Alef Logo
ابداعات
              

فصل بهار، الليمون

عبد الرحمن عفيف

خاص ألف

2010-11-14

هذا الصّعود يخيف الشّاعر ببنطلونه الجينز، عليه أنْ يدفع ويدفع وكأنّه لا يدفع ويشعر:" بدأ العوّاد يأكل في الآونة الأخيرة أكلا كثيرا، يأكل كلّ ما يقع في متناول أصابعه القويّة". يشعر الشّاعر أيضا وهو شاعرٌ مهمّته الشعورُ، يشعر بالخوفِ من صاحب العودِ، قريبه. والصعود والارتفاع وكأنّما كرّس نفسه، وكأنّما أصبح عصره في دفع درّاجة العوّاد الثّلاثيّة نحو الأعلى قدره. هذا الخوف أيضا في الأيّام الأخيرة يلازمه. أمّا العوديّ المقعد فينام بضعة لحظاتٍ ليلا أحيانا أو ساعات طويلة نهارا بعد تناول وجبة من الدسم والأطعمة والأعنابِ، خاصّة الأعناب، حيث تشبه الأعناب مدينته البعيدة. شكل المدينة في فصل الخريف، يتجمّع عليها الكثير من ورق العنبِ وورقة حمراء هي من أواخر التذكّر. يحاول العوّاد نسيان ذلك ولكن أشياء أخرى تشدّ أنفاسه إلى هناك، مثلا الجلوس بدرّاجته الثلاثيّة على خشبةِ عيدِ النيروز ودقّ الأغنية التي كتبها الشاعرُ، أخوه ذو اللحية الكثّة مثل جذور جبال كردستان. ترفرف خيوط من النسيم، وتصيرُ ثلاثة فصول؛ أحمر هو آخر الخريف، أبيض هو سرّة الصّيف وينسى الشتاء ويشدّ بأعصابه على فصل الرّبيع حيث نفس الرّبيع متعلّق بكلمة الربيع بلغته الأمّ، ولا يفصل بين اللون الأخضر وبين " فصل بهار" شيء. لولا الفصول لما تذكّر العوّاد شيئا في دمشق الآن. على الخصوص حيث في الأشهر الأخيرةِ تضاربت أحاسيسه بين الابتهاج الشديد والعصف الأكثر حزنا ومرارة من كلّ العواطفِ. ومثلما في مساء العيدِ القوميّ يهبّ نسيمٌ ويضرب هذا النسيم الريشة المخبّأة بشكلّ سرّي في شغف قلبه، يقول:" يرتعش النسيم على القامشلي، ويضرب خدّ جدارٍ ناعمٍ". هكذا يذهب العوّاد يوميّا مع هذه الاتّجاهات وهي اتجاهات تفكيره ويغيب تماما عن الشّاعر الذي يدفع عربته الثلاثيّة نحو الأعلى، نحو الأعلى. ويفكّر الشّاعر في استراحةٍ ما، يفكّر أن يتوقف قليلا عن هذا التنفس المرهق، يفكّر أن يجلس على رصيف الشّارع ويتساءل: " هل من دكّان فقير هنا، دكان يبيع الكازوز، كازوز سينالكو كولا، كازوز ببسي، كازوز كراش، أو هل من شراب ليمون، بل ليمونادا صفراء؟" يتحوّل الليمون في خطف فكره إلى شجرة ليمون تتعلّق أغصانها على جدار هنا في دمشق؛ ويحسّ الشاعر بورقة شجرة الليمون ولم ير شجرة ليمون قط. يبدأ يرسم في مخيّلته من العطش ثلاث شجرات ليمون، عليها أغصان وارفة، مثمرة بليمون وافر. بمحض صدفة يبدأ العوّاد يحمل ريشة الرسم هذه المرّة بعد أن اهمل كلّ ما يتعلّق بالعود والأرياش، أرياش الرسمِ وأرياش علبةِ العودِ، فتنبسط أسارير الشّاعر ويحسّ أنّ مهمّته ربّما قاربت الانتهاء. لكن العوّاد لا يستطيع بعد، يقذف الريشة من الشبّاك والشاعر ينزل الدرج. هي بغير ما فائدةٍ الآن، اللذة الجنسيّة مثل الوردةِ الجنسيّة، تلك التي عوّد نفسه فيها العوّاد عوّدته أن يترك عادة الرسم والعود. ووضع العوّاد نفسه في هذه السّميرة بضعة مرّات وكان اسمها سميرة وكانت متزوّجة في حيّ ما من أحياء دمشق وكانت سميرة بالفعل ناضجة أكثر من الليمونة. وهي تجربة العوّاد الأولى بعد تجربة غناء أشعار أخيه ذي اللحية الكثّة مثل غابات الليمون تحت صخورِ. لا يوجد هذا الليمون، من أين أتيت لنا بالليمون يا ليمون بالكرديّة؟ لكن الكاتب الليمون كان هو نفسه قد ذاق هذا الليمون وهو تماما الألحان التي نزلت شيئا فشيئا من تحت أوتار عود العوّاد في أحد النوروزات العتيقات، وكأنّما تحدّث لحبيته في عامودا عن كنزة عتيقة، كنزة تقوم هي بنسجها له يدويّا وقالت له حبيبته آ نذاك، وهي لم تكن حبيبته بالمعنى المتعارف للحبيبات، بل فقط مثل قولنا:" الكنزات الشتويّة البعيدة". كان التعبير غامضا، حيث أنّ الكنزة تعطي تعبير الدفء إن كانت كنزة وأمّا اذا كانت بعيدة فهي تماما شجرة ليمون، حين ينظر الانسان إلى ثمرةِ ليمون ويشعر بلعابه من الحموضة يسيل؛ وهو تماما وكأنّما في هذه الدائرة كان لعابه يسيل أثناء النظر إلى العودِ، هو فنان لكن لا يستطيع أن يتفنّن بعد؛ اقترب حسب تعبير الشاعر اقترابا كثيرا من سميرة وهذا الاقتراب شوّش بالادمان على ممارسة نفسه معها أعصابه وحياته، شوّش دراسته للحقوق في جامعة دمشق، شوّش شجرة الليمون وضربت أغصان الليمون وجهه. كان الاقتراب كثيفا ليس من قبيل لحية أجداده الشيوخ، بل من قبيل عدم الرؤيةِ وأجداده كانوا أمهر منه في الهندسة، أعني احتفظوا بأدواتهم الهندسيّة، بالقوس والفرجار والنقطة والدائرة، احتفظوا بالكلمة، بكلمة الهندسة والانسان ان احتفظ بهذه الكلمة في نفسه وفي العالم فلن يتشوّش وتختلّ آراؤه وأفكاره. أجداده احتفظوا بالمسافة بأن لبسوا الجبب الخضراء وقالوا: " نحن فصول الرّبيع" . قالوا هذا للحيوانات الأليفة مثل الأوزّ والبطّ والجمال في قصائد شعراء العرب وفي قصائد الشعراء الفرس استعانوا بعقصة الشّعر وبالأميرةِ خلف الايوان وكلّ هذه الأمور مسافة، إن لم نقل مسافات. وفعل الأكراد الأمرَ نفسه حيث أنّهم لم يبنوا حيّهم في بطن دمشق، انّما اختاروا لبيوتهم ركنا ما، وسموّه " زور آفا"، هم جاؤوا من الجبالِ والآن حلّوا في جبل يطلّ على دمشق، والمسافة تعطي الوضوح وتعطي ألما أقلّ وماذا يفعلون بالألم، يريدون أشجار الليمون وحنفيّة، يريدون مدرسة لأولادهم ويريدون نغمة تختلف عن أنغام دمشق، لكن العوّاد لا تخرج نغمته من العود. والعود مسند إلى الحائط منذ شهور.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

فصل بهار، الليمون

14-تشرين الثاني-2010

خفقان المناظر

23-حزيران-2010

مذاق نيمانا بشدّة

19-نيسان-2010

أحاسيس

05-نيسان-2010

طبوغرافيا الحدائق

09-كانون الثاني-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow