Alef Logo
دراسات
              

طاقات الشباب من التطرف الديني إلى ثورة الفيسبوك

حربي محسن عبدالله

خاص ألف

2011-08-13

للشباب طاقات جسدية وفكرية, وإذا كان العقل الرشيد هو ما يحرك الجسد فالطاقة ستتحول إلى عمل ونشاط وحركة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: حركة الشباب إلى أين؟ وقبل ذلك هل هناك منْ يوجّه, لكي لا أقول يقود, هذه الحركة؟ وبتعبير آخر ما الذي يوجه حركة الشباب رشيد العقل إلى ثورة المطالب المشتركة والقواسم المشتركة؟ أعني مطالب الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية, ويتجاوز الخلافات أياً كان نوعها. سياسية, دينية, فكرية. الشباب الذي قد يجرّ وراءه من هم في سنه, وإن اختلف معهم في التجربة والخبرة والتعليم والتوجهات, أو قد يسحب وراءه شعباً كاملا بكافة فئاته, وهذا ما اثبتته الأحداث التي توالت فصولا في ما أصبح يسمى بثورة الشباب في تونس ومصر وسورية التي اعتمدت على المعرفة التكنولوجية, تخطيطاً وادارةً وتنفيذاً, فمن كان ليصدق إن شباب الانترنت يستطيعون تنظيم أنفسهم عبر صفحات المواقع الاجتماعية كقيادة فعلية للثورة ويسحبون من وراءهم أحزاباً شابت على مجد الشعارات وشعباً أدمن الصبر والانتظار.


قبل أن نبحث في الإجابة على الأسئلة الآنفة الذكر علينا أن نقف مع مقدمة لابد منها عن الأحزاب والحركات السياسية التي كانت توجه المشهد برمته أبان حقبة مابعد الاستعمار. فقد كانت الأحزاب الايديولوجية في مرحلة التوجهات الثورية من ماركسية ووطنية وقومية في خمسينات القرن الماضي وما تلاها من مراحل حركات التحرر الوطني المناضلة من أجل الخلاص من الاستعمار والتبعية, وبعد قرون من الظلام العثماني وسلطة الخلافة والأثمان الباهضة التي دفعتها طليعة المجتمعات في المنطقة العربية من أحزاب وتنظيمات وحركات نقابية ومطلبية توجت نضالها بأنظمة مجالس قيادة الثورة أو تنظيمات الضباط الأحرار في بعض البلدان أو ملكيات وإمارات منتقلة عن الادارة المباشرة للقوى الكولنيالية في بلدان أخرى. ثم الدخول إلى المرحلة التي اعتبرت فيها نفسها (أي هذه الأنظمة) محققة للاستقلال الناجز. فدخلنا عندها مرحلة المواجهة مع اسرائيل أو مازرعه الاستعمار الآفل في منطقتنا من أنظمة حكم كان البعض منها بمثابة انتقام من الشعوب التي ثارت بوجه الاستعمار. ثم جاءت مرحلة أخرى في الصراع العربي- الاسرائيلي, وبهزيمة حزيران 1967 دخلت شعوب المنطقة العربية وعلى رأسها طبعاً جيل الشباب مرحلة كان اليأس طابعها المميز, خففت من وطأته حرب 1973 ثم انتقلنا بين مدّ وجزر من حرب تشرين حتى حرب تموز التي أعادت بعض ماء الوجه وأزاحت شيئاً من اليأس عن كاهل أجيال متعددة. لكن الحروب الدموية التي شهدتها المنطقة, كحربي الخليج الأولى والثانية, وانتصار الثورة الإيرانية وما فرخته من صحوات إسلامية في أكثر من بلد ثم تحول هذه الصحوات إلى منحى غاية في الخطورة أعني النزعات الطائفية التي بدأت تنتشر عبر ما يسمى الأحزاب الاسلامية التكفيرية وتداعيات هذه النزعات بالأخص بعد الاحتلال الأميركي للعراق وما سبقه وواكبه من حملات اعلامية لأكثر من طرف أقليمي ودولي ركزت في الأذهان مصطلحات مثل "المثلث السني" و"الهلال الشيعي" على سبيل المثال, أوصلت العراق إلى حافة الهاوية واهتزت في مصر أواصر الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط وانتشر الحديث بين أوساط الناس العاديين في العالم العربي عن الشيعة والسنة, ودخل إلى ساحة الصراع السياسي من يتحدث بإسم الطائفة وحقوق الطائفة وتراجعت القيم المشتركة بين أبناء الوطن الواحد. في هذا الجو المشحون بالعاطفة العدائية وما اطلق من غرائز الانتقام وما فلت من الهواجس القطيعية التي يمكنها أن تطيح بأي مشروع وطني ديمقراطي جامع يدعو لعقد اجتماعي جديد على أساس المواطنة الحقيقية وقيم العدل والمساواة, كان الشباب ضحية يأس من نوع جديد دفع البعض منهم إلى أحضان تنظيمات متطرفة والتجأ قسم آخر منهم نحو الواقع الافتراضي عبر الانترنت والتواصل مع الآخرين عبر المواقع الاجتماعية التي وجد فيها ضالته والمتنفس الذي من خلاله يحقق ذاته ويشارك من هم في سنه أحلامه وطموحاته وأوجاعه, ويدعوه بهدوء إلى النظر بعين أخرى نحو المشهد البائس الذي يغلف حياة شعوب العالم العربي على مختلف الأصعدة. نبدأ بالحالة الأولى لأن وضع كلمتي الشباب والتطرف جنبا إلى جنب قد يوحي بأن ثمة علاقة أو تلازمية بين ما ترمز إليه الكلمتان. وهذا يدفع إلى التساؤل هل هناك بالفعل علاقة حتمية أو صلة جدلية بين مرحلة الشباب وظاهرة التطرف ولعل الإجابة على هذا السؤال تقتضي التعرض إلى ذكر ماهية الشباب وخصائصه من ناحية وتعريف التطرف ومواصفاته من ناحية أخرى، وذلك لمعرفة هل هناك علاقة أو تلازم بين الظاهرتين؟



يمكن تعريف التطرف بأنه الغلو المفرط والشطط الجامح وعدم مراعاة الوسطية وعدم اعتبار التوازن الذي يتركز عليه الوفاق والانسجام بين الآراء والمواقف والمقاربات والمسلكيات المختلفة. إنه التعبير عن أحادية النظرة والشمولية ورفض الاختلاف ونكران التعددية. إنه السعي إلى فرض الذات وإحكام السيطرة بالقوة وإخضاع الآخر بواسطة الإكراه والتعسف واللجوء إلى القوة والعنف والترويع والإرهاب الفكري والمادي. التطرف هو بالتالي نقيض الوسطية والقبول بالتعددية الفكرية والتنازلات المتبادلة والتوافق عبر الحوار السلمي والنقاش الرصين والإقناع من خلال المحاججة الهادئة. فالتطرف إذن موقف إقصائي أناني لا مجال معه لوجود قيم الندّية والتعددية والقسطاس التي تقوم عليها الديمقراطية. بقي الآن أن نعرف الشباب ونذكر خصائصه ومميزاته: الشباب كما يعرف الجميع هو الشريحة الاجتماعية التي يتراوح عمرها بين 15 و 30 سنة. وتختص هذه الشريحة بخصال ومواصفات مميزة ولها عقلية ومسلكيات تنفرد بها عن غيرها من الفئات الاجتماعية الأخرى. فمن وجهة النظر الجسدية يمتاز الشباب بالعنفوان والنشاط والحيوية والتوفر على فائض من الطاقة قد تكون خلاقة وقد تكون هدامة حسب الوجهة التي توجه إليها. ومن وجهة النظر النفسية يتسم الشباب بالحساسية وسرعة الانفعال وسهولة التأثر والجنوح إلى التمرد على القيود الاجتماعية و على الامتثالية وبالميل إلى التحدي والمجابهة والمغامرة وعدم الاكتراث التي تصل أحيانا إلى التهور فضلا عن المخاطرة المترتبة عن التلقائية وعدم المقدرة على قياس المخاطر وتقدير العواقب. كما أن الشباب ميال بطبعه إلى الطوباوية والمثالية ويطمح إلى العدالة والمساواة، وينفر من الظلم والغبن والإهانة والإذلال ويرفض العسف والغطرسة والتسلط. فالشباب منجذب إلى تبني القيم السامية والإيمان بالمثل العليا كالحرية والعدالة والمساواة وإشاعة الحب وتوفير السعادة للجميع. إلا أن الشباب بحكم طبيعته ميال إلى الاندفاع والجموح والنزق والمغامرات غير المحسوبة النتائج لكن هذه التصرفات مرحلية ومؤقتة وقابلة لأن يحد منها ويسيطر عليها جزئيا أو كليا حين يتم اتخاذ الإجراءات الملائمة وانتهاج المسالك المؤاتية لذلك، فهذه المسلكيات وهذه المواقف التي تميز الشباب هي وليدة حالة ظرفية ومؤقتة وعابرة ومن ثم فإنه لا يمكن بحال من الأحوال وصفها بالتطرف الذي يتمثل في التصرف الأهوج الهدام والمميت. لكن من المؤكد أنها قد تتحول إلى تطرف مدمر إذا لم تتخذ الاحتياطات الضرورية للحيلولة دون ذلك. بعبارة أخرى إن حيوية الشباب والطاقة الهائلة الكامنة فيه إذا لم يصرفا في تحقيق إنجازات محسوسة ويوجها إلى ممارسات مثمرة، وإذا لم تتم مراعاة المثل التي يؤمن بها واحترام القيم التي يستأنس بها، وإذا ما تم إخضاعه للعسف والمعاناة والإهانة والدونية، وإذا ما سُدّت في وجهه الآفاق وسيطر عليه اليأس والقنوط، عندها فإن شعوره بالغضب وميله إلى التحدي والمغامرة غير محسوبة العواقب تتحول إلى عوامل قد تقود إلى التطرف الجارف الذي قد يحول البلدان إلى خراب ودمار يكونان وبالا على الجميع. وعندها فالمسؤولية لا تقع على الشباب بقدر ما تقع على السلطات السياسية المسؤولة عن تدبير الأوضاع في هذه البلدان. الحقيقة أن التطرف ليس سلوكا تلقائيا ومجانيا أو عبثيا آت من فراغ، بل لابد أن له أسبابا ودواعي ومبررات يجب تشخيصها ومعالجتها، إذ أن الأمور في الغالب تزول بزوال مسبباتها. فما هو التطرف في تجلياته السلبية المهددة للوئام والسلم الاجتماعي؟ يتمثل ذلك في المبالغة والغلو والشطط وتخطي كل الحدود المتفق عليها في سياق اجتماعي معين، ويتجلى في الجموح المفرط، والإخلال بالموازين التي ترتكز عليها حياة المجموعات والأفراد وفي الخروج عن الوسطية وعن الوفاق والتطرف يرتكز على الأنانية والشمولية وأحادية النظرة ونكران التعددية وعدم القبول بالاختلاف والرغبة في السيطرة وفرض الذات، وإخضاع الآخر لرؤية معينة أو سلوك أحادي الجانب بواسطة الإكراه والعنف واللجوء إلى القوة والترويع والإرهاب الفكري أو المادي. هل الشباب بحكم طبيعته متطرف؟ لا ليس الأمر كذلك، لكن الشباب كما ذكرنا حساس، سريع الانفعال، ميال إلى المجابهة والتحدي، مولع بالمغامرة والفضول، منجذب إلى كل طريف وجديد ومتطلع إلى المستقبل. وينبغي أن لا يتم الخلط بين عنفوان الشباب وولعه بالتجديد والخروج عن المألوف ورغبته الجامحة في إحداث تغييرات اجتماعية وسياسية واقتصادية وبين التطرف، فعنفوان الشباب وتوقه إلى المغامرات غير محسوبة العواقب تصرفات مؤقتة ومرحلية تزول بتخطي تلك المرحلة من العمر. بيد أن الشباب إذا لم يعط الفرصة لصرف شحنة الطاقة الكامنة فيه وإذا لم يتح له أن يستثمر حيويته في عمل إيجابي ذي مردودية، وإذا سدت في وجهه الآفاق وأصيب بالإحباط واليأس فإنه لا محالة سيسخط ويغضب ويصبح ناقما على المجتمع، حاقدا عليه، فتولد لديه الرغبة في الانتقام والهدم وهنا يتحول غضبه ونقمته إلى تطرف قد يتخذ أشكالا عديدة غير محمودة العواقب لاشك أنه من الحصافة والحكمة تفادي وقوعها والحيلولة دون ظهورها. ومن الجدير بالذكر هنا الإشارة إلى أخطر أنواع التطرف وهو التطرف الديني الذي ينتشر في الأعم الأغلب في حواضن اجتماعية يسودها الفقر والجهل والأمية. وإذا عرفنا إن نسبة الأمية في الوطن العربي وصلت إلى مستويات مرتفعة للغاية حيث أشار تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة الصادر في شهر كانون الثاني "يناير"عام 2009م
إلى إن هناك 70 مليون أمي في العالم العربي, وأضاف التقرير الذي تم إعداده بناء على المعطيات التي قدمتها دول المنطقة أن ثلثي الأميين من النساء وأن حوالي ستة ملايين طفل في سن الدراسة, بينهم 60% من الفتيات, لم يلتحقوا بالتعليم, وتنتشر هذه الظاهرة بصورة خاصة في الدول ذات الكثافة السكانية الكبيرة مثل مصر والمغرب والسودان. إن الواقع يؤكد وجود مستويات متدنية في التعليم لدى بعض الدول العربية, ويظهر مدى التفاوت بين معدلات الأمية, فبينما ترتفع نسبة المتعلمين في لبنان إلى 93,7% العام 2000 ويتوقع ارتفاعها إلى 95,8% العام 2010 وتحتفظ الأردن وتونس وسوريا والسعودية والكويت والإمارات وقطر وليبيا بمعدلات تفوق 80%, نجد أن هذه المعدلات تتراجع لتبلغ أدنى مستوياتها في موريتانيا والمغرب والسودان: حوالي 40 إلى 50%. إن حالة الأمية السائدة في البلاد العربية وبنسبة عالية, هي عائق أساسي أمام الديمقراطية, لأن الأميين بعيدون عن القرار وليس لديهم الأهلية لمسك زمام أمورهم ومستقبلهم بأيديهم. وحينما يزداد الحديث عن "المشاركة" كحد أدنى في العملية الديمقراطية, فإن ذلك يعني حكماً تزايد الكلام عن التلاعب السهل بمصير شرائح واسعة من الناس, وبالأخص الشباب, تحت شعار ضرورة مشاركتهم بالحياة السياسية. من جهة أخرى فإن حالة الأمية في العالم العربي تسهّل حكم الأنظمة الديكتاتورية, وتشكل قاعدة الاستبداد السياسي, الاقتصادي والاجتماعي, لأن هذه الشرائح الواسعة غالباً ما تكون عاجزة عن رد الفعل المنطقي أولا والمبادرة الصلبة ثانياً من أجل المشاركة في توجيه حياتها ومستقبلها من جهة, فتميل بسهولة إلى التطرف الديني وتكون صيدا سهلا للتنظيمات المتطرفة من جهة أخرى.



ولكي نسلط الضوء على موضوع التطرف الديني لدى الشباب, علينا أن نتعرف عن كثب على حالتين الأولى شباب الثورة الإيرانية أو مايعرف بـ "البسيج" والحالة الثانية هي شباب الأمة العابرة للقوميات أو "شهيد القاعدة". يقول فرهاد خسرو خافار في كتابه (شهداء الله الجدد "في سوسسولوجيا العمليات الانتحارية"): "بُعيد سقوط الشاه وتأسيس النظام الثوري, أنشأ الحكم الجديد منظمة شعبية لحماية الثورة من هجوم أعدائها. انبثق البسيج من هذه الرغبة في حماية الثورة التي مازالت ضعيفة أمام أنصار "الثورة المضادة", لا سيما "الطاغوتيين", أي مناصري الشاه. أنشيء البسيج, ومعناه الحرفي "التعبئة", بهدف جعل الطبقة العاملة الشابة في خدمة الثورة. في بداية الحرب ضد العراق, أدرجت هذه المنظمة في جيش الحرس الثوري (باسداران), وهو منظمة عسكرية أنشئت بعيد الثورة وشكلت جيشاً مستقلا عن الجيش التقليدي الذي أتُهم ضباطه الكبار بالتعاطف مع الشاه. يتألف البسيج من مجندين متطوعين, وفي أوج الحرب, كان عدد المتطوعين يفوق الأربعمئة ألف متطوع, يتميز البسيجي باندفاعه وتفانيه وبأنه لا يهاب الموت... في سياق ثورة مهددة من كل حدب وصوب, بالحرب وبالثورة المضادة المتمثلة باليمين الملكي واليسار المتطرف على حد سواء, ظهر نوع جديد من الأفراد: شباب تتراوح اعمارهم بين الثامنة عشرة والثلاثين, وحتى أصغر (بدءاً من الرابعة عشرة), مستعدون للتضحية بأنفسهم في سبيل الثورة. عُرف هؤلاء بـ "مجانين الله" وهم يعرّفون الخميني على أنه القديس, والقائد السياسي بامتياز, ويُقبلون على الشهادة برحابة صدر لحماية الثورة التي انحرفت عن خطها...أظهرت الدراسات حول هوية هذا الشباب الثوري أنها ليست متجانسة, وبالإمكان تمييز ثلاثة أنواع من الفاعلين على الأقل: أولاً, ثمة من انتابهم شعور باليأس الشديد نتج عن الوضع الحرج الذي آلت إليه الثورة التي تجسد الاسلام, خضعت وجهات نظرهم إلى تحول جذري, من متفائلين في بداية الثورة, إلى متشائمين ومتشددين إبانها. إن تشددهم هو, بطريقة ما, نتيجة الشعور بالخطر الذي يهدد مستقبل الثورة كلما طالت وتفاقم الكساد الاقتصادي, يشعر هؤلاء بأنهم على شفير الهاوية, ما يفسّر يأسهم وانتمائهم لتديّن لا يرى الخلاص إلا في الشهادة, شعور بالغضب واليأس, كان يتأرجح بشكل مستمر بين مؤثرين, فهم يناهضون كل من يعتبرونه عدو الثورة, سواءا كان الجيش العراقي, أو المسلم الذي يتردد في الدفاع عن ثورة مهددة. بيد أنهم, في الوقت نفسه, لا يعتقدون أن باستطاعتهم إنقاذ الثورة في هذه الحياة. من هنا تبدأ المنافسة بينهم على الشهادة. ثمة نوعان من الفاعلين إلى جانب مرضى الشهادة: المراهقون الذين ينخرطون في البسيج وجيش باسداران لإثبات استقلاليتهم أمام أهلهم والاعتراف بهم كراشدين, وتشكل الحرب بالنسبة إليهم اعترافاً بالانتقال من مرحلة المراهقة إلى سن الرشد. وبالتالي, يلعب البعد اللعبي للحرب دوراً ملحوظاً في انظمامهم للبسيج. وتجدر الاشارة إلى أن تلاعب المنظمات التي تنتمي إلى البسيج داخل المؤسسات المدرسية بعاطفتهم الدينية, يشكل عاملاً مهماً في تعبئتهم. وهناك فريق ثالث انظم للبسيج, يلعب هذا الأخير دوراً مهماً يكمن في كونه الوسيلة الاجتماعية التي تسمح لمن يشارك في الحرب بالاستفادة من ترقية اجتماعية واقتصادية سريعة في مجتمع في طور الإفقار, وحيث الحركة الاجتماعية تزداد صعوبة. يقدم البسيج وجيش باسداران للشباب مراكز قيادية, ليس داخل الجيش فحسب, بل في هيئات حكومية أخرى أو في القطاع العام الذي توسّع بشكل كبير بعد تأميم أملاك وأموال "الطاغوتيين" أي نخبة الشاه. تشكل هذه الفئة من "الوصوليين" أغلبية شباب البسيج. انظموا إلى الخميني, لأنهم مقتنعون به ولأنه على رأس الدولة وسيوفر لهم ترقية اجتماعية". وبالمناسبة لا يزال البسيج هو القوة الضاربة التي يستخدمها خليفة الخميني لضرب أي تمرد على السلطة أو أي ثورة مضادة من أجنحة داخلها تنتفض على المرشد الأعلى او تدعو للخروج على نهج "ولاية الفيه".



الحالة الثانية التي تستحق وقفة أخرى هي "شباب القاعدة" الذين استدرجوا إلى تنظيمات القاعدة من مختلف بلدان العالم عبر شبكة الانترنت والمواقع التي تنشر الفكر المتطرف التكفيري, الذي يحمل "لواء الجهاد", عبر عمليات داخل البلدان الاسلامية وخارجها عبر شبكة من التنظيمات التي تجند الشباب وتسخرهم في عملياتها من تجارة الألماس في افريقيا والمخدرات في أفغانستان إلى العمليات الانتحارية التي تضرب يميناً وشمالاً, ومن الجدير بالذكر هنا إن عملية تجنيد الشباب بدأت مع مرحلة الجهاد في أفغانستان أواخر سبعينات وثمانينات القرن الماضي. قدرت مجلة الدفاع البريطانية أعدادهم بحوالي 14000 من بينهم 5000 سعودي, 300 يمني, 2000 مصري, 2800 جزائري, 400 تونسي, 370 عراقي, 200 ليبي, وعشرات الأردنيين. تنحدر أغلبية هؤلاء الشبان من طبقات شعبية في بلدانهم الأصلية يلتقون ببعضهم في أفغانستان ويتعلمون اللغتين الباشتو والداري (اللغة الفارسية في أفغانستان), وقد شكلت أفغانسنان وباكستان خلال الثمانينات والتسعينات نوعاً من البوتقة يلتقي بها هؤلاء الشبان من مختلف أنحاء العالم تجمعهم عدة عوامل أولها انحدارهم من طبقات في أسفل السلم على المستوى الأجتماعي والأقتصادي والعلمي, وكرههم للغرب الذي يمثل الشر بأبشع صوره. كانت الثمانينات هي السنوات التي جنّد بها تنظيم القاعدة شباباً من أصول متواضعة, لكن التنظيم في التسعينات غيّر سياسته واختار مجندين من نوع آخر, أقل في الكمية وأفضل في النوعية, أي على درجة عالية من العلم والثقافة, فأصبح تجنيد الشباب يتم عبر الأنترنت, وبتوجيه المواقع الإسلامية المتطرفة, عبر شبكة عنكبوتية من التنظيمات التي تتوالد في العديد من البلدان العربية والاسلامية وفي عدد كبير من دول الغرب أو ما يسمى دول الشتات التي فرّخت شباباً من أصل مهاجر, أي الذين ولدوا في فرنسا أو في إنكلترا, اعتنقوا إسلاماً متطرفاً, لأنهم لم يجدوا مكاناً لهم في المجتمع, ولأنهم عرضة لشتى أشكال العنصرية والرفض. يسعون إلى معالجة الأمر عبر الهروب إلى المنفى في بلدان أوروبية وإلى الولايات المتحدة, وفي نهاية المطاف, إلى أفغانستان للانظمام إلى جماعة طالبان أو لفروع تنظيمات القاعدة ثم العودة إلى الدول التي جاءوا منها والقيام بعمليات وضرب أهداف تحددها لهم قيادات القاعدة عبر الأنترنت, أو ينشقّوا عن مشايخهم ويقوموا بعملياتهم الخاصة كل حسب ظرفه ومعطيات البلد الذي يعيش به. كما يلاحظ أن المنحدرين من الشرق الأوسط الذين يعيشون في الغرب, كانوا يشكلون شتاتاً ذا سمات خاصة فمن بين التسعة عشر شخصاً الذين تورطوا في أحداث الحادي عشرس من أيلول سبتمبر 2001, ثمة خمسة عشر جاؤوا من السعودية ولا يعانون من مشاكل مادية. لقد تلقوا تعليماً حديثاً, وأقام معظمهم في بلدان غربية لقترة طويلة من الزمن, كألمانيا, أو انكلترا أو الولايات المتحدة. إن الدافع الذي حثهم على القيام بعمل كهذا, ليس الضيق من الحياة الذي يعانيه شباب شتات أوروبا, حيث الأغلبية مبعدة اقتصادياً وعرضة للتمييز العنصري, بل الإيمان الديني المتطرف ومازرعه المشايخ المتشددين من فكر يبدأ وينتهي برفض الآخر من جهة ويعبّد الطريق إلى "الجنة" بأسرع وسيلة لايحتاج معها الشباب المتحمس لإعمال الفكر من جهة أخرى, فمبايعة الأمير على السمع والطاعة هي أول خطوة إلزامية للدخول إلى "عالم الكبار" أولاً والخلود ثانياً.



بعد أن تطرقنا إلى علاقة الشباب بالتطرف الديني عبر الحالتين السابقتين, نسلط الضوء الآن على الثورة التكنولوجية التي أدت إلى ثورة الشباب , فلا شك بأن العلوم الالكترونية خطت خطوات عملاقة ومهمة عند اكتشافها البث الرقمي. وقد اعتلت كبرى الشركات العالمية هذا المجال شركة مايكروسوفت التي تصدرت الريادة في الحاسوب والبرمجيات، وهي تطرح أفكارا جديدة وحيوية في نطاق التجديد. فقد نقلت رويترز عن رئيس شركة مايكروسوفت عملاق صناعة البرمجيات في العالم بيل جيتس قوله: إن التكنولوجيا لن تعرف الاستقرار وستواصل التقدم الى ما لا نهاية. وهكذا دخل الشباب الذي لم ينجذب إلى التطرف إلى عالم ثورة من نوع آخر, فضّل من خلالها التمترس وراء أجهزة الحاسوب والتوحد في عالم افتراضي ينتقل فيه من مواقع الدردشة والتعارف مع الجنس الآخر إلى عالم الفضائح والمشاهير, ثم الاطلاع على طرق القرصنة الالكترونية والهجوم على مواقع أخرى واستعراض القدرة على التخريب وتصميم برامج الفايروسات, إلى جانب التواصل عبر الأنترنت بالمواقع الاجتماعية, كموقع "الفيسبوك" وما شابه ذلك, للتعارف أولاً ثم تبادل وجهات النظر حول مختلف القضايا, منها على سبيل المثال نشر الفضائح السياسية بالصور والأفلام والتعليق عليها. هذه المواقع أتاحت للشباب ليس فقط التواصل بل تشكيل نمط جديد من العلاقات, يتشاركون فيها بوجهات النظر ويشكلون ما يشبه الجمعيات التي تلتقي على شعار معين وهدف معين هو بالأساس تعبير عن مطالب. مايميّز هذه الجمعيات - إن صحّت التسمية- لا تطالب منتسبيها بالإيمان بفكر بذاته أو ايديولوجية بعينها, ولا تفرض رأياً سياسياً أو اصطفافاً حزبياً أو جهوياً, بل شكّلت حراكاً مطلبياً كان عنوانه "الحرية, الكرامة, العدالة الاجتماعية".وقد توجته بـ"ثورة الشباب" التي شهدنها تونس ومصر وتأثر بها العالم العربي من أدناه إلى أقصاه. في تونس كان هناك مشهد زرع الشباب فيه الأمل بغدٍ أفضل يكون الشعب فيه, عبر منظمات المجتمع المدني والأحزاب التي بدأت باللهاث وراء الشباب المنتفض, هو سيد نفسه ويدفع ثمن وعيه وخياراته. الجدير بالذكر هو مانراه من تقدم المطالب الشعبية والصدور العارية التي واجهت رصاص أجهزة القمع على شعارات الأحزاب, هذا أولاً وثانياً لم تتحول المطالب الشعبية عن أهدافها في إزاحة الحزب الحاكم ورموزه من مراكز القرار, وثالثاً لم تنزلق جموع الثائرين إلى الانتقام سوى من رموز الفساد من عائلة الرئيس التونسي وبطانته وكل من دخل في دائرة الاثراء غير المشروع, الذي كان على حساب آلاف العوائل التي تشكل حزام الفقر في المدن التونسية. ورابعا لابد لنا من تسجيل حيادية الجيش ورفضه قمع المحتجين, والذي يؤكد إن ثمة مساحة جيدة للحركة الشبابية أمنتها الروح الوطنية للجيش. أما في مصر التي انتقلت إليها عدوى "ثورة الفيسبوك" فنجد صورة مشابهة لما حدث في تونس, فقد أخذ الشباب زمام المبادرة ووقفت أحزاب المعارضة العريقة بذهول أمام تسارع الأحداث في ميدان التحرير وكيف صمد الشباب أمام التهديد والوعيد و"البلطجية" من جهة, وكيف وحّدوا جناحي الأمة من مسلمين وأقباط في مشهد للوحدة الوطنية أبعد شبح الصراع الديني وأطفأ نار الفتنة من جهة أخرى. كما إن ثورة الشباب سجلت لبداية مرحلة جديدة تتتقدم فيها القواسم المشتركة بين الناس على الاختلافات مهما كان نوعها, بتعبير آخر أسست لطريق جديد عنوانه الكرامة, ونهجه التسامح وهدفه السعي الحثيث باتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية على أرض الواقع, عبر الاشراف على عملية التغيير والتعلم من الأخطاء وتصحيح المسار عبر المشاركة الفعالة وتحمّل المسؤولية بروح ايجابية, لا عبر التطرف الديني ورفض الآخر والبحث عن حلول في عالم آخر بل عبر ثورة مستمرة تبناها وقام بها ورعاها شباب كشف عن طاقاته عبر "الفيسبوك".











تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

منْ يُخرج الناس من دين الله أفواجاً؟ بقلم:

21-تشرين الثاني-2013

الحقائق ثوابت أم متغيرات؟

16-تشرين الثاني-2013

عندما يتحول اللونُ إلى إله "كهوف هايدراهوداهوس"

05-تشرين الثاني-2013

أخطاء إملائية

26-تشرين الأول-2013

هل أصبح الكذب ملح الحياة؟

15-تشرين الأول-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow