Alef Logo
دراسات
              

التغيير في نقاش "سنة الربيع العربي " لفيصل حوراني

حربي محسن عبدالله

خاص ألف

2012-03-27

للتغيير أثمان مختلفة, وفي منطقتنا العربية والاسلامية يكون الثمن باهضاً, أولاً لأن حكامنا ممن يطمعون بنيل خير الدارين, وسعادة المقامين, ولا ينزلهم عن عروشهم إلا هاذم اللذات ومفرق الجماعات "عليه السلام". وثانياً لأن الأغلبية من شعوبنا تؤمن أو تمارس عملياً, ما قاله أحمد بن حنبل "رحمه الله", أي الطاعة لمن غلب, خشية الفتنة وتفضيل جور الحكام وظلمهم على الانفلات الأمني في استبطان نفسي لدور الغنم التي تفقد راعيها أو هكذا غُرس في النفوس عبر أجيال أدمنت ومجّدت دور الراعي وإن كان ظالماً ورضيت بدور القطيع. وقد تحدّث ابن خلدون في مقدمته عن الظلم فقال: (الظلم مخرب للعمران، وعائدة الخراب في العمران على الدولة بالفساد والانتقاض).. وقال في موضع آخر: (" ولا تحسبن الظلم إنما هو أخذ المال أو الملك من يد مالكه من غير عوض ولا سبب كما هو المشهور بل الظلم أعم من ذلك وكل من أخذ ملك أحد أو غصبه في عمله أو طالبه بغير حق أو فرض عليه حقا لم يفرضه الشرع فقد ظلمه فجباة الأموال بغير حقها ظَلَمة والمعتدون عليها ظلمة والمنتهبون لها ظلمة والمانعون لحقوق الناس ظلمة وخصاب الأملاك على العموم ظلمة ووبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران الذي هو مادتها لإذهابه الآمال من أهله واعلم أن هذه هي الحكمة المقصودة للشارع في تحريم الظلم وهو ما ينشأ عنه من فساد العمران وخرابه وذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري).
ومن الجدير بالذكر أن أعقد حركة في المادة هي حركة المجتمع, وأعقد مافي حركة المجتمع هي الثورة, والثورة في اللغة تعني الهيجان والوثوب والسطوع. أما الاصطلاح اللاتيني Revolution "طواف جرم سماوي في مدار" المقابل لكلمة ثورة باللغة العربية فهو تعبير فلكي الأصل شاع استعماله بعد أن أطلقه نيقولاوس كوبرنيكوس (1473-1543) وهو عالم الفلك البولندي الذي قال بأن الأرض وسائر الكواكب السيارة تدور حول الشمس وحول نفسها. ولما كانت هذه الحركة لا تخضع لسيطرة الانسان فلقد تضمنت الثورة معنى الحتمية. لقد استُعمل هذا الاصطلاح للدلالة على التغيرات المفاجئة والجذرية التي تحدث في النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. هذا ما أكدته الماركسية واثبتته الأحداث التي توالت فصولا في ما أصبح يسمى بثورة الشباب, لكن ما نراه على أهم الشاشات الفضائية الناطقة بالعربية, من تركيز على أحزاب الاسلام السياسي ومختلف مسمياته بعد نجاح الثورة الشبابية. يثير التساؤل فالتركيز على اخوان مصر والأردن واليمن وسوريا وليبيا وحتى العراق ومحاولة إغفال أو تهميش قوى الثورة الشبابية ووجوهها. (اختلف هنا مع ذكره السيد الحوراني في النقطة الثانية) حول (بدأ الحراك ُ في كلِّ دولة ٍ بمبادرة قوى وجماعات لها تاريخٌ طويل في الكفاح ضد النظام المُـستهدف). لأن من بدأ الحراك هم شباب الفيسبوك, الشباب الذين قادوا الثورة في تونس ومصر التي اعتمدت على المعرفة التكنولوجية, تخطيطاً وادارةً وتنفيذاً, فمن كان ليصدق إن شباب الانترنت يستطيعون تنظيم أنفسهم عبر صفحات المواقع الاجتماعية كقيادة فعلية للثورة ويسحبون من وراءهم أحزاباً شابت على مجد الشعارات وجماعات كانت مهادنة للأنظمة إن لم نقل مستفيدة من وجود الأنظمة.
السؤال المهم هنا هو: هل هناك توجّه ما يتبع طريقة التصوير "زووم أون" يضخم ما يقوم به الاسلام السياسي بمختلف ممسمياته ويفسح مساحة كبيرة له, ويساهم في تمهيد الطريق لقيادة مجتمعات طابعها الشعبي اسلامي ويلتف على مايحققه شباب الثورة من انجازات على صعيد قيم العدالة والمدنية؟ والأهم من التغيير هو السؤال الملّح, التغيير: إلى أين؟ وبأي بوصلة؟ ومن يأخذ دور الدليل؟ اتفق مع الحوراني في حديثه عن أهمية دور القنوات الفضائية بل وخطورة هذا الدور, ولا مناص من الحديث عن جزيرة قطر البلد ومحطتها الفضائية في ضوء الأحداث الجسام التي حركت المياه الراكدة في المنطقة العربية. والاضطراب الذي بعث الحياة في أوصال شعوبها. وإذا استعرنا من التصوف الاجتماعي العبارة دون الاشارة نقول "الحياة اضطراب فإن حصل سكون فلا حياة" والحديث عن الجزيرة و"جزيرتها" حديث ذو شجون, إن لم يكن قد أصبح رديفاً لقهوة الصباح أو شاي "الغلابة". فما تنقله "الجزيرة" من مجريات الأحداث وتطور مسير الانتفاضات الشعبية قد يذكّر البعض بحديث من أحاديث الساعة, عن الفتن وسوادها الذي يشبه قطع الليل المظلم, وعظائم الأمور التي تجعل الحليم فيها حيران. وقد يحيل آخرين إلى حالة من الاستلاب الكامل أمام التحليلات السياسية التي تتيح الجزيرة لها مساحة كبيرة على حساب نقيضها وتتبنى وجهة نظر بتسليط الضوء عليها وتهميش أو إغفال تام لوجهة نظر أخرى. ولكي لا يتحول الحديث عن مصائب يومنا ومصاعبه إلى رجم بالغيب وحديث قدري عن نهاية العالم كما يحلو للبعض من اليائسين أن يخوض, و"اليأس أحدى الراحتين" كما قال اجدادنا, نتوقف أمام قطر البلد صاحبة القناة الفضائية أو التي تحتضن مقرها الرئيسي, فإمارة قطر يحكمها أمير خلع والده. ومن شابه أباه ما ظلم, فقد خلع الأخير أخاه وازاح غريمه عن سدة الحكم. وكان اعتراف الدول الكبرى بالأمير الجديد جاهز مع الإعلان عن الانقلاب الأبيض. هذا مايعرفه القاصي والداني لأنه بالأمس القريب ولم يصبح طي النسيان ولم يجري في الغرف السرية ومطابخ السياسة الخلفية. يطمح الأمير بدور جديد له ولبلده الصغيرعلى الساحة الأقليمية والدولية, وهذا أمر مشروع ومن حق أي فرد أو كيان أن يحلم به ويسعى لتحقيقه, والماكنة الاعلامبة في هذه الحالة ضرورة لا غنى عنها لتسليط الضوء على النشاطات والفعاليات التي يقوم بها على الصعيد الاقليمي والدولي. وكل ما من شأنه أن يجعل قطر البلد محط أنظار المتابعين والمهتمين بالسياسة وهمومها بل الرياضة وشؤونها. لكن من حقي أن اسجل هنا تحفظي على انسان يزيح والده عن الحكم ويفرض اقامة جبرية على اخوته, لا يمكن أن اصدّق إنه قد يتحول نصيراً للشعوب في مطالبها بالحرية والديمقراطية والكرامة والرغيف. كما إني لن أصدّق إن الجزيرة المحطة مستقلة تماماً بحيث أنها ستغطي انتفاضة شعبية قد تحصل في قطر البلد حتى لو كانت لتحقيق مطالب الاخوة من الشغيلة الهنود والسيريلانكيين التي تدعو لتحسين الأجور والرحمة والإنسانية في التعامل. بل أظن أن هناك من سيضع الأساس لقناة فضائية جديدة تتبنى دوراً جديداً كما حصل مع محطة مونتي كارلو التي أُغفلت لصالح إذاعة الشرق التي فرضتها الظروف أثناء غزو الكويت وما تلاها. تحولت قطر البلد إلى قاعة للمؤتمرات وساحة للمفاوضات بين المتنازعين من سودانيين وفلسطينيين ولبنانيين, وممراً آمناً لحماس وقياداتها لتجسد دور الراعي للفلسطينيين وتقرب وجهات النظر بين الفرقاء على طريق المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس, وفي الوقت نفسه تمدّ يد العلاقات والمصالح ومكاتب التنسيق والغاز مع اسرائيل. وهذا شأن قطري داخلي فلا يحق لأحد أن يملي على قطر البلد سياستها ولكن من المشروع أن تًسأل قطر المحطة القريبة من قاعدة السيلية ويُسأل منظّريها عن سياسات قطر البلد, هؤلاء المنظَرون من القوميين والإسلاميين والمقاومين الذين كانوا يدعون لمقاومة المحتل الأميركي وحلفاءه في العراق وافغانستان والمحتل الإسرائيلي في فلسطين ويباركون للناتو عملياته العسكرية في ليبيا كما فعل شيخ الجزيرة الأكبر يوسف القرضاوي برسالته إلى الشعب الليبي والتي أكد فيها إن غزوة الناتو ليست حملة صليبية. قبل الانتفاضات العربية كانت الجزيرة منبراً للمدافعين عن القاعدة وخطابها وعن ستراتيجية قطع الرؤوس, التي يؤكد منظري القاعدة والمدافعين عنها ولو بالتلميح دون التصريح, نجاعتها كسلاح لردع العدو المتفوق في العدة والعدد عبر برامج وحوارات طويلة عن آليات الصراع مع عدو العروبة والاسلام. فحوّلت مشايخها إلى أبطال أين منهم نجوم السينما. من ينسى صورة بن لادن على صهوة جواده وبالحركة البطيئة التي تذكر المشاهد بدور حمزة في فلم الرسالة. والزرقاوي وهو يحتضن سلاحه الرشاش بشريط الرصاص كما حمله رامبو في فلم "الدم الأول".. فهل تحولت المحطة نحو تأييد ما يجري في ساحات التغيير لأسباب خاصة بالساسة في قطر؟ أم إن الأمر لا يعدو كونه واجباً أخوياً كما فعلت السعودية باستضافتها لزين العابدبن بن علي. أو ليتمكن الساسة في قطر من مدّ يد العون لاجلاء الجرحى وندب الموتى وفتح قاعات المؤتمرات لمناقشة الأزمات ولصناعة حلول تشبه جوائز ترضية في يانصيب دولي لا يُزعل أحداً فلكل مُؤتَمِر نصيب. وهذا ما يعزز لقطر المحطة النجاح في الانتشار ولقطر البلد دور البطولة المطلقة.
تخوف السيد الحوراني من قوى الثورة المضادة وممن يقف ورائها مشروع ومبرر, كما إن الاعلان عن الاصطفاف مع قوى التقدم والثورة الشبابية التي رفعت راية المطالب المشتركة لا يلغي الحرص على معرفة متى يحصل الخلط والتخبط وضياع البوصلة؟ بتعبير آخر الحرص على إرادة التغيير وفضح تغيير الارادة حسب الموجة السائدة التي يركبها البعض.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

منْ يُخرج الناس من دين الله أفواجاً؟ بقلم:

21-تشرين الثاني-2013

الحقائق ثوابت أم متغيرات؟

16-تشرين الثاني-2013

عندما يتحول اللونُ إلى إله "كهوف هايدراهوداهوس"

05-تشرين الثاني-2013

أخطاء إملائية

26-تشرين الأول-2013

هل أصبح الكذب ملح الحياة؟

15-تشرين الأول-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow