Alef Logo
ضفـاف
              

عن دائرة الحب وحلقة التكفير

حربي محسن عبدالله

خاص ألف

2010-08-10


بينما تتسع دائرة الحب بالحب وترتكز على الحديث القدسي " كنتُ كنزاً مخفياً فاحببتُ أن أعرف فخلقتُ الخلق". فيتلقف الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي الأندلسي, المعنى ويحط ّ الرحال في الشام ويبني منظومة عشقه الإلهي في وحدة الوجود في دائرة الحب الأسمى ليعلن "إن دين الحب ديني وإيماني" الحب الذي يشيّد أساساته بمقولة "إرحموا منْ في الأرض يرحمكم منْ في السماء". وإن المحبة هي سبب الخلق, أو مايروى عن رسول المحبة السيد المسيح في مقولة بحق الأطفال الذين أصبحوا أهدافاً عسكرية سواءاً في تلعفر أو في قندهار يقول فيها " لايدخل ملكوت الرب من لايعرف أن يضحك كما يضحك الأطفال". بينما تتسع دائرة الحب بحب الخالق لخلقه, تضيق حلقة التكفير بأهل التكفير وترسم محيطها الجهنمي بالمتفجرات لتنتحر كأي عقرب حاصرتها النيران. نقرأ في التاريخ أن عالماُ مسلماً كان يضيق بالإعتدال ويميل بطبعه إلى التطرف - كما درجت التسمية في حاضرنا الدامي- وكان من أهل الشام, غادر الغوطة التي قال عنها خالد بن الوليد إنها "جنة الله على الأرض" إلى الصحراء وفضّل رفقة الرمال وعقاربها على ياسمين الشام وقرنفلها ونسيمها العليل, ومن يومها وهو لا يرى من الأمور إلا عسيرها فنقلها إلى تلامذته ومريديه ممن لا يطيقون صبراً على الإعتدال والتسامح ولا يرون في الدين إلا النواهي ولا يحفظون من الآيات إلا الزواجر ووصف الجحيم. ويغضّون البصر والفؤاد عن المبشرات بالخير والنعم الخالدات. يميلون إلى التنفير ويصعّرون خداً بحق التبشير أولئك الذين أخذوا من الدين قشرته دون لبابه ومن الإيمان شكله دون مضمونه. اولئك الذين يمثّلون المدّ الصحراوي, أعني تلك النظرة الأحادية للأمور وهو الزوايا الضيقة وهو اللون الواحد المتوحد والرافض لأي مسقط للضوء سوى أشعة الشمس الصحرواية اللاهبة. هو الناكر والمنكر لأية قوة خيرة في الكون سوى قوة قيمه وأعرافه الخاصة التي أجدبت من فرط الملل والتكرار والرسوخ البليد, الرافضة لكل جديد. التي توقفت عند حدود الرمال وما أن أخضوضر عشبٌ حتى وقفت مبهوتة أمام الفتنة وكأن الخالق الكريم المبدع لم يخلق النعيم على الأرض إلا للكافرين ونسوا " كلوا من طيبات مارزقناكم". اتسائل هنا عن سورة الضحى وهل يقرأها التكفيريون داخل حلقة بؤسهم. هل ياترى توقفوا أمام عباراتها وتدبروا تلك الصور الرائعة التي ترسمها بهذا القسم الذي يجعلنا نطيل النظر بمحتواه ونتخيل الضحى وأول الفجر وأول صوت مغرّد لطائر يشدو مع هبوب النسيم ثمّ يأخذنا بقَسمه الثاني إلى الليل وسكونه وهدأته ونجومه وقمره. ألا تتوسع دائرة الحب بهذه الصور التي ترسمها آيات هذه السورة؟ لا أظن إن هناك إنسان يقرأ هذه الآيات ويعيش هذه الصور ولا يتسع صدره لقبول الآخر. وإن إختلف معه في الفكر والمعتقد. لكن نفوس منْ يفضّلون صحراء الشدة والتشدد على الضحى والليل إذا سجى, ومنْ يرفضون نعم الله على عباده لابد أن يميلون إلى حلقة التكفير دون دائرة الحب وإلى السيف قبل الكلمة الطيبة. والسبب صعوبة الكلمة الطيبة على من تربى على الشدة, فيظن إنه باختياره للسيف قد أختار الطريق الأصوب وتنكب جادة الحق واضعا نفسه في زاوية لا يمكنه الخلاص منها سوى بالسيف. وتضيق الحلقة أكثر فاكثر فيدمن الداخل في محيطها العبوس وكأنه وكيل حصري لنشر اليأس والبؤس والكآبة والإحباط. فهو لايطيق من يعتني بهندامه وكأن حسن المظهر جريمة تستوجب القصاص فيسعى جاهداً أن يدمّر ملاعب الصبا وملتقيات المودة بين الناس زارعاً الرعب في قلوب الفتيان والفتيات وكأنه لايطيق استمرار الحياة بعده. وإلا كيف يجرأ كائن آدمي على قصف مدارس للفتيات بالغازات السامّة. وأي جنة تنتظر مجرم ينحر عشرات الطلاب وينتحر ظناً منه إنه حارب أعداء الله. هل تضيق حلقة التكفير أكثر وتتجاوز حتى أعقد ما تفكر به العقول الإجرامية المريضة؟. بالتأكيد فالحلقة الجهنمية لايمكن لها إلا أن تضيق لكي يتطاحن أخوة الأمس وأعداء اليوم بنفس الشعارات والتسميات التي كانوا يقذفون بها مخالفيهم. تضيق حلقة التكفير بأهلها فيوسعون قائمة الممنوع ويطيلوا المعاناة عليهم وعلى غيرهم في طريق الإستبداد والتحجر. وتتسع دائرة الحب وتبحث عن شركاء جدد لينظمّوا إلى قافلة الحرية. حرية الضمير والمعتقد والرأي والبحث عن فسحة للتلاقي بين البشر على أرضية المساواة والتكريم الذي خصّ به الخالق عباد الرحمن وليس عبيد الضلال الذين يفسدون في الأرض ويظنون أنهم يحسنون صنعاً عندما يضعون أنفسهم قيّمين على الناس إلى يوم يبعثون. في معادلة بمنتهى الغرابة نجد فيها التدخل السافر في مايؤمن الآخرين واجب شرعي. بينما الآية التي تخاطب النبي تقول " إنما أنت بشير ونذير". ويكتفي الحق بالقول ولايطالب أحداً بكشف حساب عما في ضميره "لست عليهم بمسيطر" و " إنك لاتهدي منْ أحببتْ والله يهدي منْ يشاء". ثمّ تضيق حلقة التكفير في محاولة للولوج إلى وجدان الناس فلا يكتفوا بالشكل الخارجي الذي يفرضوه على الآخرين. بل ينتهي الأمر بهم إلى فرض صورة نمطية تجعل الزي الأفغاني وكأنه واجب شرعي وليس فلكلورا يخص شعباً بعينه. ثم فرض إطالة الذقن مثالا آخر على مدى الزيف في توحيد الأشكال الخارجية وإطالة النظر في الأمور الثانوية التي لاتشكل في منظومة القيم الإنسانية شيئاً. ولكي تكتمل الحلقة الجهنمية يوصي فقهاء القتل برفض أي جديد تحت طائلة البدع والضلال فبينما يستخدم زعماءهم أرقى أنواع التكنولوجيا لتصنيع المتفجرات والرسائل الملغومة وتحويل الأموال والمتاجرة بالألماس في السوق السوداء لتمويل عملياتهم, يقوم صغارهم بتحطيم أجهزة التلفاز والحاسوب وصولا إإلى تحطيم تماثيل بوذا الأثرية. بوذا الذي نادى من دائرة الحب قائلا:" لا اعرف شيئاً عن أسرار الرب ولكني أعرف أشياءا عن بؤس البشر" ثم يختم دعوته بالقول ( ياهذا لاتقرع الناقوس لقد أفزعت الحمائم)..

×××××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف





تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

منْ يُخرج الناس من دين الله أفواجاً؟ بقلم:

21-تشرين الثاني-2013

الحقائق ثوابت أم متغيرات؟

16-تشرين الثاني-2013

عندما يتحول اللونُ إلى إله "كهوف هايدراهوداهوس"

05-تشرين الثاني-2013

أخطاء إملائية

26-تشرين الأول-2013

هل أصبح الكذب ملح الحياة؟

15-تشرين الأول-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow