Alef Logo
كشاف الوراقين
              

"مراتب الوهم" حين تستبيحُ الغوايةُ ربيعَ الكلمات

حربي محسن عبدالله

خاص ألف

2011-09-21

الغواية دعوة للاستباحة والشعر ابتكار يستبيح الكلمات ليشكل منها صورة جديدة, لا قفزاً على غريب الألفاظ ولا رقصاً على كلمات المنجد "الذي لا ينجد" إلا لماماً. بل أتجرأ وأقول أن من يعتمد من الشعراء على المنجد لن يجده سوى مطيّة. أعني مطيّة منْ لا حظ له في الصور الميتكرة لافتقاده لخيال خلاق, ذلك الخيال الذي له أجنحة لا يطير بها مع سرب بل ينطلق وحيداً, لأنه يستعيد صلة قربى بشغف النسور التي تحلق في الأعالي وحيدة. وفي المخيلة الخلاقة يتجلى التفرد بأوضح صوره وينطلق سحر الكلمات بلا تعقيد متكلّف ولاتبسيط متزلّف ولا مجانية في الاختيار. ورغم ازدحام رفوف المكتبات بالمجاميع الشعرية أو الأعمال الكاملة, التي هي في بعض الأحيان تراكم كمي لا يؤدي إلى طفرة نوعية أبداً لأنه تكرار بليد لصور مطروقة أو تهويمات في اللامعنى, ورطانة لا يمكنك فك شفرتها ولو استعنت بجيش من المفسرين وإن كان بعضهم لبعض ظهيراً. إلا أننا لانجد إلا القليل من الشعر والصور الجديدة التي يبتكرها خيال شاعر مبدع ومن هذا القليل نقرأ للشاعر وديع شامخ قصائداً ونرى صوراً ونتلمس أجنحةً لكلمات. عبر مجموعته "مراتب الوهم" التي صدرت مؤخراً عن دار الينابيع في دمشق.
من عتمة ليل المحبرة إلى صباح الكلمات الأبيض, تأخذنا قصائد مجموعة "مراتب الوهم" التي تلاطف حقائقها وتعيد صياغتها بحرير الحلم إلى أول البهجة القادمة على جناح الفجيعة التي تجلت في أقلام مصفوفة على المنضدة, منضدة الشاعر الذي يقول" أريدُ أن أكتري ساعة لفرحي من اليوم العزيز على الساعات على ناسها النائمين في مقامة الوقت". الأقلام التي تناكف صاحبها إذا ما امتطاها وتتوعده باغتراب أبدي يتحول الحب فيه إلى ذكرى بعيدة أو وهم تناقله الأسلاف حيناً ثم طوي إلى الأبد. فكم أدمت الأقلام قلوب أصحابها. ـ لو أدري أن أقلامي التي بريتها ستكون رماحاً في خاصرتي, والأقلام التي أرضعتها حبر روحي, تنازعني الساعة على قلقي, لو أدري أن المحبرة التي ملأتها بهوسي وجنوني تناكدني على شكوكي. لهربت ببهجتي إلى أقصى الموج واحتميت بفجيعتي, كي أعيد للشمس خضرتها, لقميصي المعروق جفافه الأكيد لقلبي بياضه, لوهمي براءته ـ. وبعد أن نغادر الحيرة بين يدي الشاعر ونمضي إلى القصيدة الثانية نجد ثمة مدار للأبدية لا يدخله سوى المدمنون على مناجاة البئر المجنونة بئر الأسئلة التي تتمايل الصور المنعكسة فيها من نشوة الوهم السائر إلى أعالي المحال لمن "يتجلى في صمته والبئر يوقظه", عنوان القصيدة هذا يذكرني بأبيات للشاعر البغدادي حافظ جميل عن التجلي في وضوحه الصامت أو الصمت الذي يبلّغ الرسالة ببلاغة تحسده عليها الكلمات, يقول فيها:
وأعظمُ بلواكَ من همٍ تعانيــهِ ومن جوى ألمٍ في النفس تخفيــهِ
يلومكَ الناسُ عن جهلٍ فتعذرهم وأي عذرٍ كطولِ الصمتِ تبديــهِ
ولربّ حشرجةٍ في صدر محتضرٍ أفشى من النطق في إعلان مافيـهِ
في البئر المجنونة هذه تاهت أسئلةٌ, وتلاشى نواحٌ, وذابت شكوى, وضاع صراخ وامتزجت أنّات لحزانى وفي البئر صدى النائحات وطعم الدموع ولون الدماء وشكل الجراح. عند حافة البئر نقرأ "أنا الواقف على بئر الأسئلة..الوصايا تمزّق ستار الوهن والوهم وبقايا النائم فينا من مساء الأبدية. ربما كانت حياتنا فقاعة طافية على مدار الوهم, ونحن سائرون بموجتها إلى أعالي المحال ". ويختم الشاعر الحافة الأخرى بالقول: " لمنْ أمنح دموعي إذن؟؟ للماء كي يُعَكّرَ صفوُ النبعِ؟ للدم كي نولدَ بنصف قلبٍ؟ للآلهة كي نلفّ حبل العبودية على أقدارنا؟ للشمس, كي نُبعثَ بقلب ساخنٍ؟ ". إنها صورة النسبي وهو يتأمل نسبيته في تلك الفقاعة الطافية على مدار الوهم, فأين يختبأ المطلق النائم فينا؟
ومن هذه الأسئلة نرحل نحو صور جديدة في قصيدة " جال في خاطري أن أغني قبل التدوين" ترسم لنا المتكلم واقفاً على صراط الأبدية متمتماً بصلاة منْ لايعرف اليقين, بل يحاصره الشك كأفعى تلتّف على كأس. صلاة هذه هي صورتها: " بكامل هيئتي أمدّ لساني هامزاً للحتميات التاريخية وهي تنوخ كأبل المستكشفين, وسفن الفاتحين وصلاة الباحثين عن الصليب والزكاة..!! أفتح كنانتي البلهاء شرطاً لجواز سهمي على طريدة الصدفة وأصلي أركع وأسجد ربما أتمتم أو أصمت لِمَ كل هذا التوسل والحتميات تقْبَعْنَ في نهاية الصراط!؟؟ ". حدث ذات مرة أن سأل أحد المريدين شيخه عن رأيه في رباعية من شعر عمر الخيّام يقول فيها:
إلهي قل لي من خلا من خطيئةٍ وكيف تُرى عاش البريءُ من الذنبِ
إذا كنت تجزي الذنبَ مني بمثلهِ فما الفرق مـــا بيني وبينك ياربي
فشاركه شيخه بالتساؤل قائلا: ترى ماذا سيكون جواب الباري سبحانه وتعالى؟!!
أما البلاد المكبلة باحتفالاتها, من ميلاد الديناصور حتى دخول الفاتحين, تلك البلاد التي تناهبتها رياح الجحيم وألسنة الثعالب, نقرأ " أيام على اسفلت البلاد" جاء فيها " أيها الموت اللاهث في ترس الهاوية, الزمن خازن الحكمة, هادم اللذات يا حارس موتنا, الريش في حقولنا, ونحن بلا أجنحة لماذا تُُقطف الأرض, تحت سماء المروج؟؟ " وبين الموت والموت يجيء الفاتحون: "جاءوا من وراء الضوء يُسرجون أيامهم بزيت عقولهم حالمين بالفراديس كل شيء على مايرام المدن تفتحُ سيقانها للفاتحين, والفاتحون يتكومون أشلاء من وصايا". وبفضل الفاتحين تتكشف البلاد عن مقابرها الجماعية وليحل على البلاد التي أمست "خرائب ثمود" صيف الأفاعي. وهكذا تتوالى الصور في مجموعة "مراتب الوهم" التي تظم بجنباتها أربعة عشر نصاً, نختم ببعض هذه الصور:
"الصنم وبهجة العبيد"
ياالله الكسول الغارق في عرش الماء
ها أنا من طين أرضك الخربة, ألوّح لمائك البائر في العرش
تعال يا إلهي, أقدم لك نذراً يليق بك
أعطيك تراباً
.. وتمنحني قواماً
أعطيك ذهباً, وامنحني رفيف حلمك
كم أنت نبيلٌ يا الله
يا الله, لا تعلمني الحكمة
لاتعلمني سرّكَ
لا تقبل قرابيني
أنا الطين الحائضُ في ملكوت الماء
أنا الطين اللازب في هيكل الطقوس

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

منْ يُخرج الناس من دين الله أفواجاً؟ بقلم:

21-تشرين الثاني-2013

الحقائق ثوابت أم متغيرات؟

16-تشرين الثاني-2013

عندما يتحول اللونُ إلى إله "كهوف هايدراهوداهوس"

05-تشرين الثاني-2013

أخطاء إملائية

26-تشرين الأول-2013

هل أصبح الكذب ملح الحياة؟

15-تشرين الأول-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow