Alef Logo
كشاف الوراقين
              

بهاء الله بين التصوف وإلغاء الجهاد

حربي محسن عبدالله

2010-06-08


( ياأيها البلبل المعنوي في غير حديقة المعاني لاتختر مقاما, وياهدهد سليمان العشق في غبر سبأ المحبوب لاتتخذ وطنا, وياعنقاء البقاء في غير قاف الوفاء لاتقبل مكانا. هذا مكانك إن رفرفت إلى اللامكان بقوادم الروح وأردت أن تبلغ مقامك).
بهاء الله
الكلمات الفردوسية- مجموعة من ألواح بهاء الله :هو عنوان كتاب صدر عن دار المدى للثقافة والنشر جمعه وقدّم له يوسف أفنان ثابت.وهو الكتاب الثاني بعد كتاب قرّة العين الذي القى الضوء على الحركة البابية ليكمل المهمة ببيان ماتلى البابية أي الحركة البهائية ومراحل التطور المتسارعة التي مرّت بها الحركتان والتي استندت إلى الأصل الإسلامي في محدداتها الأولى, وانتقلت في مراحل دراماتيكية على مستوى الفكرة الدينية وشكلها, أسس لها الباب وحادثة إعدامه في تبريز واستلهامه دور المهدي, ومن ثم التحول الكبير الذي حصل في مؤتمر (بدشت) حيث تمّ الانفصال عن الشريعة الإسلامية. وقد انتقل بهاء الله في ألواحه من التصوف إلى إلغاء الجهاد ودعوة أتباعه لحب العالم ونبذ العنف قائلا (لأن تُقتلوا خيرٌ لكم من أن تَقتلوا) بالإضافة إلى دعوته لإعتماد لغة عالمية يتم الإتفاق عليها فقد جاء في –الإشراق السادس(ص 208) مايلي:(إنّا أمرنا أمناء بيت العدل من قبل في الألواح أن يختاروا لسانا من الألسن الموجودة أو يبتدعوا لسانا ويختاروا أيضا خط من الخطوط ويعلّموا الأطفال به في مدارس العالم حتى يُشاهد العالم وطنا واحدا وأقليما واحدا. إن أبهى ثمرةٍ لشجرة العرفان هي هذه الكلمة العليا: كلكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد, ليس الفخر لمن يحب الوطن بل لمن يحب العالم. وقد نُزّل من قبل في هذا المقام ماهو سبب اعمار العالم واتحاد الأمم طوبى للفائزين وطوبى للعاملين). كما إنه وجّه عددا من ألواحه إلى ملوك وزعماء كنابليون الثالث ونيقولا الثاني والملكة فكتوريا وآخرين. فمنْ هو بهاء الله؟..
هو حسين علي بن عباس بزرك ولد في طهران عام 1817 في محلة بوابة شميران. كان والده علي يشغل منصبا مهما في وزارة المالية وأخوه الأكبر كان كاتبا في السفارة الروسية وزوج أخته الميرزا مجيد سكرتيرا للسفير الروسي في طهران. المصدر الأول الذي اعتمد عليه جامع الكتاب ومحققه هو كتاب – مطالع الأنوار – المخصص لتوثيق حركتي علي محمد الشيرازي (الباب) وحسين علي النوري بهاء الله, وقد أشرف بهاء الله على وضع الخطوط الرئيسية لكتابة هذا التاريخ الذي قام بتدوينه الملا محمد الزرندي الذي كان له دور مشهود في الترويج لنشر دعوته. كتب الزرندي هذا الكتاب باللغة الفارسية وترجمه وهذبه من اللغة الفارسية إلى اللغة الإنكليزية شوقي أفندي وليّ الأمر البهائي وصدر عام 1932 وضمنه الجزء الأول من التاريخ البابي, وأعيد طبعه أكثر من مرة باللغة الإنكليزية, وترجم إلى عدة لغات منها العربية بترجمة عبد الجليل سعد عام 1944. إن الوثائق التاريخية التي جمعها شوقي افندي عن المئة عام الأولى للحركة البهائية تعامل معها بوصفها نواة سلسلة من الأزمات الداخلية والخارجية, عبّر عنها بوصفها كوارث تلد أخرى, وهي التي ساعدت على انتشار هذه الحركة التي يراها شوقي أفندي على إنها فاجعة ممزوجة برومانسية نادرة هي سر انتشار الحركة وديمومتها, وقد قسّم تاريخها إلى اربعة مراحل:
المرحلة الأولى من سنة 1844 إلى 1853 وتركزت حول شخصية الباب وإعلان دعوته وحتى إعدامه, والمرحلة الثانية من عام 1853 إلى 1893 وهو عصر بهاء الله المسمّى عصر الظهور الذي ابتدأ من سجن الحفرة السوداء في طهران وانتهى باعلانات بهاء الله للملوك والرؤساء ورجال الدين ومن ثم موته قرب مدينة السجن بعكا. تمتد هذه المرحلة إلى تسعة وثلاثين عاما أنتشرت فيها الدعوة البهائية في العراق وتركيا وروسيا ومصر وسوريا والهند وعرض شوقي أفندي في هذه المرحلة لنفي بهاء الله وإعلانه لدعوته ومغادرته بغداد وتنقله بين المنافي والسجون, في مواجهة سلمية بين بهاء الله وأتباعه وبين الحكومات ورجال الدين والعامة. وتبدأ المرحلة الثالثة من عام 1893 وحتى عام 1921 وهي مرحلة زعامة عبد البهاء (عباس أفندي) المسماة بعصر إعلان الميثاق. أما المرحلة الرابعة فتمتد من عام 1921 إلى 1944 وهو عصر شوقي افندي الزعيم الديني الذي ورث الحركة بأجمعها, فكتب هذه المرحلة بوصفها تنطلق من وصية بهاء الله, وتقوم على ماأسماه شوقي أفندي بإمتزاج ينبوع الشريعة الإلهية بعقل حامل هذه الشريعة ومبيّنها. وهي مرحلة تأسيس النظام الإداري الذي اضطلع به. قدّم شوقي أفندي الزعيم الروحي في تاريخه هذا رؤية متوالية في عملية تطورية تمتد على مساحة قرن من الزمان بنشاط ديني عاش مراحل تكوّن بطيء النضج والإكتمال, لكنه حسبما يقول إنطوى على تماسك داخلي وانتشار أفقي أنجز عملية التحرير من الديانات السابقة. لابد لنا هنا من العودة إلى حدث هام شكّل نقطة ولادة للحركة البهائية من رحم البابية أعني بذلك مؤتمر(بدشت). ففي الوقت الذي كان مؤسس الحركة البابية يدوّن فيه تعاليم دعوته كان أتباعه يفتتحون مؤتمرا خطيرا ومهما قدر له أن يكون اللحظة التي انطلقت منها الحركة البهائية.(انعقد هذا المؤتمر الذي عرف فيما بعد بمؤتمر - بدشت – في احد سهول مازندران, بحضور عدد كبير من أتباع الباب بضمنهم نخبة من اوائل أصحاب الباب وخلصائه وعلى رأسهم بهاء الله وقّرة العين وغيرهما من رموز الحركة البابية. ترأس بهاء الله المؤتمر ووجّه مساره وأعماله وأشرف على كل تفصيل فيه بصورة مستترة ومؤثرة.) وكان الهدف من هذا الإجتماع الاستثنائي ينقسم إلى محورين أساسيين تطبيق شريعة البيان والإنفصال عن الشريعة الإسلامية بصورة تامّة وثانيهما مناقشة الوسائل والتدابير التي من شأنها أن تؤدي إلى اطلاق سراح الباب من سجنه في قلعة (جهريق). وماحصل بالفعل أن المحور الأول قد تّم تحقيقه أما الثاني فكان محكوم عليه بالفشل. استمر المؤتمر لمدة اثنين وعشرين يوما واطلق بهاء الله على الحاضرين الأسماء الجديدة وسمى قرة العين بالطاهرة ولقّب نفسه بالبهاء منذ ذلك الحين. بعد ان أعدم الباب في التاسع من تموز عام 1850 عن عمر الحادية والثلاثين. لجأ بهاء الله إلى السفارة الروسية وبعد أن ألحّ ضباط الشاه على السفير الروسي قام الأخير بتسليمه إلى أعدائه ليساق إلى سجن (سياه جال) الحفرة السوداء بطهران مكبلا بالسلاسل والأغلال عاري الرأس والقدمين وفي الطريق جرد من ملابسه وتعرض لإهانات العامة ورشق بالحجارة وعندما وصل سجنه ألقي في غرفة سفلية كانت خزانا لمياه أحد الحمامات العامة في المدينة. وفي خضّم هذه الأحداث والظروف, ووسط توقعات بهاء الله صدور حكم باعدامه, قرر أن تكون بداية دعوته من ظلمات سجنه, التي قضى فيها ما لا يقل عن أربعة أشهر بعدها اطلق سراحه دون محاكمة ونفي على الفور مبعدا من إيران وصودرت ثروته وممتالكاته, فما كان من الممثل الدبلوماسي للحكومة الروسية إلا أن يعرض على بهاء الله الحماية ووجّه له الدعوة لكي يلتجأ إلى المناطق التي تقع تحت نفوذ حكومته, لكن بهاء الله رفض العرض خشية أن يُفسر الأمر تفسيرا مشبوها ويعطي لدعوته صبغة سياسية. واختار راضيا النفي للأراض المجاورة في العراق والتي كانت تابعة آنذاك للحكومة العثمانية. وبدأ بهاء الله بهذا الإبعاد فترة من النفي والسجن والاضطهاد المرير دامت أربعين عاما. فمن بغداد إلى عزلة في كردستان العراق دفعته إلى ذلك ضغوطات تنافسية من اخيه غير الشقيق (صبح أزل) وذلك في العاشر من نسيان عام 1854 تاركا أهل بيته من وراءه مرتديا خرقة الزهاّد الخشنة مكتفيا بكشكول وغيار واحد مسمّيا نفسه الدرويش محمد, واستقر به المقام مدة في جبل (سركلو) وهو جبل بعيد عن العمران والمدن. اعتكف بهاء الله وحيدا في هذا الجبل. يتفكر في دعوته والظروف التي مرّت بها الدعوة البابية وكيفية إعادة الحياة للمجموعة البابية في بغداد. في مرحلة من تلك الوحدة التي فرضها على نفسه زاره شيخ من السليمانية كانت له ممتلكات في تلك الأماكن, وتلاه بعد ذلك شيخ الطريقة الخالدية في السليمانية الذي أقنع بهاء الله بعد إلحاح بالإقامة في مدينة السليمانية حتى عودته إلى بغداد في التاسع عشر من آذارعام 1856. وبحلول عام 1863 قرر بهاء الله إن الوقت قد حان لكي يبدأ بإعلان دعوته رغم الحملة المعارضة لنشاطه وهي الحملة التي شنّها رجال الدين من الشيعة وممثلون عن الحكومة الإيرانية. وإزاء مظاهر الترحيب والتأييد التي بدأ يحظى بها بهاء الله في أوساط الزوار الفرس من ذوي النفوذ القادمين إلى العراق شعرت حكومة الشاه بالقلق وتوقعت أن تحرّض الحماسة الشعبية مرة أخرى تجاه الدعوة الجديدة في المدن الإيرانية وقامت حكومة الشاه بالضغط على السلطات العثمانية مطالبة بنقل بهاء الله داخل الامبرطورية العثمانية بعيدا عن حدود المملكة الفارسية. رضخت الحكومة العثمانية أخيرا للضغوط الإيرانية فدعا بهاء الله نفرا من أصحابه قبل التوجه إلى الأستانة إلى حديقة نجيب باشا والي بغداد التي سميت فيما بعد (بحديقة الرضوان) وأسرّ إليهم كنه دعوته وكان ذلك عشية رحيله إلى الأستانة. وقد أعلن بهاء الله أن مظاهر العنف والإكراه التي اتسمت بها الجهود المبذولة لنشر الأديان السابقة باتت الآن غير مناسبة في دعوته. فواجب كل من آمن به أن يبلغ أولئك الذين يعتقد بأنهم يبحثون عن سبل المعرفة أن يترك لهم كامل الخيار فيما يتخذنونه من قرار:
( أن اسلكوا بعضكم مع بعض بالمحبة والرفق والمداراة, فاذا عجزت نفس عن إدراك بعض مراتب الحقيقة أو قصرت في الوصول إليها,عليكم التكلم معها بتمام اللطف والشفقة). وفي غضون سنوات قليلة تحولت زمرة المنفيين الذين أستُقبلوا بالريبة والامتعاض إلى طائفة دينية تنال إعجاب الناس لما أظهروه من تعاملاتهم, ولم يعد الرأي العام ليتأثر كثيرا بعد بمواقف مناوئيهم. ومن الأستانة نفي بهاء الله إلى عكا بمعية مجموعة من أتباعه فبلغوها في أواخر شهر آب عام 1868 وقضى فترات في السجن بعكا وكان موته في 28 آيار عام 1892 ودفن فيها عن عمر تجاوز الستة والسبعين عاما وقبره شاخص يزار هناك. أخيرا أختم بمقطع من الكلمات الفردوسية وهي:
كلمة الله
في الوِرْق السابع من الفردوس الأعلى
(( ياعلماء الأمم غُضوا الأعين عن التجانب والابتعاد وانظروا إلى التقارب والاتحاد, وتمسّكوا بالأسباب التي توجب الراحة والإطمئنان لعموم أهل الإمكان, إن وجه الأرض عبارة عن شبر واحد ووطن واحد ومقام واحد فتجاوزوا عن الافتخار الموجب للإختلاف وتوجهوا إلى ماهو علّة الاتفاق فالافتخار عند أهل البهاء بالعلم والعمل لا بالوطن والمقام. ياأهل الأرض اعرفوا قدر هذه الكلمة السماوية فإنها بمنزلة السفينة لبحر المعرفة وبمثابة الشمس لعالم البصيرة)).
النشر الورقي جريدة الاتحاد
النشر الألكتروني موقع ألف

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

منْ يُخرج الناس من دين الله أفواجاً؟ بقلم:

21-تشرين الثاني-2013

الحقائق ثوابت أم متغيرات؟

16-تشرين الثاني-2013

عندما يتحول اللونُ إلى إله "كهوف هايدراهوداهوس"

05-تشرين الثاني-2013

أخطاء إملائية

26-تشرين الأول-2013

هل أصبح الكذب ملح الحياة؟

15-تشرين الأول-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow