذَا ( وأشَارَ إلَى رَأسِه)".
وجَدْتُ الإجَابةَ ذكيَّةً، قلْتُ وعيْني على حقِيبةٍ مَليئةٍ بالأوْراقِ، " ومَ هذِهِ ؟"
قالَ " حَياتِي ".. فقلْتُ لهُ " أيُمْكنُ أنْ تقْرأ منْها؟"..
فَرِحَ الْمَفْلُوكُ وأخْرجَ ورقةً وشَرَعَ يَقرَأُ بصَوْتٍ عالٍ جِدّاً:
عَلِّيتْ عَيْني فْ السْمَا
لْقِيتْهَا مْكَحْلَه بْ لَعْمَى.
دَرْتْ يَدِّي فْ جِيبِي
وَمْشِيتْ نْفَكَّرْ فْ غَدَّ.
آشْ نْدِيرْ غَدَّ؟
لاَ خَدْمَه لاَ رَدْمَهْ
لاَ شَفَقَهْ لاَ رَحْمَه.
جِيلْ النِّيكُوتِينْ
جِيلْ التَّالْفِينْ.
آشْ نْدِيرْ غَدَّ؟
نَمْشي حْدَا البرْلمانْ
نْزَبَّلْ فْ لمْيرِيكانْ
و فْ فْلاَنْ و فَّرْتلاَّنْ.
آشْ نْدِيرْ غَدَّ؟
نَطْلَعْ لْ طَنْجَه
نْفَتَّشْ عْلَى شِي خَرْجَهْ
نَرْكَبْ لْمََوْجه
نَحْرَقْ لْ بْلاَدْ بَرَّا
وَنْجيبْ شي زَعْرَا
وشِي بِّي إِمْ دَابْلْ يُو
ونْحيّاحْ عْلى بْنَادَمْ...
عَلِّيتْ عَيْني فْ السْما
لْقِيتْها بَقَّا مْكَحْله بْ لَعْمى.
جْبَدْتْ يَدِّي مَنْ الجِّيبْ وَشْعَلْتْ گارُّو
شُفْتْ شِي وَاحدْ يْفَتَّشْ فْ الطَّارُّو
السِّي مِخَالِي المُحْترَمْ
وَاشْ مَا جْبَرْتي مَا تَخْدَمْ؟
بَايَنْ مَا جْبَرْتي مَا تَخْدَمْ
دَاكْ الشِّي عْلاشْ كَتْدِيرْ يَدَّكْ فْ السَّمْ.
عْطِيتُو يَكْمِي مْعَايَا
حْنَا خُوتْ فْ التَّلْفَه
راهْ مَنْ الأَوَّلْ ناَشْفَه
مَنْ الأَوَّلْ مَشَّوْنا بْ لَحْفا
رَّا زِيدْ رَّا زِيدْ...
زِيدْ الرَّا زِيدْ الرَّا...
مِيخَالي فْ القَرْنْ الوَاحِدْ والعِشْرينْ.
جِيلْ النِّيكُوتِينْ
جِيلْ التَّالْفِينْ.
بَقَّ مْكَحْلَه بْ لَعْمى
رَانِي عَارَفْ شْنُو تَمَّ
شِي عَاصفَه..... شِي رِيحْ نايْحَه.
حتَّى أنا باغي نَتْلاحْ فْشي جَايْحَه.
خْدِيتْ جَبْدَه طْوِيلهْ
( هادْ الگارُّو مَ بْغاشْ يَتْسالاَ )
شِي نَجْمَه بَانَتْ لي تَبْرِي
و تْقُولْ: غَدَّ راهُو وَلْدْ اليُومَا...

بَدَا سَعيداً حينَ رآنِي أُصفِّقُ لهُ.
أخْرَجَ سيجارةً وأشْعَلَها، ثُمَّ أدْخَلَ يدَهُ فِي الحقيبَة
وأخْرَجَ ورَقةً أُخْرى ليقْرأَها،
فقلْتُ له " يكْفي.. ! يكْفي.. !لسْتُ إلاَّ مفْلُوكاً مثلَكَ !"..
أدْخلْتُ يدي في جيْبي،
وأخْرجْتُ كلَّ ما فيه منْ نقُود وسلَّمْتها إليه.
تَسَلَّمها دُونَما اهْتمام، لكنْ لََمحْتُ فِي عيْنيْه نوْعاً من الامْتنانْ.
ابتعدْتُ عنْه، وأذْني اليُسْرى تسْترقُ ما يُمْكنُ أنْ يقولَه...دُونَ جدْوى.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

حين انتبه إلى جثثه التي لا تحصى...

07-تشرين الثاني-2009

كما عرضها الله، كما سمعها آدم..

14-أيلول-2009

المفلوك. الجزيرة. وحكاية المرأة.

26-حزيران-2009

قصص أصرت أن تبقى قصيرة جدا..

04-أيار-2009

لن أتأدب للبحر...

18-نيسان-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow