Alef Logo
ابداعات
              

أحاسيس

عبد الرحمن عفيف

2010-04-05

خاص ألف
حدّثه صديقه جمعة مصرّا أن يذهبا معا إلى صيدليّة فرهاد.
أخذه جمعة إلى القامشلي. وأعجبه أنّ فرهاد يعرفه وقد قرأ شعره ولم يكن يعرف قبلاً أنّ فرهاد شاعرٌ أيضا. وكما حدّثه جمعة مرّات عديدات:" فرهاد يعرفكَ منذ وقت سابقٍ، البارحة حدّثني عنك، قال إنّه يحبّ شعرك وبساطته وهو يعرفك، هومعجبٌ بما تكتب، فقط يتحسّر أنّه ليس بالكرديّة". باص الجمعيّة التعاونيّة للنقل بين عامودا والقامشلي، ينبتُ عشبٌ ضعيف القامةِ على جانبي الطّريق؛ تهبّ ريحٌ ضعيفة الصّوتِ على جانبي العشب، مطرٌ، رذاذ من المطرِ يهطل خفيفا وينسى، هو يعرف ما ينساهُ هذا الرذاذ، وأثناء ذهابهِ إلى القامشلي مع جمعة يتذكّر مع كلّ قطرةٍ من الرذاذ شيئا من الأشياء ولكنّه ينساها بسرعة كأنما يحلّ محلّ الرذاذ في أن ينسى. يصبح الرذاذ بين وقتٍ وآخر مطرا شديدا، فلا يستطيع أن يرى من نافذةِ الباص ذلك العشب الضّعيف، فيتذكّر هلالا سطع في الصّيف من بعيدٍ على سطح صيدليّة. لكنّه لا يعرفُ بعد، هل كان ذلك الهلال في عامودا أم القامشلي، لا يستطيعُ أن يعرف أكانت تلك الصيدليّة صيدليّة فرهاد أم صيدليّة صديقه بسّام في عامودا. يهزّ رأسه بحسرة مثل ألم لا يرجو له أن يظهر من تحت مدفنه تحت المشاعرِ، ويحسّ أن ما رآه لم يكن قطّ هلالا بل كان هوالبدر المتكامل مثل قرص حبّة من حبوبه. ثمّ يريدُ أن يعيشَ في الحاضرِ، وليس في المستقبل، فالقمرُ لم يكن قد أصبحَ بدرا، إنّما كان هلالا، يبدو من بعيدٍ. وهو كان يقول عن نفسه إنه هلالٌ يبدو من بعيد ويسطعُ على صيدليّة ما، ولم يكن يلعب دورا ذا أهميّة إن كانت الصيدليّة في عامودا أم في القامشلي. كان يقول لنفسه أيضا إنه عشبٌ ضعيفٌ على جانبي الهلال، إنه عشب وليس أخضر كعادةِ العشبِ. هكذا فكّر تفكّراً لا يشبه تفكّر الآخرين أنّ العشبَ ينبتُ أزرق على ضفتي الهلال، والذي سمّاه أيضا الجقجق أو الجغجغ، وحين كان يتمشّى على أطراف الهلالِ ببنطلونه الأزرق وكان قد مارس العادة السريّة في هذا الاسبوع مرّتين؛ حدث أن كلّمه جمعة أن يزورا فرهاد في القامشلي. ثمّ تبيّن أن الهلال الذي ذكره في أشعاره وأحلامه في العادة السريّة لم يعد يغادر قمّة أفكاره الخجولة جدّا، مثلا صمّم ذات يوم أن يكفّ كفّا مطلقا عن أن يمارس هذه العادة، وأقنع نفسه أنّه عاشق ولا يليق بالعشاق على طريقته أن يستحضروا الأهلّة التي في السموات أثناء العادةِ. لكنّه ندم أنّه أتى مع جمعة إلى صيدليّة فرهاد، شعورهُ كان شعورا قويّا بالضعف، كان يشعر بقوّة كم العشب الذي على جوانبه ضعيف، أحسّ بحشرجة في سطح الهلال البعيد، وأدرك كم أنّه أخطأ في لبس هذا البنطلون الأزرق والذي كان يظن أنه بنطلون الشّعراء، شعر أيضا أنه بممارسته للعادة السريّة أوقع مزاجه في قبو من عدم الراحة والخجل. لكن، لمَ لم يشعر بهذه الأحاسيس المضادّة لشخصيّته في عامودا؟ لمَ لم يكتشف هذا الندم وهذا الخطأ في عامودا؟ لماذا اكتشف في صيدليّة فرهاد أنّ حبّه لم يكن حبّا واقعيّا وأنّ لبسه للبنطلون الأزرق هو تصرّف خاطىء جدّا ومسيء إلى شخصيّته ودافعٌ فعّال يجعل من مزاجه مزاجا متعبا وضعيفا. قام فرهاد بممازحته كما كان يمازح سابقا جمعة وقال له إنّه كان يجب أن يخبره أنّه واقع في حبّ "فلانة"، لكي يستطيع منع زواجها من فلانٍ من النّاس. وهو اكتشف في هذه الأثناء حقائق لم تكن حقائق في عامودا. الرذاذ الذي كان يتحوّل مطرا شديدا في الطريق، الهلال الذي ذكّره بوظائف المدرسة الابتدائيّة والمدفأة في الصف السابع الإعدادي، حين كان ينفرد بنفسه ويجدّ جدّا شديدا في التعلّم والقراءة. ذكّره المطرُ الشديد الذي يضرب بقوّة شبّاك الباص بأشياء عديدة، كمثل ظلام قويّ يفرش كامل دواخله على الحقول والأشياء الأخرى، على البيوت والأصوات الدافئة، على الطيور والوظائف المدرسيّة، على الأشياء التي نريد قولها لمن أحببنا ولا نستطيع. والظّلام هو نفسه، بعد أن نعود من القامشلي، ونحسّ أنّنا تركنا كلّ شيء هناك، تركنا كلّ ما أعطيَ لعشبنا ولهلالنا الذي سطع على الصيدليّة مرّة والرذاذ الذي تحوّل إلى مطرٍ شديد، بين وقتٍ ووقت، في الباص.

×××××

نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

فصل بهار، الليمون

14-تشرين الثاني-2010

خفقان المناظر

23-حزيران-2010

مذاق نيمانا بشدّة

19-نيسان-2010

أحاسيس

05-نيسان-2010

طبوغرافيا الحدائق

09-كانون الثاني-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow