Alef Logo
ضفـاف
              

هل تعيد الرأسمالية تقييم ماركس؟

حربي محسن عبدالله

خاص ألف

2010-05-14

هل تصلنا الأشياء متأخرة؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه صيرورة طبيعية لمسيرة طويلة, كنا نظن إنها رحلة قصيرة. وهل قدمت لنا دار التقدم ترجمة رصينة لأعمال ماركس أم نسخة معدّلة وفقا لما فُرض على الأحزاب الستالينية أن تراه؟ ومن ناحية ثانية هل قدمت لنا الأحزاب الماركسية سوى الكليشيهات الجاهزة والعقول التابعة, الناشطة في مجال الفكر اليومي على حد تعبير الراحل مهدي عامل؟ تلك العقول التي قدمت لنا إداريين بإمتياز أو وارثي ألقاب النضال والتقدمية يقودون أحزابا تمر بها الأحداث الجسام وكأنها مرّت على مقبرة. تلك الأحزاب التي تجيد العزف على وتر الشعارات التي تُستبدل كما الجوارب المهترئة. ويبقى شعار الحفاظ على التاريخ المجيد هو الثابت الوحيد في زمن المتغيرات, فبينما تدّعي الرأسمالية بأن الإنسان سيد التاريخ وليس العكس, على حد قول جورج بوش الأب, لا نزال نرفع التاريخ راية رفض بوجه الحاضر والمستقبل- وأي تاريخ إنه تاريخ السلاطين والخلفاء الذين يدوفون السمّ بالعسل لبعضهم البعض ( ويظنون أنهم ملاقوا ربهم), التاريخ الذي تتساقط به رؤوس الآباء بأيدي الأبناء ويبقى النهج ثابتا والدوران في نفس الحلقة مستمرّا – فليس بالإمكان أفضل مما كان-. أما أن نتساءل بموضوعية عمّا بأيدينا فذاك مطلبٌ صعب. فمن طبيعة التابع والمنفعل أن ينتظر التغيير ولا يفعل شيء غير الإنتظار السلبي. أتذكر هنا بيتا للجواهري كان بمثابة نبؤة يقول فيه:
سيزول ما كنا نقول مشرّقٌ ومغرّبُ.... ستكون رابطة الشعوب مبغّضٌ ومحبّبُ
لقد إنتصر المعسكر الرأسمالي على خصمه اللدود الاتحاد السوفياتي وفكك منظومته الإشتراكية حتى أصبح الكثير من دولها في سباق محموم للإنظمام لحلف الأطلسي, والسعي الحثيث لإرضاء سادة العالم الجدد. ومن نافل القول الحديث عن براغماتية الرأسمالية وقدرتها على تطوير نفسها, وفقا لهذه البراغماتية. فبينما جددت الرأسمالية نفسها سقطت مقولة لينين عن الإمبريالية بإعتبارها أعلى مراحل الرأسمالية وآخرها أي المرحلة التي يفترض أن تتعفن بها وتسقط. ومن الملفت للنظر هو ما لمسناه من المعسكر الرأسمالي إبان الأزمة المالية العالمية الأخيرة على سبيل المثال وكيف تبنى مقولات وسياسات أشبه ما تكون بمقولات وسياسات المعكسر الإشتراكي السابق وتدخلت الدول الرأسمالية لإنقاذ مؤسسات وبنوك من الإفلاس. فهل تقرأ الرأسمالية ماركس من جديد وتعيد تقييمه بموضوعية بعد أن تحقق مرادها بإسقاط المعسكر الإشتراكي وإنفرادها شبه الكامل على مسرح الأحداث العالمية؟ هذا السؤال وغيره من الأسئلة المشابهة نجد صداها في كتاب (ما بعد ماركس؟) للدكتور فالح عبد الجبار والذي صدر مؤخرا عن دار الفارابي في بيروت. باديء ذي بدء يتناول الكاتب نظرية ماركس عن الدولة ويسجل إعتراف ماركس بمحدودية دراساته عنها فيقول:( لا ريب أن ماركس درس دراسة مستفيضة تأريخ المانيا وفرنسا وبريطانيا, بما في ذلك تطورها السياسي, وبوجه أدق تطور الدولة. إن تعميماته وملاحظاته تعتمد أساسا على هذه البلدان بتعبير آخر إنها تعتمد على جزء من التجربة الأوروبية المعاصرة لها. وماركس نفسه يعترف, بتواضع العالِم, أنّ دراساته عن الدولة محدودة تماما. وهذا مانراه في نقاشه مع الحركة العمالية في هولندا " مؤتمر الأممية في لاهاي 1872" حيث يؤكد أنه يجهل خصائص الدولة وتطورها في هذا البلد, ولا يستطيع أن يقرر إن كانت الثورة البروليتارية قابلة للتحقيق بوسائل الاقتراع العام كما في إنكلترا أو بوسائل العنف, كما يتوقع لها في بعض بلدان القارة "فرنسا" أساسا). أي إن ماركس خلف حقولا فارغة لم يطالها بحثه ولا قاربت دراساته تخومها ليؤكد القصور الذي وقعت فيه نظريته عن الدولة التي هي حجر الأساس في بناء نظريته. وفي مقارنة مع سعة وشمول نظرة مونتسيكيو إلى تنوع الدول, وضيق ومحدودية تنميط الدولة, المختزل في كلاسيكيات ماركس. يقول الكاتب ( لم يترك لنا ماركس إرثاً كافيا في مجال دراسة الدولة, بل خلّف حقولا فارغة, تتعلق بتشكل الدولة الحديثة في أوروبا, أو في الشرق: اليابان, مصر, تركيا العثمانية. لقد عاصر ماركس ثورة الميجي اليابانية, واطلع على إصلاحات محمد علي, وكانت التنظيمات العثمانية الأولى قد بدأت في حياته. لكن عينه بقيت لصيقة بأوروبا, بل بدولها الأرأس: فرنسا, بريطانيا, ألمانيا, رغم إشاراته المهمة لنمط الدولة في الشرق القائم على غياب الملكية الخاصة للأرض, معزيا ذلك إلى ظروف المناخ وطبغرافية الأرض " حتمية مونتسيكيو الجغرافية؟" وخضوع المنتجين للدولة بوصفها المالك والحاكم " فرضية نمط الإنتاج الآسيوي"). وقبل أن يدخلنا الكاتب إلى تأملاته في الماركسية يخلص إلى نتيجة مفادها: لا توجد نظرية ماركسية مكتوبة عن الدولة. كما إن الوفرة الهائلة في أنماط تشكّل الدول, وتعدد بناها وتنوع آليات عملها عصيّة على أي تبسيط أحادي, أو تجريد معمم. وبعد أن يتأمل ويعاين وجهات نظر ماركس في التاريخ ونظرية المعرفة والبنية الإجتماعية والدولة والإقتصاد والقومية والعولمة, يصل إلى ثلاثة إستنتاجات في تناوله لهذه الحقول منطلقا من قراءات عديدة انجزتها عقول ماركسية عملاقة في الغرب, استطاعت بفعل انفتاح حقل البحث دون قيود, أن تبتدع وتعمّق هذه الإستنتاجات التي تتلخص بما يلي: أ- إنّ نظرية ماركس لم تكتمل في حياته. ب- إنّ الظواهر التي درسها في تحول مستمر.ج- إنّ منهج دراسة الظواهر في تعمّق مستمر بفعل الإنجازات الجديدة في علوم المنهج. كما لم يغب عن بال الكاتب الإشارة إلى أن الصورة النظرية للرأسمالية كما تصورها ماركس في هيئة مخطط تمّت صياغته بين خمسينيات وستينيات القرن التاسع عشر, وقد استقرت أخيراً إلى خطة رباعية وهي: أولا- رأس المال, ثانيا- الدولة, ثالثا- السوق التجاري, رابعا- التجارة الدولية. (وإذا تذكرنا هذا التقسيم الرباعي, وهو حجر الزاوية في فهم نظرية ماركس, لخلصنا إلى نتيجتين: "الأولى بخصوص ماركس نفسه" أنه أنجز البند الأول من العمل النظري.. أما البنود الثلاثة الأخرى فلم يقدم عنها سوى ملاحظات واشارات). كذلك تجدر الإشارة إلى الغروندرسية Grundrisse , التي تعتبر المكمل الضروري لرأس المال, لم تنشر إلا في ثلاثينات القرن العشرين على نطاق محدود, ولم تدرس جيدا. كما يشير الكاتب إلى (إن ماركس ترك لنا مخطوطات 1863 ومخطوطات 1867 من الرأسمال " نصف مليون ثمّ مليون كلمة على التوالي", التي لم تُدرس جيداً أيضا, وهذا يمعن في تعميق نقص إطلاعنا على النظرية الماركسية, وياله من نقص فادح). وهنا أود الإشارة إلى أن الكاتب هو مترجم كتاب رأس المال بمجلداته الثلاثة بالإضافة إلى الجزء المجهول منه الذي صدر بعدها, اتساءل هنا ماذا عن إداريي الأحزاب الماركسية! هل يعلمون شيئا عن هذا الموضوع؟!!
بعد أن يقترح الكاتب التخلي عن وهم وجود "مادية تاريخية" وإحلال فكرة وجود "نظرة ماركسية إلى التاريخ" يقترح أيضا التخلي عن وهم آخر هو "مادية ديالكتيكية" كاملة, ناجزة, هي الشكل الوحيد والأرقى للمعرفة. يقول: (تقوم المادية الديالكتيكية على عمودين, العمود الأول هو أولوية المادة على الوعي, وكون الوعي نفسه هو نتاج تطور شكل أرقى من المادة "الدماغ البشري". والعمود الثاني, أن هناك "قوانين" للديالكتيك تنظم عمليات الطبيعة والمجتمع والفكر. إن فكرة أولولية الوعي على المادة أو أولوية المادة على الوعي قديمة قدم الفلسفة. والنظرات الفلسفية الأولية السابقة لها. وإن القول بأولوية المادة على الوعي قديم قدم المادية اليونانية نفسها, شأن الديالكتيك... هل هناك حاجة إلى نظرية معرفة خاصة, جامعة, مانعة, في هذا الباب؟ لا أظن. لأنه أولاً لا توجد نظرية جامعة, مانعة, بل توجد فرضيات متوسعة وبحث متصل, ولأنه ثانيا تجري هذه البحوث في ميادين اختصاص لا قبل لفرد أو حركة أن تلّم بها. هل ننقطع عن الاطلاع على هذه الميادين؟ كلا, بل إن ما ألمّ بالماركسية من خور وتراجع يرجع في جانب منه إلى إنعزال القائمين على فكرها عن تيارات العصر الفكرية الكبرى: البنيوية, علم النفس, ما بعد البنيوية, التفكيكية, أو عن مدارس ماركسية هامة مثل مدرسة فرانكفورت, أو مدرسة تشومسكي السنديكالية).
ختاما أود الإشارة إلى أن كتاب (ما بعد ماركس؟) يحتوي أيضا على عدة مباحث أخرى سلطت الضوء على نهاية ثورة أكتوبر ثمّ إطلالة على مفهوم العولمة يأتي بعدها بحث عن التوتاليتارية والديمقراطية.
×××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

منْ يُخرج الناس من دين الله أفواجاً؟ بقلم:

21-تشرين الثاني-2013

الحقائق ثوابت أم متغيرات؟

16-تشرين الثاني-2013

عندما يتحول اللونُ إلى إله "كهوف هايدراهوداهوس"

05-تشرين الثاني-2013

أخطاء إملائية

26-تشرين الأول-2013

هل أصبح الكذب ملح الحياة؟

15-تشرين الأول-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow