Alef Logo
كشاف الوراقين
              

عندما يكون الوقوع في الحب قرار الأنف

حربي محسن عبدالله

خاص ألف

2010-05-29

ماذا لو كان للتعصّب رائحة, وللجهل رائحة, وللافكار العدمية رائحة؟ وماذا لو كان لكل من العقلانية, و التنوير, والإنفتاح على الآخر رائحتها المميّزة؟ أسئلة من هذا النوع قد تبدو فنطازية, فلو كان للمتعصب العدمي رائحته المميزة لكانت نبهّت الناس على الكارثة التي يسعى للقيام بها وهو يقود شاحنة مليئة بالمواد المتفجرة ليستهدف بها مناطق مدنية وسكان عزّل لا لذنب اقترفوه سوى إنهم من طائفة أخرى أو دين آخر, أو لأنه أراد أن يكون ضيفا على رضوان ملاك الجنة. ظنّا منه أنه بعمله هذا يساعد الرب في القضاء على الكافرين الذين لايستحقون الحياة. كما إن الجاهل عندما يرى ردة فعل الآخرين, عندما يشمّوا رائحته, لابد أن تحرّض فيه رغبة للعلم والمعرفة لكي يزيل عنه ذكرى رائحة الجهل. ماجرّني للحديث عن الروائح هو ذكرى قديمة وكتاب جديد فقد كان لشذى زهر البرتقال الفوّاح في أول الربيع, عند مشارف حيّنا القديم أثر لا يمحى من الذاكرة, كان يعني الإثارة بكل اشكالها, الجنسية منها والفكرية, كان ولا يزال يثير فيّ صورا من ذكريات الصبا وفترة المراهقة وتقلباتها على كل المستويات النفسية والفيزيولوجية. وبعد أن مرّت الأيام والأعوام هاأنذا أستعيد تلك الذكرى البعيدة, ولكن هذه المرة بأسئلة حرّضتها لدي الدكتورة الكويتية فوزية الدّريع في كتابها "الرائحة والجنس" الصادر عن دار الجمل, وهو أحد الكتب التي رفدت المكتبة العربية في علم النفس, نذكر منها: برود النساء 1992 , عجز الرجال 1996, الحياة بلا رجل 1997, الحب في الأربعين 1997, مليون سؤال في الجنس 2006, القبلة 2006, الرجل الحيوان 2008, والرائحة والجنس 2009. تؤكد الدكتورة الدريع على إن هناك ثلاثة معاول هي مايهدم حياتنا وهي على الشكل التالي: أولا النظرة السلبية التي تحوّل النظر عن كل إيجابية ولا ترى في الأشخاص والقضايا سوى الجانب السيء. ثانيا المعلومة الناقصة التي نتلقفها وكأنها مُنزلة ومقدسة ونبني عليها وجهات نظرنا ومواقفنا. ثالثا الكلمة النابية التي تؤسس للعداء وسوء الفهم وتخلق حجابا حاجزا بين الناس.
نطالع في كتاب "الرائحة والجنس" الكثير من الدراسات عن الرائحة والعطور لدى مختلف الشعوب, وعلاقتها بالجنس والذاكرة التي تعتمد على واقع هو إن (الرائحة قلما تحفظ في الذاكرة كشيء قائم بذاته, بل إنها مرتبطة باشياء وأحاسيس مختلفة, حزينة, ومفرحة, مهيّجة الخ من انفعالات وكذلك مرتبطة بكلمات وصور وأشخاص وأماكن. هناك دراسات عديدة على سبيل المثال تؤكد انه لحفظ المكان وتقوية القدرة الجغرافية للإنسان إربط المكان برائحة). كما إن هناك دراسة أخرى اكدت إن الرائحة الطيبة قادرة على تحريك القدرة اللغوية بالذات وجعل الإنسان يستحضر الوصف اللفظي الصحيح للأشياء والمواقف.دراسة رائعة وجدت ان ربط المادة التي يدرسها الطالب برائحة ما يجعل استجلابها وتذكرها سهلاً.( التجربة الناجحة قامت باختيار مجموعة من الروائح, وتخصيص رائحة لكل مادة دراسية. الطالب يقوم بشمّ هذه الرائحة أثناء مذاكرة المادة المخصصة, وحين يبدأ دراسة ومذاكرة المادة الثانية يشمّ العطر المخصص بها. وهكذا لكل مادة رائحة. وفي الامتحان يسمح له بشمّ الرائحة الخاصة بالمادة اثناء الإجابة. وجد تطور غير عادي في ذاكرة الطلبة الذين كانوا يعانون من مشكلة تذكر المواد الدراسية سابقا). ثمّ ينتقل بنا الكتاب إلى دراسات أخرى عن الروائح وتأثيرها وكيفية استخدامها لحماية الانسان. فهناك اثبات إن شم عطر الليمون والنعناع يقلل نسبة الأخطار إلى 50% بما يخلقه من حالة انتباه لدى الانسان وهو يؤدي أي عمل. وفي اليابان تم اختراع ساعات منبهة تضخ رائحة نعناع قبيل استيقاظ الموظف لكي يكون نشيطا وحيويا عندما ينهض من فراشه. ثم يستعرض لنا الكتاب مكانة الروائح والعطور لدى العديد من شعوب العالم, كالهنود الذين كانوا ومايزالون ملوك العطور والبخور" ان الهند التي تسمى بلد العجائب واحدة من أكثر بقاع الكرة الأرضية احتواءا على كم من الديانات والمعتقدات. لكن كل هذا الخليط المتعدد الذي لايلتقي بل يتنافر في المعتقد يجتمع على نقطة أساسية وهي أهمية العطور والبخور عند كل صاحب معتقد وطقوسه الخاصة أمسلما كان أم هندوسيا, سيخيا أم خلافه ". كماإن التعطر يعتبر ضمن طقوس العلاقة بين الرجل والمرأة في كافة المعتقدات. ويورد الكتاب مثالا على معتقد "كوما سترا" ( وهي فلسفة هندية جنسية تقدّم تعاليم جنسية دقيقة من أجل تحسين العلاقة بين الرجل والمرأة. ومنذ سنوات عديدة كانت طقوس تحضير بنات الطبقة الراقية, يعني إرسالهن إلى معلمة "كوما سترا" لتعلمهن فنون الممارسة الجنسية وأصول الحب ومنها فن وضع العطور ليترك إنطباعا إيجابيا على الزوج حتى يبقى في عشها أطول فترة ممكنة).
ثمّ يأتي دور المصريين القدماء فقد كانت الرائحة والعطور جزءا مهما من مفردات حياة الفراعنة اليومية حتى إنه وجد قانون مدوّن يعاقب من يتمّ إدانته برائحة جسم غير طيبة.
كذلك فإن للأغريق والرومان نصيبا وكذلك للسومريين وللعرب والفرس. يذكر إن إبن سينا هو من له الفضل في استخلاص مادة الكحول الأثيلي من السكر المخمّر والتي تعتبر مادة وسط لحمل العطور. وإبن سينا نفسه هو منْ قدّم للعالم الأسس العلمية للعلاج بالعطور بكتابه الشهير( كتاب الشفاء) والذي كان أساسا لكثير من كتب الطب وخاصة في فكر الطب في القرن السادس عشر في اوروبا. وبعد انتشار العطور في القرن السابع عشر فيها ظهرت وظيفة جديدة هي "عطار البيوت", حيث يأتي رجل إلى البيوت والمباني الرسمية ليعطرها ويبخرها لأجل الصحة. وكانت غرف المرضى في المستشفيات تبخّر لطرد المرض ولتسريع الشفاء. تشير الكاتبة في فصل يحمل عنوان الرائحة لغة التواصل إلى " ان رائحة البدن, رائحة العطور وكل صور الروائح تحدث تأثيرها من جراء تنشيط الموصلات العصبية في حمل رسائل التجاوب قبولا ونفورا. إن الرائحة تلعب دوراً لغوياَ رئيسياً قد ينافس اللغة المنطوقة في أمر التواصل:
- بين البشر مع بعضهم البعض.
- بين الحيوانات مع بعضها البعض.
- بين المخلوقات المختلفة مع بعضها البعض."

ومن الطريف أن نعرف إن القبلة في لغات عديدة مثل اللغة الهندية والسيبيرية ولغة بورما وفي غرب أفريقيا معناها الشمّ. في فكر الأيورفيدكAyurvedic الهندي إن الرائحة ينصح بها حسب طاقة شخصية الإنسان وما إذا كانت بيتا PITA أو كافا KAPHA أو فاتا VATA . كذلك فإن من اللافت هنا أن نشير إلى أن أفضل العطور وأغلاها ثمنا هي مايتمّ استخراجه من الحيوان وليس من النبات, فالمسك يستخرج من كيس تحت جلد بطن الغزال وخاصة غزال الهملايا. والكاستروم يفرزها حيوان القندس كفضلات ونحن نستخدمها عطرا. وهناك مادة عطرية اخرى تستخرج من فأر اسمه فأر السمك. بل إن هناك مادة عطرية تستخرج من فتحة الشرج لقط يعرف ب" سنور الزبادي". والعنبر الذي يستخرج من بطن الحيتان. ختاما يحتوي كتاب "الرائحة والجنس" دراسات عديدة ويتجول في مساحات كبيرة من البحث في موضوع الرائحة والعطور وآثارها النفسية والإجتماعية ويأخذنا إلى زوايا مواضيع حياتية بقيت عصيّة على الفهم بشكل علمي وكانت ساحة لمختلف التفسيرات التي لاتمّد لروح البحث العلمي بصلة. الدكتورة فوزية الدّريع من النساء القلائل التي تتمتع بجرأة كبيرة في طرحها لأفكارها ودراساتها العلمية التي نشرتها في ثنايا هذا الكتاب خير دليل على ذلك.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

منْ يُخرج الناس من دين الله أفواجاً؟ بقلم:

21-تشرين الثاني-2013

الحقائق ثوابت أم متغيرات؟

16-تشرين الثاني-2013

عندما يتحول اللونُ إلى إله "كهوف هايدراهوداهوس"

05-تشرين الثاني-2013

أخطاء إملائية

26-تشرين الأول-2013

هل أصبح الكذب ملح الحياة؟

15-تشرين الأول-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow