Alef Logo
يوميات
              

البَحر وأشياءٌ أخرى

نداء أمريش

خاص ألف

2011-12-07

اندَفـَعَ راكِضا نحوَ البَحر، على حافـَةِ مشاعـرِهِ.. وَقفَ، هَبطَ بنـَظرهِ للأسفلِ..، ماءٌ يرتطمُ بصَخرٍ أملس، والضوءُ ينمو على الصخرِ طحالب. في العمقِ عندَ آخرِ نقطةٍ تلمَسُها عَينيه كثيرٌ من البَّوح ِ اكتـُنـِزَ في ذاكرةِ الماء. في عمقِِ الهواء.. مدَّ يديه، أصابعهُ تحاولُ القبضَ على ما تبقى من أنفاسَهما المُتطايرةِ في الفراغ، في الأفـُقِ الشَمسُ مُتعامِدةً على مِحوَرِ جَسَده.
الأزرقُ أسفلَ مَوطِئَ القـَدَمِ يُغري بكلماتٍ مُرادفةٍ لـ "التـَقِطني"، بداية ُ الجُنون، فكرة ُ جَسدٍ مُعلقٍ في الهواء والظلُ يَطفو على الماء..انهُ الموت... احتمالات، من فرطِ الوَجَع... استعَدَ للترَجُلِ عن ظهرِ الحُب، طالما هي من استسلمت أولا وتخلت عنه، ثانوية ٌهي الأشياءُ بَعدها.
كورَقةٍ كانَ على مَكتبـِها فمَزقتهُ، عُلبَة ُ دواءِ في حقيبتها أفرغـَتها على قارعةِ الطريقِ ومَضت، لم تـُدافع أبدا عن حَقـِها في الذي أحبته..إذا كان لابدَ من موتٍ فليكن مُدهِشا.
حَدّثَ البَحر لقناعَتِه أنه مكانٌ آمنٌ للحُزنِ .. يوهِمُكَ البَحرُ بإقصائكَ عن مَواطِنِ ألمِك، يأخذُ بوحُك بعيدا مع أمواجِه حين يختلطُ الماءُ بالماء وكأنه يُخَلِصُك مما علقَ بك بعدَ كلِ اصطدامٍ بحائطِ الوقتِ والعمرِ والمكان.. يغسِلـُك من بقاياها أنثى الوَرد، تـَركتك في خريفٍ لتواجِهَ المَطرُ بعدَها وحدك... لأنها تعشَقُ الرحيل.
عندما التقيا كان يـَفصِلهما سيجارة. . أحرقها بكاملِ الأناةِ والتـَأمُلِ، على مهلٍ حتى ثـَمِل، الآن ينظـُرُ في عُمقِ عينيها وهو يستـَمع للكـَمّان، كلما أخذه بعيدا عنها، عادَ وأسقـَطه عندَ حدِ قـُبلةٍ على شَفتيها. اللحنُ تـَجاوَزَ تفاصيلَ الوقتِ والمكان ورَجَعَ به إلى حيثُ التقاها، عندَ قدمِ البَحر، ابتدأ " لا تـُصدقي صورَتكِ على سَطحِ الماء"
قالت: " ثق بالبحرِ وهو يشهَدُ عُريَ المواسمِ من صُوَرها "
المشهدُ البحري ..انكِسارُ الضوءِ والشمسِ توهِمُ بالتِحامِها بالماء من بعيد، أعادهُ من زمنٍ، وحدهما نـَسَجا تفاصيلَ ما حدثَ فيه، كان على يقين ٍ أن جَسَدها يحتـَرقُ احتِراقه الأخير ويبرُدُ خافتا مع انطفاء القمر، لا ديَمومَة للأشياء لذلك اختارت أن تكون سعادتـُها معه كاملة إلا منَ الوقت، لا يُرجِعُ البحرُ أحدا أبدا... وَقفَ مكتوفَ الحزنِ يتفرج على انسِحابها.
لم يتألم أو يتوجَع لرَحيلها، اكتفى بخسارته، بما استـَنزَفـَتهُ منه، عـَلمَته كيفَ يستـَسلمُ لحالةِ الفـُقدان، هو من حاولَ الوصولَ إلى حدودٍ أمنةٍ في علاقته معها، فقط ليكونَ اقلَ تعاسَة فيما بعد، ليـَبكيها برِضا. ربما كان عليه الحذرَ أكثر لألا يـَقـَعَ في حـُبـِها.. يَقطـُرُ النـَدَم في المساحاتِ المُـتبقيةِ للروح.. ، هي العابرةُ بين حُلـُمَين، غَمَرَهُ عِشقٌ، عبرَ عيونه حتى بَلغَ مقامَ دَمِه، هو من أمعنَ النظرَ في شيء لا يوضَعُ حرفُ جرٍ أمامَه ولا تـُعـَبـِرُ عَنهُ جُملةٌ فعلية، هذا العشق لـَعنـَتهُ الأبدية، لأنَ الحُبَ يَكسِر، يُؤلِم، يُبكي، قبلَ أن يُسعـِد.
هكذا شاءَ لهُ البحرَ أن يفـَهَمَ أخيرا قولها "لا تـُحِبَني .. ابقَ إلى جانبي، ودَع الحُبَ ... جانبا"، رَحَلت وحَضَرَ البَحر، جَلسَ القرفصاء ..ألقى في الماءِ بحـُبيباتِ عـُقـدٍ لازمَ رقبـَتـَها، راقـَبَ بصمتٍ الدوائر وهي تتسِع وتتلاشى أخيرا، حين انتهى دعاهُ البحرُ لقهوة، فمكثَ جانِبُه يُدَخن حتى آخرِ الليل.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أنت الذي هنا

21-نيسان-2012

نِصفَ سُنبُلـَـة

23-آذار-2012

وردٌ عِندَ قـَدميكِ

20-كانون الثاني-2012

والرَسمُ يَأخـُذ شـَكلَ الحـُب

03-كانون الثاني-2012

صَـيـف

17-كانون الأول-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow